عندما يغيب الاحساس بالمسئولية عن أولى الأمر فى أى مكان، فأقرب توقع لما سيحدث هو استمرار نزيف الثروات، وإهدار المقدرات التى هى فى الأصل هبة من الله تعالى.. ومن تلك الثروات الطبيعية المعادن الموجودة فى الرمال السوداء، وفى ظل غياب شبه تام للمسئولين التنفيذيين بمحافظة كفر الشيخ، تظل أعمال النهب مستمرة لحزام كثبان الرمال السوداء على شاطئ البرلس، التي تمتد لمسافة 19كيلو مترا، وجزء من شواطئ مركز مطوبس بكفر الشيخ، ويتراوح ارتفاع تلك الكثبان بين 3 إلى 30 مترا. وتؤكد دراسة صادرة عن هيئة الطاقة النووية أنه لو تم استغلال تلك الرمال الاستغلال الامثل ، واستخراج المعادن منها فإنها توفر عائدات تقدر بنحو 500 مليون جنيه سنويا، وهذا الرقم هو 10 أضعاف القيمة التى تستور بها مصر معدنا واحدا فقط من المعادن المتوافرة فى تلك الرمال، وهو معدن «الزيركون» الذى يعد العنصر الرئيسى فى صناعة السيراميك، وبالإضافة إلى الزيركون فإن الرمال السوداء الموجودة بالبرلس، والممتدة بين قريتي أبو سليمان والشيخ مبارك، بها معدن «التيتانيوم» المستخدم فى صناعة جسم الطائرات والغواصات وقضبان السكك الحديدية. ولا يتوقف كنز الرمال السوداء على تلك المعادن فقط، بل إنها تحتوى على مجموعة كبيرة من العناصر المعدنية التى تدخل في25 صناعة مهمة , منها معدن «المونازيت» المشع الذى يستخدم فى تبطين الأفران والمفاعلات النووية. وتؤكد الدراسات النووية أن المونازيت من المعادن الخطرة على صحة الإنسان، لامتداد عمره الإشعاعى إلى مئات السنين، الأمر الذى يجعله يصدر غازات «الرادون»، وهو الذى الذى لا يخرج من الجسم عند استنشاقه. وبحسب الدكتور سعد محمد -أستاذ التحاليل بجامعة المنيا- فإن لغاز الرادون تأثيرات خطيرة على جسم الإنسان, منها أنه يؤدى إلى اختلال أجهزة الجسم، وإذا استنشقته امرأة حامل فإنه يعمل على تشويه الجنين، بالإضافة إلى تفاعل عناصره لتكسير كرات الدم الحمراء، كما يتسبب في الإصابة بالعقم. وتتعدد جوانب التعدى على الكثبان الرملية للرمال السوداء، فمن جانب الأهالى تعد تلك الكثبان مصدرا للتربة يستخدمونه عن جهل، دون معرفة بمخاطره، حيث يردمون بتلك الرمال الترع والمصارف، ومنابع المياه الجوفية، ليرفعوا مستوى سطح الأراضى الزراعية، كما أنهم يستخدمونها لردم أساسات المنازل، التى بنى أغلبها من الرمال السوداء، وتهدد تلك الأعمال حياة الآلاف من أهالى تلك المنطقة، لأنهم يتعرضون كل يوم إلى اخطار تسرب الغاز إلى أجسادهم. أما الجانب الأخطر على تلك الثروة فتمثله مافيا «الرمال السوداء» التى تستخدم معدات النقل الثقيل لتعبئة ونقل مئات الأمتار المكعبة من تلك الرمال يوميا، وتهريبها إلى الخارج، وبعض أصحاب الجرارات واللوادر المستخدمة فى عمليات السطو على الرمال السوداء يسجلون معداتهم فى أحد المحاجر. المعدات الثقيلة فى حالة سطو مستمر على الكثبان الرملية فى منطقة البرلس، ولا تتوقف اعمال السطو على تلك الرمال فى النهار وإن كانت تكثر فى فترة الليل، والأغرب أن عددا كبيرا من أهالى قرية الشيخ مبروك لا يشعر بقيمة وخطورة تلك الرمال، فيلجأ بعض أصحاب الأراضى الزراعية التى تعلوها كثبان رملية، إلى بيعها لمافيا الرمال، وتكونت من جراء تلك الأعمال شبكة من سماسرة الرمال السوداء، معظمهم من أصحاب الأراضى التى تم تجريفها. ووفقا للمهندس عادل على -أحد سكان المنطقة- فإن صاحب اللودر يحصل على 250 جنيها عن كل نقلة، فى حين يحصل صاحب الأراضى على مبلغ 600 جنيه فى النقلة. وما يقلق أهالى قرية الشيخ مبروك التى تستحوذ على النصيب الأكبر من تلك الكثبان هو استمرار أعمال التجريف للكثبان الرملية، مما يهدد القرية والقرى المجاورة لها بالغرق من مياه البحر، خاصة أن تلك الرمل تعد الحاجز الوحيد لأمواج البحر القريبة من المنطقة،وتجريفها يعنى تعريض المنطقة كلها بالخطر، بما فى ذلك مصيف بلطيم الذى لا يبعد كثيرا عن كثبان الرمال السوداء. عدد من أهالى قرية الشيخ مبروك حاولوا التصدى لتلك المافيا بصنع حاجز ترابى من الرمال أمام الطريق العمومى الذى تأتى منه معدات نقل الرمال، حتى لا تستطيع الدخول بسهولة لأماكن الرمال، ولكن دون جدوى، حيث إن آثار إطارات اللوادر والجرارات الثقيلة مازالت موجودة وتوحى بانه كانت هناك أعمال نقل فى الليلة السابقة على تلك الزيارة. سيدة من قرية الشيخ مبروك - رفضت ذكر اسمها - قالت إن اللوادر والجرارات تأتى فى فترة الليل لسرقة ونهب الكثبان الرملية، وطالبت محافظ كفر الشيخ بالتدخل لوقف ما أسمته باعمال سرقة ونهب الرمال السوداء، وأكدت أن أهالى القرية لا يعلمون عن مافيا سرقة الرمال السوداء شيئا، وأشارت إلى ان سرقة الرمال السوداء بدأت تزيد منذ اكثر من شهرين.