بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    أول تعليق من بايدن على قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال القادة الإسرائيليين    مراقبون: قرار مدعي "الجنائية الدولية" يشكك في استقلالية المحكمة بالمساواة بين الضحية والجلاد    إبراهيم عيسى: حادثة تحطم طائرة الرئيس الايراني يفتح الباب أمام أسئلة كثيرة    المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف هدفًا حيويًا في "أم الرشراش"    بوتين: مجمع الوقود والطاقة الروسي يتطور ويلبي احتياجات البلاد رغم العقوبات    المجلس الدولي لحقوق الإنسان: نتنياهو لن يستطيع الخروج من إسرائيل    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    حسين لبيب: زيزو سيجدد عقده وصبحى وعواد مستمران مع الزمالك    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء في الدوري المصري    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    بعد الفوز بالكونفدرالية.. لاعب الزمالك يتحدث عن أداء وسام أبو علي مع الأهلي    رئيس نهضة بركان: ما يحزنني هو تعامل مسؤولي الزمالك.. وظلمنا الحكم بعدم احتساب ركلة جزاء    حريق يلتهم شقة سكنية في طنطا (صور)    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    قتلها وحرق الجثة.. ضبط قاتل عروس المنيا بعد خطوبتها ب "أسبوعين"    كيفية الاستفادة من شات جي بي تي في الحياة اليومية    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    حدث بالفن| حادث عباس أبوالحسن وحالة جلال الزكي وأزمة نانسي عجرم    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    وزير الصحة يكشف مفاجأة عن مصير الكوادر الطبية بالمستشفيات الحكومية (فيديو)    طريقة عمل ماربل كيك بالفول السوداني، فاخرة ومذاقها لا يقاوم    باتباع نظام غذائي متوازن، إنقاص الوزن الزائد بدون ريجيم    «تنظيم الاتصالات» يتعاون مع «MCS» لتبادل الخبرات العالمية ونقل التقنيات الحديثة لمصر    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    ضحية جديدة لأحد سائقي النقل الذكي.. ماذا حدث في الهرم؟    حقيقة ما تم تداوله على "الفيس بوك" بتعدي شخص على آخر وسرقة هاتفه المحمول بالقاهرة    جهاز تنمية القاهرة الجديدة يؤكد متابعة منظومة النقل الداخلي للحد من التكدس    مصطفى أبوزيد: تدخل الدولة لتنفيذ المشروعات القومية كان حكيما    بعد تعاقده على «الإسترليني».. نشاط مكثف للفنان محمد هنيدي في السينما    مشيرة خطاب تشارك مهرجان إيزيس في رصد تجارب المبدعات تحت القصف    أفلام صيف 2024..عرض خاص لأبطال بنقدر ظروفك الليلة    المجلس التصديري للملابس الجاهزة: نستهدف 6 مليارات دولار خلال عامين    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    لميس الحديدي تعلق على طلب اعتقال نتنياهو وقادة حماس : مساواة بين الضحية والجلاد    خفض الفائدة.. خبير اقتصادي يكشف توقعاته لاجتماع البنك المركزي    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    غادة عبدالرازق أرملة وموظفة في بنك.. كواليس وقصة وموعد عرض فيلم تاني تاني    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    «حماني من إصابة قوية».. دونجا يوجه رسالة شكر ل لاعب نهضة بركان    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    متى تنتهي الموجة الحارة؟ الأرصاد الجوية تُجيب وتكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء    على باب الوزير    شارك صحافة من وإلى المواطن    "عبد الغفار": 69 مليون مواطن تحت مظلة منظومة التأمين الصحي    أزمة الطلاب المصريين في قرغيزستان.. وزيرة الهجرة توضح التطورات وآخر المستجدات    بشرى سارة.. وظائف خالية بهيئة مواني البحر الأحمر    المصريين الأحرار بالسويس يعقد اجتماعاً لمناقشة خطة العمل للمرحلة القادمة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هيكل فى بيتنا..!
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 02 - 2016

الأستاذ كتب مقدمة رحيله.. والمفاجأة أصابتنا.. بقدر ما أصابنا الحزن والألم.. كم كان مدهشًا أن يطربك صوت قلم.. كما يطربك صوت غناء أو صوت قيثارة.
**
رحل الأستاذ هيكل.. ياه. هذا جيل يطوى صفحته. والرحيل ليس مفاجأة، فالأستاذ كتب لنا مقدمة رحيله.. مرض.. ورفض للدواء الذى يعالج الأداء. وعلى الرغم من تلك المقدمة أصابتنا المفاجأة بقدر ما أصابنا الألم نحن الذين تعلمنا منه قراءة السياسة. وتعلمنا منه قيمة المعلومة. وتعلمنا منه كيف يكون الأسلوب جميلا، وكيف أن الأسلوب موهبة وفن وقدرة.. وكانت صياغات الأستاذ عندى مثل صوت أم كلثوم فى الغناء.. فأقرأ الجمل والفقرات، ثم أعيد قراءتها لمزيد من المتعة والطرب. وكم كان مدهشا أن يطربك صوت قلم كما يطربك صوت غناء أو صوت قيثارة.
**
لا أذكر تحديدا متى بدأت أقرأ مقالات الأستاذ هيكل فى «الأهرام».. كان عمرى عشر سنوات أو أقل. وكنت أقرأ مقالاته بشغف لأنها تعبر عن عصر نعيشه، ومعارك نخوضها، وأحلام نبنيها.. ولا يهم الآن بعد أن مضت سنوات العمر ومضى الزمن أن نحسب ماذا تحقق وماذا لم يتحقق؟
**
كنت طفلا صغيرا حين دخل اسم الأستاذ هيكل منزلنا، ودخل معه «الأهرام»، ولم تكن مجرد زيارة، ولكنها إقامة طالت عشرات السنين.. كان أبى يحدثنا عن الأهرام وعن الأستاذ هيكل، وكانت أول زياراتى للجريدة فى عام 1959، وتوجهت يومها إلى حجرة الرياضة فى المبنى القديم للأهرام بشارع الشريفين، وسط البلد. ويومها سمعت صوت ماكينات الطباعة، وتمنيت فى يوم من الأيام أن تدور ماكينات الأهرام وهى تحمل لى بضع كلمات، ولو كانت خبرا من ثلاثة أسطر. وهو ما تحقق بالفعل فى سنوات التدريب عام 1976.. فكان يكفينى أن أكتب ثلاثة أسطر بدون توقيع لأتيه فخرا بما حملته صفحات الأهرام..
**
كنت أرى الأستاذ هيكل عملاقا بطول قامة عبدالناصر. كنت أراه كذلك مما يكتبه، ومما يعلمه، ومما يعبر عنه. فالقامة تطول بالقيمة، وتقصر بقلة الحيلة. وكنت أربط بين الأستاذ هيكل وبين عبدالناصر. فكلاهما يملك الكاريزما، والقوة. لكن قوة هيكل فى مهنته. وقوة عبدالناصر فى سلطته. وكانا صديقين. وبمنتهى الصراحة وجدت فى تلك الصداقة قوة إضافية للأستاذ، وأعجبتنى تلك القوة.. فماذا أكثر من صاحب قلم يملك أدواته ومعلوماته، ويقود أكبر جريدة فى العالم العربى والشرق الأوسط، وحين يخاطب عبدالناصر يقول له: يا جمال..؟.. تصوروا بعد سنوات من وفاة عبدالناصر سألت الأستاذ هيكل فى واحد من اللقاءات: «حضرتك كنت تخاطب عبدالناصر بكلمة ياريس، أم باسمه مباشرة؟» قال: «أمام الناس هو الرئيس. وأمامى فقط هو الصديق»..
**
فى يوم من أيام الصيف توجهت إلى مقر إقامة الأستاذ هيكل بالساحل الشمالى مع المهندس إبراهيم المعلم.. وكم كان الأستاذ متواضعا، بسيطا، فى عينيه نظرة حب قادمة من زمنه إلى نجل الصديق والزميل نجيب.. فيوم وفاة أبى، كان الأستاذ هيكل أول من حضر لأداء واجب العزاء.. وعلى الرغم من حزنى لفراق الأب، سألت الأستاذ حين رأيته وجها لوجه لأول مرة : كيف أحصل على نسخة من كتابك الأول «إيران فوق البركان»؟!
**
أمتلك كل كتب الأستاذ هيكل. فمنه تعلم جيلنا السياسة. واستمتع جيلنا بقصص السياسة. وعاش جيلنا تفاصيل السياسة. وهو جيل المطولات فى الغناء والموسيقى والرياضة والصحافة والفن والأدب.. الجيل الذى استمع لوصلات أم كلثوم وقرأ صفحة بصراحة..
**
دخل الأستاذ هيكل بيتنا وأقام عشرات السنين. كان اسمه مقررا على أسرتنا. أذكر أن المشير عبدالحكيم عامر غضب لأن الزمالك كان يلاعب الاتحاد، وأحرز الزمالك هدف المباراة الوحيد قبل النهاية بعشر دقائق، بعدها أطلق الحكم صفارة نهاية المباراة، فكتب المستكاوى: «هل كان لابد أن يفوز الزمالك» فى تلميح لمجاملة شبه سياسية، حيث كان شقيق عبدالحكيم عامر رئيس الزمالك وقتها، واتصل المشير بهيكل غاضبا من تلميح المستكاوى مطالبا بعقابه، رفض أبى الاعتذار وعرض المقال على هيكل فانحاز الأخير لوجهة نظره وكان المشير عامر محبا للفريق، فسأله الأستاذ هيكل فى اجتماع التحرير اليومى: «يانجيب أنت مزعل المشير ليه؟» فأجاب أبى بالتفصيل شارحا سبب غضب المشير.. وانتهت القصة حين علم الأستاذ هيكل بالسبب..
** وأذكر مرة أن أبى عاد إلى المنزل منتشيا بتحية خاصة تلقاها من الأستاذ هيكل، فقد أمسك بيده فى صالة تحرير الأهرام، ثانى أكبر صالات التحرير فى العالم بعد صالة جريدة أساهى اليابانية، وأخذ يحاوره فى أمور تتعلق بكرة القدم والرياضة. وحين روى أبى لنا تلك القصة، قالت له والدتى: «يعنى الأستاذ هيكل مشى معاك كده وهو ماسك إيدك فى صالة التحرير قدام كل المحررين»؟!
**
كانت الزوجة هنا ترغب فى الاطمئنان على قوة زوجها، وقد كان أبى قويا والحمد لله فى مهنته.. ففى سنوات الستينيات كان باعة الصحف يروجون للأهرام بالنداء: «اقرا هيكل.. اقرا المستكاوى».. ولكنها رأت أن واقعة حواره مع الأستاذ هيكل أحد رموز القوة فى عصره، تضيف إلى قوة زوجها.. هكذا بتلك البساطة.. والواقع أن الأستاذ هيكل منح أبى حرية مطلقة فى إدارة الرياضة بالأهرام، وكان معجبا بأسلوبه، ومقدرا له، ولريادته. فكان نجيب المستكاوى، حسب تعبير الزميل عمر طاهر، هو الرجل الذى اخترع للرياضة صفحة، وهو اعتمد على ثلاثة اختراعات فى ذلك الاختراع الأول: التجاهل النسبى لقطبى الكرة المصرية الأهلى والزمالك والانحياز الكامل للفرق الأخرى بالذات فرق الأقاليم، ابتعد المستكاوى تماما عن مشاجرة الأهلى والزمالك اليومية، والاختراع الثانى: الصياغة الساخرة.. والاختراع الثالث: درجات اللاعبين، وكانت مقالاته تقرأ من أسفل إلى أعلى، لأن الدرجات كانت آخر ما يسجله فى المقال..
وأظن أن الأستاذ كان وراء قرار الرئيس عبدالناصر منح وسام الجمهورية لأبى عام 1968 لدوره فى جولات فريق الإسماعيلى من أجل المجهود الحربى.. وكان ذلك بالمناسبة الوسام الثانى من عبدالناصر بعد وسام الاستحقاق الذى منحه إياه الرئيس عام 1956..
**
قد يختلف بعض الناس على الموقف السياسى للأستاذ هيكل. لكن يتفق كل الناس على مهنة الأستاذ. وعلى أنه الصحفى الذى اخترع الصحافة السياسية المقروءة بما تضمه مقالاته من معلومات، وبما تحتوى صياغاته من جمال فى الأسلوب، ودقة فى التعبير، وتفاصيل وتسجيل للمشهد بصور قلمية كأن القلم كاميرا ترصد اللحظة..
**
رحل الأستاذ هيكل. ياه. هذا جيل يطوى صفحته. والرحيل ليس مفاجأة، فالأستاذ كتب لنا مقدمة رحيله.. ومع ذلك كان رحيله لحظة حزن وألم، فهذا جيل عملاق يطوى صفحته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.