تعرف على موعد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمدارس كفر الشيخ    مياه الإسكندرية تستقبل وفد الوكالة الألمانية لبحث خطة التكيف مع التغيرات المناخية    محافظ بوسعيد يستقبل مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية    "الرقابة المالية" تطور قواعد القيد لتيسير تعامل الشركات على أسهم الخزينة    الفسيخ يتخطى ال300 جنيه.. أسعار الرنجة 2024 في كارفور والمحال التجارية قبل شم النسيم    جهاز دمياط الجديدة يشن حملة لضبط وصلات مياه الشرب المخالفة    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في ختام تعاملات الثلاثاء    فرار 200 ألف إسرائيلي للملاجئ هربًا من مسيرات حزب الله    الجامعة العربية تشهد اجتماع لجنة جائزة التميز الإعلام العربي    أصدرت عبوات تحمل شعار النادي.. جماهير الأهلي تطالب بفسخ التعاقد مع كوكاكولا    رسميا.. تحديد موعد نهائي كأس إنجلترا    وزير الشباب والرياضة ومحافظ شمال سيناء يفتتحان المرحلة الأولى لتطوير استاد العريش    إصابة 5 أشخاص في حريق داخل منزل بقنا    إدارة المنيا التعليمية تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام    إحالة أوارق المتهم بقتل شاب وسرقة مقتنياته في الشرقية للمفتي    بدءا من اليوم.. برنامج حافل لقصور الثقافة احتفالا بعيد تحرير سيناء    احتفالاً بذكرى تحرير سيناء.. متحف السكة الحديد مجاناً للجمهور غدا    توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    «نجم عربي إفريقي».. الأهلي يقترب من حسم صفقة جديدة (خاص)    وزير المالية: 1.5 مليار جنيه حوافز نقدية للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر    بيلجورود الروسية تكشف عدد الق.تلى المدنيين في هجمات أوكرانيا منذ بدء الحرب    بقرار من الرئيس.. بدء التوقيت الصيفي الجمعة المقبلة بتقديم الساعة 60 دقيقة    وزير العدل يفتتح مؤتمر الذكاء الاصطناعي وأثره على حقوق الملكية الفكرية (صور)    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    الحكومة: إنشاء منظومة تعليمية متكاملة لأهالي سيناء ومدن القناة    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    شكسبير كلمة السر.. قصة الاحتفال باليوم العالمي للكتاب    بيومي فؤاد يتذيل قائمة الإيرادات.. أسود ملون الأضعف في شباك تذاكر الأفلام (بالأرقام)    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    بطولة أبطال الكؤوس الإفريقية.. فريق الزمالك لكرة اليد يواجه الأبيار الجزائري    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    غدا .. انطلاق قافلة طبية بقرية الفقاعى بالمنيا    هل مكملات الكالسيوم ضرورية للحامل؟- احذري أضرارها    فرج عامر: الفار تعطل 70 دقيقة في مباراة مازيمبي والأهلي بالكونغو    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    رئيس شُعبة المصورين الصحفيين: التصوير في المدافن "مرفوض".. وغدًا سنبحث مع النقابة آليات تغطية الجنازات ومراسم العزاء    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    آخر تطورات الحالة الصحية ل الشناوي، وتفاصيل وعد حسام حسن لحارس الأهلي    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    سقوط المتهم بالنصب على الطلاب في دورات تعليمية بسوهاج    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    رسولوف وهازنافيسيوس ينضمان لمسابقة مهرجان كان السينمائي    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الشروق» تنشر ملفًا خاصًا احتفالاً بالعيد التسعين لميلاد «هيكل»
مقالات لكبار الساسة والمفكرين والفنانين احتفاء بميلاد «الأستاذ»..
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 09 - 2013

ماذا يمكن ان يقول المرء أو يكتب عن محمد حسنين هيكل وهو يحتفل بعيد ميلاده التسعين؟ هل سنقول جديدا حينما نتحدث عن موهبته الفذة أو براعته النادرة أو عباراته المتفردة أو معلوماته الغزيرة أو اتصالاته الواسعة، أو غرامه بالشعر، أو قدرته الاستثنائية على الربط بين عناصر القضايا باسلوب غير مسبوق؟!
أغلب الظن اننا لن نضيف جديدا، لكننا فقط نريد ان نقول للأستاذ: كل سنة وانت طيب، وان وجودك معنا وبيننا متحدثا ومتأملا ومفكرا هو أفضل شىء تقدمه للوطن ولكل محبيك.
فكرنا كثيرا فى كيفية الاحتفال بعيد ميلاد الأستاذ، ووصلنا إلى صيغة ان نطلب من بعض رموز الكتابة والأدب والفن والسياسة فى مصر والعالم العربى ان يكتبوا ما يعن لهم عن الرجل.
فى الأسبوع الماضى اتصلت بالدكتور حازم الببلاوى رئيس مجلس الوزراء أدعوه للكتابة.. لم أطلب من الدكتور حازم الكتابة باعتباره المسئول الحكومى الأبرز، ولكن لأنه أولا وأخيرا كاتب متميز ومفكر اقتصادى مرموق، ويعرف هيكل جيدا.
فاجأنى الدكتور حازم بأنه كتب بالفعل مقالا كبيرا عن هيكل ونشره فى جريدة السفير اللبنانية فى 23 يوليو 2003 بناء على دعوة من رئيس تحريرها الأستاذ طلال سلمان.
قلت له: لكن مر على هذا الأمر عشر سنوات كاملة، فرد بقوله: اقرأه أولا وبعدها نتناقش.
أرسل لى الدكتور حازم المقال، قرأته فوجدته باستثناء المقدمة الشخصية إلى رئيس تحرير السفير كأنه مكتوب اليوم.. وهكذا نعيد نشر فقرات مطولة من المقال.
يكتب لنا أيضا أستاذ الاقتصاد البارز محمود عبدالفضيل مقالا تحت عنوان «الأستاذ هيكل.. مفكرا إستراتيجيا» وفى أول إطلالته الصحفية يهجر شريف عامر شاشة التليفزيون مؤقتا ليكتب فى الصحافة عن «الأستاذ وخط الزمن».
وحرص رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص على توجيه التحية «للأخ الكريم المحترم».. ويكتب طلال سلمان رئيس تحرير السفير «أيها الأستاذ»، أما محمد على فخرو وزير التعليم البحرينى فيكتب عن «السياسى المفكر والمؤرخ»، ويكتب عبدالبارى عطوان رئيس التحرير السابق للقدس العربى عن «مدرسة الأستاذ» .. والسياسى اللبنانى الكبير وليد جنبلاط عن هيكل الذى «أدرك حجم مصر ودورها وثقلها السياسى»، فى حين يكتب المحلل السودانى البارز حيدر إبراهيم عن «هيكل.. السلطة الخامسة» ويكتب يوسف الحسن الكاتب والسياسى الإماراتى البارز عن «روح شابة فى سن التسعين» ويكتب أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر محمد صالح المسفر عن «هيكل يطرق باب التسعين عاما»، أما الكاتب اللبنانى معن بشور فيكتب عن «رجل الوفاء».
ويحكى الفنان الكبير صلاح السعدنى عن «حالة مصرية شديدة العبقرية» أما يسرا فتكتب عن «أفكار عظيمة فى مستوى المواطن البسيط» وبسمة تتحدث عن «متعة الاستماع إليك» أما سميرة أحمد فتقول «كلماتك حكمة ننتظرها بشغف» وتروى سميحة أيوب «عندما رفع عنى الحرج فى اللقاء الأول» وأخيرا يكتب الفنان الكبير عزت العلايلى عن «مدرسة فكرية معجونة بروح الوطنية المصرية».
القاسم المشترك الأعظم بين كلمات كل من تحدثوا هى الأستاذ.. وإليه تقول مرة أخرى: «كل سنة وانت طيب». وإلى ملف «هيكل السلطة الخامسة» حيث استعرنا العنوان من مقال حيدر إبراهيم لانه يلخص فعلا أن هيكل ليس مجرد كاتب أو محلل أو صحفى أو حتى سياسى.. هو سلطة كاملة.. سلطة شعبية فكرية وأخلاقية وضميرية.
عماد الدين حسين

الببلاوى يكتب عن ملك الصحافة هيكل
• هيكل احتفظ بقدر من المسافة والاستقلال عن سلطة عبدالناصر مما سمح له فى بعض الأحيان بانتقادها
• ليس فقط كاتبًا متميزًا بل يحب صحبة المتميزين.. كتاباته أنيقة.. وسك العديد من العبارات الفذة
الجدية والانضباط أكثر ما يميز شخصيته.. يأخذ نفسه بصرامة ومهنية عالية.. متحدث لبق وساحر ومعتز بنفسهنقطة البداية هى ضرورة الاعتراف بأن الأستاذ هيكل «صحفى» «حتى النخاع» وأنه تربى فى مدارس صحفية متعددة أتاحت له معرفة الكثير من فنون وأسرار هذه المهنة. وقد عرفه الجمهور فى فترة ما قبل الثورة من خلال كتاباته عن الحرب الكورية وعن الثورة الإيرانية. وارتبط اسمه بعد ذلك بالأهرام وعبدالناصر. وإذا كانت تجربته فى بدايته الصحفية قد ساعدته على التعرف على مختلف المدارس الصحفية بدءا بالمدرسة الإنجليزية فى الإجيبشيان جازيت، ومرورا بمدرسة مصطفى وعلى أمين اللذين حاولا إدخال أسلوب الصحافة الأمريكية للإثارة من ناحية والسرعة من ناحية أخرى على الصحافة المصرية، فإن تجربته الأكثر عمقا وتأثيرا كانت، ولاشك، فى الأهرام. وكان الأهرام، كشأن العديد من الصحف المصرية قد نشأ فى الاسكندرية 1876 على يد عائلات شامية، إلا أن الأهرام حرص على التمسك بقدر من الاستقلال وكان بشكل عام يمثل الرأى الرسمى للحكومة. وعندما تولى هيكل رئاسة تحرير الأهرام، فإنه لم يحدث فيه انقلابا، بل استمر على هدوئه ورزانته. ومع تأميم الصحافة فى بداية الستينيات، طرحت علاقة الصحافة بالسلطة، وظهرت فى أبرز صورها فى علاقة الأستاذ هيكل «الصحفى»، بالسلطة. وهو الدور الذى برع فيه الأستاذ هيكل إلى حد كبير. فالأستاذ هيكل يقول عن نفسه إنه «صحفى»، وهو يفخر بذلك. ولكن الجميع يعرف أن هذا، رغم أنه صحيح، إلا أنه ليس كل شىء، فالأستاذ هيكل وقت عبدالناصر كان صحفيا، حقا، ولكنه كان «أكثر من ذلك»، فقد كان جزءا من السلطة، أو قل جزءا من «عقل السلطة». والحديث عن الصحافة والسلطة هو حديث بالغ الدقة. فالسلطة هى مصدر أساسى للمعلومات إن لم تكن المصدر الأساسى والصحافة لا يمكن أن تعيش دون أن تكون على علاقة بها للحصول منها على المعلومات. ولكن الصحافة ليست مجرد ناقل للمعلومات، بل هى باحث عنها، مصفٍّ لها، ناقد لها، محلل لها. ولا يمكن أن يتحقق هذا دون أن تتوافر للصحافة الحرية والاستقلال. وهكذا، فعلاقة الصحافة بالسلطة دائما ملتبسة متداخلة، فيهما من التعاون بقدر ما فيهما من الاستقلال. ويتحقق التوازن بين الأمرين بقدر ما تكون المصداقية ضرورية لنجاح الصحافة من ناحية ومطلوبة لاستمرار السلطة من ناحية أخرى، وهو، ما يحدث عادة فى الدول الديمقراطية التى تعرف تعددا سياسيا وتداولا للسلطة تحت رقابة الشعب. وغلب على هذه الفترة سيطرة الدولة على الصحافة. ولذلك بدأ الأمر، مع الثورة، بإنشاء وزارة «للإرشاد». وهكذا كانت مشكلة الأستاذ هيكل الصحفى الذى يريد أن يكتسب لصحيفته مصداقية الإعلام، وينفى عنها «أبوية» الإرشاد للسلطة، ومن هنا أيضا الوضع الملتبس للأستاذ هيكل، وأين مكانه من السلطة، وهل هو جزء من السلطة يشارك فى تصميم أفكارها أم يقتصر فقط على صياغتها. وقد نجح الأستاذ هيكل فى خلق وضع ملتبس ومبهم حول علاقته بالسلطة، فقد احتفظ دائما بقدر من المسافة والاستقلال عن السلطة مما سمح له، فى بعض الأحيان، بانتقادها، كما فعل عند مناقشته «لزوار الفجر»، ولكنه حرص فى نفس الوقت على إعطاء الانطباع بأنه المعبر الرسمى عن آراء عبدالناصر. وهو انطباع أكدته الأحداث، حيث كانت مقالات هيكل «بصراحة» إما معلنة عن التوجهات القادمة أو مفسرة للسياسات القائمة. ويرجع نجاح هيكل فى هذا الصدد إلى أنه لم يقتصر على نقل أفكار «الزعيم»، بل إنه كان يضعها فى إطار من التحليل السياسى المستند إلى الوقائع والأحداث التاريخية. وهكذا أضاف هيكل إلى الكتابات الصحفية السياسية قدرا من العقلانية والموضوعية ولم يقتصر مثل العديدين على إطلاق الشعارات الطنانة والإثارة العاطفية، وإن كان فى اختياره وبالتالى إسقاطه للوقائع والأحداث يركز على ما يساعده على إبراز المعنى الذى يدعو إليه. فهو كاتب يخدم قضية ونظاما، وكتاباته تصب فى خدمة هذا وتلك.
وحسنين هيكل ليس فقط كاتبا مميزا بل إنه يحب أيضا صحبة المتميزين. فكتاباته أنيقة وقد سك العديد من العبارات الفذة، ربما أخطرها تعبير «النكسة» عن هزيمة 1967، رغم أنه ينسب مصدرها إلى آخرين، ولكنه من خلال كتاباته واستخدامه لها مع عبدالناصر كرس هذا الاصطلاح فى الأذهان. وأيا ما كان الأمر، فقد دفعه حبه للتمييز إلى «اقتناء» كل ما هو متميز للأهرام. ولذلك فقد حرص على أن يرتبط بشكل أو آخر بالعديد من عناصر النخبة الثقافية فى مصر، وكان أن ضم للأهرام أكثر الأسماء اللامعة، مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، وحسين فوزى، ولويس عوض، وصلاح طاهر، وغيرهم وذلك بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية، من اليسار أو اليمين، لا يهم. ولم يلبث أن أنشأ فى الأهرام مركزا للدراسات الفلسطينية تحول فيما بعد إلى مركز للدراسات الإستراتيجية فكان بذلك مبادرا إلى تأكيد أهمية الفكر العلمى كأساس للسياسات العامة. ولم يكن غريبا أن يضم الأهرام بين إصداراته «الطليعة» مع لطفى الخولى اليسارى، فى نفس الوقت الذى أصدر «الأهرام الاقتصادى» مع بطرس غالى اليمينى. وهكذا، فقد كان هيكل بطبيعته «نخبويا» ينجرف إلى عناصر «النخبة» ليس فقط فكريا، بل واجتماعيا أيضا فهو يلعب الجولف ويعيش حياة اجتماعية راقية بلا ابتذال.
وإذا كانت علاقة هيكل بالسلطة ملتبسة خلال فترة عبدالناصر، فإن علاقته بالناصرية أكثر التباسا. فهل هو ناصرى آمن بفكر عبدالناصر وتابعه فيها مع التابعين، أم أنه شريك له مغذٍ له بالأفكار والآفاق الجديدة ومبلورٍ لهذه الأفكار، ومعيدٍ لصياغتها؟ وإذا كانت «فلسفة الثورة» معبرة عن فكر عبدالناصر، فإلى أى حد ساهم هيكل فى بلورتها أو حتى فى كتابتها. كل هذه أسئلة دون إجابات قاطعة. والأكيد أن هيكل لم يكن من «دراويش الناصرية»، وإن كان يمكن أن يكون من آبائها المؤسسين. فتصريحات عبدالناصر وخطبه كثيرا ما كانت تكرارا لمقالات سابقة لهيكل وتأكيدا لها، أو بالعكس، كانت مقالات هيكل تفسيرا وتأصيلا لخطب عبدالناصر. وهكذا فقد كان من الصعب فى أحيان كثيرة معرفة أين الأصل وأين الصورة.
وإذا كان من الصعب تحديد دور هيكل فى بلورة أفكار عبدالناصر، فإن طبيعة العلاقة الشخصية بينهما لا تقل غرابة. فهى علاقة استمرت لفترة طويلة حيث شغل هيكل مكانا متميزا لدى عبدالناصر، فهو أثيره وصديقه ومستشاره. عبدالناصر، كانت له علاقات كثيرة، قليل منها استمر حتى النهاية. مثل أنور السادات وحسين الشافعى. ويمكن أن نضم إليهما هيكل. وإذا كان كل من هيكل والسادات، من دون الكثيرين، قد استطاع، كل بطريقته، الاحتفاظ بصداقة وثقة عبدالناصر طوال فترة حكمه، فإنهما لم يلبثا أن وقعا فى صراع مع بعضهما البعض بعد وفاة عبدالناصر. وهو صراع لم يكن دائما ناعما.
وإذا كانت علاقة هيكل بالسلطة محل التباس خلال حياة عبدالناصر، فإن الأمور وضحت بشكل كبير بعد وفاته. فبعد شهر عسل ليس بالقصير بين السادات وهيكل، خرج أو أخرج من الأهرام ليبدأ صفحة جديدة فى مسيرة جديدة بعيدا عن ظل السلطة. وهى أيضا فترة اختبار لمعرفة مكانة هيكل الحقيقية فى الرأى العام. وقد أثبت هيكل خلال هذه الفترة أنه معدن أصيل يستمد قيمه الذاتية مما يكتبه وليس مما يعكسه من أضواء من علاقاته بالآخرين (السلطة). وإذا كانت هذه الفترة قد أظهرت القيمة الحقيقية لهيكل، فقد عرضته أيضا للنقد الحاد من جبهات متعددة، بعضها يعكس آراء السلطة الجديدة التى سحبت دعمها له، والبعض الآخر من العناصر المكبوتة أيام عبدالناصر والتى وجدت الفرصة سانحة للتنفيس عن مشاعرها. وهكذا كان ابتعاد هيكل عن أضواء السلطة دائرا بين النفع والضرر كما يقول القانونيون. فهو منفعة له بقدر ما أكد أن وجوده فى الحياة العامة وتأثيره فى الأحداث أمر مستقل عن علاقته بالسلطة، ولكنه مضرة بالقدر الذى فتح عليه النار من منتقديه. وقد عبر أنيس منصور عن شىء من ذلك عندما قال فيما أتذكر بأن هيكل بعد عبدالناصر قد أصبح أكثر حرية وأقل أمنا. فهو الآن يستطيع أن يقول ما يشاء وقد تحرر من قيود تأييد السلطة. ولكنه بابتعاده عن حماية السلطة قد أصبح أقل أمنا. وبالفعل لقد تحققت نبوءة أنيس، فلم يلبث أن دخل السجن فى عصر السادات. وبعد وفاة عبدالناصر قامت ردة، مقنعة حينا وسافرة أحيانا، للنيل من هذا التراث. والنظم السياسية فى مصر ورثت إرثا فرعونيا قديما، بأن الأمجاد تنسب جميعا إلى الحاكم الحالى وإبرازه على أنه أفضل من ولدته امرأة على أرض مصر منذ عهد مينا، الأمر الذى يتطلب قدرا من التطاول المحسوب على الحاكم السابق وبما يعلى من قامة الحاكم الجديد، ولكن مع مراعاة ألا يؤثر الأمر على هيبة الحكم فى ذاتها. وبالنظر إلى ذكاء هيكل واعتداده بنفسه، فإنه لم يقبل أن يزج بنفسه بين من أطلق عليهم «دراويش الناصرية»، فهو يحمى التراث الناصرى، ولكنه يرتفع عن الصغائر والخصومات الشخصية، إنه يدافع عن «قضية»، وكتاباته هى «لمصر وليس لعبدالنصر». وهكذا يصبح المدافع الأولى عن عبدالناصر ليس ناصريا.
وكان أحد مظاهر الردة عن الناصرية هو ظهور بذور الشك حول سلامة فكرة «القومية العربية». وجاءت هزيمة 1967 فأحيت، لدى البعض، هذا الحنين الوطنى. وكان السادات قد فهم هذا الحنين للوطنية المصرية، فعمل على استعادة اسم «مصر» بدلا من «الجمهورية العربية المتحدة». على أن هيكل رأى فى خطر التحول عن النظرة القومية ما يهدد الأمن المصرى نفسه. فكانت كتاباته دفاعا عن القومية وبشكل غير مباشر عن التراث الناصرى دفاعا قويا ومقنعا وعقلانيا لم يبن على العواطف والأوهام بقدر ما استند إلى حقائق التاريخ والمفاهيم الاستراتيجية العالمية. وكان دفاع هيكل هنا عن القومية العربية، حقا، «لمصر وليس لعبدالناصر» فقط.
وكتب هيكل عن حروب الثلاثين عاما والمواجهة مع الاستعمار، مؤكدا أن التركيز على لحظة 1967 إنما هو فقدان الصورة الإجمالية، فهى ليست سوى فقرة فى ملحمة طويلة للصراع مع الاستعمار وأعوانه.
وفى هذه الكتابات برز هيكل ليس كصحفى يحلل الأحداث بل جاوز ذلك إلى دور المؤرخ الذى يسجل الأحداث ويغوص فى الوثائق. وبذلك ساعدت الحملة على التراث الناصرى فى إبراز جانب جديد فى هيكل، هيكل المؤلف والباحث فى التاريخ الحديث. ولكنه فى مهنته الجديدة كمؤرخ ومؤلف لا يقتصر على البحث عن الحقيقة أيا كانت، وإنما هو صاحب قضية يريد إثبات صحتها. فالتاريخ والوثائق ليست غاية فى ذاتها، وإنما هى وسيلة لغاية، وهى محاولة تبرئة عبدالناصر بالقدر الممكن من مسئولية 1967 والدفاع عن التجربة فى مجموعها. فالرجل فى حرب ضروس مع عدو شرس وعالم متحيز.
وإذا لم يكن تبرير هيكل لهزيمة 1967 مقنعا للكثيرين، فإن دفاعه عن ممارسات عبدالناصر غير الديمقراطية لم تكن أكثر إقناعا. فحاول فى إحدى المرات البحث عن التبرير فيما سماه التفرقة بين الديمقراطية بالمشاركة «والديمقراطية بالموافقة». ويعنى بالأخيرة، أنه إذا كانت الديمقراطية فى الجوهر هى حكم الشعب، وبالتالى أعمال إرادته فى الحكم، فإن هذه الإرادة يمكن أن تظهر فى شكل موافقة عامة لجمهور الشعب على سياسات الحكومات. وكان عبدالناصر يتمتع بالفعل بشعبية جارفة وكانت معظم إجراءاته تحظى بتأييد شعبى.
كان هيكل فى عهد عبدالناصر شريكا فى الحكم على الأقل من الناحية الأيديولوجية وفى عهد السادات بدأ مشاركا ثم مناوئا للحكم، أما فى عهد مبارك فقد استعاد هيكل دوره بعيدا عن دائرة الحكم الضيقة كصحفى ومفكر ولم يعد مشاركا أو مناوئا للحكم بشكل شخصى. فبعد فترة قصيرة من خروجه من السجن انصرف هيكل إلى دور جديد، وأصبح بشكل ما الأب الروحى للعديد من الصحفيين من مختلف المشارب، كما بدأ يطل من حين لآخر لإلقاء كلمة أو تسطير مقالة فى موضوع مهم. ويحسب له أنه فى الكثير من الأحيان، خلال العهد المباركى، كان يجسر على الدخول فى المناطق الحساسة. وذلك كما فعل عندما بدأ مجموعة من المقالات حول «صناعة القرار السياسى» فى مصر. وهو موضوع بالغ الحساسية مما أدى إلى وقف هذه المقالات بعد المقال الأول، ثم لم يلبث أن يرفع صوته مرة أخرى، من خلال التليفزيون، لمناقشة موضوع لا يقل حساسية حول «وراثة الحكم» فى مصر. ويستمر نشاط هيكل الدءوب الذى لا يمل، فيكتب مقالا شهريا فى مجلة «وجهات نظر» حيث تظهر فيها موهبة الكاتب والأديب لديه إلى جانب المحلل السياسى. فهو يكتب عن زواج الأميرة فوزية وطلاقها، وطرائف وصغائر الملك فاروق وأسرار القصر ومغامرات وفضائح الملكة نازلى وأحمد حسنين، وقصص أخرى عن الحرب العالمية وأسرار البيت الأبيض، وذلك بأسلوب راق ومشوق وعذب، تنسى معه أن الكاتب محلل سياسى من الطراز الأول وباحث فى أضابير الوثائق والمستندات الرسمية.
بقى أن أشير إلى ملاحظة أو ملاحظتين عن شخصية محمد حسنين هيكل. ولعل أكثر ما استرعانى فى شخصيته، الجدية والانضباط. فهو كاتب جاد، قد تحبه كثيرا أو قليلا، قد توافق على ما يقوله أو قد تعترض عليه، ولكنك لا تملك إلا أن تحترمه لأنه يحترم نفسه ويحترم عقلك. يتحدث بمنطق ويصوغ أفكاره بشكل واضح، ويفتح عقله وقلبه للحوار والمناقشة. وهو يأخذ نفسه بصرامة ومهنية عالية. اعرف أنه يعمل يوميا ساعات طويلة ومنتظمة. وهو معتد بذاته شديد الاعتزاز والثقة فى نفسه، يحاول أحيانا أن يخفف من وطأة ذلك بكثير من التواضع. وهو محدث لبق وساحر يجذب مستمعيه شيوخا وشبابا، رجالا ونساء، بقصص طريفة وتعليقات لاذعة. وله علاقات هائلة مع كبار الشخصيات فى العالم، وقراءات متعددة ومتنوعة فى مختلف المجالات. وتتعدد الأسماء، والأماكن، والقارئ أو المستمع فى انبهار، فهذا ليس صحفيا عاديا، بل هو ملك. والحقيقة ليست بعيدة عن ذلك كثيرا، فقد كان محمد حسنين هيكل ملكا للصحافة، وما زال.
والله أعلم.

الدكتور محمود عبدالفضيل: الأستاذ هيكل...مفكرًا إستراتيجيا
لعلى أتذكر قراءتى لكتاب العقد النفسية التى تحكم الشرق الأوسط (الصادر عام 1958) وكان هذا الكتاب أول ما فتح عينى على هذا البعد فى كتابات الأستاذ هيكل، إذ كان يحوى تحليلا إستراتيجياً يلقى أضواءً على التضاريس السياسية فى منطقة الشرق الأوسط. ولعل هذا البعد هو الذى قرب بين الأستاذ هيكل والرئيس جمال عبدالناصر ، إذ كان جمال عبدالناصر كمدرس فى كلية القادة والأركان مهتماً بالمنظور الإستراتيجى للأحداث فى المنطقة العربية غداة حرب فلسطين عام 1948.
وتوالت بعد ذلك التحليلات والرؤى الإستراتيجية للأستاذ هيكل حيث البعد المستقبلى كان حاضراً بقوة فى فى معظم كتاباته. وهذا يذكرنى بعنوان كتاب للاقتصادى الأمريكى الكبير بول سويزى Paul Sewyeezy الذى كان عنوانه The Present as History ، أى رؤية الحاضر كتاريخ.
وبالاضافة الى تحليلات الأستاذ هيكل الاستراتيجية اتسمت مواقفه بالجرأة والجسارة التاريخية. وتجلى هذا بشكل واضح فى موقفه من قضية التوريث فى عهد الرئيس مبارك. إذ إنه فى محاضرته فى الجامعة الأمريكية (9 أكتوبر 2002) أخرجت الموضوع من مجرد همس وإبداء المخاوف فى دوائر المثقفين والنخب الى صياغة سياسية جريئة وللمحاذير التى تدق أبواب المستقبل.
واحتل موضوع التوثيق مكاناً متميزاً فى مجهودات الأستاذ هيكل لكتابة التاريخ السياسى الذى عاصره. وخرج ذلك فى مجموعة من الكتب المرجعية التى لا غنى عنها لأى دارس للعلوم السياسية سواء اتفق أو اختلف مع تفسيرات المؤلف، على وجه الخصوص: خبايا السويس (1966) ،عبدالناصر والعالم (1972) ،الطريق إلى رمضان (1975) ، قصه السويس آخر المعارك فى عصر العمالقة (1977) ، حكايات العرب والسوفييت (1979) ،آفاق الثمانينيات (1981) خريف الغضب (1983)، عند مفترق الطرق حرب أكتوبر (1984) ، حرب الثلاثين سنة ملفات السويس (1986) ، الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ: رؤية حضارية جديدة (1997).
واتساقاً مع اهتمامات الأستاذ هيكل فقد أسس ، وهو على رأس مؤسسة الأهرام ، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية الذى كان رائداً فى هذا المجال وحرص على استجلاب شخصيات ذات أفق إستراتيجى مثل الدكتور كلوفيس مقصود (لبنان) لاستكشاف خرائط الصراعات المستقبلية، بل كان هناك محاولات لاستخدام نظرية المباريات Games Theory لرسم سيناريوهات المستقبل فى إطار مباراة «صفرية» أو مباراة «غير صفرية». وكان هذا جزءا من عملية البناء المؤسسى لدوله عصرية حديثة، اذ تزامن ذلك مع إنشاء المعهد القومى للتخطيط ، والمعهد القومى للادارة العليا ، والمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، واستحداث الكلية الفنية العسكرية. رغم أن هذه البنية المؤسسية الواعدة أصابها كثير من الهزال والعطب خلال فترة السادات وخلال حكم مبارك . وهى المؤسسات التى كان من المفروض أن تخرج الكادر الوطنى المتقدم الذى يقود عملية النهضة والبناء فى مصر الحديثة. هذا فى الوقت الذى قطعت فيه بلدان آسيوية ناهضة شوطا طويلاً فى بناء مؤسساتها وتطوير كادرها الفنى والوطنى على نحو ما شهدنا فى الهند والصين وماليزيا وكوريا الجنوبية.
وفى نهايه المطاف لا ننسى المبادرات الخلاقة للأستاذ هيكل بالمساهمة فى إنشاء مجلة الكتب : وجهات نظر التى كانت على مستوى فكرى رفيع قبل توقفها ، وكذلك إنشاء مؤسسة هيكل للصحافة التى استضافت عددا من كبار الشخصيات الصحفية والسياسية. يبقى لنا أن نتوجه بالتحية والتقدير للأستاذ هيكل فى عيد ميلاده التسعين وتمنياتنا له بوافر الصحة ودوام العطاء.

شريف عامر: الأستاذ وخط الزمن
خط واحد طويل وممتد من قبل ان يتشكل الوعى ، وسيستمر بعد ان ينتهى هذا الوعى يمارس فيه الزمن مهارته الأبدية فى وضع المقادير والمصائر على نقاط التقاء وارتباط ضمن لوحة الحياة المتشابكة. هو خط الزمن. «ملفات السويس» وطفل على أعتاب الشباب ، ثم كاتب لسطور احتفاء وعرفانا لصاحب الملفات ، الاستاذ محمد حسنين هيكل. لم يعرف الرجل متى تقاطعت سطوره و أثرت فى حياة عشرات الآلاف أو بالتزام الدقة، الملايين الذين قرأوا «الملفات» عبر خطوط الخرائط التى يهوى النظر اليها. لكنى مثلهم قرأت، ثم قرأت، ثم تابعت وانصت ، حتى كان الاستدعاء بعد ايام من 25 يناير 2011. توقفت امام منزله للمرة الاولى وقد تذكرت ملفات السويس كأول ما قرأت للأستاذ ، وتذكرت الطفل على أعتاب الشباب، وقد صار فى منتصف العمر يتابع ثورة فى منتصف الطريق. خط الزمن من جديد. وتكررت الزيارات و فى كل مرة أتساءل عن سر الرجل فلا أجد الا إجابة واحدة ترتبط تماماً بمناسبة هذه السطور. نعم ، هو «الاستاذ» كما يعرفه الجميع لأسباب تتعلق بالخرائط التى لم يكتف بالنظر لها ومتابعتها صحفيا ، وإنما عاصر عليها أحداثا وأثر فيها ، وصاغ لأهل الأوطان عليها أفكارا باتساع الأحلام. نعم ، هو «الاستاذ» الذى امتلأت الصفحات بالكثير منه وعنه اتفاقا واختلافا بقدر ما ساهم فيه متفردا عن اى اسم آخر. ونعم ستقرأون الان من اسماء بارزة عن ما قال له الاستاذ ، وعن ما عاصره من تفاصيل ومعلومات وأخبار، لكنها فى نهاية الامر ملك له ، لا يجوز نقلها الا باستئذانه ورغبته، وأنا اكتب ما لا استئذان فيه، أكتب عن الرجل بكل صفاته الجامعة سواء سيداً للمهنة أو رجلا كريما ومتفردا. محمد حسنين هيكل الذى قابلته له سر آخر. هو رجل يطوى الزمن ، يعرف قيمته ، يدرك ابعاده ويتحرك فيه سيدا يقود و يحدد الاتجاه. قد لا يجبر عليه أحد ، لكنك أيضاً لا يمكن الا ان تتوقف للنظر نحو ما يشير اليه.
«لا تخشى كثيرا، فأنت تملك قيمة حقيقية تقدمها، وهذا ما يبقى وما سيبقى».
إجابته لى على سؤال خاص بمراحل الانتقال فى الحياة والعمل.
فى عبارته بعيدا عن الشخص التى وجهت اليه ، سر الرجل و درسه لمن يعى او يدرك. قدرته على فهم المتغير فى الزمن ورؤيته فى لحظات تشكله حدثا، يلم بتفاصيله، ليضع أمامنا تصورا يملك هو عناصره عبر التواصل والمتابعة. هكذا يطوى محمد حسنين هيكل الزمن عبر الأجيال التى لا يتوقف عن مراقبتها وقياس أثرها وصولا الى هذا الطفل الذى قرأ ملفات السويس ، أو الشاب الآخر الذى يطرق بابه حائرا بعد ان تعددت التواريخ على الحوائط ، من شباب «25 يناير» أو «تمرد 30 يونيو». يسألونه جميعا عن ما يمكن ان يفعلوه عندما تتعثر الأحلام ، وتكون إجاباته أسئلة تدعو للتفكير والتدبر من أجل ان تتحرك الأحلام للأمام. يلتقى بهؤلاء جميعا بنفس الاهتمام والانتباه الذى يستقبل به رئيساً او ملكا او صاحب قرار سياسى. وقد يضيف ودا صادقا يصعب تصديقه.
هذا ما حدث مع كاتب السطور الذى فكر كيف سيعود لزوجته قائلا لها: تخيلى الاستاذ هيكل عرفنى اليوم لأحد زواره قائلا ؛ «أعرف الوالد لكن الابن صديق!!» بالمناسبة مازلت أجد صعوبة فى التصديق.
هكذا يرى الرجل القادمين اليه، يرى ملامح المتغير فى الزمن فيبقى هو محمد حسنين هيكل ، ويمضى الزمن أرقاماً لأيام ، وتواريخ على حوائط حتى يقدم هو رؤيته لها.
أستاذ هيكل، لن تحتمل الصيغ زخارف وانت سيدها..أستاذ هيكل، أشكرك.

سميحة أيوب: عندما رفع عنى الحرج فى لقائنا الأول
عندما لمحتك تقف بعيدا حدثتنى نفسى أن أسير فى غير طريقك خشية أن ألتقيك ولا تعرفنى، فقلت لآمال دعينا نسير بعيدا عن هذا الطريق. لكنك بحسك الصحفى والفنى المرهف لاحظت ارتباكى فناديتنى بصوت عال وقلت لى إننى أفضل الممثلات إليك وأصدقهن وأقربهن إلى قلبك، فإذ بشعور الخجل وحمرة الوجه تتملكنى بشكل لم أعرفه من قبل، لا أنسى فى ذلك الموقف ترحيبك بى وحفاوتك البالغة بوجودى فى الأهرام حتى أنك أشعرتنى بأننا أصدقاء منذ عمر طويل .. منذ ذلك اللقاء الذى لن يمحى من ذاكرتى ما حييت وأنا أحرص على قراءة مقالاتك بشكل منتظم ومستمر أكثر من السابق.
موقف آخر جمعنى بك أحب أن أذكرك به، عندما قررت أن تلبى دعوتى لمشاهدة مسرحية «الوزير العاشق» التى قدمتها منذ سنوات وكنت فى هذا اليوم حريصة جدا على الظهور بشكل يليق بمن يشاهدنى من الجمهور بشكل عام وأنت بشكل خاص، وعندما انتهى عرض المسرحية التقيتك فعبرت لى عن شدة إعجابك وانبهارك بالمسرحية وعلقت على الجرأة التى كنا نناقش من خلالها الأحداث السياسية المصاحبة لذلك التوقيت وأخبرتنى بأنى بحق أجسد نبض الشعب البسيط من خلال مسرحى الذى وصفته بالمرآة الحقيقية للمجتمع الذى نعيش فيه. هذا ما جمعنى بك ككاتب صحفى وفنانة، أما ما جمعنى بك قبل ذلك بسنين كمفكر كبير وكقارئة فحدث عنه ولا حرج، فقد تعلمنا منك كيف تحلل الأمور وتضع كل شخص فى مقداره الذى يليق به وتزن الأحداث والتصرفات بميزان العقل ومن خلال ذلك تكون لدى القارئ أو المشاهد لك رؤية مستقبلية ثاقبة ممزوجة بروح التاريخ وعبقرية التوقع المستقبلى للأحداث التى دائما ما تصيب تكهناتك.
عزيزى هيكل .. اسمح لى بعشم الأصدقاء أن أبلغك أسفى لظهورك يوما ما على قناة «الجزيرة»، فقد أضفت لها ما لا تستحقه، فهى ليست المنبر الإعلامى المناسب لقامة تاريخية وسياسية مثلك، لكننى فى واقع الأمر تعلمت من حلقاتك فيها الكثير والكثير إلى جانب حلقاتك مع الإعلامية لميس الحديدى التى أنرت لنا فيها الطريق فى وقت عصيب جدا من تاريخ البلاد.
أخيرا .. أعيد تهنئتى بعيد ميلادك لهذا العام ولا أستطيع وصف شخصك إلا بأنك دائما ما تمثل لنا رمانة الميزان التى تعيد كل شىء إلى طبيعته وتقدر الأمور بمقاديرها الصحيحة.

صلاح السعدنى: حالة مصرية شديدة العبقرية
ومن القرارات المهمة التى أصدرها هيكل خلال توليه وزارة الاعلام إنشاء اتحاد الإذاعة والتليفزيون حتى لا يكون تابعا لوزير الاعلام، واختاره الدكتور مصطفى خليل، الذى أصبح فيما بعد رئيسا للوزراء، كأول رئيس لهذا الاتحاد. لم ينطفئ نجم هيكل بعد أن أقصاه السادات عن رئاسة تحرير الأهرام، فتعاقدت معه على الفور جريدة نيويورك تايمز الأمريكية، وصحيفة أخرى يابانية لكتابة مقالات أسبوعية، فكان واحدا من صحفيين قلائل على مستوى العالم تفرد له مساحة يقدم فيها أسبوعيا مقالة تحليلية عن التطورات السياسية فى العالم. ومن كثرة تقدير هذه الصحف لما يكتبه لم يكن يحصل على مكافأة أو راتب شهرى، وانما كانت تعد الكلمات التى يكتبها ويحاسب على الكلمة بالدولار. هيكل أيضا ينتمى الى الأسرة الثقافية المصرية فهو يحفظ آلاف الابيات من الشعر، وطوال تاريخه يستشهد فيما يكتبه أو يقوله بأبيات لكبار الشعراء بداية من المتنبى وأبوالعتاهية وصولا الى صلاح عبدالصبور، وهذا خير دليل على ثقافته العالية. هناك أيضا واقعة اعرفها بشكل شخصى جدا عن الاستاذ هيكل أحب أن أذكره بها فى عيد ميلاده، وهى حدثت مع شقيقى الراحل محمود السعدنى فى نهاية عهد عبدالناصر، حينها كان هناك خلاف بين الحكومتين المصرية والسودانية، ونشر الاستاذين هيكل وموسى صبرى عدة مقالات ضد السودان. وبعد فترة قررت مصر أن تعيد العلاقة مع السودان الى طبيعتها وعندما فكرت الحكومة المصرية فى ايفاد شخص يكون محبوبا لدى الجانب السودانى لم يجدوا لهذه المهمة افضل من محمود السعدنى لأن علاقاته بالجانب السودانى كانت قوية جدا. وبالفعل ذهب الى السودان وعقد مشاورات مع بعض اعضاء مجلس قيادة الثورة السودانى، وبعد أن خرج من الاجتماع التف حوله الصحفيون السودانيون فقال لهم إن مصر والسودان علاقه ابدا لن تنتهى ولن نسمح بحدوث اى اضطرابات فى هذه العلاقة العضوية. فاستوقفه أحد الصحفيين متسائلا: لكن الاستاذ هيكل والاستاذ موسى صبرى نظما حمله شديدة جدا ضد الحكومة السودانية، فاضطر السعدنى لكى يخرج من المأزق بتركيبته العفوية أن يسب «هيكل وصبري»، وللأسف احدى الصحف السودانية نشرت المانشيت الرئيسى «محمود السعدنى يقول عن هيكل وصبرى وذكرت اللفظ الذى قاله.
وبعد انتهاء الزيارة عاد السعدنى الى القاهرة، وكل ما يلتقى زميلا يقول له الاستاذ هيكل يبحث عنك، فسعى السعدنى الى مقابلته وهو يعتقد أن هيكل لن يرحمه بسبب ما قاله فى السودان، لكن عندما التقاه وجلس اليه، قال له هيكل «على فكره أنا زعلان منك يا محمود»، فتوقع السعدنى أن يكون غضبه من اللفظ الذى ذكره بشكل عفوى ولكنه فضل أن يسأله «زعلان منى ليه يا استاذ؟»، فخيب هيكل ظنه وقال له «ازاى تجمع بينى وبين موسى صبرى فى جملة واحدة واحدة».
فاكتشف أن هيكل تفهم الموقف الذى قال فيه هذا اللفظ، لكنه غضب من الجمع بينه وبين موسى صبرى فى جملة واحدة، فضحك السعدنى قائلا «تصور يا استاذ أنا غلطت فعلا، المرة اللى جايه ان شاء الله هجيب سيرتك لوحدك»
أتمنى من الله أن يحفظه لمصر ويمد فى عمره، ويثبت إيمانه وعقله وفكره، فهو جزء مهم جدا من تاريخ مصر فى العصر الحديث، وواحدا من أفضل الموهوبين المصريين ليس فقط فى الصحافة وانما فى العمل العام عموما. ويكفى أن نقول فى الختام إن هذا الرجل هو الوحيد من أصحاب الفكر فى مصر منذ عهد عبدالناصر الذى لم يأت رئيس جمهورية أو حاكم إلا وطلب استشارته والاستماع الى افكاره ورؤيته منذ عبدالناصر الذى كان مستشاره الاول وحتى الرئيس المؤقت عدلى منصور. بقى أن أدين حرق منزله ومكتبته فى «برقاش» التى كانت تضم الكثير من النفائس يوم فض اعتصامى رابعه والنهضة من انصار المعزول الذين يذكرونى بفعلتهم هذه بجيوش التتار عندما دخلت بغداد.

بسمة: متعة الاستماع إليك
أكن كل تقدير واحترام للأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، خاصة للذاكرة والتركيز الذى يتمتع بهما فى هذه المرحلة العمرية «ربنا يديه الصحة والعافية»، ولا يتوفران حاليا فى كثير من شباب هذه الأيام. عندما أستمع اليه أشعر بمتعه وذهول شديدين، ولا أصدق أن من يتحدث أمامى على الشاشة عاصر التاريخ الذى نقرأ عنه فى الكتب، وأنه يتحدث عن هذا التاريخ بالوثائق والمستندات فهذه فكرة مهمه جدا. لا ينقصنى إلا أن أقول له «كل سنه وأنت طيب يا أستاذ».

يسرا: أفكار عظيمة فى مستوى المواطن البسيط
بشكل شخصى أحب القراءة للأستاذ هيكل منذ أن كان يكتب مقالة أسبوعية فى جريدة «الأهرام» يوم الجمعة من كل أسبوع، وافتقدت القراءة له منذ أعلن اعتزال الكتابة المنتظمة فى مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات، عندما أتم عامه ال80 وكتب حينها مقالا مؤثرا جدا كان عنوانه «استئذان فى الانصراف»، ولم يعوضنا عن هذا الغياب إلا ظهوره الأسبوعى على شاشة قناة «الجزيرة» فى برنامج «مع هيكل».
أما فى الوقت الحالى فالحمد لله أنه عاد مره أخرى من خلال لقائه الأسبوعى مع لميس الحديدى على شاشة cbc ليتحدث عن الشأن المصرى فى هذه الظروف الصعبة التى تمر بها مصر، فنحن كنا فى أمس الحاجة الى الاستماع الى تحليلاته فى هذا التوقيت.
أحرص على الاستماع له بشكل مستمر لأنه غالبا تكون هناك تحليلات غائبة عنا كمصريين لأمور سياسيه معقده، لا نفهمها بشكل كامل الا عندما نستمع له.
يمتلك أسلوبا راقيا وبسيطا جدا يصل الى المواطن البسيط، ويلفتنى له أنه يتحدث بطريقة سهلة وكأنه مواطن عادى وليس محمد حسنين هيكل، لذلك رسالته تصل الى كل الناس. وأصدق ما يقوله هيكل لأنى عندما أستمع اليه لا أجده منظرا يكتفى بالتحليل، وإنما دائما يقول فى حواراته كل جديد من معلومات تتعلق بالقضية التى يتحدث فيها، ويؤكد ذلك أن كل ما يقوله على الشاشة تتناقله جميع الصحف فى اليوم التالى، فهو مصدر أخبار بالنسبة للجرائد المصرية والعربية بل والعالمية أيضا. أحترمه دائما لأنه حرص على الجمع بين شباب الفكرة والخبرة التى اكتسبها على مدار السنين، فهو رغم أنه يحتفل اليوم بعيد ميلاده ال 90 الا أنه متجدد ودائما يبحث عن الخبر، فهو فى كل العصور منذ عبد الناصر وحتى اليوم مطلعا على كل ما يجرى سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
على مستوى عمله الصحفى أرى أن هيكل نجح فى أن يضع الصحافة المصرية فى مرتبة متقدمة جدا، وأتصور أن كل الصحفيين ليس فى مصر فقط يتمنون الوصول إلى ما وصل إليه هيكل على مدار تاريخه، فهو أصبح نموذجا مهما جدا فى حياة كل صحفى.
الأستاذ هيكل هو قامة وقيمة كبيرة جدا بالنسبة لنا كمصريين وللصحافة والفكر المصرى، دائما يبدعنا بآرائه العظيمة، التى لا يكون أمام المختلفين معها الا أن ينظروا اليه نظرة تقدير واحترام، فقدراته ومهاراته الشخصية فرضت احترامه على الجميع، فأبدا لا تجد شخصيا يختلف معه يتحدث عنه بأسلوب لا يليق بمكانته وكيانه الكبير، وانما يختلف معه بكل احترام.

سميرة أحمد: كلماتك حكمة ننتظرها بشغف
ذكرى ميلادك ستبقى لحظة فارقة فى تاريخ مصر كلها بشكل عام والسياسة والصحافة بشكل خاص، فهى اللحظة التى ولد فيها مركز الرؤى والإشعاع خاصة فى هذا الأيام الفارقة من عمر البلاد. الآن نحن فى أمس الحاجة إلى صوت الحكمة وإلى النظرة المستقبلية الثاقبة التى تحسن تقييم الأمور وتضع المفردات فى أماكنها التى تليق بها.. هيكل كان وسيظل ما أحياه الله وأطال فى عمره نبراسا للأمل فى عيون كل المصريين بمختلف أعمارهم وأجيالهم. لا يحضرنى فى عيد ميلادك، الذى أعتبره عالميا، إلا أن أذكرك بجلسات عشاء جمعتنى بك فى حضور سعيد صليحة حيث جمعتنا الأقدار أكثر من مرة لنتناول الطعام فى جلسة كانت أشبه بعشاء العمل والثقافة والفن والسياسة فى الوقت ذاته. حينما كنا نتبادل الآراء ووجهات النظر حول تطور الأحداث السياسية وتلاحقها بشكل أسرع من البرق ، وكم كنت أحب أن استمع بشغف لما يرويه من قصص تاريخية تحاكى الواقع الحالى بكل تفاصيله وهى الرؤية التى كونت عند هيكل خلفية سياسية جعلت بمقدوره أن يحسن تحليل الأحداث والمواقف التى تجرى من حولنا وكأنه شاهدها من قبل صوت وصورة. أطال الله فى عمرك سيدى ورزقك الصحة والعافية التى تتيح لك الاستمرار فى العطاء غير المحدود الذى عودتنا عليه منذ نعومة اظفارنا وحتى الآن .. فكل كلمة تخرج من فمك حكمة وكل خاطرة تدور فى بالك تاريخا، وكل فكرة تلقى بها إلى عقول وضمائر الناس ستشهد لك يوما ما أنك أخلصت لله وللوطن الغالى مصر فى كل مواقفك السياسية وغيرها.

عزت العلايلى: مدرسة فكرية معجونة بروح الوطنية المصرية
مصر التى لا بد أن تذكر بمجرد أن يتسلل اسم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل إلى مسامع أى شخص فى أى بقعة فى العالم، اليوم نحتفل بعيد ميلاد قطعة أصيلة من مصر المحروسة، فالمعادلة التى أراها اليوم بعينى بمنتهى البساطة هى هيكل + مصر = شىء كبير وقيمة وعميقة.
جمعنى بك لقاء لن أنساه رغم أنه لم يكن الأول أو الأخير فقد اعتدت على أن أتعرف أولا بأول على آرائك السياسية وتوقعاتك التى دائما ما تصيب، زرتك منذ أكثر من 30 عاما عقب مقتل الرئيس أنور السادات وتولى مبارك مقاليد الحكم وكان بصحبتى نجلى د. محمود العلايلى الذى كان طفلا واستطاع بنعومة أظفاره أن يستقى منك الكثير فى هذه الزيارة. أما أنا قفد استطلعت منك رؤيتك حول أبرز الأحداث السياسية حينذاك خاصة فيما يخص العالم العربى، وبالفعل تحقق كل ما ذكرته لى عن مبارك غير أنك للأمانة لم تتوقع هذه النهاية المأساوية التى آل أمره إليها. مازلت حتى الآن على تواصل معك سيدى هيكل ولكنى أعترف بتقصيرى فى السؤال عنك فى الفترة الأخيرة ولا أبرر ذلك التقصير إلا بأننى لا أحب أن أشغل بالك خاصة بعد واقعة حريق مكتبتك.
أتمنى أن تستمر فى عطائك ولا تحرمنا رؤياك المستنيرة التى تضىء لنا الطريق فقد عشنا ولا نزال نعيش فى فكرك لأننا فى أشد الاحتياج إلى رؤية مخلوطة بروح الوطنية لنقتبس من أضواءها فى طريقنا نحو المستقبل بإذن الله وذلك لأنك بالنسبة لكل المصريين مدرسة فكرية عالمية بطعم مصر الأصيلة.
بارك الله فيك علما وفكرا ورؤية ناضجة مستنيرة فنحن فى مصر فى أشد الحاجة إليك كمفكر عظيم ورجل المراحل الصعبة خاصة فى ظل هذه الظروف العصبة التى تمر بها مصر وتربص أعداء الوطن الداخليين والخارجيين بها.

سليم الحص: الأخ الكريم المحترم
سيادة الأخ الكريم الأستاذ محمد حسنين هيكل المحترم بمناسبة حلول ذكرى ولادتكم التسعون، يسعدنى أن أتقدم منكم بخالص تمنياتى الطيبة، راجياً منه عزّ و جلْ أن يمد بعمركم بالصحة والعافية. وهى مناسبة طيبة لكى نتذكر دوركم الكبير فى الدفاع عن العروبة فى مصر والأقطار العربية كافة. كما فى حفاظكم على تراث عبدالناصر وارثه فى الدفاع عن الحقوق العربية. ولقد حملتم بأمانة رسالة تحقيق أهدافنا السامية فى توحيد أرضنا وتعزيز استقلال بلادنا والعيش بكرامة لشعبنا. مع خالص التقدير والاحترام.
رئيس وزراء لبنان الأسبق

طلال سلمان: أيها الأستاذ
تليق بك التسعون أيها الأستاذ الذى قرأ الماضى بعقله وكتب المستقبل من قلب معرفة الحاضر بوقائعه وصناعه. ويليق بك التكريم أيها المفرد فى تاريخ الصحافة العربية، والاستثنائى فى تاريخ الصحافة العالمية، الذى قدم نموذجاً ريادياً للمتعمق فى السياسة إلى حد المساهمة فى صناعتها من دون أن يغادر موقع الشاهد لحساب القاضى المنزه: القارئ.
لقد كنت وما تزال جامعة كبرى، بثقافتك الواسعة، بمعارفك من القادة صناع التاريخ، بذكائك، بدقتك، بلغتك الراقية التى لم يلحقها عوج والتى أثبتت أنها مؤهلة لأن تكتبنا، بفقرنا وعزتنا، بنصرنا وانكساراتنا، بموقعنا فى الدنيا وجدارتنا فى أن نصنع مصيرنا بإرادتنا.
وكنت وما تزال تكتب بضمير القاضى، وتتحدث بلهجة العارف، وتكتب بلغة القارئ النهم إلى الثقافة، تستعيد الوقائع التى أمست تاريخاً فتزود أجيالا بالقدرة على التحليل والفرز بين الصح والمغلوط بين المزور والمدسوس وبين الحقيقى من «الأخبار» والمصنوع بالعودة إلى خلفياتها بالوقائع الثابتة والشهود الذين لا ينطقون عن الهوى.
ولقد كنت من الكبار الذين حفظوا شرف الصحافة فى مصر خاصة، وفى الوطن العربى عموماً، وحموا اعتبارها من الطارئين على العمل الصحفى بقرار رئاسى وبينهم من ارتكب جرم التزوير خدمة لحاكم طاغية، أو طمس الحقائق، أو أهان اللغة لأنه رفع إلى منصب رئاسة التحرير وهو يخطئ فى الصرف والنحو والإعراب ولا يحفظ حروف الأبجدية أو الحد الأدنى من أصول الكتابة.
أما فى السياسة فقد قاتلت لحماية الانجاز وأبطاله، وأسهمت فى فضح المتخاذلين والمقصرين والمزورين الذين أهانوا مصر فى تاريخها وأهانوا الوطن العربى فى وجدانه، فزينوا الانحراف والتفرد والصلح مع العدو، بل أنهم روجوا للعدو، وبرروا الخيانة وأهانوا دماء الشهداء.
ولقد حفظت كرامة مصر فى انتمائها إلى أمتها العربية، كما أكدت للمؤمنين بمصر دورها القيادى، عربياً، وان مصر قد تغيب لفترة ولكنها ستعود حتما بقوة التاريخ والجغرافيا ووحدة المصير، وكل ذلك قد انتهكه التخاذل مع العدو الإسرائيلى الذى طغى فبغى وزور اسم هذه الأرض نافيا عنها هويتها الأصلية مختاراً لها موقعها الجغرافى (الشرق الأوسط) ليصبح وهو الأقلية العادية والمستعدية فى مركز المقرر وسط أكثرية مختلفة إلى حد التقاطع، مضيعة وحدة مصيرها إلى حد الاقتتال، مبيحة ثرواتها للأجنبى بذريعة انه هو من يحميها من الأخ الشقيق.
أيها الأستاذ، وهى تسمية لا تليق إلا بك: لقد خاطبت عقولنا فنورتها، ورسخت فى جيلين أو ثلاثة أجيال حقائق بينها وحدة المصير ليس فقط عبر وحدة العدو وهو فى كل الحالات طارئ بل أساسا عبر وحدة التاريخ ووحدة الجغرافيا ووحدة المشاعر التى تستوعب هذه الحقائق جميعا وهى تعبر عن طموحها إلى التكامل عبر الاتحاد بحده الأدنى، فيدراليا أو كونفيدراليا، طالما ظل حلم الوحدة بعيدا عن التحقق فى المدى المنظور.
كان المصرى بعيداً عن إخوانه العرب، يفصله القرار السياسى أكثر مما تفصله الجغرافيا، فأسهمت عبر هذه المهنة التى نتشرف بالانتماء إليها فى تأكيد يقينه بأنه من الأمة وفيها، وأنه يحتاج إلى العرب بقدر احتياجهم إليه... ولقد ساعدتك الوقفات المشهودة لجماهير الأمة العربية إلى جانب مصر فى معاركها المشرفة، من العدوان الثلاثى ضريبة القرار الوطنى بتأميم قناة السويس، إلى إلزام جمال عبدالناصر بالبقاء فى موقعه قائداً للأمة فى معركة إعادة الاعتبار إلى جماهيرها قبل جيوشها بعد هزيمة قيادتها فى 5 حزيران 1967، وإعداد العدة للنصر فى الحرب التى ضيعتها قيادتها سنة 1973، لتندفع بعد ذلك إلى تثبيت الهزيمة وتقنينها عبر اتفاقات مهينة لكرامة شهداء الحروب جميعا على ارض فلسطين ومن اجل مصر قبل فلسطين.
أيها الأستاذ،
لتكن لك الصحة من اجل أن تكمل رسالتك الخطيرة، خصوصاً فى هذه المرحلة الفاصلة من عمر مصر بل والأمة العربية جميعاً.
انك محطة تنوير لأجيال عدة ودار معارف وتوثيق لأخطر الأحداث التى مرت بها الأمة... والأخطر انك محطة إشعاع فكرى بالوثيقة كما بعمق التحليل، وبالمعرفة المباشرة لصناع الأحداث كما بالدقة فى نقل أفكارهم عبر النقاش الحى والخصب والذى يستكشف آفاقاً مغلقة ويصحح مفاهيم خاطئة وجدت من يروج لها لتثبيط عزيمة الأمة، ولإهانة المواطن فى كرامته وفى إيمانه بأرضه وفى ثقته بنفسه.
أيها الأستاذ الذى تليق بك هذه المرتبة،
لقد كنا نخاف عليك من دورك فى حماية الميدان وثواره وهم يتابعون تحركهم المبارك حتى الانجاز العظيم فى الثلاثين من يونيو (حزيران) الماضى.. وازداد خوفنا عليك وأنت تتجاوز الخوف لتعترض على احتكار السلطة، وعلى عتو الإخوان فى انفرادهم وفى «احتضانهم» العنيف للثورة حتى كادوا يخنقونها بذريعة الحرص على الدين فى مجتمع لعله الأكثر تدينا فى العالم، والأبعد عن التعصب من المجتمعات الأخرى سواء فى المغرب أو فى المشرق، ولاسيما فى المشرق، خفنا عليك من وطنيتك بينما حكم التعصب مغلق على الوطن والأمة مفتوح على العالمية، وهى هى الهجانة وافتقاد مرجعية المحاسبة وفرض التيه على جماهير المؤمنين الذين يخرجون بذلك من وطنيتهم ومن عروبتهم. وخفنا على مكتبتك النادرة وهائلة الغنى بمخطوطاتها الثمينة وكتبها المرجعية فضلاً عن لوحاتها التى كادت فى بعض الحالات تشغلنا عن حديثك وهو مجموعة مترابطة من الوثائق والتحليل العميق والاستشراف المعزز بفهم التاريخ للأتى من عاديات الأيام.
أيها الأستاذ المعلم،
إن أجيالا عدة من القراء العرب قد تربوا على كتاباتك فصاروا أقدر على التمييز بين الصح والغلط بين الحقيقى والمزور، بين الأصل والصورة الخادعة.. لقد علمتنا فن الكتابة بتلك اللغة التى طالما اضطهدت وقيل فيها أنها غير مؤهلة للحياة، واخذ المئات عنك بعض أسلوبك الفريد، وأغنيت الصحافة العربية واعدت إليها الاعتبار فعوقبت بأقسى مما يعاقب المفرط أو المنحرف أو المتصدى للكتابة ولا لغة وللتحليل ولا معرفة، ولتقرير الموقف وهو مجرد خادم فى البلاط أو مدعى صفة كاتب زوراً وبهتانا.
أيها الأستاذ..
تكاد أن تكون وحدك من يعرف بهذا اللقب، فى مهنتنا عظيمة الدور، عن جدارة. فلتكن لك الصحة وأنت تتخطى عتبة التسعين وليبق ذهنك وقاداً، كما عهدناك، وتحليلك دقيقا كما تعلمنا منه، وأسلوبك الفريد فى بابه مادة لإنتاج المزيد من الكتب المرجعية التى تعرفنا بأنفسنا وتعجل فى إخراجنا من تيه الأنظمة الدكتاتورية والتزوير فى وظيفة الدين الحنيف، وتعيدنا إلى افياء الوطنية التى لا تكون بلا عروبة كما أن العروبة لا تكون فقط بالكوفية الملطخة بالذهب الأسود والعقال الذى يتحول أحيانا إلى قيد على الفكر والعقيدة والدين والهوية جميعاً. والى لقاء قريب فى رحاب برقاش التى ستبقى برغم الجهلة الذين يحاولون قتل الكلمات واغتيال الأفكار ونشر أنوار الدين الحنيف بإحراق الكتب التى تحفظ قداسة الدين وجلال التاريخ وهو المعلم الأكبر.
رئيس تحرير جريدة السفير «اللبنانية»

على محمد فخرو: السياسى المفكر المؤرخ
من سخريات القدر فى أرض العرب المليئة بالتناقضات أن نحتفل بعيد ميلاد الأستاذ محمد حسنين هيكل فى نفس الفترة التى حرق الجناة اللصوص فى أثنائها بيته الريفى الوادع ومحتويات مكتبته الغنية بالكتب والمخطوطات والتقارير ذات الأهمية الكبرى للمؤرخين والباحثين فى المستقبل. إن ما يجعل سخرية القدر هذه مأساة موجعة هو أن يحدث الاعتداء فى فترة ما بعد ثورة شعبية مبهرة كان شعارها الأول والأعلى هو شعار الحرية، بما فيها حرية الرأى والفهم والتعبير التى مارسها الصديق الأستاذ هيكل سنين طويلة بمسئولية والتزام أخلاقى موضوعى إلى أبعد الحدود الممكنة إنسانيا.
لكن دعنا من هذا الحدث الصغير العابر الذى لن يوقف حتما مسيرة المواقف الجريئة التى ميزت حياة الأستاذ هيكل، ولنشرب نخب المناسبة السعيدة بحلول عيد ميلاده التسعين، ولندعو الله العلى القدير أن يمد فى عمره ويسبغ عليه نعمة الصحة والعافية من أجل عائلته العزيزة ومن أجل شعبه العربى الذى لا يزال يتطلع إلى مزيد من عطائه السياسى، رصدا موضوعيا وتحليلا رصينا واستنتاجات عقلانية وإضافات فكرية غنية.
•••
إن الإنسان فى الحقيقة يحار أمام الشخصيات المتعددة التى يجب الاحتفاء بها بهذه المناسبة، ويحار أمام الرؤى الكثيرة، عن عمر طويل، التى يجب إبرازها فى مقالة قصيرة وعرض مختصر. فتلك الشخصيات والأدوار والرؤى جعلت من الأستاذ هيكل نجما من نجوم المسرح السياسى المصرى والعربى، عبر فترة مليئة بالأحداث الجسام تجاوزت السبعين سنة وتقاطعت مع أكثر من جيل.
لقد كان سياسيا بارزا عندما عمل كمستشار لرئيس دولة وكمسئول فى جهاز أمن قومى وكوزير للثقافة.
وكان صحفيا لامعا ذا تأثير بالغ فى تكوين وتوجيه الرأى العام العربى عندما جلس على قمة أهم مؤسسة صحفية عربية، مؤسسة الأهرام، وكان مشاركا فاعلا ومؤثرا فى اجتماعات ومجالس القادة الكبار، مما أهله لمعرفة خبايا السياسة فى كل الأرض العربية وفى خارجها.
وبالتالى كان منطقيا أن يكون ناطقا غير رسمى لزعيم الأمة العربية الراحل جمال عبدالناصر، وفاتحا النافذة تطل من خلالها الجماهير العربية على عقل ووجدان وروح ذلك القائد الفذ الذى تعلقت به تعلق العاشق الملهوف.
غير أن كل ذلك كان سيصبح تصويرا موقتا لشخصية نشطة طموحة ذكية تنتهى بنهاية الزمن والظروف.
والأحداث التى صنعتها. من هنا الأهمية للشخصية الباقية القاهرة للزمن، شخصية الكاتب المؤرخ المفكر المحلل السياسى الأديب.
ولم تكن كتابة عادية. لقد كانت تحتوى على الكثير من المفاجآت والمتفجرات المختلف من حولها، المثيرة للكثير من الجدل والنقاش الذى لا ينتهى. لم تكن كتابة مؤرخ وإنما قراءة مفكر للتاريخ من أجل فهم موضوع السياسة وما وراء السياسة. وفى تلك الكتب تطلق العناوين والتعبيرات اللافتة لتصبح شعارات متداولة.
كانت الكتابات عبارة عن أسئلة يطرحها المؤلف على نفسه وعلى الآخرين. وتأتى الإجابات عن طريق التوثيق الشامل الصارم والتحليل الموضوعى، مقدما بأسلوب أدبى سلس ساحر.
•••
ولم يقتصر الاهتمام بالتاريخ على الحدث الذى أمام هيكل والذى يعيش ظروفه، فقد امتد إلى تاريخ الآخرين وشخصياته كما يجده الإنسان فى كتاب «زيارة جديدة للتاريخ». ويلحظ الإنسان فى كتب الأستاذ هيكل أنه لا يلعب دور المراقب والمؤرخ وسارد القصص فقط. وإنما يلحظ لعبة لدور الفاعل المؤثر فى تلك الأحداث.
ولذلك لا عجب أن أشير إليه بالاسم وفى العلن فى عهد الزعيم عبدالناصر بالاحترام والتقدير، وفى عهد الرئيس أنور السادات بالنقد والتشهير. ومع أن الإشارات العلنية خفتت فى أيام الرئيس السابق حسنى مبارك إلا أنها تعاود الظهور فى أيامنا الحالية إما مدحا أو اتهاما بأنه عراب هذا الحدث أو ذاك حتى وهو يعيش حياة الهدوء فى عزبته الجميلة.
هناك أناس قدر الله لهم، بسبب ذكائهم وضميرهم، وربما طموحهم، أن يعيشوا حياة الصخب الذى لا ينتهى. من هؤلاء الذين ابتلاهم رب العزة بهذا القدر الصديق العزيز المتجدد دوما الأستاذ محمد حسنين هيكل.
له منى كل محبة وكل دعاء وكل إشفاق الصديق الذى استغنت حياته بمعرفته الجميلة المليئة بالفرح والإعجاب.
وزير التربية والتعليم سابقا بدولة البحرين

عبد البارى عطوان: مدرسة الأستاذ
التقيت الأستاذ هيكل الكبير محمد حسنين هيكل للمرة الاولى فى شهر ابريل عام 1989 لاطلعه على العدد صفر من صحيفة «القدس العربى» التى كنت مكلفا باصدارها ورئاسة تحريرها.
الاستاذ هيكل قلب العدد الهزيل الملىء ببعض الاخطاء الفنية، وقال بنرقه المحبب: «اين الانتفاضة، انا لا اراها فى هذه الصحيفة، اراها صحيفة عادية مثل كل الصحف الاخرى»، فى ذلك الوقت كانت الانتفاضة الفلسطينية الاولة فى ذروتها.
خرجت من مكتبه مكسور الخاطر، فقد كنت اعتقد اننى احمل بيدى عددا يضاهى صحيفة «النيويورك تايمز» او «الجارديان» تماشيا مع المثل المصرى المعروف «القرد بعين امه غزال»، ولكن الاستاذ كان له رأى آخر لا يتردد فى قوله. الآن وبعد ربع قرن من الصدور، وعندما اعود الى الاعداد الاولى من الصحيفة افاجأ بتواضعها، على المستويين الفنى والمهنى، واقول فى نفسى كم كان رأى هذا الصحافى الكبير صادقا ومنصفا، رغم كونه صادما، فى صراحته الجارحة لكبريائى فى حينها، فهذا هو الاستاذ فى آرائه ومواقفه السياسية والصحافية، لا يجامل مطلقا، ولا يحيد عما يعتقد انه عين الصواب ولهذا احببناه وتابعنا كتاباته ومقابلاته التليفزيونية، وان اختلف بعضنا معه.
•••
لقاءاتى مع الاستاذ هيكل تواصلت فى لندن بعد ذلك، لان النظام السابق وضعنى على قوائمه السوداء لاكثر من 18 عاما، وعندما عدت الى القاهرة مطلع يونيو الماضى اردت زيارته ولكن الدكتور خير الدين حسيب الصديق المشترك ورئيس مركز دراسات الوحدة العربية اخبرنى انه مريض جدا ولا يستقبل زوارا فلم ارد ازعاجه. الغبار البركانى الذى ضرب اوروبا عام 2010 كان نعمة بالنسبة الى الاستاذ هيكل، فقد سجنه فى لندن لاكثر من عشرة ايام لتعطل حركة الصيران كليا، مما اتاح لى وللكثيرين من محبيه فرصة ذهبية لرؤيته اكثر من مرة على حفلات غداء (لا يقل دعوات العشاء لانه لا يتعشى منذ اربعين عاما) والاستمتاع بحواراته وعمق تحليلاته لساعات وتأخر صدور صحيفتنا اكثر من مرة بسبب ذلك لان موعد طباعتنا مبكر بالمقارنة مع الصحف العربية الاخرى لاننا نطبع فى مطبعة تجارية متزمتة فى مواعيدها. فى تلك اللقاءات التى كان يشارك فيها نخبة من الكتاب والمفكرين والصحفيين وبعض المسئولين ويتسابق الكثيرون لاستضافتها، وتتحول الى ندوة سياسية فكرية راقية فى جميع الاحيان، يتألق الاستاذ هيكل ويكون محور النقاش، يستمع بدهاء لجميع الاراء ثم بعد ذلك يدلو بدلوه وتكون له كلمة الفصل. فى احدى هذه الندوات وكانت فى منزل احد المثقفين الفلسطينيين الكبار، كشف لنا الاستاذ هيكل ان نظام الرئيس مبارك يحتضر وان مصر تنتظر حدثا عظيما، فالقدر يغلى وصبر المصريين بدا ينفذ بعد ان عم الفساد، وبات راس النظام منعزلا عن جسمه وجسم مصر باكملها، وشدد على ان المشير طنطاوى هو البديل الذى سيتولى مسئولية قيادة سفينة مصر الى بر الامان، واكد انه سيكون رئيسا مؤقتا لانه رجل زاهد فى الحكم، واشار الى انه كان الحاكم الفعلى لمصر مرتين، الاولى عندما اغمى على الرئيس مبارك وهو يلقى كلمته فى البرلمان، وحينها طرد جمال مبارك من المكان، والثانى عندما اجرى الرئيس مبارك عملية جراحية فى المانيا.
•••
اعترف باننى كنت، وما زلت، تلميذا فى مدرسة الاستاذ هيكل الصحافية، فقد تعلمت منه الكثير خاصة توثيق الحقائق والمعلومات بدقة متناهية فى المقالات السياسية، والنظرة الى الاحداث من زاوية شمولية، ودعم التحليل السياسى بالمنهاج الاكاديمى، وسرت على دربه فى تأليف الكتب باللغة الانجليزية ثم ترجمتها بعد ذلك الى اللغات الاجنبية الاخرى وعلى راسها اللغة العربية الام طبعا.
لا اعرف ما اذا ساعيش الى التسعين مثله، اطال الله فى عمره، ولكن الشىء الوحيد الذى انا متاكد منه اننى لن اكون فى لياقته الفكرية والمعرفية وتركيزه الرائع الذى يدهشنا يوما بعد يوم، عند ظهوره على شاشات التلفزة التى يختارها بعناية.
الاستاذ هيكل كان كبيرا فى زمن الكبار، وساهم بالدور الاكبر فى صياغة حقبة تاريخية من اعظم حقبات الامة واكثرها حراكا سياسيا وعسكريا واجتماعيا، حقبة كانت واعدة بالنهضة والعطاء فى شتى المجالات، وربما يكون الوحيد الذى بقى شاهدا على وقائعها بعد ان ارخ لها تفاصيلها فى العديد من كتبه القيمة، وللمرة الثانية اقول اطال الله فى عمره، واتمنى ان يطول به العمر لكى يرى مصر العظيمة تسترد دورها الريادى القيادى فى المنطقة والعالم باسره مثلما كان عليه الحال بعد ثورة يوليو المجيدة.
يذكرنى الاستاذ هيكل، والكثير من ابناء جيلى، بالعبارة الشهيرة التى اعتقد انه من اوحى بها ووردت على لسان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر «ارفع راسك يا اخى فقد انتهى عصر الاستعمار».. ما اجمل هذه العباره وما اقوى معانيها.
زملاء كثيرون عايشوا الاستاذ هيكل ونهلوا من تجربته وعلمه فى المجالين السياسى والاعلامى اكثر منى، فمريدوه كثر يستعصون على الحصر، وهؤلاء حتما اقدر منى على تقييمه التقييم الذى يستحق فى هذا الملحق. ختاما اتقدم بالشكر كله الى مؤسسة الشروق وعميدها الاستاذ ابراهيم المعلم، والصديق العزيز الاستاذ جميل مطر الذين اتاح لى هذه الفرصة للمشاركة فى هذا التكريم لاستاذ كبير وعلامة فارقة فى تاريخ امتنا الحديث.
رئيس تحرير جريدة القدس العربى سابقاً

وليد جنبلاط: أدرك حجم مصر ودورها وثقلها السياسى
عاصر محمد حسنين هيكل كل الأحداث السياسية المعاصرة فى مصر مواكبا معظم العهود الرئاسية والثورات المتعددة، كما عايش حقبات الاستبداد التى تخلص منها الشعب المصرى الأبى من خلال تمسكه بحقوقه المشروعة فى الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية.
تميز هيكل منذ بدايات عمله الصحفى والمهنى بثقافته الواسعة واطلاعه العميق على التطورات وقدرته العالية على ربطها وتحليلها وفهم مسبباتها وخلفياتها ومن ثم على تقديم رؤية سياسية متكاملة حول الحدث السياسى الراهن مستشرفا الخيارات المستقبلية والاتجاهات التى ستتخذها على ضوء المعلومات الخاصة التى كانت تتوفر لديه بحكم قربه من مراكز صنع القرار فى أكثر من حقبة. وهذه الامكانيات موضع التقدير حتى ولو كانت تباينت الآراء السياسية فيما بيننا عند إندلاع الثورة السورية.
وأتاحت مواكبة هيكل للمتغيرات والتحولات الكبرى فى مصر لا سيما إبان ثورة 23 يوليو وتولى الرئيس جمال عبدالناصر قيادة الجمهورية والأمة العربية ان يكتب عن هذه التحولات وأن يطلع الرأى العام العربى والغربى عن الكثير من الأمور والخفايا التى كانت خلف العديد من القرارات السياسية والاستراتيجية فى تلك الحقبة. وهذه المواكبة أتاحت له كذلك أن يعايش الحلم العربى الذى جسده الرئيس عبدالناصر من خلال مواجهته المخططات الغربية التى رسمت لهذه المنطقة بعد القرار التاريخى بتأميم قناة السويس ولاحقا الحرب المصرية الاسرائيلية التى انتهت بانتكاسة كبرى إستقال على أثرها زعيم مصر فى خطوة كانت ولا زالت نادرة فى عالمنا العربى!
ومجدداً، مع ثورة الخامس والعشرين من يناير التى أطاحت بنظام الرئيس حسنى مبارك والثورة الثانية فى الثلاثين من يونيو التى أتت لتصحيح الانحراف الذى تلا الثورة ولإحباط محاولات مصادرة نتائجها وتضحيات صانعيها، كتب هيكل مراراً وتكراراً فى شئون الثورتين كاشفاً الخلفيات والخفايا ومقدما النصائح السياسية التى عكست التطلعات الشعبية وطموحات الشعب المصرى.
ومصر اليوم على مفترق طرق. لا مناص من تطبيق خارطة الطريق التى رسمها الجيش المصرى العريق بالتعاون مع مروحة كبيرة من القوى السياسية لأنها الوحيدة الكفيلة بإحباط كل محاولات إختطاف الثورة وذلك يتحقق عبر الحفاظ على أكبر قدر ممكن من التنوع والتعددية وتلافى الانزلاق الى حيث تريد بعض القوى السياسية من خلال تعكير الامن والاستقرار والسلم الداخلى.
لقد ادرك هيكل حجم مصر ودورها وثقلها السياسى ووزنها العربى والاقليمى والدولى، فعكس فى كتاباته هذا المستوى الكبير من الفهم والادراك والاطلاع.
رئيس الحزب التقدمى الاشتراكى فى لبنان

يوسف الحسن: روح شابة فى سن التسعين
لا أعرف كاتبا صحفيا عربيا أثارت كتاباته نقاشاً على مستوى كونى مثل الأستاذ هيكل وظل مرجعا ومزارا لكبار الساسة.
قد يكون الاستاذ محمد حسنين هيكل آخر هؤلاء الكتاب والصحفيين الذين لا يتكررون، هؤلاء الذين يمكثون على القمة بروح شابة حتى وهم فى سن الشيخوخة، ويتركون بصمات يصعب محوها. قبل نحو عقد أو يزيد استأذن الناس بالانصراف والتقاعد وقبل ذلك اعتذر عن زيارة الخليج والجزيرة العربية لأسبابه ومبرراته، لكنه فى نهاية النهار عاد إلى الكلمة، وهى نصف التاريخ، عاد مترعاً برحيق الصحفى الجسور وبالحنين إلى البحث والتأمل والتحليل والشهادة على العصر.
على مدى خمسة عقود تابعت قراءة وتأملاً كل ما كتبه الاستاذ هيكل وحظيت بلقائه أول مرة فى «دار الأهرام« فى صيف عام 1973، وبرفقة الصديق الراحل تريم عمران، المعين سفيراً للإمارات فى القاهرة، ومرة أخرى فى العام نفسه، برفقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمى حاكم الشارقة، وفى هذه الزيارة الأخيرة نظم الاستاذ هيكل جلسة حوار للشيخ الدكتور سلطان مع نخبة مميزة من أدباء وفنانى مصر، من أمثال توفيق الحكيم، وصلاح طاهر ومحفوظ وغيرهم، ممن جذبهم هيكل إلى مؤسسة «الأهرام» ووفر لهم مكاتب وبيئة ابداعية وفكرية فيها. وفى مرة ثالثة كنت فى وداعه فى مطار القاهرة فى نهاية عام 1977، قبل توجهه إلى أبوظبى لإلقاء محاضرة فيها، حول «ما الذى جرى فى مصر؟ وكيف جرى؟ ولماذا جرى؟» فى إشارة إلى زيارة الرئيس السادات إلى القدس المحتلة.
•••
لم يُعرف الاستاذ هيكل أنه كان يوماً تابعاً لسلطة أو لسلطان، وظل ومازال حامل قلم، لا نديماً لبلاط أو منشداً لنظام. وفى كتبه ومقالاته تكثر المعلومات والوقائع، وتغلب أحياناً على الرأى والتحليل، وهنا تكمن الصورة المميزة له كصحفى. فجذر الحرية للكاتب، هو ضمان تدفق المعلومات ومعرفة الحقائق ولا قيمة لرأى كاتب إذا كانت قاعدته المعلوماتية ضحلة ومعرفته بما يجرى حوله فقيرة وخلفياته المعرفية هشة وهامشية.
من ناحية أخرى، فإن الاستاذ هيكل كان صارماً فى توثيقه، حريصاً على صدقية غير مسبوقة كشاهد على الأحداث، وبخاصة الأحداث المفصلية فى حياة مصر، وفى تاريخ المنطقة العربية وحروبها وسلامها الراقص وخفايا السياسة فيها.
لم يقع فى محظور »الحكمة بأثر رجعى» كما يفعل غيره من الكتاب والصحفيين بل كان ناقداً لما يجرى، مؤتمناً لقارئه يبوح له بكل ما يعرفه، معتبراً أن فقدان ذاكرة الأمة هو كارثة تودى بالتاريخ والمستقبل وظل صاحب رؤية ومعلومات بالغة الجسارة والصدقية فى أزمنة داجنة.
تحدث بصراحة عن عبقرية المكان «مصر» حينما يشع سحرها ويشيع سرها وتصبح الملهم والنموذج. وتحدث أيضاً عنها حينما تتعطل إرادتها أو يصغر دورها أو تنكمش وتنزوى. ورغم أن كثيرين من الكتاب والصحفيين اقتربوا من صناع القرار إلاَّ أن هذا القرب تحول إلى قيد على حريتهم فى الكتابة والتأريخ والرأى. أما الاستاذ هيكل فقد كان خارج هذا النوع من الأشخاص، اقترب من صانع القرار فى الخمسينيات والستينيات والربع الأول من السبعينيات وظل فى القمة يكتب على الورق ولا يعتمد على الذاكرة. وتظل التفاصيل لديه حية ونابضة ومسنودة بالوثائق والمعلومات وبعيدة عن الانشاء والجمل البارعة المصفوفة الفارغة من المعنى والرؤية.
•••
من غير الاستاذ هيكل، ما كان لجيلى، ولا الأجيال الحالية أن تعرف شيئاً عن ملفات سياسية أساسية، كملفات حرب 1948، والسويس وحربى 1967 و1973 ومبادرات السلام وأسرارها ووثائقها، وسنوات الغليان وكواليس مؤتمرات قمم عربية، وتفاصيل لوحات كئيبة فى حياة هذه الأمة، وخلفيات وصلات زعماء ونجوم لمعت، ثم غاب ضياؤها بسرعة ولفها الضباب. لا أعرف كاتباً صحفياً عربياً أثارت كتاباته نقاشاً على مستوى كونى مثل الاستاذ هيكل وظل مرجعاً ومزاراً لكبار الساسة فى سنين شبابه وشيخوخته فى آن.
لا أحد فى عالمنا العربى احتفظ بأوراقه ووثائقه التى تحكى وقائع مهمة فى تاريخ مصر والعرب خارج بلده لحفظها وصونها مثلما فعل الاستاذ هيكل. يقول فى أحد كتبه «إنه غطَّى عينيه بكفيه وأجهش فى البكاء حينما سمع إذاعة القاهرة وهى تتحدث عن ترتيبات زيارة السادات للقدس المحتلة وكيف أن سرباً من مقاتلات سلاح الجو »الإسرائيلي« سوف تخرج للقاء طائرة السادات».
تُرى ماذا قال الاستاذ هيكل وهل أجهش فى البكاء والحزن حينما قام »شيطان« بحرق وتدمير منزله ومكتبته ووثائق نادرة ثمينة فى قرية «برقاش».
هل «اسطوانات» الغاز التى فُجرت فى كتبه وبيته وأشعلت ناراً شكلت نوعاً من الاحتفاء ببلوغه التسعين، كشمعة ميلاد، نفخ الاستاذ عليها فأطفأ نيرانها. فمصر عنده فى امتحان صعب وعسير فى هذه الأيام.
الاستاذ هيكل.. شخصية مميزة غير عادية واصلت الحركة والتأثير صعوداً وباستمرار وشاهد على تاريخ مصر لأكثر من ستين عاماً وظاهرة تخطت حدود بلدها ونتاجها لا يضيع فى زوايا النسيان.
مدير المعهد الدبلوماسى بوزارة خارجية دولة الامارات سابقاً

حيدر إبراهيم: هيكل.. السلطة الخامسة
تقدم حياة الاستاذ (محمد حسنين هيكل) الخصيبة المديدة العديد من العبر والنماذج فى القدرة على تحويل سنوات العمر إلى إنجازات وابداعات لا تتوقف ولا يهزمها الدهر ولا المصائب؛ ولا تغريها النجاحات والأضواء. وما زال (هيكل) منذ الحرب الكورية وحتى الحرب السورية فى نفس الحيوية والنضارة والعقل اليقظ المتوثب؛ وكأنه أتى الى الدنيا بالأمس فقط.
كأنه يصر على أن يكون رمزا ومثالا لقيم مطمورة فى الحياة العربية: حب العمل، المثابرة، التنظيم، الموضوعية، الدقة، مع البهجة وروح المرح. كأنه يقول لنا بإشارات عدة: هناك حقا ما يستحق الحياة. قد تختلف معه فى الرأى إلى حدود بعيدة، ولكنك تكون مكابرا إذا لم تحترمه وتغبطه. يكفيه إنجازا إصراره على أن تكون للعرب ذاكرة، فظل بلا كلل يوثق ويؤرخ ويحلل ويعارك ضد النسيان أو التناسى. وهو يفتدينا جميعا ساعيا لكى يكون الوعى بالتاريخ فرض عين، خاصة وهو يحمل مسؤولية متابعة الأحداث وحمايتها من الضياع والإهمال.
•••
لم تكن مصادفة أو خطأ أن تكون مكتبة (هيكل) ومنزل(برقاش) أول اعتداءات القوى الظلامية. فهى ترى فى نفسها نهاية التاريخ، وكل ما سواه جاهلية. وترى من جانبها أن يكون العقل العربى الإسلامى صفحة بيضاء تخط عليه ما تريد من خرافات وخزعبلات وكوابيس.
ومن المؤكد، أن حرق الكتب والوثائق واللوحات ممارسة تترية تطل من غيهب التاريخ.وللمفارقة، تتزامن مع الحديث عن الديمقراطية والشرعية وحق الاختلاف. ويحمل استهداف(هيكل) مبكرا فى حملة الإرهاب الفكرى والابتزاز،إلى إثارة الفزع والتردد لدى الآخرين.وهذه من اساليب الحرب فى الجاهلية،أن تبدأ بقتل أبرز الفرسان لكى» تشتت الجمع!» لذلك،من الواجب أن تتحول تسعينية الاستاذ الى احتفالية لحرية الفكر وإدانة كل اشكال الإرهاب العقلى. ويجب أن نحتفى بالرجل باعتباره رمزا للتجربة والخطأ فى طريق الحق فى التعبير. فهو لا يدعى الليبرالية ولكنه من أعمدة الدعوة للتحديث والعصرنة والعقلانية، ومن هنا تأتى ضرورة تحويل مناسبته الخاصة إلى قضية عامة تؤمن بالحريات كشرط لأى عملية تحديث أو عصرنة. ومن الطبيعى أن تكون التطورات الاخيرة قد أوصلت (هيكل) إلى رؤية جديدة يراجع فيها إشكالية دور الزعيم والشعب لينخرط بكليته فى البحث عن ديمقراطية ناجعة ومستدامة للإنسان العربى.
درجنا على اعتبار الصحافة سلطة رابعة، ولكن (هيكل) مثّل سلطة اخرى داخلها يمكن اعتبارها سلطة خامسة.فقد تحوّل الصحفى لأول مرة فى التاريخ،الى عنصر مؤثر فى صناعة القرار واتخاذه وتنفيذه. واستند إلى قلمه فى تكوين الرأى وفرض نفسه، دون أن تكون خلفه كتيبة أو سلاح طيران أو مشاة. ولم تكن عزوته إلى قبيلة أو عشيرة أو منطقة أو نقابة. فلقد أدخل ظاهرة سياسية جديدة أعلت من شأن القلم والرأى داخل نظام فردى لحد كبير. وعلينا التأمل فى مواقف وأحداث كثيرة،ظهرت فيها سلطته الخامسة مثل تعيين بعض الأسماء المعارضة أو غير المرغوب فيها أو دوره فى نشر رواية (أولاد حارتنا). ويدخلنا دوره فى النقاش الذى لم يتوقف عن علاقة المثقف والسلطة.
كاتب سودانى

محمد صالح المسفر: هيكل يطرق باب التسعين عامًا
الاستاذ محمد حسنين هيكل امد الله فى عمره متوجا بالصحة والسعادة يطرق باب التسعين عاما. انه يعتبر الأبرز فى ميدان الصحافة العربية وابرز الصحفيين العرب فى ميدان الاعلام الدولى، انه مدرسة اعلامية بكل معنى الكلمة «كانت علاقاته فى المجتمع الدولى مع قادة العالم لا تقل عن علاقات ابرز الزعماء العرب الرئيس الراحل حمال عبد الناصر على كل الصعد، علاقاته بعمالقة النصف الثانى من القرن العشرين سواء كانوا زعماء دول (نهرو ،شؤين لاى، ديغول، تيتو.. الخ) أو مؤرخين واهمهم المؤرخ البريطانى الكبير (ستيفن رانسيمان) أو كتاب وابرزهم عندى والذى اشغل اهل الفكر والسياسة فى الولايات المتحده الامريكية واوروبا الغربية (ادورد سعيد) وكبار رجال الاعلام فى الغرب والشرق فى جميع الميادين، وقيادات عسكرية البعض منها منتصرا مثال الفيلد مارشال مونتغمرى، صاحب معركة العلمين فى الحرب العالمية الثانية.
•••
عرفنا الاستاذ محمد حسنين هيكل قبل ان نراه، عرفناه عبر اذاعة صوت العرب، وكنا على موعد معه كل يوم جمعة نستمع الى مقالته الاسبوعية «بصراحة» منذ اواخر الخمسينيات من القرن الماضى. كانت مقالته فى الاهرام تشدنا ونحن متحولقون امام المذياع «الراديو» صامتين وكأن على رؤسنا الطير، يتحول مجلسنا فيما بعد الاستماع الى حوارات يطول ليلها حول ما قال وما كان يجب ان يقول. عرفنا من مقالاته الاسبوعية اسباب الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 واسباب الانفصال، كان خطابه «بصراحة» يهز عروش وانظمة، له مقالة شهير فى الاهرام بعنوان «انى اعترض» على اثر تلك المقالة سقطة حكومة الانفصال فى دمشق. لا ابالغ اذا قلت ان قوة الكلمة فى الاهرام التى يقولها هيكل عملت على زعزعة الوجود البريطانى فى جنوب الجزيرة العربية والخليج العربى، وكذلك الوجود الفرنسى فى شمال افريقيا ورحل الاستعمار البريطانى من الخليج وجنوب الجزيرة العربية ورحل الاستعمار الفرنسى عن شمال افريقيا الى غير رجعة.
قدم الاستاذ هيكل للمكتبة العربية العديد من الكتب تتضمن رؤية مشاهد عن وقائع تاريخ الوطن العربى ودور الحكام العرب فى تلك الوقائع السلبى منها والايجابى منذو نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 والى مطلع الالفية الثالثة اى بداية القرن الحادى والعشرين، والحق انه لا غنى لاى باحث فى شؤون الشرق الاوسط عن كتب محمد حسنين هيكل. يقول عنه المورخ البريطانى الشهير «ستيفن رانسيمان» ان التاريخ عندك له اذان ، وله عيون . انى احسدك على تجربتك التى اعطتك الفرصة لتعيش التاريخ وتكتب عنه ايضا».
•••
لا اريد ان استعرض ما تعلمنا من كتب الاستاذ هيكل ومحاضراته ولقاءاته وحواراته وخاصة ملفات السويس، وخريف الغضب، ومدافع اية الله الخمينى، والقنوات السرية: قصة المفاوضات السرية بين العرب واسرائيل، الطريق الى رمضان، وغير ذلك من الكتب والمقالات والمحاضرات واللقاءات المتلفزة.
كنت فى الويات المتحدة الامريكية فى حقبة الثمانينيات من القرن الماضى، كان بين استاذى فى مرحلة الدراسات العليا رتشارد دكميجيان وبينى حوارات لا تنتهى عن مصر ودورها وعن جمال عبدالناصر ومحمد حسنين هيكل وسوريا، وتجدر الاشارة الى اننى وجدت البرفسور دكمجيان متحمس للناصرية ومعجبا بتجربتها الوطنية وللعلم فان اول كتاب له فى نهاية الخمسينيات من القرن الماض كان بعنوان «مصر تحت قيادة عبدالناصر (Egypt Under Nassir) يؤكد دكمجيان ان ما كتبه هيكل باللغة الانجليزية بين يده وانه يقر بان هيكل ليس صحفيا فقط وانما هو مؤرخ سياسى للوطن العربى، ولما كان البرفسور دكمجيان متخصصا بالحركات الاسلامية وتنظيماتها فانه يعتب على الاستاذ هيكل لموقفه السلبى غير المبرر من التيار السياسى الاسلامى واعتقد انه اشار الى ذلك الرأى فى احد كتبه عن الحركات الاسلامية .(رتشار دكمجيان ارمنى سورى غادر سورية فى طفولته مع اسرته الى امريكا).
•••
ولا يفوتنى ان اعبر عن احتجاجنا العظيم على ما تعرض له بيته ومكتبته فى الريف خارج القاهرة فى الايام الماضية ان ذلك ليس اسلوب الشرفاء انه اسلوب اللصوص الحاقدين جحافل اهل الفتن والبغضاء. اخر القول: يبقى الاستاذ محمد حسنين هيكل محل تقديرنا واحترامنا متمنين له طول العمر متوجا بالصحة والسعادة.
أستاذ العلوم السياسية بجامعة قطر

معن بشور: رجل الوفاء
فى زمن عزّ فيه الوفاء من الرجال للرجال، يبقى اسم الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رمزاً ساطعاً للوفاء لقائد كبير ممن أنجبتهم مصر والأمّة، هو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
رغم أن هيكل عاش حوالى نصف عمره التسعينى بعد غياب خالد الذكر جمال عبدالناصر، بل أمضى أكثر من نصف حياته العملية بدون ناصر، إلاّ أن أحداً لا يمكن أن يذكر هيكل إلاّ ويذكر وفاءه لجمال عبدالناصر، ولا يذكر القائد الكبير إلاّ ويذكر من رافق تجربته، ودوّن أفكاره، وشاركه فى رؤيته، وبقى حافظاً لذكره أى محمد حسنين هيكل.
وفى زمنٍ تبدّل الولاءات، وتفشى المتغيرات والمتغيّرين، وهم كثر، وفى زمن أصبحت فيه الثقافة والفكر والكتابة سلعاً خاضعة للعرض والطلب، بقى هيكل قامة مصرية عربية عالمية عصيّة على البيع والشراء، إذ يعرف الجميع كم كان سينال هيكل من خزائن أهل الخزائن لو قال كلمة سلبية واحدة بحق جمال عبدالناصر أو حتى لو امتنع عن الدفاع عنه وسط حملات منظمة، محلية المنشأ، أو إقليمية الصنع أو دولية الارتباط.
•••
إن كلمات قليلة تُساق فى هذه العجالة، لا تستطيع أن تفى الرجل حقّه فى كل ميدان من ميادين تفوقه وتألقه، فمثلما كان صحفياً استثنائياً، تنتظر عشرات الملايين مقالته «بصراحة» فى الأهرام لتعرف «أمر الأسبوع» الصادر عن مرجعية الأمّة، كان أيضاً مؤرخاً غير تقليدى يغوص فى أسرار التاريخ ووثائقه، فلا يقول كلمة لا تستند إلى أدلّة، ولا يعرض رأياً غير مدعوم بوثائق، بل كان كثيراً ما يلجأ إلى التاريخ مستعيناً به على عثرات هذه الأيام مستخرجاً منه العبر للحاضر، والرؤى للمستقبل، والتصميم لأهل العزم، والقدرة لأهل الإرادة.
كان هيكل أيضاً وما زال سياسياً بأدوار دبلوماسية، دبلوماسياً بأدوار سياسية، لكنه تهرب دائماً من المناصب الرسمية إدراكاً منه أن السلطة هى أساساً القدرة على الفعل والتأثير وليست مهرجانات واستعراضات وأضواء، ولقد مارس هيكل تلك القدرة لسنوات مع جمال عبدالناصر، ثم مارسها مع الرأى العام المصرى العربى والعالمى حين ضاق به أهل السلطة فى مصر والوطن العربى. إلاّ أن الميّزة الأكبر فى الرجل الكبير تبقى فى وفائه، أى فى أخلاقه، فالوفاء هو رأس الأخلاق لأن فيه الفضائل الإنسانية مجتمعة، فيه الصدق والإخلاص والأمانة... وفيه الشجاعة أيضاً، فكم دفع أوفياء ثمناً غالياً لشجاعتهم...، وكم دفع شجعان كلفة باهظة ضريبة وفائهم.
•••
فى مسيرة هيكل أطال الله عمره اختلف معه كثيرون وسانده أكثر، بعضهم كان بعيداً عنه والبعض كان من المقربين إليه، لكن أحداً من هؤلاء لا ينكر على الرجل قدرته ورؤيته وسعة اطلاعه وجميل صياغته، بل وطنيته المصرية وقوميته العربية وإيمانه الدينى، وكلها دوائر لم ير فيها هيكل، وقبله جمال عبدالناصر، أى تناقض، بل رآها متكاملة تعزّز الرابطة الواحدة منها الروابط الأخرى وتتعزّز بها، فلا عروبة بدون مصر، ولا مصر بدون دور قيادى فى أمتها، ولا عروبة لا يشكل الإسلام روحها وثقافتها، ولا حركة إسلامية لا تكون العروبة بوصلتها وإطارها الذى تتمثل فيها روحها الجامعة لأبنائها من كل الأديان، كما تعبّر عن عمق صلتها بروح العصر ونمط عيش الناس. لذلك لا نثقل على الأستاذ هيكل، وهو يدخل العقد العاشر من العمر، إذا تطلعنا إليه كصاحب قامة وهمّة فى أن يقوم بدوره فى المساعدة على إخراج مصر من محنتها، وأن يسعى بنفسه إلى تهيئة الأجواء لحوار بين المصريين لا عنف فيه ولا إرهاب، ولا إقصاء فيه ولا استئثار، فمصر العزيزة لكل أبنائها ومصر منيعة بكل أبنائها.
كاتب سياسى من لبنان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.