بدأ هذا الكتاب بعمال الكاكاو فى غرب أفريقيا، وهم عمال صغار السن بلا حول ولا قوة، ينهك العمل القاسى كاهلهم. ثم ينتهى الكتاب بأطفال تعساء فى النرويج يعانون من الوزن المفرط. تفصل بينهما مسافة شاسعة ليس من ناحية المسافة المادية فحسب، ولكن أيضا من حيث المسافة المعنوية، أى مستوى المعيشة والثقافة وطبيعة المشكلات التى يعانون منها. وعلى الرغم مما يتبدى على السطح من ظواهر، فإن ثمة خيطا غير مرئى يربط بينهما. هناك علاقة تربط بطرق غير مباشرة ومعقدة بين المشكلات التى يواجهونها ورغبة صناعة الشوكولاتة فى كسب المال. ويعزى هذا إما إلى حاجة الصناعة إلى الحصول على سلع أساسية رخيصة الثمن، وإما إلى رغبتها فى كسب المزيد من المال على حساب المستهلك. تبين قصص رواد صناعة الشوكولاتة أن الاهتمام بالبشر والتفكير أخلاقيا قبل التفكير ربحيا واتخاذ المبادرات الخلاقة، يحقق مردودا طيبا على الأمد الطويل. إن التدابير التقدمية التى تطبقها «كادبرى» و«مينيه» و«رونترى» و«هرشى» من دون أن ننسى جهود «ترون هولست» قد أعطيا صورة إيجابية لميدان الأعمال. لقد كان العمال يشعرون بأنهم جزء لا يتجزأ من الشركة ويفتخرون بها. وكان المستهلكون، من جهتهم، يثقون فى مثالية صاحب المصنع ويدركون أن هذا الأخير قد أعلى من شأن الأخلاقيات ووضعها نصب عينيه فكانت رائدة فى كل ما يقوم به من أعمال، وأضحت رعاية الفرد تأتى فى المقام الأول، قبل الربح. ربما أسهمت هذه الثقة، إلى حد بعيد، فى استمرار وجود تلك الشركات التى بناها الأولون. وربما يود المرء وصف هذا على أنه إرساء الصرح الذى ترتكز علامة الشركة التجارية عليه. ليس هناك أدنى شك فى أن رجال أعمال اليوم يستفيدون جيدا مما أنجزه الرواد. وينبغى على رجال الأعمال قراءة تاريخهم وتعلم الكثير منه. ولكن، إن لم يتوخ هؤلاء مراعاة مسئوليهم نحو المجتمع، ففى مقدورنا نحن الضغط عليهم لكى يسيروا فى هذا الاتجاه. نحن النشطاء والمستهلكين والصحفيين ورجال السياسة، لدينا القوة الكافية. ونستطيع العمل من أجل وضع القواعد المنظمة وممارسة الضغوط لسن القوانين. وفى هذا الصدد، لا يستطيع أى بلد إنجاز الكثير. إن عملا منفردا ينبغى التوصل من خلاله إلى سن القوانين على المستوى الدولى، لفرض قواعد ونظم على الشركات الكبرى عبر الوطنية. ومن جهتنا نحن المستهلكون، فى وسعنا تفضيل شراء الشوكولاتة المصنفة أى تلك التى يجرى إنتاجها فى أماكن نعرف أن فلاحى الكاكاو فيها يحصلون على السعر المناسب لما ينتجوه منها، حيث نظم الفلاحون صفوفهم فى أماكن محددة، فى الوقت الذى يذهب فيه صغارهم إلى المدارس. وأضحى اختيار عدد كافٍ من هذه المنتجات المصنفة، والاتجار فيها، مدرا للربح. وهذا هو مفتاح القضية: عندما يصبح تطبيق الأخلاقيات أمرا مجزيا. سوف تتبنى الشركات المعنية هذه الأخلاقيات. وفى «هاكى باكيه سكوجن»، حيث كان يعيش «توربيورن إنجير» كانت تروى قصة «هاربوس» كبير الخبازين، وتلميذه. لقد ارتكب التلميذ خطأ فى مكونات الكعكة بالفلفل، وأضعاف ضعفى الكمية المطلوبة. وبينما كان يدور النقاش بينهما حول هذا الخطأ، مر الثعلب بالمكان، راميا إلى سرقة الكعكة. لكن تمكن كبير الخبازين من إقناع الثعلب بأنه لو سرق الكعكة لأصبح مذاقها مرا فى فمه. وعلى العكس، لو دفع الثعلب سعر الكعكة العادل لأصبح مذاق كل جرام منها شهيا. هذا هو الدرس الأخلاقى الذى تنطوى القصة عليه. أنا أحب الشوكولاتة، وكذلك نحن جميعا نحب الشوكولاتة. ولكننا نود استهلاكها من دون أن يؤنبنا الضمير. إن وثقنا من أن جميع هؤلاء الذين أسهموا فى صنع الشوكولاتة قد تقاضوا أجرهم العادل وأن هؤلاء الذين يصنعونها يقولون لنا الحقيقة، فسوف يصبح مذاق الشوكولاتة طيبا. أما الشوكولاتة التى تكون منتجا من صنع عمل العبيد والأطفال الصغار، فيصبح طعمها مرا.