لا يُعد منتجو الشوكولاته النرويجيون أسوأ وأفضل من الآخرين. وليس فى وسعهم الجزم حتى الآن بأنهم لم يستخدموا الرقيق من الأطفال أو العمال الأطفال فى إنتاج الكاكاو الذى تستورده «شوكولاته فرايا بالحليب» (Freie melkesjoko - Lade) أو «ستراتوس» stratos) أو «منتجو الشوكولاته النرويجيون الآخرون». تقول رئيسة قسم الإعلام فى «كرافت فوودز» (Kraft Foods) «أى الشركة التى تصنع الشوكولاته النرويجية» «إيرين جولبرانسن»: «هناك أكثر من مليون مزرعة كاكاو فى غرب أفريقيا، ولا يوجد اليوم نظام بمقدوره الوقوف على طبيعة الظروف السائدة فى جميع المواقع». كما تشير إلى أن الأمر يتعلق هنا بكثير من المزارع العائلية صغيرة المحصول وبأنه لا توجد بنى أساسية ولا نظم تيسر متابعة فلاحى الكاكاو حتى المزارع التى يأتون منها. وتحاول صناعة الشوكولاته الآن إنشاء مثل هذا النظام. وقد تعهدت صناعة الشوكولاته أيضا بتمويل بعض المشروعات بغية تحسين شروط معيشة فلاحى الكاكاو. وقامت الصناعة بتأهيل مائة وثلاثين معلما يقومون بدورهم بتعليم فلاحى الكاكاو استخدام التكنولوجيا الزراعية ومكافحة الآفات وإقامة العلاقات الاجتماعية وتنظيم تعاونيات ملتزمة بتحقيق «زراعة كاكاو مستدامة». وتتحدث رئيسة قسم الإعلام فى شركة «نيدار» (Nidar) «إلين بيرنز»، عن التفاعل بين الشروط الإيكولوجية والرفاهية الاقتصادية والبيئية والرعاية الاجتماعية فتقول: إن «نيدار» قد انضمت إلى شبكة مؤسسة الكاكاو العالمية لزيادة معرفتها بالظروف السائدة فى حقول الكاكاو. بيد أن كلا من «نيدار» و«كرافت فوودز» لا ترغبان، بل لا تستطيعان توفير معلومات عن الموارد التى تكرسها فعلا لهذه التدابير. ويعتقد «داج يتل أوينا» من اتحاد مصانع الشوكولاته النرويجية بأنه لا يعد القضاء على عمل الأطفال أمرا واقعيا. يقول «أوينا»: «إن عمل الأطفال يعد جزءا من تربية الطفل وشطرا ضروريا فى ميزانية الأسرة ككل. حيث يزاول الأطفال العمل مع الأب والأم، ولا أعتقد أنه فى الوسع القضاء عليه». ويقول «دافيد زيمر» من رابطة صناعات منتجات السكر للجماعة الاقتصادية الأوروبية شيئا من هذا القبيل: «لا يمكن لصناعة ما التغلب وحدها على جميع أسباب الفقر الأساسية فى أفريقيا». أما المنتقدون، فيدعون، من جهتهم، أن تدابير صناعة الشوكولاته، أولا وقبل كل شىء، هى تدابير السوق لمجرد تبرئة ذمتها فى عيون المستهلكين. لقد قامت «منظمة إنقاذ الطفولة كندا» على خيارات طوعية لا أكثر، ولا يستطيع المرء التعويل على أن صناعة الشوكولاته سوف تفى بالتزاماتها من دون وجود هيئة رقابة مستقلة تتولى مهمة الإشراف على التنفيذ. ويطرح آخرون تساؤلات لمعرفة مدى واقعية إلغاء أكثر أشكال عمل الأطفال، أى الهدف الذى تم تحديده. تقول «آن كيلاند»: «يكاد يفرط هذا الهدف فى الطموح. فى الوسع بالطبع بذل المحاولات لتحقيقه، ولكننى أعنى شخصيا أن الهدف ليس واقعيا وبأنه لن يتحقق». من جهة أخرى، تقدم صناعة الشوكولاته التقارير التى تأتى من حقول الكاكاو بالطريقة الخاصة بها. إنها تستأجر المكاتب الصحفية التى تصنع الخبر، والتى، من جهة أخرى، بدأت بإنشاء موقع على شبكة الإنترنت يعطى لتلاميذ المدارس «انطباعا واقعيا» عن الحياة فى مزرعة الكاكاو. يقال للأطفال إن الشركات التى تصنع الشوكولاته التى تأكلونها تبذل كل جهدها لضمان عدم إصابة الصغار الذين يعملون فى زراعة الكاكاو. وتحت عنوان «احترام التقاليد الثقافية» يقال لأطفال الغرب، ومن جهة أخرى، إنه فى عديد من ثقافات غرب أفريقيا، يلعب الأطفال دورا مهما فى تقديم يد المساعدة لإنجاز الأعمال فى المزارع. وتسهر صناعة الشوكولاته والأطراف المتعاونة معها بكل عناية على تحقيق التوازن بين معايير العمل الدولية وبين التقاليد الثقافية المحلية. «كما أن الصناعة قد قدمت الاستقصاء الخاص بعمل الأطفال الذى أجراه المعهد الدولى للزراعة المدارية» بطريقتها الخاصة واستخدمته فى تبرءة نفسها من الادعاءات التى جاءت أولا من الإعلام. يقول «دافيد زيمر» من رابطة صناعات منتجات السكر للجماعة الاقتصادية الأوروبية: «وجد التقرير أن حشد الأطفال والكبار خارج الأسرة كان أمرا غير طبيعى تقريبا». هذا اقتباس صحيح من التقرير، ولكنه فى نفس الآونة يذكر فى الجملة التالية أن الأمر يتعلق بحوالى 5120 عاملا صغيرا يعملون طوال الوقت. لكن لا يمكن لأى من مكاتب الصحافة فى العالم، مع هذا، توضيح الأسباب التى تجعل الأطفال الذين يرسلون للعمل فى سن مبكرة يفقدون حلقة مهمة من حلقات تطورهم الطبيعى وهى الطفولة. تقول «آن كيلاند»: «إننى أرى أن أسوأ شىء فى عمل الأطفال هو أنه عندما يكون الطفل فى مرحلة حيوية من مراحل تطور هويته، فإنه يتعلم أن مبرر وجوده الوحيد هو إسعاد الآخرين. ولا يكترث أحد بأنك إنسان لك رغبات أو إرادة وأنك تحب أشياء دون أشياء أخرى. إنك تتعلم تحطيم السمات القوية فى شخصيتك. وبالتالى تتعلم العيش لتحقيق مصالح من هم أكبر وأقوى منك. وعندما يحدث هذا مع أطفال، يصبحون أفرادا ذوى شخصيات مضطربة. وفى فترات زمنية لاحقة من الحياة، غالبا ما تنخرط الفتيات فى علاقات تستغل فيها، لأن هذا شكل التعايش الذى تعلمته، فى حين أن الذكور غالبا ما يمارسون دور المستغل، لأن الرجل قد تعلم أنه عندما يكون الطرف الأقوى، فإنه يقوم باضطهاد الآخرين. إن الفرد ما هو إلا صورة تنعكس فيها ما تعلمه وما تربى عليه». بعد عودته إلى مالى، يجلس «موسى دومبيا» وظهره مثخن بجروح وبندبة كبيرة للغاية، أشبه بكرة فى كتفه. غير أنه يقوم هو والآخرون بتشمير بنطلوناتهم على أرجلهم، كاشفين عن ندبات قبيحة الشكل وعميقة أصيبوا بها بعد استخدامهم فئوس الأدغال. هؤلاء الصبية ليست لديهم مكاتب صحفية، ولا قدرة على القراءة ولا الكتابة. نقودهم قليلة. إنهم يعانون من الآثار التى تركتها التجارب التى عاشوها فى مزارع الكاكاو ومن الكوابيس والذكريات المؤلمة التى تتسلط على أذهانهم. وهو ما يرويه «موسى دومبيا» قائلا: «كانت هناك ديكة رومية. والآن عندما أسمع صياح الديكة الرومية، أشعر كما لو كنت قد أخذت وأرغمت على العمل من جديد فى الكوت ديفوار، وهنا تعود إلى تلك الذكريات المؤلمة مرة أخرى». يقول «كريم بنجالى»: «تهاجمنى الكوابيس بأن رجالا اختطفونى وانهالوا علىّ ضربا» «وعندما تعاودنى هذه الذكريات المؤلمة، أستيقظ ولا أستطيع مواصلة النوم بقية الليل. أقوم وأظل جالسا انتظارا لبزوغ يوم جديد».