جاء على صفحات «جريدة VG» فى أحد الأيام أن الشوكولاتة مفيدة للصحة. ومن حقنا أن نحب الشوكولاتة كما كتبت الصحيفة. وفى الحقيقة أن الشوكولاتة أفضل من الصيت الذى رافقها. إنها مفيدة للصحة. وبعد ذلك كتب الصحفى قائمة بنتائج البحث. وأكد باحث يابانى من «جامعة أوساكا» أن الشوكولاتة (مفيدة للأسنان). ويرى باحث أمريكى من «جامعة هارفارد» أنه لو أكل الفرد شوكولاتة ثلاث مرات فى الشهر، فربما يعيش عاما واحدا أطول من الفرد الذى يحرم نفسه من هذه السعادة. كما يدعى بعض الباحثين من «كاليفورنيا» أن الشوكولاتة (تقى من أمراض القلب) فى حين أثبت بعض الباحثين لدى «معهد علوم الأعصاب بسان دييجو» وأثبتت كذلك (تجارب فئران جرت فى جامعة نيويورك) كل من جهته وعلى طريقته، أن الشوكولاتة مفيدة للصحة، كما جاء فى العناوين الفرعية من مقالة (الصحة فى كل قضمة شوكولاتة) و«أنها مفيدة للأسنان». وظهرت على الصورة امرأة جميلة ونحيفة تلبس فستانا مفتوحا يكشف صدرها وكانت تحمل كيسا ضخما من الشوكولاتة، وكتب فى النص الوارد على أسفل الصورة «هذه هى الحياة الحلوة: لن ينتابك شعور بتأنيب الضمير إن اشتريت كيس شوكولاتة». هذه المقالة التى نشرت فى «جريدة VG» ليست فريدة من نوعها بأى شكل كان. وفى هذه السنوات الأخيرة، رددت الصحف النرويجية الأجنبية بشكل منتظم على صفحاتها أنباء تقول فيها إن الشوكولاتة مفيدة للصحة. جاء هذا على الرغم من أن الشوكولاتة تحتوى على نفس المكونات التى كانت تشتمل عليها دائما: وفى المقام الأول السكر والدسم. ولم تصبح الشوكولاتة أكثر فائدة من ذى قبل، ولم يحدث شىء يلقى أضواء أخرى مختلفة على الشوكولاتة. إذن، ما الجديد؟ وماذا حدث؟ الجديد بكل بساطة هو أن صناعة الشوكولاتة على الصعيد العالمى كرست ملايين من الدولارات فى السنوات الأخيرة لرعاية الباحثين الذين يعملون من أجل إبراز الجوانب الصحية فى الشوكولاتة ومد وسائل الإعلام بنتائج هذه البحوث. ويطلق إخصائيو التسويق على هذا العمل اسم «التسويق العام» وهو أحد أنواع التسويق الذى يحاول فيه منظم الحملة تحسين الصورة العامة للمنتج (الشوكولاتة مثلا)، وليس عبر العلامة التجارية «سنيكرز». ويتعاون منتجو الشوكولاتة فى شن حملات التسويق العام، على سبيل المثال، من خلال المنظمة الأمريكية «اتحاد مصانع الشوكولاتة» التى ترغب فى «تذكير المستهلكين بأن الشوكولاتة تلائم نظام حياة صحيا سعيدا» وتحاول خلق «مناخ إعلامى إيجابى حول الشوكولاتة». وفى سبتمبر 1998، قدمت وثيقة إلى اجتماع «المجلس الدولى للكاكاو» (ICCO) فى لندن، حملت رقم (ICC/58/9) تحت عنوان «ترويج عام لاستهلاك الكاكاو فى اليابان». ووردت فى أعلى الوثيقة على اليمين عبارة (Distr: RESTRICTED) «توزيع محدود»، فقد كان يقتصر توزيع الوثيقة على المشاركين فى الاجتماع. وكانت هذه الوثيقة تقييما لمشروع يرمى إلى حمل اليابانيين على الاعتقاد بأن الشوكولاتة مفيدة للصحة. وفيما يلى فكرة موجزة عن كيفية تحقيق ذلك: «المشكلة» فى اليابان، كما عرضت فى الوثيقة، هى أنه قد توافر انطباع لدى اليابانيين عن أن الكاكاو يتسبب فى السمنة وضار بالصحة، بسبب احتوائه على نسبة كبيرة من الدسم والسكر. وكان يتعين تصحيح هذا الوضع وزيادة كمية مبيعات الكاكاو والشوكولاتة السنوية إلى ما يعادل 20.000 طن من حبوب الكاكاو خلال فترة أربع سنوات. وتقوم الاستراتيجية على أساس تحقيق «التكامل الرأسى». وقد لاحظ هؤلاء الذين خططوا لهذه الحملة أن المستهلكين اليابانيين يصغون باهتمام إلى الرسائل التى تأتى من سلطات ذات ثقة من الباحثين. وعليه، فكر المسوقون فى تطوير رسالة على هذا النحو تفيد بأن الشوكولاتة مفيدة للصحة وتحتوى على قيم غذائية، ثم يحصلون على دعم لهذه الرسالة من قبل باحثين مستقلين، حيث رغب إخصائيو التسويق فى الوصول بهذه الرسالة إلى عدد كبير من خبراء التغذية اليابانيين وإقناعهم بتغيير وجهة نظرهم عن الشوكولاتة. وبعد إقناع هؤلاء الخبراء، ينتقل تركيز الحملة نحو الجمهور. كان من المزمع تحقيق كل هذا عن طريق عقد ندوة علمية تدعى وسائل الإعلام إلى المشاركة فيها. ولذا، كان هناك اهتمام كبير منذ البداية بتوفير المعلومات كافة إلى الصحافة ومد الجسور مع الصحفيين والعاملين فى التليفزيون والمحطات التليفزيونية. وبغية إضفاء الشرعية على عملية البحث، عين باحث مرموق فى منصب مستشار مقابل أتعاب متواضعة، ولكنها مغرية وفقا لما نصت الوثيقة عليه. وتم التشديد أيضا على ضرورة صون «استقلالية الباحثين» حيث كان من المزمع تقديم نتائج البحث للنظر فيها فى «مؤتمرات بحوث يشترك فيها باحثون مستقلون». ومع هذا، أجرى منتجو الشوكولاتة هذه البحوث يدا فى يد مع باحثين «مستقلين» وبرعاية منهم. وفى عام 1998، «انكب عشرون باحثا يابانيا تقريبا على دراسة المشكلة مع خبراء التغذية فى الكاكاو والشوكولاتة، وعمل هؤلاء جميعا تحت رعاية الصناعة ذاتها».