عندما تتوالى كرات شوكولاتة «نونستوب» الطازجة على المائدة، يتهافتون عليها ويلتهمونها. يملأون أيديهم بها ثم يفرغونها فى أفواههم لتملأ وجناتهم السمينة وهم يمضغونها. خمسة أطفال ذهبوا فى رحلة مدرسية إلى «فرايا لاند». لا يوبخهم أحد، ويستطيعون أكل أى كمية يشتهونها. يقول المعلم وهو يبتسم: «لقد صبروا طويلا انتظارا لهذه اللحظات». تعرض عليهم أنواع جديدة ومغرية لم يتذوقها أحد منا فيما سبق: «شوكولاتة بجوز الهند» و«شوكولاتة بناناسميل» و«شوكولاتة بالحليب» مع برتقال بالكراملة و«شوكولاتة ليلا نونستوب» و«شوكولاتة ببندق الملكة». نلبس معاطف بيضاء ونضع أغطية على الرءوس ثم نتبع الأطفال بحماسة بالغة للتجول سريعا فى قاعة المصنع. نصل إلى ممر يعرض فيه تاريخ الشوكولاتة إلى جانب تاريخ مصنع «فرايا» كما تعرض بعض المعلومات عن «جوهان ترون هولست» ومثله العليا وقليل عن نشأة الشوكولاتة بين قبائل المكسيك القديمة وجملة واحدة عن الوضع السائد اليوم الذى تعيشه «فرايا» وفقا للفيلم الإعلامى «إحدى أهم علامات كرافت فوودز التجارية». ثم هناك غرفة يستطيع الطفل قياس طوله فيها على مقياس من «شوكولاتة ياب» يقف كيس كبير من «شوكولاتة تويست» وقرص شوكولاتة بالقرنفل ضخم على جانب بعض أجهزة الكمبيوتر حيث تعرض جميع إعلانات شوكولاتة «تويست» و«دايم» و«ياب» وفى الداخل، هناك قاعة سينما رسمت مقاعدها على شكل قطع ضخمة من «الشوكولاتة بالحليب» جلس الأطفال الخمسة فيها وشاهدوا فيلما، وهو عبارة عن موكب من إعلانات «الشوكولاتة بالحليب» يقدم على شاشة سينما كبيرة لقد شاهد الأطفال معظم هذه الإعلانات فيما سبق وهى تتحدث عن: «الرومانتيكة الوطنية، والموسيقى النرويجية التقليدية والقصة المؤثرة». وفى قاعة أخرى، تتاح لجميع الأطفال الفرصة لصنع الشوكولاتة التى تحلو لهم. يقوم المرشد بسكب كتل من الشوكولاتة السائلة فى قوالب أمامهم وتعطى للأطفال أقلام ملونة كى يرسموا علامة الشوكولاتة بأنفسهم. كتب أحد الأطفال على العلامة: «لازم آخد دى معايا، أنا عايز أخدها معايا وبس». وعلى الحائط، كتبت تحية بالأقلام الملونة: «ياللا ورينا الهمة، فرايا لاند هى القمة»، وهناك خطاب حرر فى إحدى الزيارات السابقة: («فرايا» هى القمة)، («فرايا» أحسن مصنع شوكولاتة فى العالم). وعندما عدت إلى البيت، تناولت قليلا من الشوكولاتة. كانت لذيذة الطعم جدا. بابا وماما وأخى الصغير أحبوا الشوكولاتة أيضا. وقالوا إن «الشوكولاتة ممتعة حقا. ألف مليون شكر على هذه الشوكولاتة الممتازة بجدارة». وبالقرب من هنا، وفى الشباك، صورة، هى شريحة، معروضة ومكتوب عليها: تمتلك «كرافت» 7 من أصل 10 أنواع من الشوكولاتة الأكثر رواجا فى النرويج. ثم هناك، على بعد مسافة قصيرة توجد خريطة مفصلة تعرض العملية التى يمر بها المستهلك خلال الثوانى التى يستغرقها قبل اتخاذه قرار شراء الشوكولاتة. أتوقف هنا برهة، وأستمر فى الوقوف كى أفكر مليا وأتساءل: «هل هذه الزيارة، فى واقع الأمر، أكثر من مجرد زيارة لمصنع الشوكولاتة؟ «كادبرى وورلد» «بورنفيل» إنجلترا إن نمط الزيارة المتبع فيها مماثل ل«فرايا»: تاريخ الشركة معروض فى صورة شائقة.. ناعمة، وموسيقى كلاسيكية، وإعلانات سابقة فيلم باللون الأسود. والأبيض لعمال كاكاو فى أفريقيا تشع من وجوههم البهجة والحيوية زيارة سريعة فى قاعة الإنتاج حيث تنتقل الشوكولاتة فيها على سيور متحركة، وفى أحد الأماكن ركبنا سيارات بلاستيكية وفى مقدمتها عيون وأنف وفم، وتجولنا كما لو كنا فى أحد الملاهى، فى مسار به مشاهد سريالية: حبوب كاكاو تبتسم وتلوح لنا بأيديها. شوكولاتة تتحدث إلينا. خوار بقر ميكانيكى، لافتة تحذرنا من الشوكولاتة المتهاوية. حبوب كاكاكو تصيح وتصرخ وتلوح ثم ضحكات تنطلق ميكانيكيا فى ضوء خافت. وفجأة داهمنى ضوء فلاش آلة تصوير تلتقط الصور آليا. وبعد مرور وقت قصير، رأيت النتيجة: صورة خرقاء بدوت فيها فى مظهر إخصائى أنثروبولوجيا بريطانى. وفى ختام الزيارة، انتهى بنا الممر إلى عالم أكبر محل شيكولاتة مملوء بفانلات «كادبرى» وفناجين وحيوانات لعب وأنواع مختلفة من الشوكولاتة فى دينا «شوكولاتة كادبرى». التقيت فى الخارج ب«كولين بيت» الذى قدم نفسه بأنه «مدير الاتصال التربوى» فى «كادبرى وورلد». وروى أن «كادبرى وورلد» قد استثمر نحو 10.626.691 دولار فى بناء هذا المركز فى عام 1990. وبلغ عدد الزائرين ستة ملايين نسمة. وأظهرت الاستقصاءات السوقية أن المركز أسهم فى زيادة المبيعات بمبلغ يتراوح بين 17.711.152 دولار، وأنه يعد بمثابة «أداة حيوية فى أعمال تسويق كادبرى». وقد أثارت هذه المعلومات الريبة فى ذهنى. أين ينتهى عالم اللعب؟ وأين تبدأ الدعاية؟ متى يبدأ بناء العلامة التجارية؟ وهل يمكن فصله عن زيارة المصنع؟ سألت «كولين بيت»: هل هذا، بصريح العبارة، تسويق موجه إلى الطفل؟ غير أنه أجاب عن سؤالى قائلا: «إن قيمنا هى الأسرة والمرح وهذا ما نود أن يشعر الناس به عند زيارة «كادبرى وورلد»، واستطرد فى الحديث عن أمور أخرى. من جهتها تقول «كرافت فوودز»: (إن ما يحرك «فرايا لاند» هى «فكرة المسئولية نحو المجتمع»). ولأننا مؤسسة صناعية كبرى فى النرويج، فإنه يتعين علينا كما تقول مسئولة الإعلام «إيرين جولبر أنسن»: «أن نقدم للناس ما ينتظرونه منا. ليس هناك تسويق شرس، ولكنه طريقة عمل تدخل فى إطار المبادرات التى تتخذها المدارس». ومع هذا يسمى مصمم الإعلانات «إلدر كايلستاد» عالم الألعاب ب«المشاركة فى بناء العلامة التجارية» (involvement branding). إنها عبارة حديثة تستخدم فى فرع الدعاية والإعلانات. وتحاول الشركات عن طريق الإعلانات جذب الجمهور إلى المشاركة بشكل تفاعلى مع المنتجات. ولن يجلس الجمهور لمشاهدة الإعلانات بشكل سلبى فقط، ولكنه يسهم بشىء أيضا.