ضرب الزلزال التونسي العالم الوادع للحكام العرب الذين يحكمون بلادهم منذ سنوات مديدة، وحطم صورة الأنظمة المتحصنة بالمؤسسات العسكرية في مواجهة الرفض الشعبي والمظالم. ولا بد أن الصور التي بثتها القنوات الفضائية للانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي، بعد أكثر من 23 عاما في السلطة، قد هزت الزعماء العرب -من المحيط إلى الخليج-الذين تلاحقهم سجلات مشابهة من الاستبداد. ويقول محللون وشخصيات معارضة بارزة ومواطنون عاديون إن الثورة التونسية قد تكون معدية. فكثيرون من المواطنين العرب، مثلهم في ذلك مثل التونسيين، يعيشون حياة يسيطر عليها اليأس بسبب ارتفاع الأسعار والفقر والبطالة وعدد السكان المتضخم وأنظمة حاكمة تتجاهل أصواتهم. ويقولون إن مثل هؤلاء الزعماء لم يعد بإمكانهم مواصلة تجاهل شعوبهم الفقيرة أو الاعتماد على إخضاع شعوبهم الهائجة بالقوة الغاشمة دون أن يتوقعوا ردا. ووصف محمد القحطاني المعارض السعودي الناشط في الرياض التطورات التي جرت في تونس بأنها "زلزال" وقال إن الحكام العرب سيحاولون تخفيف قبضة أنظمتهم بمنح بعض الحريات وتوفير فرص عمل والتعليم وأشياء من هذا القبيل، إلا أنهم سيحاولون بعدها العودة إلى القمع مرة أخرى. ومضى يقول إن السؤال هو ما إذا كانت الشعوب قد تعلمت الدرس، وما إذا كانت ستترك الحكام يفعلون ذلك. وربما كان المواطنون العاديون في العالم العربي الآن أقل رغبة في قبول التكتيكات السياسية العتيقة لحكوماتهم. ويتساءل كثيرون ممن شاهد ما جرى في تونس، عما إذا كان ما جرى هناك يمكن أن يجري عندهم. وقال أحد المعلقين في منتدى (حوار الإمارات العربية المتحدة) النقاشي، إن الطغاة لا يعيشون للأبد، وإن ما جرى في تونس رسالة لكل نظام دكتاتوري يحكم بلاده بالحديد والنار. وقال مصري يبلغ من العمر 55 عاما شارك في الحرب ضد إسرائيل عام 1973 وطلب عدم الكشف عن اسمه "التونسيون رجال بحق. لقد أمسكوا بزمام الأمور في أيديهم، وكانت لديهم الشجاعة للسيطرة على مصيرهم بأنفسهم، وقالو للاستبداد: لا". "الشعب المصري يعاني مثل الشعب التونسي، وهذا يشجع كل المصريين على أن يفعلوا نفس الشيء". واشتعلت مواقع الشبكات الاجتماعية على الإنترنت في المنطقة بدعوات للتحرك الشعبي. وغيرت مواقع مثل تويتر وفيسبوك القواعد أمام الحكام العرب الذين كانوا ذات يوم يسيطرون تماما على ما يصل إلى شعوبهم من أخبار. وقال جاسم حسين العضو المعارض في البرلمان البحريني إن الشعوب لم يعد من الممكن أن تشترى إلى الأبد بالمنح الاقتصادية في عصر تنتقل فيه المعلومات بحرية، وفي وقت يمكن لهذه الشعوب أن تعقد المقارنات. وفي مصر حيث يحكم الرئيس حسني مبارك منذ ثلاثة عقود ظهرت صفحة على موقع فيسبوك بعنوان "معا لمشروع تجهيز طيارة لكل رئيس"، ودعت صفحات عدة الرئيس البالغ من العمر 82 عاما إلى أن يبدأ في حزم حقائبه، بينما دعا مشاركون إلى التغيير على غرار ما حدث في تونس تحت شعار "كفاية" وطلب أحد المشاركين من بن علي أن يخبر مبارك بأن طائرة أخرى تنتظره. واقترحت مها الجمل المشاركة في الصفحة في تعليق لها، أن تقوم طائرة واحدة بجولة في الوطن العربي كله لجمع الحكام المستبدين دفعة واحدة. لكن تبديد الغضب الشعبي في مواجهة زيادة الأسعار أو الكبت السياسي يتضمن خيارات صعبة يجب أن يتخذها الحكام العرب الذين أزعجتهم الإطاحة بنظيرهم التونسي. وقال شادي حامد من مركز بروكينجز الدوحة، إن الأنظمة العربية الحاكمة في موقف سيئ مهما فعلت فأي تساهل سياسي من شأنه أن يثير المزيد من الجرأة لدى المعارضة، وأي غلق للقنوات السياسية يحتمل تكرر الموقف التونسي، حيث ظل الإحباط قائما فترة طويلة حتى انفجر دون سابق إنذار. ومن الممكن أن تؤجل في دول عربية عديدة خطوات الإلغاء التدريجي للدعم، وربما تُلغى هذه الخطوات تماما تحسبا لغضبة شعبية ضد ارتفاع الأسعار الذي أضر بالكثير من سكان المنطقة التي تعتمد على استيراد كثير مما تأكل. ومن شأن ذلك أن يزيد من حدة العجز في ميزانيات هذه الدول، وهو أمر يزعج المستثمرين الأجانب الذين يشترون ديون دول المنطقة، ومن الممكن أن يقوض الإصلاحات التي تستهدف زيادة النمو وخلق فرص العمل. لكن تلك المخاوف البعيدة المدى تتراجع على الأرجح أمام المشاكل الآنية. وقال حامد إن الحكام في هذه الحالة ليسوا مفكرين أو مخططين استراتيجيين ينظرون إلى المدى البعيد وإنما حكام سلطويون لا يولون اعتبارا إلا لما يبقيهم في السلطة ويتعامل مع المعارضة. واستجابت دول يرشحها المحللون للانضمام إلى قائمة الدول التي تهددها اضطرابات شبيهة بما حدث في تونس مثل الأردن وليبيا بخطوات للحد من ارتفاع الأسعار. كما يمكن أن تعيد مصر التفكير في خطط لخفض الدعم الذي تقدمه على بعض السلع والخدمات على الرغم من تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية فيها، بسبب انعدام اليقين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام. ولم يعلن مبارك عما إذا كان سيرشح نفسه لفترة رئاسية سادسة أم لا. وحاول وزير الخارجية المصري أمس الأحد التهوين من شأن الأحداث التي شهدتها تونس. وعندما سئل عن عدم الاستقرار الذي يمكن أن يجتاح العالم العربي قال "هذا كلام فارغ". واعتبر بعض المسؤولين ومن بينهم المسؤولون في الجزائر الذين واجهوا احتجاجات بسبب ارتفاع الأسعار تزامنت مع الاحتجاجات التونسية قبل خروج بن علي. وكتب عبد العزيز بلخادم زعيم حزب الرئيس في صحيفة الخبر اليومية الجزائرية يقول "الأمور التي حدثت لا تحدث للغير فقط والعاقل من يتعظ.. إن أحسن حماية وأفضل شرعية هي شرعية الشعب وحينما يعطيك الشعب ينتظر منك المقابل". وفي المغرب منعت السلطات مظاهرة أمام السفارة التونسية دعت إليها مجموعة من المنظمات غير الحكومية والمستقلة، وذلك قبل فرار بن علي من البلاد. لكن السلطات سمحت باحتفال نظمته المجموعة نفسها أمام السفارة نفسها بعد سقوط الرئيس التونسي. ودول شمال أفريقيا من المغرب إلى مصر، ومعها الأردن وسوريا، من أكثر الدول المرشحة لانتفاضات الشعوب الغاضبة، بينما تملك الدول الخليجية ما يكفي من الموارد لشراء هدوء المواطنين. وقال تيودور كاراسيك المحلل السياسي في مجموعة أنيجما في دبي "أعتقد أن الدول الخليجية أكثر أمنا قليلا من دول أخرى ذكرت مثل مصر والأردن والجزائر. لذا فلا أعتقد أن الأمر سينتشر إلى هنا". غير أن المعارضين الذين يسعون لحشد المواطنين للتصدي للأنظمة الحاكمة يواجهون تحديات هائلة. ومن الممكن أن تغرق دعوات التظاهر مواقع الإنترنت، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذه الدعوات ستترجم إلى حركة حقيقية في الشارع. وأدت عقود من التكتيكات الأمنية القاسية إلى سحق أحزاب المعارضة الرسمية في العديد من الدول العربية. والنقابات في العادة ضعيفة. وينظر البعض بقلق إلى المساومات الجارية حاليا بين السياسيين المعارضين وبين سياسيين كانوا موالين لبن علي في محاولة لتشكيل صيغة سياسية جديدة في تونس. وقال يوسف درعاوي الطالب الجامعي المغربي "في البداية كنت سعيدا بأنهم يتصدون لبن علي، ثم يضغطون عليه كي يرحل. لكن يمكنك أن ترى بنفسك الآن أن الأمر أصبح مقلقا. النظام لا يريد أن يرحل". لكن التجربة التونسية تشير إلى أن عدم وجود معارضة منظمة لا يحول دون أن يتحول غليان الشعوب المحبطة إلى ثورة. كما تشير التجربة أيضا إلى حدود ما يمكن أن تفرضه القبضة الثقيلة للجيش من سيطرة. ومن الممكن أن يمتنع رجال الجيش الذين يأتي أغلبهم من طبقات متوسطة وربما دنيا تعاني نفس المعاناة عن تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على مواطنيهم. وقال حامد من بروكينجز إن الحكام العرب إذا كانوا يعتمدون على ذلك، فموقفهم مزعزع أكثر مما نظن.