على الرغم من محاولات الحكومة المصرية التأكيد على أن مصر بمنأى عن انتقال عدوى الاضطرابات الراهنة في تونس والتي أدت إلى الإطاحة بنظام حكم الرئيس التونسي زين العابدين بن على, قال رئيس الوزراء الإيطالي السابق رومانو برودى أنه بعد أحداث تونس "ينبغي إيلاء اهتمام أشد نحو مصر، حيث كانت التوترات الاجتماعية قوية جدا خلال أزمة الغذاء التي حدثت في وقت سابق" . وأضاف برودي في مقال تحليلي حول جنوب المتوسط عقب الأحداث التونسية نشرته صحيفة الميساجيرو أن "تلك التوترات لم تتحول لانفجار فقط لأن الحكومة المصرية خلال أشهر الأزمة كرست موارد هائلة لدعم سعر الخبز، وقبل كل شيء لأن الأزمة لم تدم طويلا" على حد قوله وتابع برودى وفقا لما بثته وكالة أنباء آكى الايطالية "اليوم مصر تنمو بشكل جيد، واحتمالات أن يستمر هذا النمو في المستقبل جيدة، ولكن حساسية وهشاشة اللحظة السياسية يجعلها ضعيفة للغاية في مواجهة البطالة خاصة بين الشباب، وفي مواجهة زيادة واسعة النطاق في سعر الخبز" . وأختتم بالقول " دعونا لا ننسى أن مصر تقترب من تسعين مليون شخص، أو ما يقرب من تسعة أضعاف سكان تونس، ولديها حضور واسع النطاق للأصوليين الإسلاميين، على الرغم من أنه غير مرئي" وفق وجهة نظره. وجاءت تصريحات برودى لتعبر عن مخاوف حقيقية تنتاب النخب السياسية في أوروبا من احتمال تعرض مصر لاضطرابات اجتماعية واقتصادية خطيرة على غرار تونس على نحو قد يؤدى إلى تدهور الأوضاع وتعرض المصالح الغربية في مصر للخطر. واعتبر خبراء سياسيون عرب وأجانب أن "الزلزال التونسي" قد ضرب ما وصفوه بالعالم الهادئ للحكام العرب الذين يحكمون بلادهم منذ سنوات عديدة وحطم صورة الأنظمة المتحصنة بالمؤسسات العسكرية في مواجهة الرفض الشعبي، حسبما قالت وكالة رويترز . وذكرت الوكالة في تقرير لها أن الصور التي بثتها القنوات الفضائية للانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي بعد أكثر من 23 عاما في السلطة لا بد وأنها قد هزت الزعماء العرب -من المحيط إلى الخليج -الذين تلاحقهم سجلات مشابهة من الاستبداد، حسب قولها. ولفتت الوكالة إلى أن عدة دول يرشحها المحللون للانضمام إلى قائمة الدول التي تهددها اضطرابات شبيهة بما حدث في تونس مثل الأردن وليبيا قد اتخذت خطوات للحد من ارتفاع الأسعار عقب ما جرى في تونس. وقالت إن مصر قد تعيد هي الأخرى التفكير في خطط لخفض الدعم الذي تقدمه على بعض السلع والخدمات على الرغم من تباطؤ الإصلاحات الاقتصادية فيها بسبب انعدام اليقين قبل الانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام، والتي لم يعلن الرئيس مبارك حتى الآن ما إذا كان سيترشح فيها لفترة رئاسية سادسة أم لا. وكان وزير الخارجية المصرية أحمد أبو الغيط قد حاول أمس التهوين من شأن الأحداث التي شهدتها تونس، وقال ردا على سؤال عن إمكانية انتقال العدوى إلى دول أخرى في العالم العربي إن "هذا كلام فارغ". إلا أن رئيس الوزراء الجزائري السابق عبد العزيز بلخادم قال في المقابل إن "الأمور التي حدثت لا تحدث للغير فقط والعاقل من يتعظ، فأحسن حماية وأفضل شرعية هي شرعية الشعب وحينما يعطيك الشعب ينتظر منك المقابل." وبحسب وكالة رويترز، فإن دول شمال أفريقيا من المغرب إلى مصر ومعها الأردن وسوريا من أكثر الدول المرشحة لانتفاضات الشعوب الغاضبة بينما تملك الدول الخليجية ما يكفي من الموارد لشراء هدوء المواطنين، على حد قولها. ونسبت الوكالة إلى تيودور كاراسيك المحلل السياسي في مجموعة انيغما في دبي القول إن "الدول الخليجية أكثر أمنا قليلا من دول أخرى مثل مصر والأردن والجزائر، لذلك فلا اعتقد أن الأمر سينتشر إلى هنا." لكن التجربة التونسية، بحسب الوكالة، تشير إلى أن عدم وجود معارضة منظمة لا يحول دون أن يتحول غليان الشعوب المحبطة إلى ثورة، كما تشير أيضا إلى حدود ما يمكن أن تفرضه القبضة الثقيلة للجيش من سيطرة حيث أنه من الممكن أن يمتنع رجال الجيش الذين يأتي أغلبهم من طبقات متوسطة وربما دنيا تعاني نفس المعاناة عن تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على مواطنيهم، على حد قول الوكالة. وكانت تونس قد شهدت حركة احتجاجات من الشهر الماضي بعد إقدام أحد الشباب على الانتحار حرقا مما أسفر في النهاية عن فرار الرئيس زين العابدين بن علي وانهيار النظام. من جهته نوه القيادي بجماعة الإخوان المسلمين بمصر محمد البلتاجي إلى أن "كل الدول التي رفضت استقبال الرئيس التونسي السابق توافقت مع مواقف الشعوب وكانت محل تقديرها خاصة الشعب التونسي" رافضا التعليق على استقبال السعودية له وعن قيام مواطن مصري بإشعال النار في نفسه أمام مجلس الشعب قال البلتاجي في مقابلة مع وكالة (آكي) الإيطالية للأنباء أن "الخبر يؤكد أن عدوى الثورة قابلة للانتقال وان مصر يجب أن تأخذ الأمر على محمل الجد" . وتابع إن "الوضع الأمنى قوى في مصر لكن الأحداث أكدت انه ليس ضمانا لعدم تفجر الأوضاع" لافتا إلى أن ثمة " انفجار حتمي ما لم يكن هناك تغيرات جوهرية نحو الحريات والديمقراطية والعدالة الاجتماعية" وردد " مال يكن هناك تغيير سيأتي الانفجار عاجلا أم آجلا". وحول الإجراءات اتخذتها حكومة بلاده لتفادى مثل هذا الانفجار قال "نعم يمكن أن نري بوضح أن الحكومة دعمت بعض السلع الغذائية كما أن هناك عدم تصعيد أمنى واضح فتمت إتاحة مساحة من الحريات لم تكن موجودة من قبل مما يدل على الحرص على عدم التصعيد".