يمكن أن تصبح متابعة الأخبار والحوادث سلاحا ذو حدين، فقد تزيد من وعي البعض وكذلك قد تتسبب في اضطرابات للبعض الآخر، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة كقضايا العنف الجنسي ضد الأطفال. ومع تعرض الوالدين لسيل من الأخبار والمناقشات يحاصرهم طوال الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي، قد تتحول عقولهم إلى بيئة خصبة لنمو بعض الاضطرابات والأفكار المغلوطة عن التربية الوقائية من شدة قلقهم على أطفالهم ورغبتهم في حمايتهم، ما يؤثر سلبا على صحة أطفالهم النفسية بغير قصد. وهنا يصبح من المهم السؤال عن الأضرار النفسية التي قد تسببها التربية القائمة على الارتياب والقلق وكيف يمكننا تفادي ذلك. هل يمكن أن تؤدي متابعة قصص العنف الجنسي ضد الأطفال إلى إصابة الأهل ب"التروما"؟ تؤكد الدكتورة هالة سمير، طبيبة الأمراض النفسية والعصبية بمستشفى العباسية، في تصريحات ل"الشروق"، أن التعرض المستمر لقصص التحرش والاعتداء على الأطفال قد يسبب تروما شديدة للأهل، تماما كما يحدث عند متابعة أي أخبار عنيفة وقاسية مثل أخبار الحروب، حتى لو لم نكن قد عشنا هذه المشكلة بأنفسنا لكن يصبح الخوف هو ما يحركنا. وأوضحت أنه في حالة الأخبار من هذا النوع ينعكس الأمر على الأطفال إذ ينتقل القلق والتوتر من الأهل إليهم، وقد يتحول ذلك إلى تحسس زائد عن الحد أو إلى حماية مفرطة، ويكون الوضع أسوأ إذا كان المربي لديه تاريخ سابق مع اضطراب القلق أو اضطراب الشخصية الارتيابية، فالتربية في هذه الحالة تصبح غير صحية وقائمة بشكل كامل على الحذر والتخويف والشكوك. ونوهت إلى أنه ينبغي أن يتحكم المربي في مشاعره، أو يحصل على مساعدة متخصصة إذا لزم الأمر تساعده على تهدئة مخاوفه وتربية طفله بشكل صحي. إلى أي مدى يمكن أن تكون الحماية الزائدة مؤذية للطفل؟ وأوضحت أن الحماية الزائدة مؤذية أيضا للطفل وليس الإهمال فقط. وحتى لو لم يلحظ الأهل ذلك بأنفسهم أو ظنوا أن هذه الطريقة قد نجحت مع آخرين، فكل طفل طاقته النفسية مختلفة وفي كل الأحوال تعد هذه الطريقة خاطئة؛ لأنها تجعله أكثر عرضة لاضطرابات مختلفة وأولها اضطرابات القلق، وتؤثر على ثقته بنفسه وتشعره بأن العالم بشكل عام مكان خطر، وهذا يتناقض مع مرحلته العمرية التي تجعله مقبل على استكشاف العالم وبحاجة لعلاقات صحية من حوله، كما تجعله يشعر بأنه غير كفء ويحتاج إلى هذه الدرجة الزائدة من الحماية، وهو شعور سيأتي بنتيجة عكسية ويضعف إحساسه بالأمان في النهاية فثقته بنفسه هي خط دفاعه الأول. بالإضافة إلى ذلك، قد تصل إلى الطفل مشاعر خوف من جسده، فيصاب باضطراب تشوه صورة الجسد، فيشعر بأن هذا الجسد قد يكون مصدرا للألم أو للمشكلات والانتهاك؛ ما يشوه صورة جسده لديه، وتستمر معه حتى عندما يكبر وقد تؤثر عليه عند الزواج ويواجه صعوبة في إقامة علاقة صحية. ما الفرق بين التوعية والتخويف؟ واختتمت سمير، حديثها بالتشديد على أن هناك فرقا كبيرا بين التوعية وتدريب الطفل وبين أن أشعره بأنه دائما معرض للخطر وجميع من حوله يحاولون انتهاكه، متابعة: "مسوليتك كمرب تعليمه كيف يتصرف في مختلف المواقف وكيف يمكنه تمييز تعرضه للخطر ومتابعته بشكل طبيعي وطمأنته بأنك دائما إلى جانبه وتصدقه وليس سرد الحوادث والاخبار عليه يوميا أو مناقشة أمر واحد معه وتكثيف النصائح حول هذا الأمر بشكل يبث فيه الرعب". كيف يمكنك توعية طفلك دون تشويه صورته عن العالم؟ وتؤكد الدكتورة أسماء مشالي، أخصائية علم النفس الإكلينيكي في تصريحات ل"الشروق"، أن التربية الوقائية لا تعني إخافة الأطفال بل منحهم أدوات تحميهم بينما ما زالوا قادرين على رؤية العالم مكانا آمنا ولطيفا. وتابعت أنه من المهم التوضيح للطفل بهدوء أن لكل جزء من جسده حدودا لا يحق لأي شخص تجاوزها وأنه لا يجوز لأي شخص أن يلمس جسده بطريقة تزعجه أو تربكه، مشيرة إلى أن أي شعور بعدم الارتياح يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وأضافت أنه يجب أن يشعر الطفل بالثقة وأن جسده ملك له وحده ومشاعره مهمة ويجب احترامها دائما. وأكدت أن استخدام كلمات مناسبة لعمر الطفل ضروري، فمن الأفضل تجنب التفاصيل المخيفة أو العبارات الكبيرة مثل "هناك من قد يؤذي" أو "هناك من يتحرش"، وأضافت أنه يمكن تبسيط الفكرة للطفل بالقول إن هناك أحيانا أشخاص لا يحترمون حدود الآخرين، وعندها يمكنه قول لا والابتعاد وهكذا تصل الرسالة دون زرع صورة سوداوية عن الناس من حوله. وأضافت أن تعليم الطفل قول "لا" بثقة واحترام عند شعوره بأي أمر يزعجه وليس فقط التحرش، يمنحه شعورا بالقوة موضحة أن التدرب على جمل بسيطة مثل: "من فضلك لا تفعل ذلك"، أو "أنا لست مرتاحا"، يساعده على حماية نفسه بطريقة طبيعية وأضافت أن هذا يرسخ لديه قدرة على التعبير عن مشاعره بثقة. كما أكدت مشالي، أهمية التركيز على الأمان بدل الخطر وإفهام الطفل أن معظم الناس طيبون لكن من المهم معرفة كيفية حماية النفس عندما لا يحترم أحد حدودنا، وطمأنته بأن له الحق في الشعور بالغضب أو الانزعاج من تصرفات الآخرين، وأنه يستطيع مشاركة انطباعاته ومناقشة مشاعره تجاه المواقف المختلفة مع والديه. ونصحت مشالي باستخدام مفهوم "دائرة الأمان" لتعريف الطفل بأن هناك أجزاء من جسده لا يحق لأحد لمسها أو رؤيتها سوى الأشخاص المكلفين برعايته أثناء ارتداء الملابس أو استخدام الحمام أو العلاج، ما يرسخ لديه وعيا صحيا بلا تهويل أو تشويه لصورة العالم والتسبب في شعوره بالخوف الدائم من الآخرين.