على أرض مصر كثير من الأبنية التي تعبر عن العراقة والتاريخ، وشكلت من خلال أساليبها الفنية المختلفة متحفاً مفتوحاً يمكنك من خلاله التعرف الطراز المعماري الفني لهذه الحقبة الزمنية، وفي سلسلة من الحلقات مستمرة خلال شهر رمضان، نغوص في عالم من الفنون تَشكل على أرض مصر، نتعرف على طرزها المعمارية وقصص نشأتها، ونستكشف عوالمها الفنية البديعة، في رحلة عبر التاريخ، من خلال كتاب قصور مصر، للكاتبة سهير عبدالحميد. تقول الكاتبة في مقدمة كتابها: "قصور مصر تاريخ لا يزال حيا، لأنها ليست مجرد أمكنة وجدران وشوارع إنما هي سجل يخلد أسماء وشخوصاً وأحداثاً رمز لنمط عمارة ساد وظروف عصر خلا وثقافة مجتمع تقلبت عليها السنون وظلت تحمل شيئاً من توقيعه لا يزال محفوراُ في ومضة هنا وأخرى هناك". قصر الأميرة كاظمة.. لا يزال يحتفظ بصورتها تروي الكاتبة شعورها عندما وصلت للقصر وتجولت في أروقته، وقالت: "كان أكثر ما أسر نفسي في هذا القصر الفاخر المطل على ضفاف النيل في حي الجيزة، والذي أضحى بيتا للسفير التركي بالقاهرة منذ مطلع أربعينيات القرن الماضي هي تلك اللفتة النبيلة من السفير الأسبق ياشار كلش، الذي حرص على تزيين القصر بصورة صاحبته الأصلية الأميرة كاظمة التي لم يقدر لها أن تعيش لتسكنه، وصمم الصورة الفنان المصري فريد فاضل عامل 1997، واستلهم التابلوه من صورة صغيرة لها في لوحة شجرة العائلة العلوية". القصر حالياً هو منزل السفير التركي في القاهرة، كما ذكرت الكاتبة، وقد بني عام 1918، ووضع تصميمه المهندس الإيطالي أنطونيو لاشياك لمالكته الأميرة كازمة وهي ابنة السلطان حسين كامل من زوجته الأولى عين الحياة، وتوفيت الأميرة كاظمة عام 1921، وهي في مرحلة الشباب، وتوفت في روما وعاد جثمانها إلى القاهرة على ظهر سفيرة خصيصاً لها أعدت بأوامر من ملك إيطاليا. تشير الكاتبة إلى أن القصر مميز من خلال القطع الحجرية الحمراء التي تكسوه، بالإضافة إلى تصميمه المميز على مساحة 2000 متر مربع تقريباً، وبه قاعة فسيحة ممتدة، تحتوي على مبخرة نحاسية ضخمة منقوشة تشبه نظيرتها في قر الأميرة فاطمة، وعلى الجدران لوحات تمثل الحياة في القرن الماضي، وبعد عدة درجات توجد قاعة القصر الرئيسية التي تظلها قبة زجاجية ملونة تطل على الردهة التي تتفرع منها عدة حجرات على الجانب الأيمن تطل على شرفة القصر المتسعة. كان أنطونيو لاشياك من أكثر المهندسين المعماريين الأوروبيين نشاطا في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، وكان إنتاجه انتقائيًا بقدر ما كان غزير الإنتاج، وكان متبنياً اتجاهاً فنياً يدعى الطراز المملوكي الحديث. برزت النهضة المملوكية في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في ظل الحكم العثماني في مصر، واستمرت العديد من عناصر الطراز المملوكي، حتى في المباني التي كانت أشكالها الرئيسية عثمانية، حيث ظلت المحاريب الرخامية المرصعة المستوحاة من العصر المملوكي هي القاعدة بينما كانت بعض المساجد، لا سيما المساجد المحلية وليس العثمانية، مثل مساجد البرديني ومصفى الصدور، إلى حد كبير على الطراز المملوكي، استمرت هذه الانتقائية حتى أوائل القرن التاسع عشر ، وقد شيد عدد من الأعمال المعمارية في مصر بنفس الأسلوب.