كان هناك الكثير من اللغط الإعلامى حول جهود الصين لترويج نفسها بوصفها قوة ناعمة ودودا. فهذا البلد الذى ينمو بلا توقف بمعدل يقترب من 8٪ سنويا، قد يحقق إنجازات لا مثيل لها على الجبهة الاقتصادية، ولكن إذا ما تعلق الأمر بكسب العقول والقلوب، فإن بكين قد تخفق فى هذا المسعى كما يبدو. فبعد قمة كوبنهاجن غير الحاسمة، رفضت الصين ببساطة معالجة المسائل المتعلقة بكيفية وسبب لعبها دورا فى مناهضة اتفاقية لتخفيض انبعاثات الكربون. بعد ذلك فى ليلة عيد الميلاد، احتفلت الصين بروح المناسبة بإصدار حكم بالسجن مدة 11 عاما بحق ليو هسياوباو، الناشط المطالب بالديمقراطية والذى يبدو أن جريمته الرئيسية هى انتقاد الحزب الشيوعى فى الصحف. بعد ذلك بأيام دفعت بكين بقوة باتجاه إعدام المواطن البريطانى أكمل شيخ بتهمة تهريب الهيروين، متجاهلة سلسلة التماسات يائسة من بريطانيا وعائلة شيخ على أساس أنه مريض نفسيا، وقد تعرض للخداع كى يحمل معه المخدرات. لكن الخبراء فاتتهم نقطة رئيسية، وهى أن الصين التى تتزايد ثقتها بنفسها لا تحاول إثارة إعجاب الجمهور الدولى. فالسياسة بالنسبة إليها تظل شأنا داخليا، والآن أكثر من ذى قبل، حيث يسعى النظام الأوتوقراطى هناك إلى ضمان الاستقرار السياسى باعتباره الأولوية القصوى. وقد أصبحت الحاجة إلى إبراز القوة داخليا هدفا له أهمية، خاصة فى خضم الاستعدادات لعام 2012، وهو العام الذى ستعلن فيه الصين عن قيادتها الجديدة. ولأول مرة منذ عقود نجد أن هناك صراعا على السلطة داخل الحزب، حيث يتحارب الشعبويون بقيادة الرئيس هوو جنتاو ورئيس الوزراء وين جياباو مع مجموعة من النخبويين القادمين من المناطق الساحلية. وبالفعل فإن هوو فى مرمى النار من قبل الفصيل المنافس الذى يتهمه بالافتقار للحزم والفاعلية فى تعامله مع جميع القضايا، ابتداء بالتمرد وحتى السياسة الاقتصادية، وصوت هؤلاء النقاد المحليين يقرع فى أذن هوو بشكل أقوى من شكاوى ناشطى حقوق الإنسان الدوليين. وإذا كان إعدام البريطانى المعوق عقليا يبدو بالنسبة إلى الأطراف الخارجية أمرا لا مبرر له، إلا أنه يبدو مختلفا قليلا داخل الصين، التى تعاملت فى الآونة الأخيرة مع سلسلة من القتلة المختلين، اعترف مسئولون صينيون بأن واحدا منهم على الأقل له تاريخ بوصفه مريضا نفسيا. ويحتاج هوو فعلا إلى الحفاظ على هيبته داخليا كى يحتفظ بنفوذه فيما يتعلق باختيار خليفته شخصيا وستة أعضاء فى اللجنة الدائمة للحزب عام 2012، حسب مين شين بى، أستاذ الإدارة الحكومية فى كلية كلارمونت ماكينا. ويقول بى الذى يربط بين الكثير من خطوات هوو التى أظهر فيها قسوة وحزما ورغبته فى الإبقاء على نفوذه بعد 2012: «إذا ظن الناس أنه ضعيف، فإنه لن ينجح فى مسعاه». ويشير بى إلى أن الرئيس السابق جيانج زيمين مارس نفوذا كبيرا خلف الكواليس وعلى مدى سنوات من خلال أتباعه الذين قام بتعيينهم فى اللجنة الدائمة. وبالفعل فقد تكون أهمية عدم ارتكاب الأخطاء قبل انتقال السلطة أحد الأسباب الرئيسية وراء تهرب السلطات الصينية من الضغوط الغربية لرفع قيمة اليوان بهدف إبطاء الصادرات الصينية. ففى الوقت الذى تخشى فيه الأطراف الخارجية من أن يؤدى تدفق البضائع الصينية الرخيصة إلى انكماش اقتصادى عالمى، تعلم بكين أن هناك مشاكل محتملة قادمة فى الطريق وترغب فى الإبقاء على ماكينة التصدير دائرة. يضاف إلى ذلك، حسب مديرة الدراسات الآسيوية فى مجلس العلاقات الخارجية إليزابيث إيكومى، فإن هوو لم يكن قط ميالا ليكون تقدميا فى أى من جبهتى العملة أو حقوق الإنسان. ومما يجدر تذكره هنا أنه بالدرجة التى تهتم فيها الصين برأى بقية العالم، فإن الأطراف التى تهتم بآرائهم تحديدا يتغيرون. ففى كوبنهاجن مثلا، كان اهتمام الصين أقل بالولايات المتحدة من النظرة إلى مواقف الأولى فى العالم النامى «لأنها ترى نفسها زعيمة هذا العالم»، على حد قول إيكومى. وعلى المنوال نفسه، نجد أن القادة فى بكين قد يكونون حاليا أكثر ميلا للاستماع لشكاوى أفريقيا حول معاملة العاملين فى إنتاج النفط المصدر للصين أكثر من تقديم السلوى لشكاوى البريطانيين أو الأمريكيين حول التهديدات المحيقة بحقوق الإنسان أو الوظائف فى البلدان الغربية. ليس من السهل القول إن الصين لن تبذل جهودا أكبر فى بناء قوتها الناعمة بشكل أوسع على المسرح الدولى، بل إن هوو أشار فى خطاب ألقاه الصيف الماضى إلى الحاجة لتحسين صورة الصين لكى تعزز من وضعها كقوة دولية عظمى. وهذا هو السبب الذى يدفع بكين إلى ضخ المال لتأسيس معاهد جديدة تدرس الكونفوشوسية فى جامعات العالم الرئيسية، خصوصا الأمريكية والأوروبية، وذلك بهدف ربط صورتها بالحكيم العظيم والحكمة الدافئة الناعمة بدلا من الأوتوقراطية المرعبة. ولكن لا تتوقع من زعماء الصين أن يفكروا كثيرا فيما يقوله الغربيون حول حقوق الإنسان والبيئة أو حتى الأمور المالية. فكما هى الحال دائما، فإن آراء الأشخاص داخل المملكة الوسطى هى المهمة فى واقع الأمر. Newsweek International