وسط الضغوط الدولية التي تلاحقها من كل نحو وصوب، حرصت طهران علي التشبث بكل صور الدعم والتأييد الممكنة، و في ظل التربص الأمريكي والإسرائيلي بها تحاول طهران التعلق بتلابيب أي مستوي من مستويات المساندة من قبل روسيا والصين،برغم ما يكتنف تلك المساندة المحتملة من تحديات وعقبات. فبعد أن بدت الصين خلال الآونة الأخيرة كرقم صعب في الموقف الدولي حيال الأزمة النووية الإيرانية بإرباكها الجهود الأمريكية الرامية إلي حشدالإجماع والتأييد الدوليين من أجل تشديد العقوبات علي طهران وزيادة عزلتها،أبت إيران إلا أن تندرج ضمن قائمة الملفات والقضايا الخلافية بين بكينوواشنطن. فبرغم رفضها المعلن لإمتلاك إيران السلاح النووي،تميل الصين للتمسك بالنهج التفاوضي مع نظام طهران رافضة أي تصعيد عسكري وغير محبذة أية عقوبات مرتفعة السقف ضد الجمهورية الإسلامية. ويستند هذا الموقف الصيني علي حزمة من الإعتبارات، تتصدرها بالطبع المصالح المشتركة مع إيران، والتي يأتي في القلب منها أمن الطاقة والأمن الإقتصادي للتنين الصيني الصاعد، فلقد قفزت واردات بكين من النفط الإيراني إلي نسبة 14% وهي مرشحة للزيادة لاسيما بعد إرتفاع إستهلاك الصين للنفط بشل بير خلال السنوات الأخيرة ليبلغ حاليا 8 ملايين برميل من النفط الخام يوميا لمواكبة التطور الصناعي الصيني، تسهم إيران بنحو 450 ألفاً منها، هذا فضلا عن الإستثمارات الصينية في قطاع الطاقة الإيراني والتي تتجاوزعشرات المليارات من الدولارت. وعلاوة علي ذلك، تحاول بكين توظيف الورقة الإيرانية لتقوية الموقف التفاوضي الصيني في مواجهة الولاياتالمتحدة ومساومتها حول حزمة القضايا الخلافية العالقة بين الجانبين. وتخشي بكين من أن تضع نوايا الغرب التصعيدية حيال طموحات إيران النووية في حسبانها مشاريع الغرب وحسابات إسرائيل مع تجاهل المصالح الصينية مع إيران، التي تتخوف بكين من أن يفضي تشديد العقوبات عليها إلي الإضرار بأمن الطاقة الصيني أو إنسداد أسواقها أمام المنتجات العسكرية والمدنية الصينية. وفي حين تحرص بكين علي عدم إفتعال أزمة أو صدام مع واشنطن من أجل إيران، فإنها ستسعي لكبح جماح الاندفاع الأمريكي والغربي التصعيدي بإتجاهها عبر سبيلين: أولهما، العمل علي إقناع واشنطن بتبني إستراتيجية الطمأنة حيال طهران كأن تتعهد لها بعدم مهاجمتها أو السعي لتغيير نظامها كما تسمح لها بإمتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، بما يساعد علي تهدئة مخاوفها وترويض نظامها وتحفيزه علي إبداء مزيد من المرونة والتخلي عن طموحاته النووية غير السلمية. أما السبيل الآخر، فتسعي من خلاله بكين إلي تقليص حدة النوايا التصعيدية الغربية إزاء طهران من دون التلويح بإستخدام حق الفيتو لتقويض الإجماع الدولي حول تشديد العقوبات عليها. وإذا كانت هناك تحديات عديدة أمام نجاح المسعي الأول يتصل أبرزها بإشتداد وطأة الضغوط الإسرائيلية والمحلية علي إدارة الرئيس أوباما لكبح جماح الطموح النووي الإيراني، فإن ذلك الأخير يصطدم بصعوبة التعويل علي إمكانية إجهاض الصين لأي مشروع قرار داخل مجلس الأمن الدولي بتصعيد العقوبات ضد إيران خلال المرحلة المقبل إستنادا إلي خبرة السلوك التصويتي الصيني هناك طيلة العقود الأربعة المنقضية، والتي لم تستخدم بكين حق الفيتو خلالها سوي ست مرات فقط، لم تسع في أي منها لتعطيل ثلاثة جولات سابقة من العقوبات فرضها مجلس الأمن علي إيران منذ عام 2006، سواء بالرفض أو حتي بالإمتناع عن التصويت. وفي مسعي منها لإحتواء تلك المساعي وحمل الصين علي تغيير موقفها، تبنت واشنطن إستراتيجية مزدوجة، شقها الأول تصعيدي ترهيبي ينطوي علي التلويح بممارسة الضغوط علي بكين ومساومتها في ملفات أخري مزعجة لها كقضايا التبت وتايوان فضلا عن التجارة الحرة والعلاقات الاقتصادية، وتنامي نفوذ الصين السياسي والعسكري علي الساحة الدولية والانتقادات الأمريكية لها علي خلفية وضع حقوق الإنسان والرقابة علي الإنترنت في الصين. وفي هذا السياق، لم تتورع واشنطن عن تنفيذ صفقة أسلحة مع تايوان قبل أسابيع قلائل بقيمة أربعة مليارات دولار،تضم صواريخ ومروحيات قتالية من طراز بلاك هوك وأنظمة توزيع المعلومات وسفينتين من طراز أسبري لكسح الألغام. وفيما إدعت واشنطن أن تلك الصفقة ستساهم في المحافظة علي أمن واستقرار مضيق تايوان، شنت دوائر رسمية كما وسائل الإعلام الصينية هجوما عنيفا علي الولاياتالمتحدة بسببها، واصفة الإدارة الأمريكية بالنفاق وازدواجية المعايير والحرص علي بقاء الوضع القائم في الجزيرة لضمان استمرار مبيعاتها من الأسلحة التي تهدد الأمن القومي للصين و تضر بمصالحها العليا. وإعتبر وزير الخارجية الصيني أنها تعرقل الجهود المبذولة لإعادة توحيد تايوان وستعيد أجواء الحرب الباردة وتهدد العلاقات الثنائية بين البلدين والأمن العالمي.ولوح بنية بلاده معاقبة الشركات الأمريكية المستفيدة من هذه الصفقة، بعد إعلان بكين وقفا جزئيا للمحادثات العسكرية ومن بينها لقاء كان مقررا مع وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس، مؤكدا أن واشنطن ستحصد نهاية المطاف ما تزرعه يداها. وفي سياق مواز،أصر الرئيس الأمريكي باراك أوباما علي إستقبال الزعيم الروحي للتبت الدلاي لاما في واشنطن، وذلك برغم حث الرئيس الصيني هو جينتاو لنظيره الأمريكي خلال لقائهما ببكين في نوفمبر الماضي علي عدم استقباله وبرغم تنامي الإستياء الصيني من إستقبال أية دولة للدالاي لاما بعد الاضطرابات العنيفة التي إجتاحت مناطق التبت في مارس 2008،ما دفع بكين لتحذير واشنطن من تأثير تلك الخطوة علي العلاقات المتوترة أصلا بين البلدين. أما الشق الآخر من الإستراتيجية الأمريكية إزاء بكين، فتفاوضي ترغيبي حيث بعثت وزيرة الخارجية الأمريكية بعضوين في مجلس الأمن القومي الأمريكي إلي بكين هما دينيس روس وجيفري بادر،أكدا للصين أن مصالحها سوف تتضرر حالة فشل الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة النووية الإيرانية بما يدفع إسرائيل للقيام منفردة بضربة عسكرية ضد إيران، غير أن جل ما حصل عليه المبعوثان كان تعهدا صينيا بدعم بيان أمريكي شديد اللهجة يدين إيران لعدم تجاوبها مع قرارات الأممالمتحدة. وبدورها، وخلال جولتها بدول الخليج العربية، منتصف الشهر الجاري سعت وزيرة الخارجية الأمريكية لإقناع قادتها بممارسة نفوذهم لإقناع الصين بتغيير موقفها بشأن إيران عبر طمأنتها بتوفير احتياجاتها من الطاقة التي تستوردها من إيران حالة موافقتها علي حزمة العقوبات الجديدة ضدها، حيث تعول واشنطن علي الدور السعودي في هذا الخصوص جراء العلاقات الاقتصادية المميزة بين بكين والرياض. وما بين مد وجزر يكتنفان سبل تعاطي كلا من واشنطنوبكين مع البرنامج النووي الإيراني، يبدو أن كلاهيما ستبقيان حريصتين علي علاقاتهما ومصالحهما الإستراتيجية إلي الحد الذي يعينهما علي تخطي التحدي الإيراني، ويجب ألا ننسي أن صفقة السلاح الأمريكية لتايوان لم تتضمن مقاتلات من طراز إف 16 كانت تايوان قد طلبتها مرارا من واشنطن،كما لم يسع الرئيس اوباما لإضفاء أي طابع سياسي علي إستقباله للدالاي لاما حينما أكد أنه إستقبله بوصفه قيادة دينية وثقافية محترمة دوليا.علي الجانب الآخر، يبدو أن بكين، التي تؤثر تلافي الإصطدام بالقوي الكبري في المرحلة الحالية، لا تميل إلي إجهاض الإجماع الدولي سواء تعلق الأمر بإيران أو سواها، وقد بدا ذلك واضحاً من قبل في حالة العراق، التي لم تشفع العلاقات الاقتصادية القوية لنظامه السابق مع بكين بحيث تسعي الأخيرة لعرقلة أي قرار تصعيدي ضده في المنظمة الدولية. ومن ثم،ستظل بكين حريصة علي ثوابت علاقاتها مع واشنطن والتي تنأي عن المواجهة أو الصدام وإن أفسحت المجال لمساحة من الإختلاف التكتيكي والمرحلي حول إيران.