نددت الولاياتالمتحدةوالأممالمتحدة بإخلاء السلطات الإسرائيلية لعدة أسر فلسطينية من مساكنها في القدسالشرقية ومنح المكان لأسر يهودية حيث انتقل مستوطنون يهود إلي بيوت العائلات الفلسطينية علي الفور بعد إجلائهم عنها. طرد الفلسطينيين من منازلهم في الأراضي المحتلة بصورة غير شرعية أو قانونية بعد حرب 1967 وإعطائها لمستوطنين يهود ليس خبراً جديداً، فهو يحدث يومياً رغم أنف المجتمع الدولي في ظل حماية دبلوماسية أمريكية. الجديد هو أن الولاياتالمتحدة تزعمت الإدانة الدولية لإسرائيل للمرة الأولي بما يشبه إعلاناً عن رفع الحماية الدبلوماسية عنها فيما يتعلق بهذا الموضوع الحساس الذي يتعلق مباشرة بمدي مصداقية الرئيس الأمريكي أوباما وبما ملأ به العالم عن استراتيجية جديدة لبلاده تستهدف تغيير الصورة الكريهة للولايات المتحدة حول العالم، التي نجمت عن السياسات الأمريكية الخارجية الفجة غير المتوازنة تجاه قضايا عديدة في مقدمتها حقوق الفلسطينيين المغتصبة من جانب إسرائيل. بعثت السفارة الأمريكية في تل أبيب برسالة احتجاج إلي الخارجية الإسرائيلية، مشددة علي أن الخطوة تخالف روح خارطة الطريق للسلام، كما رفضت الأممالمتحدة مزاعم إسرائيل بأن القضية محلية تعاملت معها المحاكم وأن الإخلاء جري بناء علي حكم قضائي. بدورها نددت القنصلية البريطانية في إسرائيل بالحادث، مشيرة إلي أنه يناقض التصريحات الرسمية الإسرائيلية بتطلعها لتحقيق السلام مع الفلسطينيين. تأتي الخطوة الإسرائيلية وسط خلاف مع الولاياتالمتحدة بشأن طلب الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وقف التوسع الاستيطاني في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، وهو الطلب الذي تحاول حكومة إسرائيل الالتفاف حوله بكل السبل الممكنة بما في ذلك الاعتماد علي استفزاز الجانب الفلسطيني للقيام بردود فعل عصبية تؤدي لتخفيف الضغط الدولي عليها. كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أكد حق اليهود في العيش في أي مكان بالقدس في إشارة صريحة إلي تجاهل الطلب الأمريكي بوقف الاستيطان في الأراضي المحتلة. عملية الطرد الأخيرة واحدة من سلسلة عمليات مماثلة تنفذها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بحي الشيخ جراح الذي أصبح محوراً لخطط التنمية الخاصة بالمستوطنين في القدسالشرقية، ويمول هذا المشروع رجل الأعمال الأمريكي اليهودي إيرفينج موسكو فيتز بغرض «تهويد» الشطر العربي للقدس في تحدٍ فاضح للشرعية الدولية. الواقع أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تضم مجموعة من المتطرفين الذين كان لهم فضل كشف نوايا إسرائيل الحقيقية نحو الفلسطينيين، فبعد المناورات والخداع حول الرغبة في تحقيق السلام، والمماطلة في تنفيذ أي استحقاقات متعلقة به، يأتي الآن أمثال نتنياهو وليبرمان ليكشفوا عن خطط مبيتة لإهدار السلام مع الفلسطينيين علي أساس حل الدولتين المستند أساساً إلي قرار التقسيم الذي صدر عن مجلس الأمن عام 1949. السؤال الآن حول ما يمكن أن تسفر عنه عملية التضاغط بين إسرائيل المتشددة وبين الإدارة الأمريكية التي اكتشفت أن مصالحها أصبحت في خطر بسبب تأييدها غير المشروط لإسرائيل. إدارة أوباما حرصت علي الفصل بين التزامها بأمن إسرائيل وبين رغبتها في تحقيق السلام في المنطقة علي أساس إقامة دولة فلسطينية وحل المشكلات الناجمة عن احتلال إسرائيل للأراضي العربية، كما أوفدت المبعوثين إلي المنطقة في محاولة لجمع نقاط اتفاق يمكن من خلالها بناء موقف قابل للتنمية الدبلوماسية والتوصل إلي اتفاق سلام شامل. الجهود الأمريكية اصطدمت بالموقف الإسرائيلي المتشدد وواجهت مطالب إسرائيلية مستحدثة مثل ضرورة الاعتراف بيهودية الدولة وحل مشكلة اللاجئين بعيداً عن إسرائيل وعدم التعرض للقدس الشرقية، والمثير في الموضوع أن رئيس الوزراء الإسرائيلي مصر علي عدم فرض شروط مسبقة قبل الدخول في المفاوضات ثم يقول عن مطالبه أنها ليست شروطاً مسبقة. رغم الموقف الإسرائيلي المحبط لا تزال الإدارة الأمريكية تري أنه من السابق لأوانه اعتبار الموقف الإسرائيلي نهائياً، وتعتزم القيام بخطوة لتحريك الموقف الجامد في وقت قريب من هذا الشهر حسب التقارير الواردة من واشنطن، فقد أفادت تقارير صحفية أمريكية في الآونة الأخيرة أن إدارة الرئيس باراك أوباما تستعد للإعلان عن تفاصيل خطتها الخاصة بالسلام في الشرق الأوسط عقب التشاور مع الرئيس مبارك الذي سيزور واشنطن في 17 أغسطس الجاري. تقارير أخري أشارت إلي موقف الرأي العام الأمريكي من الخطوة التالية المحتملة للرئيس أوباما في هذا الموضوع، وأسهبت في تحليل استطلاعات للرأي أجرتها مراكز متخصصة مفادها أن الرأي العام الأمريكي لا يفضل بأي حال قيام الرئيس أوباما بالضغط علي الحكومة الإسرائيلية اليمينية بزعامة بنيامين نتنياهو لتغيير مواقفها المعلنة حيال عملية السلام، ولا يجد ما يبرر انخراط الولاياتالمتحدة بصورة أكبر في عملية التسوية السلمية للصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، علي الرغم من تأييده للتوصل لتلك التسوية. تؤكد توجهات الرأي العام الأمريكي - إذن - عدم فرض ضغوط علي الحكومة الإسرائيلية ذات التوجه اليميني المتشدد والتي تطرح سياسات جديدة فيما يتعلق بعملية التسوية تتجه نحو العودة لنقطة الصفر وعدم الاعتراف بما تم التوصل إليه من اتفاقات، فضلاً عن محاولة استبدال التسوية السياسية بأخري اقتصادية تقوم علي تحسين أوضاع الفلسطينيين المعيشية في الضفة الغربية، وبناء مؤسسات لإدارة الاقتصاد الفلسطيني كمرحلة انتقالية قبل البدء في التفاوض السياسي. مواقف الرأي العام هذه تعد مؤشراً لمدي صعوبة التوصل إلي تسوية تتجاهل المطالب غير المشروعة للمتشددين في إسرائيل في ظل هيمنة ضغوط اللوبي اليهودي في أمريكا الذي زرع معلومات خاطئة عن الفلسطينيين في الرأي العام الأمريكي وتفشت بين أعضاء بارزين من الكونجرس فأصبحوا لا يفرقون بين الراغبين في السلام وبين دعاة العنف ولا يدركون أهمية تلازم أمن إسرائيل بإنهاء احتلال الأرض الفلسطينية وإعادة الحقوق لأصحابها. إن الخيط الواهي الذي يشده الرئيس الأمريكي من بين براثن اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل يعتمد علي قدرته علي تجاوز الدعاية الإسرائيلية في بلاده والتعامل مع اختراق إسرائيل للقرارات الدولية بقوة وحسم، وإلا فسوف تظل إسرائيل تفعل ما تشاء، تستولي علي الأرض وتطرد السكان العرب، وعلي العرب أن يقبلوا الكلام المهدئ للخواطر، أو أن يواجهوا الاتهام بالإرهاب.؟