(1) بينما أنا مسترسل فى كلمتى إذ باغتنى تصفيقها ثم تصفيق حماسى تابعها به أغلب سيدات القاعة.. لوهلة لم أستوعب السبب؛ الحديث منصب منذ بدايته على تهنئة المتفوقين والمتفوقات من طلبة الثانوية العامة، وليس ثمة ما يدعو إلى الابتهاج فى هذه الفقرة تحديدا.. كانت السيدة التى بدأت عاصفة التصفيق أمًا لأحدهم أو لإحداهن.. وكنت أنا أستدرك بشكل عارض على من يقع فى الخطأ الشائع فينطق المرأة المعيلة بفتح الميم بدلا من ضمها. تساؤلى لم يدم طويلا... الحفل كان تكريمًا لأبناء وبنات مدينة من مدن محافظة الغربية بعد عام عصيب من المعاناة بين تسريب وإلغاء وإعادة الامتحانات.. كنت أتحدث بتلقائية غير مرتبة عن المرأة المصرية التى تكافح لتربية أبنائها وبناتها ذاكرًا بعض الإحصائيات التى تتناولها.. ومنها أن ثلاثين بالمائة تقريبًا من الأسر المصرية تعولها سيدة... سواء أكانت أرملة أم مطلقة أو حتى زوجة أقعد العجز أو المرض أو المخدرات زوجها عن التكسب. قلت: إننى أنبه على الخطأ الفادح لأن الفارق هائل بين المعيلة والمعيلة... الأولى هى التى تعانى فوق معاناتها الأصلية تدبير هم العيش والمسكن والحاجيات الأساسية... الأولى هى التى طلقت دنياها ثلاثًا وتفرغت لأبنائها دون شكوى أو ضجر... الأولى هى التى تذوب فى اليوم ألف مرة رجاء أن يتوهج أبناؤها يومًا حتى ولو نسوا أو تناسوا كل تلك التضحيات. قلت إنها معيلة بضم الميم لأنها تعول أسرتها... وقلت: إنها معيلة لأنها تعولنا وتستر ما انكشف من سوءاتنا.. وقلت: إنها معيلة لأننا فى الحقيقة عيال عليها... أدركت وقتها أى وتر لمست وأى مشاعر ألهبت وأى عاطفة أثرت دون أن أقصد. (2) المرأة تعانى فى معظم مجتمعاتنا الإسلامية والعربية.. الأرقام تظهر ذلك بمنتهى الوضوح لمن لم يستطع أن يدرك ذلك من واقع حياتنا اليومية.. تعانى بنتا صغيرة وزوجة وأما ومطلقة وأرملة وعجوزا... تعانى فى بيوتنا وشوارعنا ومدارسنا.. تعانى تقريبا منذ ولادتها.. والسبب فى كل هذا عادات وتقاليد تناقلتها مجتمعاتنا جيلا بعد آخر لا تعرف شرعا ولا توافقها فطرة ولا تقبلها مروءة. المرأة فى مجتمعاتنا يعرضها تجار الرذائل سلعة رخيصة ثم يتحدثون بعد ذلك عن حقوقها.. والمرأة فى مجتمعنا يزوجونها قسرًا ممن لا تحب ولا ترضى ثم يوبخونها بعد ذلك على طلاقها.. وما تزال المرأة فى بعض مجتمعاتنا تحرم الميراث وتمنع التعليم ولو استطاعوا لمنعوا عنها الماء والهواء. (3) مشكلة حقيقية أن تقع المرأة بين شقى الرحى.. طرف شديد التطرف، إذا ما رفع يافطة «حقوق المرأة» فتوقع منه أن يدرج تحتها كل ما يمكن أن يصطدم والفطرة السليمة.. كل معانى التحرر من أى قيد حتى ولو كان قيدا شرعيا سنه من يعلم تكوين الأنثى وما يسعدها وما يشقيها.. توقع منه أن يرشد إلى كل مستنقع آسن غرقت فيه المرأة الغربية حتى أذنيها.. والويل كل الويل لمن يخالف هذه الناشطة النسوية أو ذاك الناشط.. لا يقبل منك هؤلاء إلا تسليما كاملا غير مشروط بكل ما يرونه هم حقوقا مشروعة وإلا فأنت المتخلف الرجعى الذكورى إلى آخر القائمة المحفوظة. وعلى الطرف الآخر مجموعة لم تتعلم علما شرعيا صحيحا تدرك به حال المرأة فى مجتمع الصحابة الذى يدعون إلى محاكاته.. مجموعة تمزج بين ما توارثته من عادات وبين ما أحلته الشريعة أو حرمته.. مجموعة ربما تخلط عن عمد بين تفضيلاتها الشخصية التى تهيمن عليها الغلظة والفظاظة وبين ما أتى به النبى صلى الله عليه وسلم وطبقه عمليا مع زوجاته ومع ابنته ومع السيدة العجوز ومع السائلة الشابة ومع الجارية الصغيرة التى كانت تأخذه من يده ليقضى لها ما تريد وربما ذهبت به إلى أقصى المدينة.