اختاروا أن يعيشوا حياتهم سويًا، هم فى عالم منفصل لا يعرف عنه الغرباء شيئًا، حتى وإن شاركوهم الماء والهواء، البطل فى هذا العالم «كرسى متحرك» هو بالنسبة لكل منهم السند الحقيقي، الصديق الذى لا يفارق، ويد العون التى لا تكل، والخل الذى لا يغضب، يحملهم طوال الوقت بلا شكوى وبسهولة يتفاهمون معه ويبثون إليه شكواهم ونجواهم. العلاقة القوية التى تربط كل واحد منهم به من الصعب أن يدركها الأسوياء، لذا قرروا أن يبقوا مخلصين له وأقسموا ألا يختاروا شريكًا لحياتهم لا يقاسمهم نفس المشاعر نحوه، شاءت الأقدار أن يلتقى كل زوج منهم ببعضه ونشأت بين كل اثنين منهم قصة حب قوية كللت بزواجٍ سعيد، فصارت معاناتهما واحدة واحتياجاتهما متبادلة، وسعيا معًا لتحقيق الكمال لنفسيهما بعدما فقداه فى العالم. «وبحتاجلك وتحتاجلى ما بينا ألف حلقة وصل.. وبشبهلك وتشبهلى فى حب الخير وطيبة الأصل.. أنا وانت حكاية ناس مقاسمين الحياة مع بعض» وكأن كلمات الأغنية صيغت لتعبر عن حالتهم تحديدًا. «محمد ودعاء» قصة حب بدأت من معهد شلل الأطفال بينما كان هو يذهب إلى معهد «شلل الأطفال» ب «إمبابة» لإنهاء بعض الأوراق، كانت هى عضوة نشطة جدًا بالمعهد، تقوم بأعمال تطوعية كثيرة، وتحرص على المشاركة رغم المسافة التى تقطعها من محافظة بنى سويف إلى القاهرة. ظلا يراقبان بعضهما من بعيد، إلى أن دقت القلوب ودار أول حديث بينهما على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك». تزوج «محمد العايدي» و«دعاء شوقي» منذ 6 أشهر. هما الآن يقطنان فى «شقة» بالطابق الأرضى بمنطقة «زهراء مدينة نصر»، أعمارهما متطابقة لكن إعاقتهما مختلفة كان مصيرها الكرسى المتحرك. «دعاء» مصابة بشلل الأطفال، بينما يُعانى زوجها من تخلف تكوينى لذا قوبل برفض شديد من أهلها، لكنها تمسكت به وأعلنت رغبتها فى أن يكون شريكًا لحياتها. يقول العايدي: «شخصيتها قوية ولديها إيمان شديد بقضيتها وهذا ما دفعنى لأحبها، وحينما سافرت الصعيد كى أتقدم لخطبتها تعقدت الأمور ووجدوا أن حالتى صعبة، رغم أننى تزوجت امرأة سوية قبلها وأنجبت منها طفلاً، لكنها تشبثت برغبتها فى الارتباط بي، وحدثت مشاكل كثيرة مع أهلها أخبرتنى بها بعد الزواج وهذا جعلها تكبر فى نظري». مرت الصعاب بسلام، وأقيمت خطبة عائلية فى منزل «دعاء» وبعد 6 أشهر دخلت عش الزوجية، فى شقة بالإيجار: «سافرتُ إليها مرتين فقط، ثم كتبنا الكتاب فى بنى سويف ورجعنا القاهرة، ومكثنا بالشقة 4 أشهر متواصلة لا نخرج منها، وطلبات المنزل كنت أحصل عليها بالهاتف». يتذكر «محمد» أول خروج لهما من المنزل بعد الزواج قائلًا: «خرجنا وشربنا عصير وكنا فى غاية السعادة». يؤكد محمد أن دعاء ربة منزل جيدة وطباخة ماهرة، كما توفر له الأجواء المناسبة لأداء عمله بالمنزل: «ألّفت 100 عمل متنوع بين القصة القصيرة والرواية، وأقضى حياتى فى الكتابة، وتغضب أحيانًا لأن الكتابة تأخذنى منها، وحينما أبتعد عن الكتابة تدفعنى للرجوع وتساعدني، وتقول للجميع إن زوجى كاتب ويحتاج أن يتبنى أحد أعماله ويسانده»، مشيرًا إلى أنه يخرج على كرسيه الكهربائى وهى على كرسيها المتحرك، لكنهما يحتاجان إلى فرد سليم معهما لصعوبة المواصلات، ويضيف: «زواج المعاق بالمعاقة نسبة نجاحه أكبر لأنهما يشعران ببعضهما وكل واحد يعرف أن الجلوس على الكرسى متعب لكن الشخص السليم لن يشعر بذلك». تلتقط «دعاء» أطراف الحديث من زوجها قائلة: «تقدم لخطبتى أسوياء وإعاقات خفيفة وكان مستحيلًا أن أتزوج من إنسان سليم. تعلمت التمريض لأننى أحبه، وعملت لفترة فى صيدلية. حينما يشعر محمد بتعب أشخص حالته وأمنحه العلاج المناسب». واجهت المرأة الثلاثينية صعوبات كثيرة حيث تخلى عنها أشقاؤها ولم يحضروا زفافها: «منذ أن تزوجنا لم يزرنى أحد منهم ولم يباركوا لي، ولم أشعر فى يوم أننى غاضبة أو نادمة على زواجى منه». «فاطمة وعبدالنبي»..الحب من أول بطولة رفع أثقال هى بطلة شهيرة، بدأت مشوارها فى رفع الأثقال عام 1994، ظلت لاعبة على المستوى المحلى فى أول عامين، وحينما حظيت بشهرة دولية انضمت إلى المنتخب المصري، التقت زوجها هناك، وكللت قصة حبهما بزواجٍ ناجح وأنجبا «شهد» و«ليلي». حصلت «فاطمة عمر أبو عيش» على بطولة أوروبا المفتوحة فى سلوفاكيا، وكانت البطولة الأولى لها، وعام 1998 حصلت على أول بطولة عالم للسيدات فى دبي، حصدت فيها ميداليات ذهبية وأرقامًا عالمية، تقول: «حصلت على المركز الأول أولمبياد عام 2000 فى أستراليا، سجلت رقمًا كبيرًا كان 1010 كيلو ومُسجّل باسمي، وحصلت على أولمبياد البرازيل و5 بطولات عالم كلها ميداليات ذهبية، و5 أولمبياد وكنت السيدة الوحيدة التى حصلت على 4 ميداليات ذهبية على التوالى على مستوى الأسوياء والمعاقين». تعانى «فاطمة» وزوجها «عبدالنبى محمود» من شلل أطفال، مؤكدة أن نظرة المجتمع إلى المعاق سيئة حيث يعتبرونه إنسانًا ضعيفًا بلا قيمة: «كان لدى إصرار منذ البداية على تغيير هذه النظرة، اتجهت إلى العمل لكنى لم أشعر بفائدة، ولم أخبر أهلى بذلك، ثم اتجهت إلى رفع الأثقال وكان وزنى 39 كيلو وأخبرنى الكابتن أن جسمى رفيع وأحتاج إلى زيادة وزن، ورغم ذلك حملت 50 كيلو، وانتصرتُ على نفسي». حصلت المرأة الأربعينية على دبلوم تجارة، بينما يعمل زوجها فى ضرائب المبيعات: «تزوجته وعمرى 29 عامًا، نقطن فى حلمية الزيتون وكان بطلًا لرفع الأثقال لكنه ابتعد عن الرياضة بعد الزواج»، موضحة أن أسوياء كثيرين تقدموا لخطبتها لكنها رفضتهم: «لم أشعر بالارتياح مع شخص منهم، واقتنعت أننى سأعيش سعيدة إذا تزوجت رجلًا مثلى وظروفنا متطابقة، وبالفعل اخترت زوجى من بين كثيرين، شجعنى وأبقانى فى مجال الرياضة رغم أنه لم يستكمل طريقه فيه. تستطرد «فاطمة»: يساعدنى أن أبقى متفوقة طيلة الوقت، وأقوم بكل أعمال المنزل طبخ وتنظيف، أحمل كل مسئولية البيت بمفردى وسعيدة بذلك، فى الصباح أذهب إلى التمرين وزوجى إلى عمله، وحينما أعود أقوم بأعمال المنزل وأتفرغ لدروس ومذاكرة أولادي، والمعسكرات معظمها يكون فى الإجازة وأحيانًا أصطحبهم معي». «عبير ومحمد»: غرام فوق الماء كانت السباحة هى لعبة القدر فى قصتهما، التقيا فى نادٍ واحد، وقضيا أوقاتاً كثيرة سويًا، اهتماماتهما مشتركة وميولهما واحدة، لذا نشأت بينهما صداقة قوية، تطورت سريعًا إلى حب مقدس، ظل الطرفان يقاومان مشاعرهما، إلى أن استسلما وقررا الدخول إلى عش الزوجية. تقطن «عبير عماد» وزوجها «محمد النمر» فى منطقة 15 مايو ب«حلوان»، تزوجا منذ عام ونصف، وظلا متشبثين بأحلامهما وأنشطتهما وقررا استكمال الطريق سويًا، لم يقتصر اهتمام الزوجين على السباحة فقط، حيث يمارسان رياضة القوس والسهم. تقول عبير: «أعانى من شلل أطفال وأجلس على كرسى متحرك، حينما صارحنى محمد بحبه لم أتقبل الموضوع، لأنى كنتُ مخطوبة إلى رجل سليم وحدثت خلافات مع أهله بسبب إعاقتى وفسخنا الخطبة قبل الفرح بشهر، وكان محمد متزوج من امرأة سوية وأنجب منها فتاة وانفصل عنها، وأخيرًا وافقت على الارتباط به، وأيقنت أننى أحسنت الاختيار، وتزوجنا لأجل الحب والتفاهم بيننا وليس لأن الناس يرون أن المعاقة لابد أن تتزوج من معاق». تؤكد المرأة الثلاثينية أن حياتها اختلفت كثيرًا بعد فسخ خطبتها الأولي، حيث مارست الرياضة واختلطت بمجتمع ذوى الإعاقة وصار لها أصدقاء مقربون منهم: «بعد مرور 3 أشهر من تمرينى فى السباحة دخلت الجمهورية كتجربة ولم أتوقع أن أفوز، وحصلت على ميداليتين ذهبيتين وواحدة فضية وحصدت 8 بطولات جمهورية منذ عام 2015 حتى 2018». تتمرن عبير يومين أسبوعيًا برفقة زوجها، كما يشاركان فى جميع البطولات معًا: «نشارك بعض فى كل شيء، لنا نفس الأصدقاء ونفس الاهتمامات ونفس الرياضة وهذا جعل حياتنا جميلة». فى بداية كل شهر تذهب «عبير» وزوجها إلى السوق على الكرسى المتحرك لشراء طلبات المنزل، مؤكدة أن وجود «الرامب» فى مدخل العمارة سهل مهمة خروجهما من المنزل، كما يتنقلان بواسطة سيارة مجهزة حصلا عليها: «الزواج ليس له علاقة بمعاق أو معاقة المهم التفاهم والحب المتبادل، منذ زواجنا ونحن نعتمد على أنفسنا فى كل شيء، اشترينا العفش بمفردنا، ووضبنا الشقة دون مساعدة أحد، فى البداية اعترض أهله على الزواج وظنوا أننى لن أقوم بواجباتى المنزلية، وحين جاءوا حضّرت لهم الطعام وقمت بكل شيء بمفردى حتى اقتنعوا». تعرض «محمد» 36عامًا، إلى حادث عام 2008، حيث كان يمارس رياضة «الباركور» ويقفز من فوق سطح منزل لآخر وسقط ليستكمل حياته على كرسى متحرك، يقول: «أعمل فى مركز خدمة عملاء عبر الهاتف بإحدى الشركات، وأمارس هواياتي، قبل أن نحصل على السيارة كنا نمشى 4 كيلو يوميًا بالكراسى المتحركة لنصل إلى المترو، لكن بعد حصولنا على السيارة أصبحت الأمور جيدة». لم يتزوج محمد من عبير لتكون ربة منزل له، وإنما أرادها أن تشاركه الحياة وتمنحه الحب والحنان: «قبل زواجى منها قضيت عامين بمفردى فى شقة، أعتمد على نفسى فى كل شيء، حياتنا بعيدة عن الروتين، كل يوم معها هو ذكرى جميلة فى حياتي، وأكثر شيء يبهجنا عودتنا إلى المنزل بعد أداء أنشطتنا المسرحية والرياضية والفنية».