وفاة زوجها كانت بداية تحملها للمسؤولية وحدها، بالإضافة إلى قسوة الدنيا عليها وأولادها، هالة صاحبة مرض شلل الأطفال منذ كان عمرها 9 أشهر، عانت حينها لكن ساعدها عكازها الصغير على الذهاب للمدرسة القريبة من المنزل، وأتمت تعليمها الثانوي والتحقت بالجامعة وحصلت على بكالوريوس التجارة. "كان سندي وظهري" هكذا تحدثت عن زوجها الذي توفي منذ خمس سنوات، بعد زواج دام 6 سنوات، لم ترد من الدنيا غيره رغم أنه كان زواجا تقليديا، أنجبت منه ولدين، يحيى 11 عاما، ويوسف 6 أعوام، يحتاجان إلى مجهود كبير في التربية خاصة بعد وفاة أبوهما. لم تقحم نفسها في مجتمع المعاقين كثيرا، وقالت "كنت أشارك في الكثير من الأنشطة قبل الزواج.. أما بعده فأولادي لهم كل الاهتمام"، كنت أذهب للحفلات والرحلات وأشارك في بعض أنشطة التصنيع اليدوي، لأن والديها لم يشعراها بأنها معاقة أو أنها مختلفة عن الآخرين، بل علمّاها الاعتماد على النفس. تزوجت هالة، وهي في الخامسة والثلاثين، ولم يظهر لها الزوج الجانب الشرقي في الرجل المصري، ولم يمنعها من العمل بل شجعها على اقتناص فرصة 5% لعمل المعاقين، فاشتغلت بجامعة عين شمس في شؤون الطلبة. ومع معاناتها من شلل الأطفال الذي أصيبت به نتيجة خطأ طبي في الصغر، إلى ملازمة كرسي متحرك لا تستطيع مفارقته خارج المنزل في الكبر، بعد ولادة يوسف أصيبت بحادث ليزيد ألمها وأدى إلى كسر في الحوض، أعقبه كسر في الركبة ولازمت على إثره الكرسي المتحرك. وقالت هالة "أنا بحمد ربنا على اللي أنا فيه" كثير من الرضا وكثير من الحمد يتخلل كلامها، رغم سخط يحيى الذي لا تعرف من أين أتى بتلك الأفكار، مثلا "هو أنتي يا ماما مش هتعملي عملية تاني وتخفي بقى؟" قدمها اليسرى ماتت بها الأعصاب واليمنى بالكاد تستطيع تحريكها، ما أدى إلى صعوبة أكبر في الحركة استنبطها يحيى وأراد علاجها!. تحاول هالة، فعل كل شيء حتى لا تُشعر أبناءها بأي نقص، فهي تتنقل خارج المنزل بمساعدة أخواتها سواء في نزهات قصيرة داخل القاهرة، أو السفر خارجها أثناء العطلة الصيفية، "أنا بحاول محبسش ولادي في البيت، أنا بسافر مصيف مع أخواتي وبخرج معاهم والحمد لله بفضلهم بتحرك بطريقة أسهل". "يحيى بيجيب الأكل، ويوسف بيشيل الأطباق فاضية"، يساعدان هالة، في ترتيب المنزل وتحضير الطعام، ويقع على يحيى، العبء الأكبر، فهو البكري الذي تستند على ذراعه داخل المنزل، ويكون عكازها في الخارج، لكنه دائم الخوف عليها "أحيانا يقول أنتي لو مُتّي مين هيقعد معايا ويذاكرلي؟" تخشى على نفسها من الموت ليس رغبة في حياتها بل خوفا على حياة ولديها. تبذل مجهود مضاعف في تربية الأبناء، فهي تؤدي واجباتها المنزلية كاملة، تبدأ يومها بإيقاظ يحيى ويوسف، ثم يذهبون إلى المدرسة وهي للعمل، تعود الأم لتبدأ رحلة الطهي وتحضير الطعام، ثم تختتم يومها بقراءة القرآن "أشعر أن مجهودي مع ولادي كبير بسبب الإعاقة، كتير بحس بالتعب لكن بضغط على نفسي بضطر أذاكرلهم". "الله أعلم" هذا كان ردها على المستقبل المجهول الذي ينتظر أبناءها، "سن المراهقة اللي داخل عليه يحيى ده صعب جدا.. ومش عارفة هتصرف إزاي".. والدتها لها الفضل الأكبر في حياتها، وصفتها هالة بأنها نهر حنان لا ينضب، منذ كانت صغيرة لم تسأم خوض مشوار المعاناة معها بسبب المرض، وعندما كبرت وتوفي زوجها قررت الجدة تحمل المسؤولية معها من جديد. قسوة الحياة والضغوط المستمرة تحاصر هالة من كل اتجاه، "بأصرف من مرتبي ومعاش زوجي بالإضافة إلى مبالغ مالية من أهل زوجي يرسلونها بشكل شهري وفي المناسبات"، رغم ذلك يذهب معظم الدخل على الدروس الخصوصية، وقسط القرض الشهري الذي بدأ منذ وفاة الزوج ومستمر لسنتين. الذهاب إلى العمل يؤلمها بشدة فهي تذهب بسيارة أجرة ويساعدها في ذلك "الناس اللي في الشارع" ترى هالة، أن المعاقين مهمشين داخل المجتمع "الأرصفة في إسكندرية بيخصصوا فيها مكان للكرسي المتحرك، لكن في القاهرة مفيش كدة" عند كل رصيف يحمل هالة شخصان وآخر يحمل الكرسي لتشعر بأنها عبء عليهم وعلى المجتمع، الذي يكتفي بشباك واحد لكبار السن والمعاقين لقضاء خدماتهم من الدولة "لما بطاقتي اتسرقت اتبهدلت عشان أطلع واحدة تانية.. "المذاكرة والتفوق والصلاة، مش عايزة منهم حاجات مادية، حاجات معنوية بس" طلباتها بسيطة من أبنائها لا يشغل بالها سوى الصغيران تريدهما دائما في أحسن حال، رغم "الجيل ده معندوش انتماء كل حاجة اجيبهالهم مبيكونوش راضيين بيها" تتمنى هالة أن يستوعب أبناؤها ظروفها الصحية والمادية فقط "كل حاجة عايزينها هجيبهالهم حتى لو مش دلوقتي بس هتيجي بعدين".