كما عودنا الفنان محمد الطراوى بالانتقال الدائم من حالة إبداعية إلى حالة أخرى تماما، وإن كانت امتدادا لتجاربه السابقة، إلا أنه يفاجئنا هذه المرة بمجموعة جديدة من اللوحات تضمنها هذا المعرض الذى يعد نقلة نوعية متميزة فى مشواره الفنى الممتد منذ معرضه الأول «مائيات مصرية/ 4991» حتى معرضه الحالى «حوارات/ 3102». فالمتابع لأعمال الفنان محمد الطراوى سيكتشف دون عناء أنه لا يكرر نفسه.. فلا تستهويه مرحلة ما للبقاء أثيرا لها.. مقيما بداخلها.. مهما بلغت الإغراءات أو عبارات استحسان النقاد التى صاحبتها.. والتى قد تدفعه دفعا للاسترخاء على ضفاف المراحل السابقة وشواطئها الآمنة.. فهو واحد من الفنانين المضروبين بالتجريب.. المصاب بالقلق الإبداعى المشروع.. فالفنان القلوق هو وحده الذى ينفرد بالرغبة الدفينة فى كسر المألوف.. رغم مخاطر المغامرة.. وجسارة التجديد.. فبعد أن تحقق الطراوى كفنان تشكيلى راسخ.. انحاز منذ البداية إلى «فن الأكواريل/ أو الرسوم المائية».. وبعد أن بلغ ذروة التألق فى تلك المرحلة.. كان بمقدوره أن يظل فى هذه المنطقة الثرية التى اكتشف أسرارها الغامضة.. وامتلك أدواتها الساحرة.. فقد أخذنا عبر العديد من المعارض السابقة إلى مساحاته المائية المبهجة ذات الضوء المبهر الساطع.. وظلال الحزن الشفيف.. وكان باستطاعته أن يركن إلى هذه الحالة الفنية.. ويظل يعزف موسيقاه اللونية بنغمات متنوعة، لكن على وتيرة واحدة.. ولكنه فى هذا المعرض قرر أن يخرج من عباءته القديمة.
فبعد أن أمتعنا بحواراته المائية الرائعة مع الفنان العالمى «ترنر» عاد هنا ليأخذنا هذه المرة إلى «حوارات» من نوع جديد.. حيث ينطلق خياله المبدع نحو ثورة صاخبة من الألوان الساطعة أحيانا.. الداكنة أحيانا أخرى.. بعد أن عثر على «أيقونته الجديدة» وهى المرأة المصرية فى كامل دلالها ودلالاتها العذبة الغامضة.. حيث تماهت مساحاته اللونية مع الشموخ السامق للأنثى الفارعة.. بعد أن تخلص من التفاصيل الزائدة فى الجسد الأنثوى.. ملخصا كائناته الجديدة فى كتل لونية ساخنة وأحيانا داكنة.. مختزلا جمالها المغرى فى تكوينات لونية بهيجة.. متخلصا فى ذات الوقت من مرحلة المساحات المفتوحة للمنظر الطبيعى.. وتحول إلى الكتل الممشوقة القوام.. فى تزاوج فريد بين اللون والتكوين.. إذ لعب اللون فى لوحاته دور البطولة.. ممتزجا بأشكال متنوعة المرأة.. فى حالات متعددة.. وكأنه يعزف سيمفونية موسيقية من الألوان المبهرة.. بضربات جريئة من الألوان الساخنة والباردة المحيرة.. فلا نكاد أن نتبين: هل هى لمسات فرشاة مخضبة بألوان عشوائية مدروسة.. أم أنها ضربة سكين سخية مشبعة بالألوان الغنية المبهجة.. فى تجربة جريئة لبناء لوحة محكمة التكوين.. مكتملة الأركان.. فأقام علاقات متناغمة فى حوار صاخب.. وصراع حميم بين: الظل والنور.. والكتلة والفراغ.. والخط واللون.. والساخن والبارد.. والصامت والهامس.. فى منظومة لونية رائعة الجمال.. فإذا به فنان متمكن استطاع أن يجسد بثورته اللونية رؤية فنية جديدة تجنح فى بعض أجزائها إلى التجريد.. فلو أخذنا أى جزء مستقطع من أى لوحة مكتملة وتأملنا تفاصيله منفردا فسنجد أنفسنا أمام لوحات تجريدية مكتملة العناصر محكمة البناء.. فلا شك أن الفنان محمد الطراوى يعيد فى هذا المعرض اكتشاف نفسه من جديد من خلال حواراته المدهشة بين اللون والكتلة والفراغ.