29 لوحة 22 بالألوان الأكريليك وسبع بألوان الباستيل (oil pastel)، هي محتويات معرض الفنان فاروق حسني الأخير، الذي افتتحه في قاعة الزمالك للفن، للوحاته التي تضم إنتاجه الفني في العام الماضي، باستثناء لوحتين فقط رسمهما العام الحالي. علي خطي كبار الفنانين أمثال ميرو وكاندنسكي وموندريان، يجنح فاروق حسني إلي التعبير بالتجريدية التي لا تعترف بالعوائق، وتتخذ من الشحنة الانفعالية والرؤية الداخلية وسيلة للتعبير دون قيود الالتزام بالنسب والأشكال، فاستعمل التجريد كأسلوب فني، معتمدا علي اللون وتداخلاته من حيث البناء المحكم والتكوينات، والتوافق اللوني بين الكتلة والخط الذي يتخلله. فالفن التجريدي هو تجريد كل ما هو محيط بنا عن واقعه، وإعادة صياغته برؤية فنية جديدة يظهر فيها حس الفنان باللون والحركة والخيال، وهو مدرسة فنية أساسها الطبيعة، يتأمل فيها الفنان، ويستقي ما يتماشي مع أفكاره، من خلال التأمل أمامها وإمعان التفكير بالخلق الناجم عن ذلك، فالتجريد لا يعتمد علي الجمال الشكلي واللوني، بقدر ما يعتمد علي تعبير الألوان، التي تمثل معادلا بصريا موازيا. تمرد حسني بنزوعه نحو التبسيط والاختزال، علي البناء التقليدي للوحة، الذي تعتمده مدارس الفن الكلاسيكية، فقد تخلي عن "خط الأفق" الذي اعتاد الكلاسيكيون استخدامه لتقسيم اللوحات إلي مستويين بصريين، السماء والأرض، كما تخلي عن المساحات المبنية، لتتحول اللوحة عنده إلي فضاء أو أفق واحد البطل فيه اللون، مما يجعل عين المشاهد لا ترتكز علي نقطة واحدة مركزية تدور حولها باقي العناصر، لتكون اللوحة في مجموعها عالما بصريا متفردا، واستوحي في لوحاته تكوينات رمزية منها الشكل الهرمي، فنراه قد طعم لوحاته بأشكال عضوية تميل للهندسية أحيانا، منها الشكل المثلث والمربع، مبتعدا عن تقييدهما بالهندسية الصرفة. يظهر في أعمال المعرض جنوح الفنان إلي استخدام الضربات السريعة للفرشاة، مع عدم الاكتراث بما تخلفه تلك العفوية، المقصودة تارة وغير المقصودة أحيانا أخري، من تحرر من القيود، نجده في أعماله الأخيرة استخدم في لوحاته مائيات اللون أو ما نسميه بالشفافية، وهي خاصية مخالفة لما هو متعارف عليه عن ألوان الأكريليك، التي تتميز بالتسطيح وعدم الشفافية، ولعب بالكشط علي مسطح اللوحة مستخدما ذلك كتقنية لونية موازية مظهرا مسطح الخلفية (background) ليظهر متخللا اللون علي استحياء، واستغل سماكة اللون في عمل مسطحات ومستويات مختلفة بشكل تلقائي مدروس تعمل علي إثراء العمل الفني. في لوحاته المنفذة بألوان الباستيل استخدم الفنان الأوراق الملونة خاصة باللون البني في حسم مجمل اللوحة يتخللها إيماءات لونية لضربات اللون، التي يغلب عليها الخطية كدلالة للحسم، وتحمل مقدارا من الرمزية كما في شكل المربع والمثلث، وتظهر بينهما النقطة بشكل متردد حاملين ضمنيا مفردات التشكيل النقطة والخط. غلب علي ألوانه اللون الأصفرالذي يظهر تارة علي استحياء وتارة يسطو هو علي مجمل اللوحة مشكلا البطل فيها، كما تميزت الأعمال في المعرض الأخير بلعب اللون الأخضر ودرجات البني الفاتح، والأزرق السماوي دور البطولة في عدد من الأعمال لتحتل معظم اللوحة، اللون الأزرق في أعماله هو لون الصفاء استقاه الفنان من مكونات الكون، السماء والماء، الماء بتدفقه الذي يبعث علي السمو والسماء و بما يحمله من آفاق وحلم، وغلب علي لوحاته الألوان الساخنة مطعما إياها بضربات سريعة من اللون الأسود. وعن ألوانه يقول حسني: "المشاعر هي التي تختار ألوانها .. وفعلا أنا لا أري اللون الأسود لونا واحدا لكنه مجموعة من الألوان، مجموعة مشاعر تخرج في لحظة واحدة واللون الأسود هو الذي يعطي سمات اللوحة .. الأسود هو اللون المحدد و الحاسم .. وهو لون له شخصية مهمة وله حضور فهو لون التحديد وهو الظل والظل معناه الوجود .. فطالما هناك وجود فحتمي أن يكون لهذا الوجود ظل، وإذا كان الأسود هو الملك، فالأبيض هو ولي العهد .. وبين الأسود والأبيض تسكن الألوان".