لم أكن أتصوّر أن الخوف على مستقبل أولادى سيأتي من قاعات الجامعات لا من أزقة العشوائيات، وأن مصدر الرعب في شوارعنا قد يرتدي معطف الطبيب الأبيض أو يحمل أدوات المهندس أو بطاقة المصرفي أو السياسي المُثقف، وأن الوحشية قد تُغلف بشهادات جامعية لامعة وخلفيات اجتماعية مترفة. حادث مطاردة الفتيات الأخير على طريق الواحات ليس مجرد مشهد عابر من فيلم أكشن، بل هو كابوس واقعى كشف لنا، دون رتوش، أن الانحراف لم يعد حكرًا على المُهمَّشين أو على من أرهقهم الفقر، بل تسلّل إلى بيوت الثروة، إلى قصور الرخام، إلى أسر تدفع آلاف الجنيهات لتعليم أبنائها فى أرقى الجامعات بينما تترك تربيتهم للصدف والفراغ. كيف يُمكن لعقل سليم أن يستوعب أن هؤلاء المنحرفين طلاب طب وهندسة وسياسة واقتصاد؟! غداً، أحدهم سيكشف على ابنتى أو زوجتي في عيادة فاخرة، وآخر سيُصمّم منزل ابني، وثالث سيتعامل مع مدخرات أسرتى فى البنك، ورابع قد أراه فى نادٍ اجتماعى مرموق يتحدث عن «الأخلاق» و»المُستقبل». ما جرى ليس مُجرد «طيش شباب»، بل تحطيم لحدود القيم، لقد سمحنا لطبقة من الأبناء أن تنشأ بلا ضابط ولا رادع، محاطة بأموال تشترى كل شيء إلا الضمير، بعد أن ظن بعض الآباء والأمهات أن دفع المصروفات هو كل ما عليهم، وأن تعليم الأبناء فى الجامعات المرموقة يعفيهم من تعليمهم معنى الرجولة والشرف. إنني، كأب، لم أعد أخشى على أولادى من وحوش الليل المجهولين، بل من زملاء مقاعد الدراسة، من أبناء الطبقة التى كنا نعتقد أنها «آمنة» و»محترمة». الفقر قد يدفع إلى الجريمة، لكن الثراء الفارغ يُنبت مجرمين من نوع آخر، أخطر، لأنهم مسلحون بالعلم والمكانة، ويختبئون خلف وجوه أنيقة وشهادات براقة. إذا لم نُعد صياغة مفهوم التربية فى بيوتنا، وإذا لم يتحمل المجتمع مسؤوليته فى ردع كل منحرف مهما كان لقبه أو نسبه، فإننا سنستيقظ يومًا على كارثة أكبر، حين يصبح «البلطجي» طبيبًا، و»المتحرش» مهندسًا، و»المستهتر» صانع قرار.