المتحرش ليس مريضا نفسيا على طول الخط، بل هو فى الأساس منحرف أخلاقيا بفعل عوامل التربية التى لم تزرع فيه احترام المرأة والتعامل معها بوصفها إنسانا له كرامته وآدميته،لا مجرد جسد للمتعة . هذا ما يؤكده د. محمد المهدى -أستاذ الطب النفسى جامعة الأزهر- من خلال الحوار التالي: لماذا تحول التحرش إلى ظاهرة فى الدول العربية؟
أهم الأسباب تتمثل فى التدنى الأخلاقى، حيث تراجعت القيم والضوابط كما اختلت النظرة إلى المرأة، ففيما مضى كانت تعتبر "حرما" لا يمكن استباحته، ولو اعتدى عليها أحد، تجد من يدافع عنها فى الطريق العام ويحميها، الآن نسبة قليلة من الرجال هى من تتعامل مع المرأة بوصفها إنساناً لها كرامته ومكانته. وهناك عامل آخر وهو تعاطى المخدرات بنسبة كبيرة ممن يتحرشون، كذلك نسبة كبيرة منهم يرتادون المواقع الجنسية، وما يشاهدونه يشعرهم أن المرأة كائن جنسي، وأداة للإشباع الجنسي، فيتوجه إليها فى الواقع كما يراها فى الأفلام الجنسية، يضاف إلى هذا ضعف القوانين التى تُعاقب على التحرش، وحتى لو وجِدت القوانين فطريقة إثبات التحرش بها صعوبة، وكثير من الضحايا لا تستطيع إثبات فعل التحرش، وتتعرض إلى إهانات كثيرة فى محاولتها للإثبات.
وللأسف الدول العربية عمومًا بها معدلات عالية من التحرش – رغم أن معظمها دول إسلامية، قياسًا بالدول الأجنبية، وتأتى أفغانستان فى المرتبة الأولى تليها مصر وفق الترتيب العالمي.
هل هناك أنواع من المتحرشين ؟
هناك "المتحرش التحككى" الذى لا يجد متعته إلا فى الأماكن المزدحمة ليتحرش ويحتك بالفتيات أو السيدات، وهؤلاء منتشرون فى وسائل المواصلات والأسواق والأماكن المزدحمة، وهناك متحرش "استعرائي" وهو الذى يعرى جزءا من جسمه فجأة أمام الضحية، فى الشارع أو مكان العمل، أو على حمام سباحة أو شاطئ البحر، وكأنه يُغير ملابسه، أو يقضى حاجته، فيستمتع والضحية تراه وهو عاري، كما يوجد "المتحرش السادى" الذى يستمتع بتعذيب الضحية وإيذائها بالتحرش، هؤلاء المتحرشون يعانون من انحرافات سلوكية وجنسية ، وهناك المتحرش "العرضي" وهو ليس بمريض ولا يعانى من اضطرابات خاصة، لكن جاءته فرصة أن يتحرش بزميلته فى العمل، أو فى الشارع، فيحاول استغلالها.
هل يرتبط التحرش بسن معين أو طبقة محددة؟ المفترض أن أعلى سن لممارسة التحرش هو المراهقة والشباب، لكن فى السنوات الأخيرة وجِد متحرشون كبار فى السن، وفوق الستين عامًا أيضًا، وكذلك متزوجون عكس ما كان يقال إن المتحرش شخص يعانى من الحرمان والكبت الجنسى لعدم الزواج، ، فالمتحرش ينتمى إلى أى سن وأى طبقة اجتماعية.
كيف نمنع أو نقلل من تلك الظاهرة ؟
ينبغى أن يتم تشديد العقوبة على المتحرش، وتسهيل إجراءات إثبات واقعة التحرش، وحماية المتحرش بها أو به، (فالتحرش لا يقع على البنات فقط بل هناك حالات تحرش بأولاد)، وأن نجعل إجراءات التحقيق تحافظ على كرامة الضحية، واقترحنا من فترة وجود الشرطة النسائية فى الشوارع، لأنها أكثر دقة فى التقاط علامات التحرش، ويمكن أن تقوم بالإثبات الفورى لواقعة التحرش، لأن كثيرا من المتحرش بهن لا يستطعن إثبات حالة التحرش، فتذهب الضحية لعمل محضر والشخص المتحرش ينكر، ولا تستطيع أن تأتى بشهود، خصوصًا مع زيادة نسبة السلبية بين المواطنين.
كيف نعالج من تعرضت للتحرش، وهل يمكن علاج المتحرش المريض؟
للأسف المتحرش المضطرب لا يذهب إلى طبيب للعلاج، لأنه يكون سعيدًا بحالته، ولو أن أهله اكتشفوا حالته يذهبون به إلى الطبيب للعلاج، وهذا المتحرش المرضى لا يُعفى من المسئولية، والعقاب هو نوع من العلاج، أما الضحية فيتم علاجها حسب السن وحسب درجة التحرش وتكراره، لكن أغلبهن يحتاج إلى نوع من التأهيل النفسي، خصوصا إذا تكرر التحرش، أو كان من شخص قريب كالأخ أو الخال أو العم، إذ تتكون لدى تلك الحالات صورة ذهنية سيئة للرجل، وللعلاقة بين الرجل والمرأة فتفشل فى زواجها، أو تتسبب فى كرهها للرجال، وتكره العلاقة الحلال مع زوجها إذا تزوجت، وقد يحدث العكس وتنحرف سلوكيا. وفى الحالتين النتائج سيئة جدًا، لهذا أول خطوة لا بد منها هى حمايتها من المتحرش "القريب" وإبعادها عنه حتى لو كان الأب، وبعد هذا يبدأ العلاج النفسى التأهيلى معها على يد متخصص.