عندما يذكر مصطلح التحرشى الجنسى، تلوح فى المخيلة على الفور صورة نمطية لمدى ابتذال ذلك الشخص المرتكب للتحرش ودونيته التى تعكس حياته البوهيمية، واقترابها من الحيوانات فى عدم سيطرته على غرائزه الجنسية، ولكن هذا التصور هو جانب من قراءة حالة المتحرش، ولكن الظاهرة أعمق من ذلك بعد أن نكتشف خلال حوار "البديل" مع د.محمد المهدى رئيس قسم الطب النفسى الشهير – جامعة الازهر - بأن التحرش ليس فعلا جنسيا خالصا. فى البداية ماهو مفهوم التحرش الجنسى من وجهة نظر الطب النفسى ؟ التحرش كلمة جديدة على الثقافة المصرية العربية، لذا هو ليس موجودا بالتفصيل فى قانون العقوبات، بل يوجد مصطلحات كهتك العرض –الاغتصاب –الزنا، ولكن التحرش مفهوم جديد لذا هناك خلاف على تعريفه، ولكن هناك اتجاه عام متفق عليه بأن التحرش" هو أى قول أو فعل يحمل دلالات أو إيحاءات جنسية موجهة نحو شخص لا يرغب فيه ويتأذى منه "، والتحرش قد يكون بنظرة فاحصة متفحصة، ولكن هذا يصعب إثباته لذلك اكتفينا في التعريف بالقول أو الفعل، ومع هذا إذا وجدت طريقة أو شهود يثبت بها تلك النظرة تصبح تحرشا. - ماهى دوافع الشخص للتحرش بالمرأة ؟ فى الحقيقة هو مرتبط بتصور المتحرش عن المرأة حيث يراها شيئا مرغوبا، وشيئا يخافه ويرهبه فى نفس الوقت، لذا يريد أن يختطف شيئا ليس من حقه، ويختلس لحظة من اللحظات الذى يمتزج فيها العنف بالرغبة الجنسية، لذا فالتحرش ليس فعلا جنسيا خالصا، بل هو فعل عدواني بالأساس له قشرة من الإيحاءات أو الإيماءات الجنسية. لماذا تفاقمت ظاهرة التحرش الجنسى فى الفترة الأخيرة ؟ إجابتى سوف تدهش القراء، لأن التحرش الجنسى ظاهرة قديمة، قدم وجود الإنسان، وهناك أحداث تاريخية مهمة كان التحرش سببا في إشعالها، فالخليفة المعتصم على سبيل المثال قد أعد جيشا للتحرك من أجل حادث حالة تحرش جنسى وقعت لإمرأة مسلمة فى روما، وتوضح لنا هذه الحادثة على صون الإسلام للمرأة وتقديسه لها ولكرامتها. ولكن التحرش الجنسى لفت الأنظار إليه فى الفترة الأخيرة، نظرا للزيادة المطردة لحالات التحرش، وتنوع أسالبيه فلم يعد فقط تحرشا فرديا فى مكان مغلق بل أصبح هناك تحرش فردى وجماعى وسلطوى. ماهى أكثر الأماكن الجاذبة لحوادث التحرش الجنسى ؟ للأسف أصبح هناك تحرش فى كل الأماكن ويبدأ من خارج البيت، حيث يمكن أن يحدث التحرش في الشارع ويكون في صورة كلمات بذيئة أو نظرات متفحصة أو اعتراض لطريق لضحية أو محاولة لمسها أوالاحتكاك بها. ويوجد أيضا في وسائل المواصلات يغلب أسلوب التحكك واللمس والضغط بحجة الزحام أو محاولة المرور من بين الناس، أو قد يظهر بعض الركاب أنه نائم فيلقي بيده أو رجله أو رأسه على أحد أجزاء جسد الضحية. أما عن أماكن الترفيه كالسينما حيث الظلام تكون بيئة خصبة للتحرش حيث يجد المتحرش الفرصة للمس أو القرص أو الضغط بالأيدي أو الأرجل أو إصدار تعليقات سخيفة وخارجة وجارحة على مسمع من الضحية، وفي أماكن العمل المزدحمة أو المغلقة أو المعزولة خاصة إذا كانت هناك فرصة للخلوة الآمنة تستيقظ رغبات المتحرش "أو المتحرشة" وتخرج في صورة نظرات ذات معنى أو كلمات ذات دلالة أو حركات أو لمسات أو همسات. ولكن الأخطر والأشد غرابة فى حدوثه هو رصد حالات من التحرش فى البيت ودور العبادة. التحرش فى دور العبادة والبيت..أليس ذلك امرا مخيفا وغريبا ؟ بالفعل أمر غريب ولا يصدقه الكثيرون، حيث يصعب تخيل وجود حالات تحرش فى جو مليء بالعبادات والروحانيات، إلا أن الواقع يقول بأن ثمة حالات تحرش تمت وتتم في بعض دور العبادة حيث يأخذ المتحرش دور الواعظ أو المعلم أو المحفظ ويختلي بالأطفال أو "تختلي بالفتيات" وهنا يحدث المحظور وقد يأخذ شكل لمسات أو أحضان قد تبدو أبوية ثم تتطور مع الوقت إلى أشياء أكثر وضوحا، وقد يخشى أو يخجل الطفل من الإفصاح عنها لأبويه فيستمر الوضع لشهور أو سنوات والأبوين مطمئنين لوجود ابنهما أو ابنتهما في أحد دور العبادة. أما داخل البيت، قد يحدث التحرش من أحد المحارم كالأب أو الأخ الأكبر أو الأم أو الأخت الأكبر، أو من أحد الأقارب كالعم أو الخال أو غيرهم. والإيذاء النفسي الذي يحدث من تحرش أحد المحارم أو أحد الأقارب يفوق بكثير ما يحدث من الغرباء فهو يأتي ممن يتوقع منهم الرعاية والحماية والمحافظة، لذلك حين يحدث تهتز معه الكثير من الثوابت وتنهار الكثير من الدعائم الأسرية، ولكن يتم عدم الغفصاح عن هذه الحوادث لأنها تمس العائلة بالرغم من خطورتها. تحدثت عن أن التحرش ليس فعلا جنسيا خالصا بل جانب منه عدوانى..لذا هل لدى كل متحرش طبيعة سيكولوجية مختلفة عن الآخرين ؟ بالطبع يوجد اختلاف، لذا يجب الانتباه إلى نوعية المتحرشين ومايدور بداخلهم؛ فهناك المتحرش السادى الذى يستمتع بإيذاء الضحية، لأنه إذا كان يريد الاحتياج الجنسى فكان يستطيع أن يحصل عليه بالتراضى مع أى فتاه، ولكن هو لديه رغبة فى إذلال الضحية وإيذائها جسديا ونفسيا. كما يوجد المتحرش الاستعرائى، الذى يكشف أجزاء من أعضائه التناسلية ويستمتع بذلك أمام الضحية ويسعد بنظرة الدهشة والاستغراب والخوف على وجه من يراه. أما المتحرش التحككى الذى يتحكك فى وسئل المواصلات أوالأسواق، حيث يجد متعته في الالتصاق بالضحية في الزحام والتحكك بها حتى يصل إلى حالة النشوة والقذف. ماذا عن المتحرش بها ..هل يقع على الفتاة جزء من المسئولية كما يقال ؟ لا يجب أن يكون هناك أى مبرر للتحرش فهو جريمة بالأساس ومن يرتكبها فهو يعتدى على الآخرين، ولكن الطب النفسى أيضا بين أن هناك أنواع من المتحرشات بهن؛ حيث يوجد متحرش بها عرضيا أو موقفيا بمعنى أنه يحدث في ظروف معينة وأنها لا تقوم بسلوكيات مقصودة أو غير مقصودة تدفع لتكرار التحرش. أما القابلية لحدوث التحرش وتكراره فتكون أكثر مع شخصيات مثل؛ الشخصية الهيستيرية فتكون مهتمة بنفسها أكثر، وتصدر منها بعض الحركات للفلت الانتباه إليها. أما الشخصية السيكوباتية التي تدفع الآخرين للتحرش بها بهدف ابتزازهم وتحقيق مصالح معينة من هذا الابتزاز، قد يحدث هذا في مجالات السياسة أو في وسط رجال الأعمال. أما الشخصية الماسوشية فهي تستمتع بالإهانة والإذلال والعنف الذي يمارسه المتحرش ضدها فلديها إحساس عميق بالذنب والانحطاط وانعدام القيمة وأنها جديرة بالقهر والإذلال والامتهان وهي تشعر بالراحة حين يمارس ضدها أي عنف جنسي أو جسدي. ولكن فى الفترة الأخيرة نلاحظ أن يتم بشكل منهجى ومع سيدات كبار فى السن ؟ هذا حقيقى، ويؤكد فكرة أن التحرش فى الأساس هو فعل عدوانى تجاه مخلوق، فيه مشاعر متناقضة أمامه، فالمتحرش يرغب المرأة ولكنه يخاف منها ،فلديه دوافع فطرية للاقتراب منها وفى نفس الوقت لديه تركيبة نفسية تجعله يخشاها، أو تجعله يخطف ما يريده بالشكل العنيف؛ فمساحة الرغبة العدوانية فى التحرش أكبر من مساحة الرغبة الجنسية. فالدافع فى التحرش هو اختلاط بيين غريزتين كبيرتين فى النفس البشرية وهى غريزة العدوان وغريزة الجنس، ولكن غريزة العدوان تكون غالبة بشكل أكبر، فنرى التحرش يطال المحجبة والمنتقبة أو الصغيرة فى السن أو العجوز. لكن ما النصائح التى توجهها لكل امرأة لكى تحمى نفسها من التحرش ؟ يوجد استراتيجيتان يمكن أن تتبعهم أى أمراة، الأولى استراتيجية التفادى أى ألا تكون موجودة فى أماكن منعزلة فى وقت متأخر من الليل، ألا تركب تاكسى بجوار السائق أوتتباسط معه،الابتعاد عن وسائل المواصلات الزحمة. أما الاستراتيجية الأخرى هى المواجهة، مابين نظرة حازمة وكلمة مقتضبة توجه نحو المتحرش، وباختصار شديد دون أن تدخل معه فى حوار أو نقاش، فالمتحرش جبان جدا وخواف، وهذه النظرة الحازمة تردعه وتخوفه، وأحيانا تستعين بشخص قريب لإنقاذها، ولو فى مكان مغلق تحاول الخروج بسرعة. كما توجد أدوات طريفة تعتمد عليها الفتيات كالدبوس لطعن اى شخص يحتك بها فى المواصلات مثلا، وتعلم وسائل الدفاع عن النفس كالكارتيه والتايكوندو. وماذا عن دورالمجتمع ؟ بكل صراحة البيئة المصرية أصبحت بيئة محرضة على التحرش، بسبب الازدحام والعشوائيات والانفلات الأمنى والفوضى الأخلاقية .لذا أعتقد أنه سيمر وقت قبل السيطرة على هذه الظاهرة. ولكن المجتمع عليه أن يقوم بدوره فى التوعية الدينية وتحسين التشريعات وتسهيل إجراءات التقاضى على المستوى القانونى، أما الجانب الأمنى ضرورة تسهيل ضبط حالات التحرش وتوصيلها للعدالة.