فى البدء كان اللون وسيظل عنده إلى الأبد، فهو غايته، ومراده، وحلمه ومتعته الصوفية الكبرى. تبدأ اللوحة عنده بمثيرات لونية تطفو على سطح خياله تؤرقه، وتصبح مشكلته كيفية نقل أحاسيسه إلى لوحته البيضاء. إن اللوحة عنده احتفاء باللون وشغف به يصل إلى درجة الوحشية، وقد قاده ذلك إلى خامة ألوان الباستيل، وذلك لما لها من نضارة لونية فائقة تمكنه من إرسال النغم اللونى بسرعة. ولهذا كان جزء كبير من أعماله فى السنوات الأخيرة بالباستيل. ولذلك ليس غريبا أن ينتمى الفنان عبدالعال إلى سلسلة الملونين العظام فى حركتنا الفنية أمثال الفنانين عبدالعزيز درويش وجمال كامل ومحمد صبرى وحسنى البنانى. ومثلما وجد الفنان الفرنسى العظيم جوجان حلمه الفنى فى فتيات جزيرة تاهيتى، حصل الفنان عبدالعال على ضالته فى وجوه بدو سيناء، فملابسهم السمراء المزركشة بالألوان ووجوههم الخمرية المليئة بالفتنة كانت الموضوع الأثير لديه فى العشرين عاما الماضية. فيهم وجدت ريشته مرتعا خصبا لإرضاء نهمها الإبداعى وإشباعا لشغفها بالجمال. مثل الرحالة يجوب عبدالعال ريف مصر وسيناء بحثا عن الجمال فى حياة البشر اليومية تحت ضوء الشمس. استطاع فى أعماله أن يسقط بملء فرشاته ألوانه الجميلة التى كانت انعكاسا لأحاسيسه المتدفقة. لقد وجد فى البشرة السمراء إشباعاً كبيرا لحسه الجمالى، فمع البنفسجى والأزرق فى الظلال إلى تألق البرتقالى فى النور إلى الأسود الغنى فى الملابس، والأسود عنده يتركب من مجموعة ألوان وليس أسود أنبوب اللون. يبدأ عبدالعال لوحته مثل جوجان الذى أعجب به كثيرا، حيث يرسم بلون واحد وغالبا أزرق البراشن ثم يضع لونا ثانيا بعد أن يجف الأزرق ثم لوناً ثالثاً فرابعا حتى يظهر اللون الذى على السطح وهو محصلة مجموعة الألوان الشفافة المتتابعة. ولهذا كانت ألوانه غنية ومليئة بالانسجام، وهو يبنى كتلته باللون وليس بالضوء والظل وتبدو شخوصه بارزة على سطح القماش بألوانها الدافئة الخمرية التى تتألق تحت ضوء الشمس. أسعدنى حظى الجميل بمعرفته منذ سنوات طويلة وزاملته فى العمل بمجلتنا الجميلة صباح الخير، وطوال هذه السنوات يدهشنى عبدالعال بإخلاصه الشديد لفنه فلم أره يوما يفعل شيئا غير الفن. بدأ حياته الفنية غارقا فى المدرسة التكعيبية، وجد فيها متعته فى تحويل الطبيعة إلى مسطحات لونية وكانت مراكب بحيرة المنزلة الموضوع المفضل لديه. وجد غايته فى تنفيذ رؤيته اللونية البنائية التى لازال أثرها يظهر فى فنه حتى اليوم. بعد سنوات قليلة من رحلته مع التكعيبية تحول عنها، لقد رأى أنها تحد من تطور أسلوبه، ولكنه استفاد منها فى التلخيص لقد أعطت لشخوصه بنائية وصرحية لونية. ظلت موضوعات المراكب تلازمه وتظهر فى فنه بين الحين والحين. يستعين الفنان عبدالعال بالصور الفوتوغرافية فى هذه الموضوعات، حيث يتعذر عليه الحصول على الموديل فى الأستوديو، وهو عندما يرسم من الصورة يعتمد على خبراته الطويلة فى الرسم من الموديل. ولقد رأيته سنوات طويلة وهو يرسم وجوه الجميلات اللاتى يجلسن أمامه فى جلسة أو جلستين ويقوم ينشرها على غلاف صباح الخير، أنه رسام البورتريه الذى لايبارى لا تخطئ عيناه نسب الموديل من الدقائق الأولى. عندما يرسم عبدالعال وجوه البدو والفلاحات من الصور تكون الصورة مرجعاً فقط ليس أكثر، ينطلق منها مبدعا عملا تصويريا بكل عناصره، فما يشغله هو تحقيق القيم الفنية من خط ولون وتكوين وتون وهو لايعبأ كثيرا بالمنظور الهوائى «البعيد والقريب» كل اهتماماته تكمن فى أن يجعل ألوانه تتوافق مع بعضها البعض لتغنى وقد يجنح للتلخيص أحيانا، ويهرب من التفاصيل كثيرا. كل هذا جعل أعماله مليئة بموسيقى الجمال التى تدهشنا بألوانها الدافئة المبهرة ولأنها أعمال فنية أصيلة فهى تبقى معنا ولا ننساها، ولهذا كان عبدالعال ظاهرة متميزة فى حركتنا الفنية، وهب ريشته لتسجيل الشخصية المصرية الأصيلة. وليس غريبا أن تنال أعماله كل هذا الإعجاب الكبير من عشاق الفن وتجد طريقها إلى بيوت هواة الاقتناء. فى معرضه المقام حاليا بقاعة دروب يقدم أكثر من ثلاثين لوحة. ينفرد المعرض بتعدد الخامات فهو عازف ماهر على أكثر من خامة من الباستيل إلى الألوان الزيتية والمائية يعزف على الجميع ببراعة ويستخرج أجمل الألحان. إن المعرض يعكس آخر إبداعاته وعشقه ورحلاته فى عالم البشرة السمراء.