في معرضه الجديد الذي يستمر حتي السابع من ابريل المقبل بقاعة الزمالك يؤكد الفنان د. فرغلي عبد الحفيظ ريادته في فن التصوير ففي هذا المعرض يكسر فرغلي عبد الحفيظ توقعات الجمهور بدءا من عنوان المعرض وموضوعه وانتهاء بالتغيير شبه الكلي لباليتته اللونية التقليدية. اختار الفنان فرغلي عبد الحفيظ في معرضه الجديد النيل عنوانا وموضوعا ليستمر في شغفه بالاحتفاء بالمكان دون ان يستمر في سلسلة معارضه التي تتناول المدن والتي استمرت علي مدار السنوات الماضية اسطنبول, اسوان, القاهرة, لندن ليستدعي النيل حالة لونية مختلفة غير معتادة في معارض عبد الحفيظ التي عادة ما تسيطر عليها الوان البني والاصفر والرمادي الي جانب مساحات البياض الواسعة التي تتراجع في معرضه الاحدث تماما تاركا للاسود والازرق ودرجات الاحمر غير الصريح حق السيطرة. يعتمد د. فرغلي عبد الحفيظ في المعرض علي خامات تقليدية ليقدم من خلالها كعادته صورا غير تقليدية فباستخدام مزيج من الوان الزيت والاكريليك علي القماش, يصور فرغلي عبد الحفيظ النيل مجردا من صوره التقليدية حيث المراكب والاشجار وتلك الصور الرومانسية ليري زائر المعرض النيل من خلال من يحيون علي ضفافه, والمعزولين عن هذه الضفاف المحرومين منها, من خلال الالوان تنتقل حالة الشخوص التي تتحول في اللوحة الي جزء من تكوين النيل وكأن النيل هو من يحيا بهم معكوس الفكرة التقليدية, بل والجملة التقليدية مصر هبة النيل. في اللوحات يبدو الاهتمام بالحالة اكثر من المكان فلم يكن الانبهار بالطبيعة وعناصرها وجغرافيا المكان مما يجذب انتباه عبد الحفيظ في كل معارضه التي تحمل عناوين اماكن بل الحالة الانسانية في هذه المدن ففي لوحة Thehumanity أو الانسانية تبدو اللوحة كاستكشاف لتاريخ يحيط بالنيل حيث تجلس ام نوبية تحمل رضيعها جنبا الي جنب مع سيدة شقراء تحمل ثيابها اشارات لزمن مضي تتسامران وتتبادلان هدايا ما, التضاد بين الاصفر الزاهي في لون وثياب السيدة الثرية, والاسود المسيطر علي لون وثياب الام النوبية يشير الي ما يشيعه النيل من سماحة وامكانية للتعايش بين البشر مهما كانت تناقضاتهم.وفي لوحة اخري تحمل عنوانThehumanity او الروحانية يستعيد عبد الحفيظ عناصره اللونية التقليدية مصورا شخوصا في مراكب محلقة في سماء تتراوح بين الاصفر والبني, لاتبدو السماء سماء بل السماء والارض افق واحد تحلق فيه هذه الكائنات بخفة لافتة في حين يطل من مقدمة اللوحة وجه لإمرأة تتطلع للرائي متخلصة او غير قادرة علي الوصول لهذه الحالة فلا تبدو اللوحة منفصلة تماما عن عالم الرائي بل تفتح له بوابة تواصل مع عالمها ومقاييسها الروحانية الخاصة. هذه الروحانية التي دفعت الناقد كما الجويلي ليقول عن فرغلي عبد الحفيظ: هو حين يجرد الواقع من سماته المباشرة يعكس عالم وجدانه الخاص في بساطة مركبة تأتي بسيطة ولكن من خلال معاناة في البحث وهو لايقصد الي السهل في ذاته بل يصل اليه وبه بعد مطاف شاق يربط فيه بين الحلم والواقع. هذا المزج بين الحلم والواقع يظهر في العديد من لوحات المعرض من بينها لوحة تحمل اسمه النيل تبدو فيها عروس النيل النوبية شديدة السمرة وقد احتل جسدها وانتشرت ضفائرها في فضاء اللوحة وفي خلفيتها مراكب نيلية صغيرة وبسيطة تتخذ شكل المراكب الشمسية الفرعونية القديمة يضئ عليها مفتاح الحياة الذي ارتدته عروس النيل السمراء في عنقها, في هذه اللوحة لايظهر اللون البني الذي صار من السمات الفنية لأعمال فرغلي عبد الحفيظ في بقعة صغيرة كجندل نيلي كتلك المنتشرة في جنوباسوان, الخلط بين الواقع والحلم ايضا يبدو في لوحة من اجمل لوحات المعرض وحملت ايضا اسم النيل36 رقم اللوحة تتناقض اللوحة تماما مع اللوحة السابقة عليها لوحة عروس النيل النوبية السابقة الاشارة اليها ففيها يرصد فرغلي عبد الحفيظ ابن اسيوط الذي تربي علي ضفاف نيل اكثر بساطة, ازدحام النهر بالفنادق العائمة الفخمة واضوائها التي تضفي علي النيل روحا اخري اكثر تعقيدا واقل بساطة في حين تقزم اميران في مقدمة اللوحة وقد اوليا ظهريهما ووجهيهما لنهر لم يعد لهما. النيل في معرض عبد الحفيظ ليس مكانا, ولا نهرا, ولا عنصرا بيئيا وجماليا, بل يستشف عبد الحفيظ من النهر ما يمنحه ويستمده من سكان ضفافه من حياة, وتبدو لوحات معرضه كسجل للتاريخ الانساني للنيل.