الفنان فرغلي عبد الحفيظ من الفنانين القلائل في الحركة الفنية المصرية والعربية الذين يفكرون في الفن قبل أن يمارسوه ومن الصعوبة اختزال تجربته الفنية في سطور لعمق تربته وثقافته.. يمتد عشقه للبيئة المصرية منذ بداياته التي إمتزجت بجذور الوطن وترابه الغالي فكان لميلاده ببلدة ديروط في عمق الجنوب مذاق خاص لانصهاره بحضارة مصر العريقة فهو فنان مولع بالفن المصري القديم وامتدت هذه المشاعر عندما اختار مدينة دهشور ليقيم فيها مرسمه الذي يطل علي صحراء مصر الذهبية ولا أبالغ بأنه شيد منصة للتأمل في حديقة مرسمه ليعيش لحظة غروب الشمس وأشعتها الدافئة التي تنعكس علي الرمال الصفراء وتبث فيها كما من الطاقة لتكمن في باطنها دافعة للمياه واستمرارها.. الطبيعة ذات النمو الرأسي الذي يتجلي في أشجارها ونخلها وحقولها كأنها تتغني بإرادة وتحدي بالغ التباين بين الإحساس بامتداد الصحراء وامتداد الحقول الخضراء تحت كونيات فضائية تؤطر هذه المصفوفة الإنسانية بلونها الأزرق الذي يتبدل ويتغير بفعل دوران الارض ومعرض الفنان فرغلي الذي افتتح الأسبوع الماضي يعد حلقة من حلقات نبعه الفني المتميز بمرجعيات تاريخية وحضارية تؤكد وتعمق رؤية الفنان الثاقبة والمعرض مقام في قاعة الزمالك للفن وكتب الفنان في صدر كتالوج معرضه هذه الكلمات المعبرة والكاشفة عن إشارات وعلامات دالة علي عمق رؤيته الفنية ليضرب مثالاً أصيلاً للفن ونصها »المنشود دائما أن يلعب الفن دوراً حاسماً في تعزيز وتعظيم شهية إستمرار الحياة علي هذا الكوكب المتميز ويؤكد التاريخ المعلوم أن مصر ملكت - عن حق - المكانة الأعظم في تحقيق نوع من التلاحم السحري الأخاذ بين مكونات الفن الروحية والفكرية والحسية وصولاً الي هذا الهدف المنشود لقد امتلك الفن المصري نوعاً خاصاً جداً من الايحاءات والذبذبات القادرة علي بث الدفء والبشر وعلي موازرة الإحساس بالرضا والونس والتفاؤل هذه هي الأهداف المنشودة لهذا المعرض الذي يختص بعنصر له مكانة خاصة في تاريخ مصر وفي تاريخ العالم إنه النيل هذا الكائن العظيم الذي حرك وسوف يظل يحرك مشاعر الفنانين والشعراء والمفكرين والكتاب والعلماء ومن خلال مسيرة حياة الصديق فرغلي منذ منتصف الستينيات وتتعمق في داخله علاقته بالنيل والارض منذ تجاربه الناضجة كأحد أعضاء جماعة الفنانين الخمسة مروراً بمرحلة الانبثاق التي أدهشت الجميع وكان لها صدي كبير كعلامة متفردة في حركة الفن المصري المعاصر ولا نستطيع تجنيب مرحلة التمرد علي هندسية ونقاء الانبثاق وهي مرحلة الانصهار مع الارض والرمال الذي اقتطعها وهندسها بتلقائية محددة الأبعاد وتجلت في أعماله باقتدار وأصبحت جزءاً من التراث الفني ويعود الحنين الي الرمال وشواطئ النيل وجذره ليهجنها في فضائيات أعماله التي تعاظم فيها اللون الأزرق والأصفر برماله واعتمد الفنان علي تصفيف عناصره الموحية والتي زينها بخطوط متواترة تحمل طاقات ذاتية معبرة عن مجالها الشعوري والمغناطيسي أما هندسة البناء التشكيلي اعتمدت علي المنظور المركب من زوايا متعارضة محدثاً حالة من التوهج الذهني وفرغلي أحد اعضاء جماعة المحور التي بدأت عام 1981 التي أحدثت »نوبة صحيان« والفنان علامة مضيئة في حركة الفن المصري والعربي المعاصر.