في واحدة من أكبر موجات الطقس العنيفة التي ضربت آسيا خلال السنوات الأخيرة، غرقت مساحات شاسعة من القارة تحت مياه فيضانات مباغتة اجتمعت فيها الأعاصير المدارية مع الأمطار الموسمية الغزيرة، مخلفة دمارًا واسعًا. فمن تايلاند إلى إندونيسيا وسريلانكا وماليزيا وفيتنام، انهارت منازل، وجُرفت قرى بأكملها، وقطعت الجسور والطرق، بينما تجاوز عدد الضحايا أكثر من 1100 قتيل خلال أيام. وفي تقريرها الصادم، نقلت صحيفة «الجارديان» البريطانية، شهادات مباشرة لأشخاص نجوا، قد وصفوا قوة المياه التي "يمكنها قتل فيل" وتحوّل الممتلكات إلى حطام في ثوانٍ. وكشف هذا التحقيق، الصورة الكاملة لكيف اجتمعت عوامل مناخية متطرفة لتضرب نصف القارة الآسيوية، وكيف عاش السكان ساعات طويلة على أسطح المنازل والأشجار في انتظار النجدة. بدايات الغرق أفادت «الجارديان» بأن منة علي، البالغة 63 عامًا من إقليم آتشيه الإندونيسي، بدأت ليلتها ظنًا أن الأمطار مجرد موجة موسمية اعتيادية، قبل أن يتحول الهدير إلى سيل جارف أغرق قريتها بالكامل. ومع ارتفاع المياه إلى ثلاثة أمتار، لجأت منة، إلى سطح منزلها بمساعدة ابنها وظلت محاصرة ل24 ساعة كاملة، تشاهد المنازل وهي تُقتلع واحدًا تلو الآخر. وقالت إن منزلها تحول إلى كومة من الطين وإنها فقدت كل شيء. أكثر من 1100 قتيل في موجة هي الأعنف منذ سنوات أشارت البيانات الأولية، إلى أن الأمطار الموسمية المتزامنة مع الأعاصير المدارية ضربت مناطق واسعة من إندونيسيا وسريلانكا وجنوب تايلاند وماليزيا وفيتنام، ما أدى إلى وفاة أكثر من 1100 شخص، بينهم أكثر من 600 في جزيرة سومطرة وحدها. وأوضحت التقارير، أن حجم المياه الاستثنائي خلال الأيام الماضية تجاوز إمكانات شبكات الصرف وطاقات الإجلاء، مما تسبب في انهيارات أرضية وقطع طرق وجسور رئيسية. شهادات مرعبة من ناجين تشبثوا بالحياة لساعات طويلة روى بُسرى إسحاق، 60 عامًا، من المنطقة نفسها، أن منزله اختفى بالكامل تحت قوة المياه، وأن جذوع أشجار ضخمة كانت تُدفع بعنف يجعل النجاة شبه مستحيلة، مضيفًا أن "التيار كان قويًا لدرجة يمكن أن يقتل فيلًا". وروى الرجل أنه نجا بالسباحة والتشبث بشجرة جوز هند لمدة 12 ساعة، بينما فقد شقيقته الكبرى في الفيضانات، وظل عاجزًا عن التواصل مع أسرته بسبب انقطاع الكهرباء والاتصالات. ساعات رعب عاشتها عشرات الأسر تحت الأمطار المتواصلة في هات ياي، إحدى أكثر المناطق التايلاندية تضررًا، انتظر «ناتشانون إنسوانو» محاصرًا في منزله حتى خصره بالماء، بينما كان والداه محاصرين فوق سقف معدني مهدد بالانهيار. وقال إنه شاهد الأثاث والأجهزة تُسحب أمامه في مجرى الطين العنيف، بينما لم يكن لدى عائلته سوى زجاجة ماء واحدة لمدة ثلاثة أيام. وأكد أن السلطات التايلاندية لم تقدم التحذيرات الكافية، وأن قرار الإخلاء جاء بعد أن وصلت المياه إلى مستوى الصدر، ما أثار انتقادات واسعة للأجهزة المحلية في تايلاند. وفي صباح الثلاثاء، تمكن «ناتشانون» من استيقاف قارب إنقاذ بعد صراخه المتواصل لإنقاذ والدته التي فقدت الوعي من شدة البرد والإرهاق. امرأة تنجو من أفعى مميتة في خضم الفيضانات اعتقدت «تشوتيكان بانبيت»، صاحبة ال 32 عامًا من هات ياي، أنها نجت بمعجزة بعدما لدغتها أفعى ماليزية أثناء محاولة فحص مستوى المياه في شرفتها. ولم تستطع الوصول إلى المستشفى لمدة 32 ساعة بسبب المياه المرتفعة، وكانت في "ألم أسوأ من الولادة"، على حد وصفها. وقالت إنها ظلت متمسكة بقارب الإنقاذ بينما تتلاعب الأمواج بالقارب تحت قوة التيار. 11 جسرًا مقطوعًا في سومطرة.. وقرى بلا طعام أو مياه في جزيرة سومطرة، تسببت الفيضانات في قطع 11 جسرًا رئيسيًا وعزل مناطق كاملة عن الطرق البرية، فيما أكدت فرق الإنقاذ أن بعض القرى غير قابلة للوصول حاليًا، وأن السكان يعتمدون على تبرعات المجتمع المحلي في غياب الإمدادات الرسمية. وأشار السكان إلى نقص الغذاء والمياه النظيفة، وإلى أن مستويات الدمار غير مسبوقة مقارنة بكل الفيضانات السابقة. رعب ما بعد الكارثة.. «البيوت تحولت إلى حطام» بعد انحسار المياه في بعض المناطق، ظهرت معالم الخراب، ما بين: أثاث مدمر، وأنقاض، وطبقات من الطين، وخسائر شبه كاملة لمعظم الممتلكات. ووصف السكان حالة رعب مستمرة، حيث يكفي سماع صوت المطر لإثارة الذعر خوفًا من فيضان جديد، على حد تعبيرهم. وقال بُسرى إسحاق إن "فيضان هذا العام هو أسوأ مأساة في التاريخ"، في وصف يوضح حجم الأزمة الإنسانية الممتدة التي ما زالت تتكشف يومًا بعد يوم.