روي وزير الحرب الأمريكي بيت هيجسيث في كتابه "الحرب على المحاربين" رواية يعبر فيها عن رفضه ل"القواعد والأنظمة" التي تضبط سلوك القوات في الحروب، كاشفا أنه وجه الجنود الذين كانوا تحت قيادته في العراق إلى تجاهل التعليمات القانونية المتعلقة بمواضع السماح بإطلاق النار على مقاتلي العدو وفقا لقواعد الاشتباك. ويأتي هذا الكشف في وقت يخضع فيه هيجيسث لتدقيق واسع بسبب هجوم وقع في 2 سبتمبر على قارب يُعتقد أنه كان ينقل مخدرات في منطقة الكاريبي، حيث قُتل ناجون من الضربة الأولى في ضربة ثانية بعد صدور أمر شفهي منسوب إليه مفاده: "اقتلوا الجميع". ولكن هيجسث أنكر إصدار هذا الأمر، ولا يزال يحظى بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعلن أنه يصدق تأكيدات هيجسث بنسبة 100%. إلا أن عددا من أعضاء مجلس الشيوخ أثاروا احتمال أن يكون هيجسيث قد ارتكب جريمة حرب. ووفقا لتقرير نشرته صحيفة "جارديان" البريطانية، يروي هيجسيث واقعة تتعلق بإحاطة قانونية تلقاها هو وجنوده عند بداية انتشارهم في العراق، حيث طلب من عناصر فصيلته تجاهل التعليمات التي قدمها القاضي المحامي العسكري حول قواعد الاشتباك. ويكتب هيجسيث أنه "عند وصولنا إلى العراق، أُبلغ الرجال بآخر قواعد الاشتباك في الميدان"، مضيفا أن رجال المشاة لا ينظرون بعين الرضا لمحامي الجيش، الذين يُشار إليهم بطريقة غير محببة. كما اتهم محامي الجيش بأنهم "يقضون وقتا أطول في مقاضاة قواتنا أكثر من ملاحقة الأعداء، لأن ذلك أسهل طريق للترقي". ويذكر هيجسث أن محامي قدم مثالا لمقاتل عدو يحمل قاذف آر بي جيه، ثم سأل الجنود: "هل تطلقون النار عليه؟" فيقول هيجسث إن رجاله أجابوا فورا: "بالطبع نعم، سنمطره بالرصاص", لكن المحامي رد عليهم قائلا: "إجابة خاطئة يا رجال. لا يحق لكم إطلاق النار عليه ما لم يصبح السلاح تهديدا فعليا، أي أن يوجهه نحوكم بنية إطلاق النار. حينها فقط يصبح الاشتباك قانونيا ومشروعا". ويقول هيجسيث: "جلسنا في صمت، مصدومين". وبعد ذلك، جمع هيجسيث جنوده وأصدر لهم توجيهات معاكسة لتلك التعليمات: "لن أسمح لهذا الهراء بأن يفسد عقولكم. أي رجل يرى عدوا يعتقد أنه يشكل تهديدا، يشتبك معه ويدمره. هذه قاعدة سخيفة ستتسبب في مقتل رجالنا. وأنا سأدعمكم، وكذلك قائدنا. نحن سنعود إلى الوطن، والعدو لن يعود". من جهته، قال البروفيسور ديفيد إم كرين، المدعي العام السابق للمحكمة الخاصة بسيراليون وأستاذ القانون في جامعة سيراكيوز، إن الالتزام بقواعد الاشتباك أمر أساسي، ومن يخالفها يجب أن يُحاسَب. وأوضح كرين وهو أيضا محامٍ عسكري سابق خدم 20 عاما: "بعد مأساة ماي لاي عام 1968 (مذبحة ارتكبها جنود أمريكيون في حرب فيتنام)، حاولنا منع تكرارها ومحاسبة كل من يخالف القانون. وقد شهدنا ذلك في العراق، خصوصا في الفلوجة ومناطق أخرى حيث ارتكب بعض المارينز جرائم حرب وتمت محاكمتهم". وأضاف: "هذه القواعد تسري على كامل سلسلة القيادة، حتى الرئيس الأمريكي بصفته القائد الأعلى. فإذا صدر أمر غير قانوني من الأعلى إلى الأسفل، فإن كل من ينفذه يرتكب جريمة حرب". لكن هيجسيث يعبر في كتابه عن تشكيك شامل في منظومة قوانين الحرب، قائلا: "إذا طُلب من محاربينا الالتزام بقواعد عبثية والتضحية بالمزيد من الأرواح لإرضاء محاكم دولية، فهل من الأفضل ألا نقاتل وفق قواعدنا نحن؟ من يهتم بما تفكر فيه الدول الأخرى؟". وفي فترة ولاية ترامب الأولى، لعب هيجسيث دورا محوريا في حملة ناجحة للعفو عن ضباط اتُّهموا أو أُدينوا بارتكاب جرائم حرب، كما امتدح قائده السابق العقيد المتقاعد مايكل ستيل، الذي وُجه له توبيخ بعد أن أصدر أمرا لجنوده في العراق عام 2006 ب"قتل كل الذكور في سن القتال". وقال كرين إن تصوير هيجسيث لعلاقة عدائية بين محامي الجيش والجنود "غير صحيح على الإطلاق"، لافتا إلى أن "محامي الجيش هم جنود ومحامون، مهمتهم حماية القوات من مخالفة قوانين الحرب، والجنود يقدرون ذلك". وفي فقرة أخرى من الكتاب، يشيد هيجسيث بقائده العقيد ستيل الذي عوقب بسبب حادثة قتل مدنيين عراقيين عزل، ويقول عنه: "كان ستيل محاربا شرسا، وكان يمنح مكافأة لمن يقتل عدوا". لكن ستيل، الذي قاد لواء في الفرقة 101 المحمولة جوا، اتُهم بأن سياسته شجعت على قتل العراقيين، وأنه أصدر أوامر غير قانونية، وفي عام 2007 عوقب ونُقل إلى منصب إداري، الأمر الذي أنهى مسيرته العسكرية. وقال كرين: "لدينا قادة أقوياء، لكن في العادة لا تتم ترقيتهم، بل يُبعدون بصمت أو يُحاكمون". ويواصل هيجسث هجومه على القيود القانونية، قائلا: "نرسل رجالنا للقتال ثم ننتقد الطريقة التي يقاتلون بها". ويتابع: "وحداتنا محاصرة بالقواعد واللوائح والصوابية السياسية. يجب أن ينتهي هذا، إذا أرسلنا شبابنا إلى القتال، ويجب أن يكونوا رجالا، فعلينا أن نطلق أيديهم ليفوزوا. يجب أن يكونوا الأكثر قسوة، والأشد شراسة، والأكثر فتكا". ويضيف: "جنودنا سيرتكبون أخطاء، وعندما يحدث ذلك، يجب أن يحصلوا على أقصى درجات الشك". ويعكس هذا الطرح تصريحات أدلى بها هيجسيث عام 2019 بعد عفو ترامب عن عسكريين اتُّهموا أو أُدينوا بقتل مدنيين.