خرجت البنوك عن دورها الطبيعي في المساهمة في إقامة مشروعات تدفع عجلة النمو إلي مطاردة عملاء القروض الاستهلاكية الذين عادة ما يكونون من الموظفين لاغرائهم بكروت الفيزا وتوسعت البنوك بالفعل في الترويج لتلك الكروت متجاهلة تمويل المشروعات الإنتاجية ليصل حجم تلك القروض إلي 84 مليار جنيه في مارس الماضي مقابل 38 ملياراً في عام 2005 . وحذر المصرفيون من تمادي البنوك في الاعتماد علي تلك القروض خاصة في ظل تعثر عدد كبير من عملائها بسبب ارتفاع سعر الفائدة الذي يصل إلي 20% فضلاً عن تغاضي البنوك عن الضمانات المطلوبة من تحويل مرتب أو قدرة السداد وهو ما يتطلب مراجعة الخطط التمويلية التي تقوم بها البنوك حالياً. أكدت بسنت فهمي المستشار المصرفي لبنك البركة مصر أن البنوك توسعت في منح وإصدار البطاقات الائتمانية بشكل غير مدروس، فمتوسط دخل الفرد منخفض نتيجة لارتفاع الأسعار العالمية وتأثر الأقتصاد القومي سلباً بتداعيات الأزمة المالية العالمية، إلي جانب قصور ثقافة المواطن في التعامل مع هذا النوع من الاقتراض، فمن الممكن أن يحصل العميل علي أكثر من بطاقة بما يفوق امكانياته علي السداد، في الوقت الذي تبالغ فيه البنوك في تحصيل العمولات عند تجديد البطاقات وزيادة أسعار الفائدة لتتراوح ما بين 18 - 20% الأمر الذي أدي بدوره لتعثر نسبة كبيرة للغاية من حائزي البطاقات الائتمانية إلي جانب إلغاء عدد كبير من العملاء لبطاقاتهم الجديدة السارية لتخوفهم من عدم قدرتهم علي السداد وتعرضهم للمساءلة القانونية. ويؤكد أحمد آدم خبير مصرفي أن البنوك تتبع أسلوب القطيع فيما يتعلق بمنح قروض التجزئة المصرفية ومنها البطاقات الائتمانية وتمويل شراء السيارات وتجديد الوحدات السكنية الفاخرة وشراء السلع المعمرة الأمر الذي أحدث تشبعاً داخل السوق مؤخراً. وأكمل فرغم أن صاحب أول تعامل لهذا النوع من التمويل للأفراد كان أحد فروع البنوك الأجنبية العاملة داخل السوق إلا أن جميع البنوك المحلية وعددها 40 بنكاً اتبعته في التوسع في منح البطاقات الائتمانية وقروض التجزئة والتخلي عن بعض الضمانات المهمة ومنها اشتراط موافقة جهة العمل علي تحويل راتب العميل إلي البنك لخصم القسط المستحق الأمر الذي مكن العميل من امتلاك أكثر من بطاقة ائتمانية بما يفوق امكاناته علي السداد. ويستطرد كما لجأت البنوك مؤخراً في تكوين مخصصات عامة كبيرة لتغطية نسبة التعثر لزيادة معدل المخاطر الناجمة عن التوسع في إصدار البطاقات الائتمانية والقروض الاستهلاكية في مقابل تحقيق صافي أرباح مرتفع وجذب عدد كبير من المتعاملين. وأضاف الخبير المصرفي أن البنوك سوف تشهد توسعاً خلال الفترة القادمة لمنح القروض الاستهلاكية في مقابل تجاهل التمويل الإنتاجي، وهو ما تؤكده مؤشرات السوق حيث بلغ حجم قروض التجزئة المصرفية للأفراد بالجهاز المصرفي 84 مليار جنيه في مارس 2010 م مقابل 38 مليار جنيه في يونية 2005 م ، طبقاً لأحدث تقرير صادر مؤخراً عن البنك المركزي، وبما يدل علي اتجاه البنوك وبقوة صوب هذا النوع من التمويل. فيما حذر آدم من أن التوسع في تمويل القروض الاستهلاكية ومنح البطاقات الائتمانية يؤثر سلباً علي منحني الطلب علي المدي المتوسط، فعند تزايد الاقتراض من البنوك لشراء احتياجات العملاء يقابله سداد للأقساط لفترة طويلة تظل سنوات لا يتمكن العميل خلالها من الشراء لحين سداد ديونه مما يؤثر علي انخفاض معدلات الشراء داخل السوق. ويري دكتور حافظ الغندور عضو لجنة السياسات بالبنك الأهلي المصري سابقاً أن البطاقات الائتمانية تكون مغطاة بودائع أو أوعية إدخارية وتكون بناء علي برامج مرتبطة بالوظيفة أو المركز الاجتماعي والمرتب الخاص بالعميل. فالمخاطر لا تكمن في منح البطاقات الائتمانية وانما في التوسع في هذا التمويل علي حساب منح القروض للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وتمويل المشروعات الإنتاجية لدي الشركات، فالبنوك تسعي للاستثمار الأسهل والأقل مخاطرة رغم كونه ائتماناً استهلاكياً، وليس إنتاجياً، يمنح للأفراد لتمويل مشترياتهم. ويتفق معه محمد فاروق مدير عام الائتمان ببنك الاستثمار القومي سابقاً، أن البنوك تخلت عن دورها في تمويل المشروعات الإنتاجية واتجهت لاصطياد العملاء محدودي الدخل كفريسة سهلة لمنحهم بطاقات ائتمانية وقروضاً استهلاكية تجد رواجاً كبيراً لدي تلك الشرائح من المجتمع، والتي سريعاً ما تفاجأ بصدمة عند مراجعة كشف الحساب المرسل إليها من قبل البنك.