لا أعرف ما هي الأسباب التي دفعت بعض علماء الأزهر إلي طرح فكرة تقسيم جامعة الأزهر إلي ثلاث جامعات مستقلة خاصة وأن هذا التقسيم لا يخدم إلا مصالح شخصية للذين يتطلعون إلي كرسي رئاسة هذه الجامعات الجديدة إن قدر لها أن تخرج إلي النور وما أظن أن هذا سيحدث لأنه حتي في حالة نجاح الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر في انتزاع موافقة مجلس جامعة الأزهر والمجلس الأعلي للأزهر ومجمع البحوث الإسلامية فسوف تقف له اللجنة الدينية في مجلس الشعب برئاسة الدكتور أحمد عمر هاشم بالمرصاد ولن توافق علي تمرير هذا المشروع وبالتالي فليس أمام المتحمسين لهذا التقسيم طريق لتنفيذه في الواقع إلا بتجاوز مجلس الشعب وهذا لن يحدث. وقد قدم النائب علي لبن بيانا عاجلا حول تقسيم جامعة الأزهر من المقرر إحالته إلي اللجنة الدينية لمناقشته وإصدار توصية حول هذه القضية التي ستقبل بكل تأكيد برفض هذه الفكرة جملة وتفصيلا. وإذا وضعنا فكرة تقسيم جامعة الأزهر علي مائدة البحث والدراسة فإننا نود أن نؤكد علي الحقائق التالية: أولا: جامعة الأزهر استمرت منذ أكثر من ألف عام لها شخصيتها المميزة ولم تطرح فكرة التقسيم بل لم تراود خيال شيوخ الأزهر السابقين رغم اتساع الجامعة وتزايد عدد كلياتها خلال الثلاثين عاما الأخيرة. ثانيا: فكرة التقسيم لن تقدم مصلحة حقيقية للأزهر ولا لطلابه وعلمائه ولن تسهم في رفع المستوي المتدهور لخريجيه. ثالثا:التقسيم سيكون له آثار سلبية علي مكانة الأزهر ورسالته في العالم لأن شعوب العالم الإسلامي تنظر إلي الأزهر كقبلة علمية موحدة فإذا تم تقسيمه فسوف يفقد البريق الذي يتمتع به لدي تلك الشعوب. رابعا: رسالة جامعة الأزهر عالمية انطلاقا من كون الإسلام دينا للعالم كله وليس لجنس أو شعب بعينه ولا ينبغي أن تخضع للاعتبارات المحلية والبيئية والجغرافية وإلا فسوف نضيق واسعا ونحصر أنفسنا في الإطار المصري أو العربي كما فعلنا علي المستوي السياسي فخسرنا شعوب العالم الإسلامي كلها. خامسا: الأزهر في حاجة إلي النهوض بمستوي طلابه وتطوير مناهجه والتراجع عن التهميش الذي حدث منذ عشر سنوات للمواد الشرعية بل وللقرآن الكريم نفسه في مختلف المراحل ولن يحقق تقسيم الجامعة شيئا من هذا. سادسا: إذا كانت المسألة تنحصر في الاستجابة لرغبة أربعة أفراد في مجلس جامعة الأزهر وافقوا علي مشروع التقسيم من أجل المناصب وهم من الذين يؤيدون شيخ الأزهر علي طول الخط فلا بأس من منحهم ما يريدون لكن ليس علي حساب تفتيت أقدم جامعات العالم وتدميرها وإهدار رسالتها وتفريغها من محتواها. سابعا: إذا كانت هناك شكوي مزمنة من ضعف ميزانية جامعة الأزهر فإن تقسيم الجامعات إلي جامعات مستقلة سيؤدي إلي إضعاف الميزانية أكثر وأكثر لأن هذه الجامعات سوف تحتاج إلي ضعف الميزانية الحالية علي الأقل وهو ما لن تسمح به الحكومة ولا الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية. ثامنا: القانون 103 لسنة 1961 الخاص بتنظيم الأزهر حدد طريقة اتخاذ القرارات التي تتعلق بالأزهر وجامعته ومعاهده وغير ذلك من القضايا الإسلامية العامة واشترط القانون موافقة المجلس الأعلي للأزهر ومجمع البحوث الإسلامية بكامل أعضائه حيث من المفترض أن يضم المجمع 50 عضوا من بينهم 20 من علماء العالم الإسلامي وهؤلاء يجب أن يقولوا كلمتهم في هذا المشروع وإلا أصبح القرار بشأنه باطلا ومخالفا للقانون. تاسعا: ينبغي الإقلاع عن الطريقة التي يدار بها الأزهر في السنوات الأخيرة حيث تقوم الإدارة علي قرارات فردية ومحاصرة المعارضين وممارسة الضغوط عليهم حتي يذعنوا لتلك القرارات وهذا ما حدث أثناء مناقشة مجمع البحوث الإسلامية لقانون الأحوال الشخصية رقم 1 لسنة 2000 وكذلك عندما حاول بعض أعضاء اللجنة الفقهية بالمجمع التصدي للفتوي التي تبيح فوائد البنوك ولا تعتبرها من الربا المحرم وأيضا فتوي عدم قتل المرتد والتي صدرت عن المجمع رغم معارضة أغلبية أعضاء اللجنة الفقهية. عاشرا: إذا كان البعض ممن يؤيدون تقسيم الجامعة يرون أن هذا التقسيم سوف يخفف من المركزية الشديدة التي يعاني منها الأزهر وجامعته فهم واهمون لأن كل كبيرة وصغيرة ستعود في النهاية إلي شيخ الأزهر حتي لو قسمت الجامعة إلي ألف جامعة. أحد عشر: آن الأوان ليدرك القائمون علي الأزهر أنه ليس مؤسسة محلية أو شركة أو مصلحة مصرية وإنما هيئة عالمية يتطلع إليها كل المسلمين في العالم ولكل مسلم من هؤلاء الحق في الإدلاء برأيه في تلك القضية.