الأزهر الشريف ينتظر الآن شيخه ال 48 بعد رحيل المغفور له الشيخ محمد سيد طنطاوي يوم الأربعاء الماضي، وقد يستغرق الأمر وقتا ليس بقصير نظراً للظروف الصحية للرئيس مبارك، والذي سيصدر قراراً جمهورياً بتعيين شيخ الأزهر الجديد من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية ومن الشخصيات المرشحة لهذا المنصب بالترتيب الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية - وتلميذ الإمام الراحل - ورئيس جامعة الأزهر الحالي والمفتي السابق د. أحمد الطيب بالإضافة إلي د. أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر السابق والشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر الأسبق. ورغم ان الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء هو القائم بأعمال رئيس الجمهورية حاليا إلا انه من المستبعد أن يقوم باختيار شيخ الأزهر الجديد نظراً لحساسية المنصب، ووجوب ان يصدر الرئيس مبارك بعد عودته بسلامة الله إلي أرض الوطن معافي قراراً جمهورياً بتعيين شيخ الأزهر الجديد، وان كانت هناك أصوات قوية تطالب الآن بتعديل قانون الأزهر 103 وان يكون شيخ الأزهر بالانتخاب. وقد تولي مشيخة الأزهر حتي الآن 47 شيخاً كان أولهم الشيخ محمد عبدالله الخراشي المالكي والذي تولي عام 1690 وأبرزهم قبل الثورة أي وقت استقلال الأزهر الشيوخ.. الشبراوي والدمنهوري والنواوي والشربيني والمراغي ومصطفي عبدالرازق والبشري وشلتوت وبعدما انتقلت ولاية الأزهر إلي رئيس الجمهورية وأصبح شبه تابع للدولة بحجة اصلاح الأزهر كان من أبرز شيوخ تلك المرحلة الفحام وعبدالحليم محمود وجاد الحق. والمعروف أن شيوخ ما قبل الثورة أي في عهد الملكية و"الاحتلال" كانوا يتمتعون بالاستقلال والنفوذ ولم يكونوا تابعين لا لحكومة أو حكام وكانوا يتقاضون رواتبهم من ريع الاوقاف لا من خزينة الدولة. أما بعد تطوير الأزهر بعد الثورة وفي ظل القانون 103 لسنة 1961 أصبح شيخ الأزهر موظفا كبيراً في الدولة وبدرجة رئيس وزراء، وقد صدر مرسوم بقانون رقم 26 لسنة 1936 بشأن الأزهر، حيث انشئت المعاهد الأزهرية بعد أن كان التعليم في الأزهر بنظام الحلقات أو "العامود والشيخ" وكان عدد المعاهد في بداية تأسيسها 7 معاهد علي مستوي الجمهورية ثم انشئت بعد ذلك ثلاث كليات أزهرية هي اللغة العربية والشريعة الإسلامية وأصول الدين وذلك في اطار هذا المرسوم واستمر العمل وفق المرسوم 26 لسنة 1961 حتي صدر بعد ثورة يوليو القانون رقم 103 لسنة 1961 والمعروف بقانون تنظيم وتطوير الأزهر في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وكان أبرز سمات هذا القانون إدخال الكليات المدنية لأول مرة بالأزهر مثل كليات طب وهندسة وعلوم الأزهر بالإضافة إلي انشاء كليات خاصة بالبنات بالإضافة إلي كليات البنين، وأيضا تم بعد ذلك انشاء جامعة للأزهر وفروع بالمحافظات كليات أزهرية تابعة لها. والغريب ان اللائحة التنفيذية لقانون تطوير الأزهر صدرت عام 1975 في عهد الرئيس الراحل أنور السادات أي بعد حوالي 14 عاما من صدور القانون. ومن ناحية تولي مشيخة الأزهر فقد نص القانون 103 لسنة 1961 علي ان يتم تعيين شيخ الأزهر بقرار جمهوري من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية وهم هيئة كبار العلماء في القانون القديم -26 لسنة 1936- والذي كان ينتخب من بينهم شيخ الأزهر ولكن الغيت الهيئة في القانون الحالي -103 لسنة 1961- وحل محلها مجمع البحوث الإسلامية والذي يعين أعضاؤه أيضا وكذلك رئيس جامعة الأزهر وعمداء الكليات الأزهرية.. بل وشيوخ المعاهد الأزهرية وهذا يعكس سيطرة الدولة علي الأزهر والذي أصبح كل شيوخه- من الامام الأكبر وحتي شيخ المعهد شبه موظفين وانتفت عنهم الاستقلالية الدينية. وفي خطوة مفاجئة في يناير عام 2005 أي منذ حوالي 5 سنوات وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوي في مجلس الشعب علي مناقشة مشروع قانون جديد باعادة تنظيم الأزهر ينص علي انتخاب شيخ الأزهر بدلاً من تعيينه. وقد قضت التعديلات في مشروع القانون الذي قدمه نائب الإخوان وقتئذ علي لبن ان يتم اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب من بين أعضاء مجمع البحوث الإسلامية الذين مضي علي عضويتهم بالمجمع ثلاث سنوات علي الأقل شريطة حصوله علي أعلي الأصوات وبنسبة لاتقل عن 51% من عدد أعضاء المجمع وإلا أعيد الانتخاب بين الحاصل علي أعلي الأصوات ومن يليه ويعين شيخا للأزهر من يحوز علي أعلي الأصوات من بينهما. ووفقا لمشروع القانون الذي لم يناقش رسميا حتي الآن. فإن شيخ الأزهر يتمتع بالاستقلالية والحصانة الكاملين، ويكون غير قابل للعزل ولا يتقيد بسن ولا يخضع للمساءلة، ويكون شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر الذي يمثل الأزهر وله الرياسة والتوجيه في كل ما يتصل بالدراسة في الأزهر، أو بسائر هيئاته مع مراعاة اختصاصات المجلس الأعلي للأزهر، ومجمع البحوث الإسلامية. كما أكد مشروع القانون أن الأزهر هيئة مستقلة ولكنه يتبع رئاسة الجمهورية مباشرة. وبعد وفاة الشيخ سيد طنطاوي شيخ الأزهر حاول البعض خاصة من مجموعة ال 88 في البرلمان وهم كتلة الإخوان المسلمين إحياء مشروع قانون تعديل نظام اختيار شيخ الأزهر وأعضاء مجمع البحوث، وأن يكون شيخ الأزهر بالانتخاب وليس التعيين، ولكن الحكومة رفضت مناقشة هذا الأمر، بل إن البرلمان تجاهل وجود مشروع قانون من الاساس وفقا لما أعلنه زعيم الاغلبية د. عبدالأحد جمال الدين وأمين التنظيم في الحزب الوطني صاحب الاغلبية في مجلس الشعب المهندس أحمد عز. المؤيدون لعدم اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب يرون ان في ذلك تحقيقا للعدالة، ويبعد الأزهر عن الشللية وتربيطات المشايخ، ويحافظ علي الاستقرار داخل الأزهر. المعارضون لتعيين شيخ الأزهر من قبل رئيس الجمهورية ويفضلون اختياره بالانتخاب من قبل كبار العلماء، يؤكدون ان ذلك ترسيخ لاستقلال الأزهر وتقوية لدوره الديني واستقلاله عن الدولة وعدم خضوعه لسيطرتها. والحل من وجهة نظري ان يتم تعديل قانون الأزهر الحالي واعطاء سلطة روحية أكبر لشيخ الأزهر ومزيد من الاستقلالية وان يكون هناك شبه جمعية عمومية من شيوخ الأزهر تضم أعضاء من مجمع البحوث الإسلامية والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية وكبار رجال الدعوة في وزارة الاوقاف والعديد من أساتذة وعمداء جامعة الأزهر بالإضافة إلي شيوخ الطرق الصوفية، وبعض الشخصيات العامة المهتمين بالشئون الدينية، وهؤلاء جميعا يرشحون شيخ الأزهر بل ومفتي الجمهورية، وعلي رئيس الجمهورية ان يصدر قراراً جمهورياً بتعيين المرشح لمشيخة الأزهر، أو يطلب وفقا لمبررات موضوعية ترشيح غيره خلال مدة محددة، وذلك عادة ما يحدث عند اختيار رؤساء الهيئات القضائية. وليت ان يكون هناك جزء من ميزانية الأزهر يأتي من ريع وعوائد الأوقاف الموجودة والتي لا نعلم الكثير منها في أين ينفق؟، وأن تكون الأموال المخصصة لكبار رجال الدين في الدولة ومنهم شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية من ريع وعوائد الأوقاف. ضمانا لحيادهم واستقلالهم. وليت ايضا تكون هناك شروط موضوعية لاختيار وترشيح شيخ الأزهر من قبل علماء المسلمين وان يتم النظر إلي مصلحة المسلمين عامة لا إلي المصالح الشخصية الضيقة، واضعين في الاعتبار ان تكون الشخصية المرشحة لمنصب شيخ الأزهر معروفا عنها العلم والاعتدال والوسطية والتسامح والاستنارة وقبول الآخر والانفتاح علي الديانات الأخري دون التفريط في الثوابت الإسلامية بحجة التطوير والتنوير. فلا نريد ان يكون اختيار شيخ الأزهر علي طريقة اختيار مرشد الإخوان ولا علي طريقة "الدخان الأبيض" عند اختيار بابا الفاتيكان، بل نريد من رئيس الجمهورية أن يختار الاصلح والاتقي والاعلم والذي يرشحه علماء صالحون ومتقون.