: مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية جمال الملاح *
· شكلت رياح الربيع العربي خريطة إقليمية جديدة بقيت فيها الحدود على حالها لكن تغير فيها النفوذ العالمي
· سيناء أصبحت حلبة لتصفية الحسابات الدولية بتوليفة أختلط فيها الدين بالسياسة
· تتحدث التقارير القادمة من سيناء عن ظهور مفاجئ وكثيف ومخيف لجماعات مسلحة تجاهر علنا بفكرها الأصولي المتشدد
· المثير في الأمر هو أن أطرافا دولية عدة تبادلت فيما بينها الاتهامات بشأن ما يحدث في سيناء
· بينما بقيت الصورة في سيناء ضبابية وغير مكتملة الأطراف بات في حكم المؤكد لدى كثير من رجال الدين أن نذر حرب عالمية ربما تكون نهاية العالم بدأت بوادرها في سيناء!
لم تغير المستجدات الإقليمية الأخيرة من شكل وطبيعة العلاقة بين الحكام والشعوب العربية فقط، ولا حتى من طبيعة التحالفات الإقليمية والدولية، لكنها غيرت أيضا في الخريطة الجيوسياسية من حيث الأهمية النسبية والمطلقة لبعض مدن وأقاليم بلدان المنطقة، فقد جاءت رياح الربيع العربي لتغير معها معالم المنطقة العربية وتشكل خريطة جديدة، بقيت فيها الحدود على حالها لكن تغير فيها النفوذ العالمي، فبعد ثورات الربيع العربي تصدرت مناطق بسخونة أحداثها المشهد الإعلامي العالمي فيما خرجت أخرى عن الإطار تماما.
من هنا نهاية العالم!
وعلى رأس هذه المناطق تأتي شبة جزيرة سيناء، التي أصبحت بين ليلة وضحاها ساحة لأجهزة المخابرات العالمية، ومسرحا مفتوحا للنفوذ الدولي، تتشابك فيه المصالح تارة، وتتعارض تارات أخرى، لتصبح بذلك حلبة لتصفية الحسابات الدولية بتوليفة أختلط فيها الدين بالسياسة، ومن النقطة الأخيرة يذهب كثير من رجال الدين، بل والسياسيين والمهتمين في العالم إلى أن سيناء أصبحت ساحة لبداية نهاية العالم، يقولون إن في سيناء بدأت إلى غير رجعة المعركة الفاصلة بين الخير والشر، من سيناء بدأت معركة هرمجدون!
وتتفق الأديان السماوية الثلاثة على أن معركة كبرى فاصلة بين الخير والشر ستقوم في آخر الزمان، سيتغلب فيها الخير على الشر، لكن مع الاختلاف على الأطراف المتصارعة ومكان المعركة الفاصلة، وفي العقيدتين اليهودية والمسيحية تعني كلمة هرمجدون أو جبل مجدو المعركة الفاصلة بين الله والشيطان التي ستكون على إثرها نهاية العالم. ويقع جبل "مجدو" في فلسطين على بعد 90 كلم شمال القدس و 30 كلم جنوب شرق مدينة حيفا وكانت مسرحا لحروب ضارية في الماضي كما تعتبر موقعا أثريا هاما أيضا.
ودون الإشارة إلى اسم هرمجدون يؤمن المسلمون بأن هناك معركة كبرى في آخر الزمان تقع بين المسلمين واليهود تحديداً، وينتهي الأمر بانتصار المسلمين في المعركة.
وفي العام 1990 أشار تقرير لمنظمة حقوق الإنسان صدر في قبرص إلى وجود هيئات وجمعيات سياسية وأصولية في الولاياتالمتحدة وكل دول العالم تتفق على أن نهاية العالم قد اقتربت، وأننا نعيش الآن في الأيام الأخيرة التي ستقع فيها معركة هرمجدون ويقول التقرير إنها ستكون "المعركة الفاصلة التي ستبدأ بقيام العالم بشن حرب ضد دولة إسرائيل، وبعد أن ينهزم اليهود يأتي المسيح ليحاسب أعداءهم ويحقق النصر، ثم يحكم المسيح العالم لمدة ألف عام يعيش العالم في حب وسلام كاملين"(موسوعة ويكبيديا).
ومن هذا المنطلق جاءت أحداث رفح الإرهابية وما تلاها من تضخم مفاجئ وغير مبرر للجماعات المسلحة المتشددة في منطقة سيناء، ليس فقط في عددها ولكن أيضا في عتادها.
وتتحدث التقارير القادمة من سيناء عن ظهور مفاجئ وكثيف ومخيف لجماعات مسلحة تجاهر علنا بفكرها الأصولي المتشدد، وتقول التقارير نفسها إن هذه الجماعات ترفع رايات سوداء تشبه رايات تنظيم القاعدة تسعى إلى تحويل سيناء إلى تورا بورا جديدة في أفريقيا، لكن حتى الآن لم يتأكد بعد إلى أي جهة تنتمي هذه الجماعات ومن يقوم بتمويلها.
وفيما كان المجني عليه معروفا في أحداث رفح الإرهابية وبينما أعلنت الداخلية المصرية عن أسماء منفذي الهجوم والتنظيم التابعين له، بيد أنه تظل المعلومات التي كشفت عنها الجهات الأمنية مجرد أسماء تتبع تنظيما بدا وهميا، في حين ظل الجاني الحقيقي مجهولا، لا هوية له، لكن المثير في الأمر هو أن أطرافا دولية عدة تبادلت فيما بينها الاتهامات بشأن ما يحدث في سيناء، بدءا من إسرائيل وحليفتها أمريكا مرورا بالسعودية وحلفائها الأمراء والملكيين في الخليج وإنتهاءا بملالي إيران، وبينما بقيت الصورة في سيناء ضبابية وغير مكتملة الأطراف بات في حكم المؤكد لدى كثير من رجال الدين والباحثين أن نذر حرب عالمية ربما تكون نهاية العالم بدأت بوادرها في سيناء.
فالمعسكر العربي بالإضافة إلى إيران يتهمان المخابرات الإسرائيلية بتدبير ما يحدث من عمليات إرهابية في سيناء ويؤكدان على أن أيد بالوكالة تستخدمها إسرائيل في هذه العمليات مصدرها جماعات موالية لها في قطاع غزة، بهدف تحقيق أهداف سياسية وأمنية منها تشوية صورة جماعة الإخوان في الحكم، وإظهار ضعف أداء الجماعة في السلطة، وكذلك الاستفادة عالميا من الفوضى التي تحدث على الحدود مع مصر، بالإضافة إلى توتير العلاقة بين نظام الحكم الإخواني في مصر وقطاع غزة.
عندما يكون الإرهاب أداة نفوذ!
لكن القادة الإسرائيليون ينكرون هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، ويشيرون بإصبع الاتهام إلى المخابرات الإيرانية ويقولون الإسرائيليون إن إيران قررت نقل معركتها مع الكيان الصهيوني إلى سيناء بعد أن تيقنت أنها فقدت حليفها في سوريا وتقلص نفوذها في لبنان، وبحسب مسئولين إسرائيليين لم يعد التهديد الإيراني لإسرائيل مقتصراً على تطوير السلاح النووي، بل بات أكثر قرباً، حيث تعمل طهران على تشييد "بنية تحتية إرهابية" في سيناء وقطاع غزة وتقول مصادر أمنية في إسرائيل إن خبراء عسكريين إيرانيين موجودون في قطاع غزة بهدف المساعدة على تأسيس شبكة إرهابية في سيناء وتكوين قاعدة نفوذ جديدة بهدف الضغط على الكيان الصهيوني والولاياتالمتحدةالأمريكية.
وما بين الاتهامات الإسرائيلية الإيرانية يضع خبراء ومراقبون غربيون السعودية في مرمي الاتهام حيال العمليات الإرهابية في سيناء ويشير هؤلاء إلى أن المخابرات السعودية بالتنسيق مع مخابرات إقليمية ودولية تقوم بدعم الجماعات السلفية الوهابية المتشددة في سيناء لضرب مصر ما بعد نظام حسني مبارك، ومحاولة إفشال التجربة الإخوانية في الحكم بكل الطرق حتى لا يكون نجاح الجماعة نموذجا يحتذي به في بقية البلدان العربية، مما يهدد كيان الملكيات والإمارات في الخليج العربي وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية، هذا بالإضافة إلى رغبة القادة السعوديين في منع مصر من إقامة علاقات طيبة مع إيران والتي يحاول مسئولي البلدين إحياءها في الآونة الأخيرة.
وبحسب الخبراء الغربيين قام ضباط سعوديون لهم خبرتهم وعملاؤهم في التنظيمات السلفية الراديكالية المنتشرة في المنطقة، بالتواصل مع المجموعات السلفية الراديكالية في مصر، وإمدادهم بالأموال والأسلحة، للتحضير لسلسلة هجمات تشغل النظام المصري الجديد بأزمات أمنية خطيرة تكون على حساب الاستقرار وتنفيذ التعهدات التي قطعها الرئيس محمد مرسي للشعب المصري في حملاته الانتخابية.
السلفيون في مرمى الاتهام
تقرير راديو "اوستن" النرويجي أكد نقلا عن مصادر أوروبية لم يسمها أن النظام السعودي كان يعمل منذ أكثر من سنة على تعزيز إمكانات الجماعات السلفية عن طريقين اثنين، الأول من خلال ضباط في جهاز مخابرات سعودية زرعوا لهم عملاء في التنظيمات الوهابية في مصر ومن بينها سيناء، والآخر عن طريق جمعيات خيرية في السعودية ودول الخليج، تعمل بالتنسيق مع المخابرات السعودية على تمويل هذه الجماعات بشكل دوري وبمبالغ خيالية من المال تصل إلى عشرات الملايين من الدولارات بحجة التبليغ والإرشاد وبناء المساجد والمراكز السلفية.
وعلى الرغم من أن هذه المعطيات لا تبدو منطقية في ظل التقارب في العلاقات المصرية السعودية في الآونة الأخيرة والذي عبرت عنه زيارة الرئيس الإخواني محمد مرسي إلى المملكة العربية السعودية، بيد أن هذه المعطيات يظل لها قبول كبيرا لدى الخبراء الغربيين كما أنها تكتسب ولو جزءا صغيرا من المصداقية لدى بعض المحللين العرب في ظل توتر العلاقات بصورة كبيرة وواضحة بين بعض الدول الخليجية كالإمارات والكويت من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى.
حروب بالوكالة
أمام المعطيات الكلية هذه يبدو المشهد السيناوي الجديد ضبابيا لكنه أيضا بدا مكتظا بأطراف دولية، ربما اختلفت في التوجهات والأهداف، لكنها تقريبا اتفقت على تحقيقها بنفس الأسلوب وهو الاعتماد على الجماعات الراديكالية المتشددة في تنفيذ مخططاتها في سيناء.
يبدو المشهد السيناوي الآن كحلبة مصارعة عالمية قواعد اللعبة فيها ليست ثابتة، تحركها المصالح السياسية للدول، فالكل يلعب ليحقق مصالحة الخاصة، لذا لا مانع من أن تتقاطع مصالح المتصارعين تارة وتتعارض تارة أخرى، وفي ظل هذه الحالة المعقدة والمثيرة لا يجد المتصارعون أفضل من اللعب بورقة الدين لتغذية الصراع الدائر في تلك البقعة الهامة، لكن وحتى هذه اللحظة لم يصل الصراع على النفوذ في سيناء إلى مرحلة الاصطفاف الديني لينحصر بين معسكرين فقط، بل لا يزال بين أكثر من معسكر، لكن المراقبين يحذرون من خطورة الوضع الحالي، مشيرين إلى أن قواعد اللعبة الدولية في سيناء قد تتغير بين ليله وضحاها، وفي هذه اللحظة سيدخل العالم اصطفافا دينيا مزدوجا، تتعدد وتختلف فيه المسميات (بين الإيمان والكفر، بين الإسلام والمشركين، بين الخير والشر)، لكن المؤكد أن مصير البشرية سيدخل نفقا قد يطول كثيرا أو يقصر، نفقا في آخره ستكون حتما نهاية العالم.