إنفوجراف| أسعار الذهب في مستهل تعاملات الجمعة 3 مايو    أسعار البيض اليوم الجمعة 3 مايو 2024    استقرار أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة.. عز ب 24155 جنيهًا    دايملر للشاحنات تحذر من صعوبة ظروف السوق في أوروبا    المرصد السوري: قصف إسرائيلي يستهدف مركزا لحزب الله اللبناني بريف دمشق    «القاهرة الإخبارية»: أمريكا تقمع طلاب الجامعات بدلا من تلبية مطالبهم بشأن فلسطين    مستوطنون يهاجمون بلدة جنوب نابلس والقوات الإسرائيلية تشن حملة مداهمات واعتقالات    حرب غزة.. صحيفة أمريكية: السنوار انتصر حتى لو لم يخرج منها حيا    وزير الدفاع الأمريكي: القوات الروسية لا تستطيع الوصول لقواتنا في النيجر    جدول مباريات اليوم.. حجازي ضد موسيماني.. ومواجهتان في الدوري المصري    الكومي: مذكرة لجنة الانضباط تحسم أزمة الشحات والشيبي    الهلال المنتشي يلتقي التعاون للاقتراب من حسم الدوري السعودي    تشاهدون اليوم.. زد يستضيف المقاولون العرب وخيتافي يواجه أتلتيك بيلباو    حالة الطقس المتوقعة غدًا السبت 4 مايو 2024 | إنفوجراف    خريطة التحويلات المرورية بعد غلق شارع يوسف عباس بمدينة نصر    ضبط 300 كجم دقيق مجهولة المصدر في جنوب الأقصر    معرض أبو ظبي يناقش "إسهام الأصوات النسائية المصرية في الرواية العربية"    زي النهارده.. العالم يحتفل باليوم العالمي للصحافة    «شقو» يتراجع للمركز الثاني في قائمة الإيرادات.. بطولة عمرو يوسف    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    موضوع خطبة الجمعة اليوم وأسماء المساجد المقرر افتتاحها.. اعرف التفاصيل    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    «سباق الحمير.. عادة سنوية لشباب قرية بالفيوم احتفالا ب«مولد دندوت    وزارة التضامن وصندوق مكافحة الإدمان يكرمان مسلسلات بابا جه وكامل العدد    إبراهيم سعيد يكشف كواليس الحديث مع أفشة بعد أزمته مع كولر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة3-5-2024    مواعيد صرف معاش تكافل وكرامة بالزيادة الجديدة لشهر مايو 2024    دراسة أمريكية: بعض المواد الكيميائية يمكن أن تؤدي لزيادة انتشار البدانة    دراسة: الأرز والدقيق يحتويان مستويات عالية من السموم الضارة إذا ساء تخزينهما    أهداف برشلونة في الميركاتو الصيفي    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    "نلون البيض ونسمع الدنيا ربيع".. أبرز مظاهر احتفال شم النسيم 2024 في مصر    تركيا تعلق جميع المعاملات التجارية مع إسرائيل    هل يجوز الظهور بدون حجاب أمام زوج الأخت كونه من المحارم؟    حكم البيع والهبة في مرض الموت؟.. الإفتاء تُجيب    بعد انفراد "فيتو"، التراجع عن قرار وقف صرف السكر الحر على البطاقات التموينية، والتموين تكشف السبب    الإفتاء: لا يجوز تطبب غير الطبيب وتصدرِه لعلاج الناس    سر جملة مستفزة أشعلت الخلاف بين صلاح وكلوب.. 15 دقيقة غضب في مباراة ليفربول    برلماني: إطلاق اسم السيسي على أحد مدن سيناء رسالة تؤكد أهمية البقعة الغالية    نكشف ماذا حدث فى جريمة طفل شبرا الخيمة؟.. لماذا تدخل الإنتربول؟    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدده    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    فريدة سيف النصر توجه رسالة بعد تجاهل اسمها في اللقاءات التليفزيونية    السفير سامح أبو العينين مساعداً لوزير الخارجية للشؤون الأمريكية    انقطاع المياه بمدينة طما في سوهاج للقيام بأعمال الصيانة | اليوم    "عيدنا عيدكم".. مبادرة شبابية لتوزيع اللحوم مجاناً على الأقباط بأسيوط    ضم النني وعودة حمدي فتحي.. مفاجآت مدوية في خريطة صفقات الأهلي الصيفية    محمد مختار يكتب عن البرادعي .. حامل الحقيبة الذي خدعنا وخدعهم وخدع نفسه !    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    إسرائيل: تغييرات في قيادات الجيش.. ورئيس جديد للاستخبارات العسكرية    سفير الكويت: مصر شهدت قفزة كبيرة في الإصلاحات والقوانين الاقتصادية والبنية التحتية    بعد تغيبها 3 أيام.. العثور على أشلاء جثة عجوز بمدخل قرية في الفيوم    قفزة كبيرة في الاستثمارات الكويتية بمصر.. 15 مليار دولار تعكس قوة العلاقات الثنائية    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مسخرة
نشر في الشعب يوم 12 - 05 - 2007


بسم الله الرحمن الرحيم
السيد الأستاذ خالد يوسف رئيس تحرير جريدة الشعب الغراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
ابدأ بتكرار اعتذاري عن انقطاعي عن الكتابة للأسبوعين الماضيين وشكري لكم ولكل من دعا لي بالشفاء
وأتشرف بأن أرسل مرفقا مقالتي ( مسخرة الحوار بين أنقاض تتهاوى ) ومعذرة لتكرارا نشر مافيها ، وهو تكرار أظنه معذورا في مواجهة تكرار انعقاد مؤتمر الحوار بين الأديان الذي انعقد أخيرا بالدوحة ،
أد يحيى هاشم حسن فرغل
نحمد الله الذى استجاب الدعاء, ومن عليك بالشفاء لتنفع بعلمك الأمة وتدافع بقلمك عن الدين .. عود أحمد وأدام الله عليك الصحة إنه قريب مجيب الدعاء.
أسرة الشعب

yehia_hashem@ hotmail .com
http://www.yehia-hashem.netfirms.com
إن السعي لحوار يتلاقى مع فطرة السلام في الإنسان والإسلام يصبح مهزلة ممقوتة وهو يتم في تجاهل غبي لما يعد للمسلمين من عدوان يتم فيه استئصال الإسلام والمسلمين من منطقة الشرق الأوسط لحساب الأصولية المسيحية الصهيونية استكمالا لمحاولات لم تهدأ منذ ظهر الإسلام .
إن الغفلة الثقافية المبرمجة عن هذا العدوان وما يسفر عنه أمام أعيننا - واقعا وتاريخا – من أنقاض تتهاوى وصلت حتى أعتاب المقدسات في القرآن والرسول والمسجد والإنسان ومحاولة تغطية ذلك وصرف الأنظار عنه بنداء لحوار ساذج يتهادى كالبطة العرجاء بين هذه الأنقاض .. لا تعدو أن تكون هدرا للفرص الحقيقية للسلام ، وتجاوزا لحقائق التاريخ وثوابت العقيدة .
إن ما حدث من إساءة قبيحة للقرآن والرسول وبيت المقدس ، والقيم الإسلامية ، والكرامات البشرية على يد التحالف الأصولي الصهيوني المسيحي من اعتداءات وسلب ونهب ودمار ..عمل غير مسبوق في التاريخ ..وهو إذ يأتي امتدادا لدور الغرب القديم في الاعتداء على هذه المقدسات ، فإنه لا يصح معه أن نتناسى أنه يأتي - في الوقت الراهن - استجابة لعقيدة أصولية مسيحية صهيونية أمريكية ، قبل أن تكون خضوعا لنفوذ اللوبي الصهيوني في أمريكا كما يراد لنا أن نفهم ولوعينا أن يتغيب ، أو رد فعل على حادث الحادي عشر من سبتمبر .


إن ابتلاء مقدسات الإسلام بشهوة الغرب للقضاء عليه وعلى كل ما ينتمي إليه لم تهدأ منذ هزيمة الدولة الرومانية في مصر والشام والبحر الأبيض المتوسط ، غاية الأمر أنها شهوة تصبرت ووطأت رأسها ثم كمنت في جحرها حتى تدور دورة الفلك وتضمحل القوة الإسلامية التي تمثلت من قبل في دولة الإسلام العظمى ، ثم من بعد ذلك انكشف عن المسلمين غطاء الإرادة وغطاء القوة ، وهي دورة لا بد منها لكل قوة ، ودولة تدول في كل حضارة ، وعندما سقطت الدولة العثمانية أو تماثلت للسقوط وأصبح المسلمون كالأيتام في مأدبة اللئام بل وانضمت نخبتهم إلى عدوهم تحت دعاوى فكرية ساقطة ، خرج الثعبان الغربي وأطل من جحره ، وكشف عن نابه ، وبدأ يكمل مسيرته في الثأر ، ضد الذين قضوا عليه في منطقة الشرق الأوسط من قبل ، ومن ثم لتصفية حساباته معهم ، وللاستيلاء على ثرواتهم ومقدساتهم .
إن أي حوار يتهرب من هذه الحقائق ليتحرك في مسارب واطئة بعيدة عنها لا يستحق وصفا أقل من وصف السذاجة والسفاهة والتبديد ... .
وإليكم شهادات " الادعاء "
يقول صمويل هننجتون في حديث له إلى صحيفة " دي سايت " الألمانية كشف فيه عن أبعاد نظريته في صدام الحضارات ، وعلاقتها بأحداث 11 سبتمبر 2001 في نيويورك وواشنطن : تحت عنوان " الحدود الدموية للإسلام " : ( في الحقيقة توجد منافسة تاريخية منذ ميلاد الإسلام في القرن السابع والاحتلال العربي لشمال أفريقيا والشرق الأوسط وأجزاء من أوربا ، وفي القرن التاسع عشر تغير الحال حينما بدأ الغرب احتلال الشرق الأوسط واكتمل هذا في القرن العشرين ) جريدة الأسبوع 16 سبتمبر 2002 ص 19

هذا هو " مربط الثأر" الذي كان وراء ما دبجته يراعته من قبل تحت عنوان صداع الحضارات . .
وفي شهادة نادرة يقول الدكتور مفيد شهاب وزير التعليم العالي بمصر سابقا في ندوة رابطة الجامعات الإسلامية بعنوان " الإعلام الدولي وقضايا العالم الإسلامي " المنعقدة برحاب جامعة الأزهر في 30 11 1998: ) إن الهجوم على الإسلام والمسلمين ليس وليد اليوم أو الأمس القريب ، ولكنه يرجع إلى نشأة الإسلام نفسه ، ولم يتوقف الهجوم ولم ينته .) وترجع أسباب ذلك كما يقول إلى عوامل متعددة ( بعضها تاريخي يتمثل في العداء التقليدي الأوربي للعالم الإسلامي ، وبعضها اجتماعي يتمثل في تباين أسلوب الحياة بين المسلمين والغرب ، وبعضها سياسي يرجع إلى فترة الاستعمار حيث مازالت الدول الغربية تنظر إلى العالم الإسلامي باعتباره ثائرا ومتمردا عليها ، فالعالم الغربي لا يريد للعالم الإسلامي أن يستكمل نهضته ) جريدة الشعب في مصر 3111 1998

عداء تكشف في العصر الحديث بدءا من حملة اللورد اللنبي على القدس أثناء الحرب العالمية الأولى : وتصريحه عند دخولها بقوله ( اليوم انتهت الحروب الصليبية ) ، وتهنئة وزير الخارجية لويد جورج له لإحرازه النصر في آخر حملة من الحملات الصليبية ، والتي سماها لويد جورج ( الحرب الصليبية الثامنة ) .وتصريح الجنرال غورو الفرنسي عندما تغلب على جيش المسلمين في ميسلون - خارج دمشق - في العصر الحديث عندما توجه فورا إلى قبر صلاح الدين الأيوبي عند الجامع الكردي ، وركله بقدمه وقال: ( ها قد عدنا يا صلاح الدين ) ، واليوم عندما أعلن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش الحرب على الإرهاب فإنه سماها حربا صليبية ، أعلن ذلك في وعي ، أو في زلة لسان كما يقول المثبطون للمسلمين ، ولكنها معبرة عما هو مطمور في أعماق النفس كما يعرف أتباع فرويد .

وعلى مستوى العقيدة : ترجع حركة الأصولية المسيحية الصهيونية التي تهدد مقدسات الإسلام إلى ما يسمى حركة الإصلاح البروتستانتي التي قامت في أوربا في القرن السادس عشر . وتبدأ القصة مما قامت به البروتستانتية من إعادة الفرد المسيحي إلى الكتاب المقدس لفهمه مستقلا عن الكنيسة ، وجعل العهد القديم – ما فيه مما يُزعم أنه توراة – مادة للقراءة والتفسير الديني مرة أخرى ، مما أدى إلى إعادة اكتشاف الجذور اليهودية للمسيحية ..، ولقد أدت هذه الحركة إلى فتح السفر المختوم – سفر رؤيا يوحنا – اللاهوتي أحد أسفار العهد الجديد ، هذا السفر الذي كان مغلقا أيضا ، لا يقرأ إلا من قبل الكنيسة الكاثوليكية ، وهو يمثل الآن الأساس الأكثر تفصيلا لما يسمى ( عقيدة الملك الألفي ) . ومع ذلك فإن هذه العقيدة لم يؤمن بها في بداية الأمر إلا بعض فرق البروتستانت ، ثم ظهرت حركة " الأطهار" في انجلترا ، حيث رأى هؤلاء أن أمريكا هي بالنسبة لهم أرض الميعاد الجديد ، لذا كانت الهجرة الأولى للأطهار تحمل معها نزعة عبرية . وتتجلى عقيدة الملك الألفي – كما يقول الدكتور القس رفيق حبيب - في ثلاث دوائر متداخلة : يأتي في قلبها الأصولية المسيحية المعاصرة ، وهي بالتحديد ما أصبح يسمى بالحركة الأصولية المسيحية الصهيونية. ويأتي في الدائرة الوسطى ما يسمى الأصولية الاقتحامية وتشمل التيار المتشدد للحركة الإنجيلية ، وفي الدائرة الخارجية يأتي ما يسمى الأصولية التبشيرية وهي الجسم الأكبر للحركة الإنجيلية أو الإنجيلية المحافظة.
أما الحركة الأصولية الاقتحامية فهي الأصولية المؤمنة بالملك الألفي وعودة المسيح بعد عودة اليهود وإعادة بناء هيكل سليمان ، وقيام الحرب النووية بين الخير والشر ، وهؤلاء يؤيدون إسرائيل باعتبارها تحقيقا لنبوءات الكتاب المقدس .
لكن السؤال هو : متى يعود المسيح ؟ هنا تظهر نظريتان عند أصحاب العقيدة الألفية : النظرية الأولى وتسمى الأصولية البعد ألفية ، وهي تعتقد أن المسيح سوف يعود للأرض بعد أن يحكم المسيحيون العالم ، ويبنون ملكا مسيحيا أرضيا لمدة ألف عام.
والنظرية الثانية وتسمى الأصولية القبل ألفية ، وهي أن يسوع المسيح سوف يعود للأرض ليبدأ هو حكم الأرض بنفسه لمدة ألف عام
ويرجع الدكتور رفيق حبيب إلى موسوعتين هما " موسوعة العالم المسيحية " و " موسوعة عملية العالم " تقوم كل منهما بمهمة تصنيف العالم حسب الدين ، وتقدرموسوعة " عملية العالم " عدد : الإنجيليين الأصوليين في أمريكا بمختلف تياراتهم على أنهم كانوا :74728000 نسمة عام 1985 ، ومن المنتظر أن يصل عددهم إلى :93515000 نسمة عام 2000 ، ويساوي ذلك 40% من المجتمع الأمريكي . أنظر كتاب ( المسيحية والحرب ) للدكتور رفيق حبيب نشر يافا للدراسات والأبحاث عام 1991 ص 185 - 32 – 33-34 -35

ويشرح " هل لندسي " في كتابه " الراحل كوكب الأرض العظيم " كيف ستحدث الحرب التي تنبأ بها الكتاب المقدس ، والتي تلتف حولها حركة الأصولية المسيحية الصهيونية اليوم ، وقد بدأ نشر هذا الكتاب عام 1970 في طبعات متوالية على مدى عشرين عاما وصلت مبيعاته إلى أكثر من 18 مليون نسخة ، ويذهب الكتاب إلى أن انتصار إسرائيل في حرب 1967 كان جزءا من الخطة الإلهية لانتصار قوى الخير ، فاليهود كشعب الله المختار ضل الطريق ، ولكن الله لا يتخلى عن شعبه المختار ، لذلك تظل له مكانة خاصة ، وتظل له فرصة أخرى ، فكل قوى الشر تتحطم ، في حرب هرمجدون ، ويذهب الأشرار إلى الجحيم ) المسيحية والحرب لرفيق حبيب ص 42- 43
ويرى بعض المحللين ظاهرة الأصولية المسيحية الأمريكية قائمة في النموذج الأمريكي في أفلام رعاة البقر ، حيث تظهر شخصية المبشر : عنصرا أساسيا في الفيلم ، مثل شخصية المأمور والشرير ، والرجل الطيب ، وحيث تظهر الكنيسة كمبنى صغير ملازم لبيوت القرية الصغيرة في ذلك الزمان وعندما ظهر التليفزيون تعددت البرامج ، ولكل منها واعظ أو أكثر ، وأصبح عدد مشاهدي الواعظ يتزايد بالملايين ، وتجاوز البرنامج قدرة استيعاب الكنيسة ذاتها ، وأصبحت البرامج وكأنها كنائس. المسيحية والحرب ص 141-142

أما على مستوى التخطيط فلقد كان التفسير الأصولي لحركة الوصول إلى معركة هرمجدون قائما على تصور أن روسيا هي – حسب تعبير ريجان نفسه – التي ستقود كل قوى الشر ، وتزحف حتى منابع النفط في الشرق ، وتصل إلى فلسطين متحالفة مع قوى الشر ، ولكن الرئيس السوفيتي السابق ميخائيل جورباتشوف قلب هذا التصور الذي قدمه لندسي ، وتابعه فيه ريجان ، حيث أدى سقوط الاتحاد السوفيتيبي بيد جورباتشوف إلى اختفاء مصطلح امبراطورية الشر ، ... ، وأصبح تصور روسيا كتابع جديد لامبراطورية الخير يعد تأكيدا بأن المسيح قد انتصر في النهاية ولكن لا في المعركة الأخيرة بل في معركة تمهيدية ) المسيحية والحرب ص 44- 45- 46- 47
فأين هي المعركة الأخيرة ؟ الجواب واضح : في هرمجدون مع قوى الشر التي هي نحن ، فيما يسميه الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن " معسكر الشر" وهو يعني به ما يسمى " الإرهاب " لكي ينكشف عن صراحته فيما بعد ، ويتحدد في انطلاقه على الإسلام والمسلمين على مستوى العالم جريدة الشرق الأوسط 14 111986

وتحاول الأصولية المسيحية في أمريكا أن تحسم صراعها مع العلمانية هناك ، يقول رفيق حبيب : ( التيار الأصولي المسيحي هو بحق التيار الثاني في أمريكا من حيث القوة ، وبعد التيار العلماني مباشرة خاصة منذ بداية الثمانينيات ) المسيحية والحرب ص 37 ص 39 –41-42-73-86-

يقول بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر للأمن القومي : ( إنه على العرب أن يفهموا أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية لا يمكن أن تكون متوازنة مع العلاقات الأمريكية العربية ، لأن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية علاقات حميمة مبنية على التراث التاريخي والروحي ، بينما العلاقات الأمريكية العربية لا تحتوي أيا من هذه العوامل ) نقلا من كتاب أمريكا وإسرائيل للدكتور معروف الدواليبي ومقدمته لمحمد علي دولة ص 20-24.
ويقول ريتشارد نيكسون الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية
( للعمل داخل العالم الإسلامي فإن على صناع السياسة الأمريكية المناورة داخل وكر أفعى من سم النزاعات الأيديولوجية والصراعات الوطنية) ، ويقول : ( لا توجد دولة – حتى الصين الشيوعية – تحظى بصورة سلبية في الضمير الأمريكي كما هو الحال بالنسبة للعالم الإسلامي ) ويقول : ( إن علينا أن ننشر الفضيلة !! في العالم وفقا لمعتقداتنا الدينية ) كتاب انتهزوا الفرصة لريتشارد نيكسون ترجمة حاتم غانم نشر شركة قايتباي بالإسكندرية ط أولى ص 23 ، 45 - 39 – 44

ولم يقتصر الأمر على انبعاث فحيح هذه المسيحية الصهيونية من الولايات المتحدة الأمريكية ، ولكنها كانت تصاعد من قلب أوربا منذ بداية القرن العشرين ولم يقتصر الأمر فيها على الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية
تقول دائرة المعارف البريطانية : ( إن الاهتمام بعودة اليهود إلى فلسطين قد بقي حيا في الأذهان بفعل النصارى المتدينين ، وعلى الأخص في بريطانيا أكثر من فعل اليهود أنفسهم ) أنظر كتاب " امريكا وإسرائيل للدكتور معروف الدواليبي بمقدمة الأستاذ محمد علي دولة نشر دار القلم بدمشق عام 1990 ص 17
.
ويقول الزعيم اليهودي وايزمان ( إن من الأسباب الرئيسية لفوز اليهود بوعد بلفور هو شعور الشعب البريطاني المتأثر بالتوراة ، وتَغَنيه بالشوق الممض لأرض التوراة ) . وقد أشار وايزمان إلى هذا الأمر في حديثه عن بعض الشخصيات السياسية البريطانية التي كان لها دور بارز في تأييد اليهود مثل بلفور ولويد جورج ، وتشرشل ، فقد وصفهم بأنهم ( كانوا من المتدينين المؤمنين بالتوراة ، وقالوا عن العودة اليهودية إلى فلسطين أنها أمر واقعي ، ونحن الصهاينة نمثل لهم تراثا يكنون له أعظم تقدير ) .
ويقول وايزمان : ( أتظنون أن لورد بلفور كان يحابينا عندما منحنا الوعد بإنشاء وطن قومي لنا في فلسطين ؟ كلا لقد كان الرجل يستجيب لعاطفة دينية يتجاوب بها مع تعاليم العهد القديم ) .
ويقول لويد جورج رئيس الوزارة البريطانية التي منحت اليهود وعد بلفور : ( نشأت في مدرسة تعلمت فيها تاريخ اليهود أكثر من تاريخ بلادي ، وبمقدوري أن أذكر أسماء جميع ملوك بني إسرائيل دون ملوك انجلترا ! ) ولقد كان السياسي البريطاني المشهور ونستون تشرشل يعتبر نفسه صهيونيا أصيلا ، ويصلى بحرارة لتحقيق أماني الصهيونية العظيمة !!

ومن قادة الغرب المعاصرين : يقول لورنس براون ( إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوربي ) . ويقول : ( كان قادتنا يخوفوننا بشعوب مختلفة لكننا بعد الاختبار لم نجد مبررا لمثل تلك المخاوف ، كانوا يخوفوننا بالخطر اليهودي ، والخطر الياباني الأصفر ، والخطر البلشفي ، ثم تبين لنا أن اليهود هم أصدقاؤنا ، والبلاشفة الشيوعيون حلفاؤنا ، أما اليابانيون فإن هناك دولا ديموقراطية كبيرة تتكفل بمقاومتهم ، لكننا وجدنا أن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام ، وفي قدرته على التوسع والإخضاع ، وفي حيويته المدهشة ) ويقول المبشر تاكلي : ( يجب أن نستخدم القرآن ، وهو أمضى سلاح في الإسلام ضد الإسلام نفسه ، حتى نقضي عليه تماما ، يجب أن نبين للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدا ، وأن الجديد فيه ليس صحيحا كتاب " التبشير والاستعمار " للدكتور عمر فروخ والدكتور الخالدي ص 104، 184، 40

ويقول المستشرق الفرنسي كيمون في كتابه باثولوجيا الإسلام : (إن الديانة المحمدية جذام تفشى بين الناس ، وأخذ يفتك بهم فتكا ذريعا ، بل هو مرض مريع ، وجنون ذهولي يبعث الإنسان على الكسل والخمول ، ولا يوقظه من الخمول إلا ليدفعه إلى سفك الدماء ، والإدمان على معاقرة الخمور ، وارتكاب جميع القبائح ، وما قبر محمد إلا عمود كهربائي يبعث الجنون في رءوس المسلمين فيأتون بمظاهر الصرع والذهول العقلي إلى ما لانهاية ، ويعتادون على عادات تنقلب إلى طباع أصيلة ككراهة لحم الخنزير !! ، والخمر والموسيقى !! ، إن الإسلام كله قائم على القسوة والفجور في اللذات ، وأعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين ، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة ، وتدمير الكعبة ، ووضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر !! ) الاتجاهات الوطنية في الأدب العربي المعاصر للدكتور محمد محمد حسين ج 1 ص321

ويقول مستر جلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق ( مادام هذا القرآن موجودا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق ) كتاب الإسلام في مفترق الطرق لمحمد أسد ص 39
.
ويقول أنطوني ناتنج في كتابه " العرب " : ( منذ أن جمع محمد –صلى الله عليه وسلم – أنصاره في مطلع القرن السابع الميلادي وبدأ أول خطوات الانتشار الإسلامي فإن على العالم الغربي أن يحسب حساب الإسلام كقوة دائمة وصلبة تواجهنا عبر المتوسط ) .
ويقول أيوجين روستو رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ، ومستشار الرئيس جونسون لشئون الشرق الأوسط حتى عام 1967 : (يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول وشعوب ، بل هي خلافات بين الحضارة المسيحية والحضارة الإسلامية ، لقد كان الصراع محتدما ما بين المسيحية والإسلام من القرون الوسطى ، وهو مستمر حتى هذه اللحظة بصور مختلفة ، ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب ، وخضع التراث الإسلامي للتراث المسيحي ) كتاب دمروا الإسلام ص 33

ويقول الحاكم الفرنسي للجزائر بعد مرور مائة سنة على استعمارها ( إننا لن ننتصر على الجزائريين ما داموا يقرءون القرآن ، ويتكلمون العربية ، ولذا يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم ، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم ) كتاب دمروا الإسلام ص 30.
ويقول مورو بيرجر في كتابه " العالم العربي المعاصر " : ( إن الخوف من العرب ، واهتمامنا بالأمة العربية ، ليس ناتجا عن وجود البترول بغزارة عند العرب ، بل بسبب الإسلام ، يجب محاربة الإسلام للحيلولة دون وحدة العرب ، التي تؤدي إلى قوة الإسلام ، لأن قوة العرب تتصاحب دائما مع قوة الإسلام وانتشاره . إن الإسلام يفزعنا عندما نراه ينتشر في القارة الأفريقية ) مجلة روزاليوسف بتاريخ 2961963
ويقول هانوتو وزير خارجية فرنسا : ( رغم انتصارنا على أمة الإسلام وقهرها فإن الخطر لا يزال موجودا من انتفاض المقهورين المغلوبين الذين أتعبتهم النكبات التي أنزلناها بهم ، لأن همتهم لم تخمد بعد ) كتاب الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي للدكتور محمد البهي ص 19
وبعد استقلال الجزائر ألقى أحد كبار المستشرقين محاضرة في مدريد بعنوان : لماذا كنا نحاول البقاء في الجزائر ؟ فقال : ( إننا لم نكن نسخر نصف المليون جندي من أجل نبيذ الجزائر أو صحاريه أو زيتونها ، إننا كنا نعتبر أنفسنا سور أوربا الذي يقف في وجه زحف إسلامي محتمل يقوم به الجزائريون وإخوانهم من المسلمين عبر المتوسط ، ليستعيدوا الأندلس التي فقدوها ،)كتاب دمروا الإسلام ص 41

ويقول أحد المسئولين في وزارة الخارجية الفرنسية عام 1952 : (، إن العالم الإسلامي عملاق مقيد ، فإذا ... تحرر العملاق من قيوده فقد بؤنا إذن بإخفاق خطير ، و أصبح خطر العالم العربي وما وراءه من الطاقات الإسلامية الضخمة خطرا داهما ينتهي به الغرب ، وتنتهي معه وظيفته الحضارية كقائد للعالم ) دمروا الإسلام ص 39


إن الأمرلا يقتصر في عداء الغرب للإسلام على هذه الأصولية الدينية المتمركزة في القلوب والعقول ولكنها إذ وجدت على المستوى الأوربي منذ بداية الاستعمار الأوربي للبلاد الإسلامية اتخذت طابعا حضاريا استراتيجيا تخطيطيا وتبلورت في السؤال الذي وجهه كامبل بنرمان عن " مصير الحضارة الغربية " إلى لجنة من مشاهير المؤرخين وعلماء الاجتماع والجغرافيا والاقتصاد والبترول والإذاعة ، في بريطانيا ولقد عكفت اللجنة على دراسة الموضوع ، وانتهت إلى خطة للمستقبل ، ضمنتها تقريرا أحالته وزارة الخارجية إلى وزارة المستعمرات في بريطانيا ، وقد جاء في التقرير أن الخطر المهدد يكمن في البحر الأبيض المتوسط ، ويعيش على شواطئه الجنوبية والشرقية بوجه خاص ، حيث يوجد شعب واحد تتوفر له وحدة التاريخ والدين واللغة والآمال وكل مقومات التجمع والترابط والاتحاد ، فضلا عن نزعاته الثورية ، وثرواته الطبيعية ، وطالب التقريرالدول ذات المصالح المشتركة أن تعمل على تجزئة هذه المنطقة وإبقاء شعبها على ما هو عليه من تفكك وتناحر وتأخر ، كما طالب بضرورة العمل على فصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن جزئها الأسيوي ، واقترحت اللجنة لذلك إقامة حاجز بشري قوي غريب على الجسر البري الذي يربط بين آسيا وإفريقيا ،وعلى مقربة من قناة السويس قوة صديقة للاستعمار وعدوة لسكان المنطقة ) أنظر كتاب " أورشليم قاتلة الأنبياء " لمحمود شرقاوي ص 15 وما بعدها .
وعلى هذا الأساس تسللت الصهيونية إلى عصبة الأمم التي يؤكد بعض الباحثين أنها صنيعة يهودية ، وكان أول عمل قامت به هو قيام السير إيريك ديرموند بتوجيه رسالة إلى حاييم وايزمن أكد له فيها أن حماية حقوق اليهود ستكون من أهم واجبات عصبة الأمم ، ....
يقول الزعيم الصهيوني ناحوم وسكوف في المؤتمر اليهودي الذي عقد في كارلسباد بتاريخ 2781922 ونشرته جريدة نيويرك تايمز في اليوم التالي : " إن عصبة الأمم فكرة يهودية ، لقد خلقناها بعد كفاح دام خمسة وعشرين عاما "أنظر كتابه " خطر الصهيونية " لعبد الله التل.
وإذا كانت هذه هي أيادي عصبة الأمم فقد أكملت هيئة الأمم المتحدة المسيرة الصهيونية المشئومة بعد ذلك إذ بادرت في أول قيامها إلى إصدار قرار تقسيم فلسطين .. وتغافلت تماما عن تنفيذ الجوانب التي صدرت في مقرراتها لمصلحة العرب ، لقد صدر عن هيئة الأمم المتحدة أكثر من مائة قرار تم إهمالها : منها ما يتعلق بحقوق اللاجئين في التعويض والعودة ، وما يتعلق بالجلاء عن الأراضي التي احتلت عام 1967 ، وما يتعلق بسلامة المواطنين العرب في الأرض المحتلة ، وحقوقهم الإنسانية ، وما يتعلق بإدانة إسرائيل لاعتداءاتها المتكررة على العرب الآمنين ، فما معنى ذلك ؟
بينما تسارع هيئة الأمم إلى وضع قراراتها ضد غير إسرائيل في نطاق المادة الخمسين من ميثاق هيئة الأمم المتحدة التي تدفع إلى التنفيذ الفوري بالقوة كما حدث مع العراق في الحرب العالمية ضده عام 1991 ثم في الحرب التي وقعت ضده منذ مارس 2003 ولا زالت ، والأمر في ذلك هو كما قال الأستاذ عباس العقاد منذ عقود ولا تزال الأحداث تؤكد ما قال وتزيده وضوحا : ( إن الحالة الواحدة لتطرأ على إسرائيل وتطرأ على بلد من بلاد الإسلام فينظرون إليها في الغرب بعينين مختلفتين : كل من الباكستان وإسرائيل دولة قامت على أساس العقيدة الدينية ولكنك تقرأ في كلام الغربيين أن الباكستان أمة متأخرة لأنها قامت على أساس دينها ، ولا تقرأ شيئا من هذا القبيل بتة عن الصهيونية ودولة إسرائيل ، بل تقرأ عنهم كل ما شاءوا من أوصاف التقدم والحضارة ) أنظر كتابه " الصهيونية " ص 37


ولقد استيقظت هذه العنصرية الثعبانية في دورتها الحالية بعد إذ تنبه الغرب لخطر الصحوة الإسلامية التي بدأت منذ بداية القرن العشرين وتعاظمت حول منتصفه ، وجاءت تصريحات حلف الناتو ليحدد ما أصبح واضح التحديد.
وذلك في اجتماعات الحلف في يوليو عام 1990 ليضع استراتيجية الحلف بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتفتت حلف وارسو ، ففي حديث أجرته جريدة نيوزويك بعددها 2 يوليو 1990 مع الوزير الإيطالي السنيور جياني ديميكليس سئل : مادام الغرب لم يعد يواجه بتهديد عسكري من الكتلة الشرقية فلماذا تحتاج أوربا إلى تلك القوة الضاربة التي يمثلها الحلف ؟ قال الوزير الإيطالي : صحيح أن المواجهة مع الشيوعية لم تعد قائمة إلا أن ثمة مواجهة أخرى يمكن أن تحل محلها بين العالم الغربي والعالم الإسلامي ) جريدة الأهرام 1771990 مقال فهمي هويدي ‍‍
و أعلنت فرنسا وإيطاليا في 18 3 1993 أن ظاهرة الصحوة الإسلامية هي الخطر الرئيسي في السنوات المقبلة – أي بعد اختفاء الاتحاد السوفيتي - وأن هذه الظاهرة تستهدف تخريب أوربا والغرب ، وجاء ذلك في تصريحات لكل من وزير الخارجية الفرنسي رولان دوما ، والمتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية موريس جودو ، وعلى لسان وزير الداخلية الإيطالية نيكولا مانشيتو في تصريحاته للإذاعة الإيطالية ، وأمام البرلمان الإيطالي . جريدة الخليج 1931993
. .

و يصل الأمر بهذه الاستراتيجية إلى حد الاستفادة من مؤتمرات الحوار بمنهج التركيز على القيم المشتركة بين الإسلام والمسيحية - إذ يعلق أحد الأصوليين المسيحيين الأمريكيين على هذه الخطب بأنها تتوافق مع توجهات المسيحية ( وهو بذلك خطاب تبشيري يساعد في الوصول إلى مؤمنين جدد !!) هكذا ! ثم يشرح الأصولي الأمريكي بعد ذلك كيف يمكن للمسيحيين أن يبنوا على ذلك رسالتهم المتميزة ، ومن الملاحظ أن الأصولية المسيحية تحرص هنا على التميز بعد أن تستفيد من عرض الآخرين للمشترك ، ثم ترفض الآخر ، وتعد العدة للحرب - المسيحية والحرب ص 148 –
ونحن نقدم هذه الملاحظة هدية لبعض المفكرين المسلمين الذين يقعون في هذا الفخ من خلال دعوتهم إلى مؤتمرات الحوار الإسلامي المسيحي الذي يتبنى القيم المشتركة ، مهما يكن مصدرها الديني ... كما نهديها بوجه عام إلى من يعرضون الإسلام لا من خلال التميز ولكن من خلال المشترك.
ويبدو أن بعض من لا يزالون يحملون للمسلمين نوعا من الشفقة التي يوزعون بعضها على الحيوانات .. يشيرون للمسلمين إلى المخرج من هذا المصير الذي يبيتونه لهم ، هذا المخرج الذي يتمثل في تقديرهم في التغريب أو العلمنة أو التنوير أو الحداثة وفق شروحاتهم المزيفة أو الملتبسة لهذه المصطلحات التي يستحدثون منها ما يشاءون ، ويستحدثون منها جديدا كلما انكشف الغطاء عن قديم ، وذلك كبديل لتلك الحرب الماحقة في زعمهم ، إذ عندما سئل الوزير الإيطالي : كيف يمكن تجنب تلك المواجهة المحتملة ؟ أجاب : ( أن يصبح النموذج الغربي أكثر جاذبية وقبولا من جانب الآخرين في مختلف أنحاء العالم { يقصدنا ونحن نفهم وإن لم يغمز بعينه } ، فإذا فشلنا في تعميم ذلك النموذج الغربي فإن العالم سيصبح مكانا في منتهى الخطورة ) .
معنى هذا : إما النموذج الغربي وإما الحرب .
ومعناه مرة أخرى : إما النموذج الغربي خضوعا واستسلاما بدون حرب عن طريق " الحوار " ، و " الاندماج " فيكون هناك إسلام فرنسي ، وإسلام إيطالي ، وإسلام إنجليزي ..وإسلام سلفي وإسلام صوفي وإسلام معتدل.. وإما النموذج الغربي خضوعا واستسلاما عن طريق الحرب .
ولا شك أن الأصولية المسيحية الصهيونية تعتقد أن الأمر – حسب النبوءة – لن يكون إلا بالحرب .
والأدق من ذلك أن نقول : الأمران يعملان معا في انسجام وتكامل : فالبعض يسلِّم مقدما للنموذج الغربي ليسهِّل عملية الحرب التي تنصب من جهة أخرى على رءوس الباقين ممن يقاومون هذا النموذج ممن يطلق عليهم أوصاف الإرهاب والتطرف والظلامية .
وهو يتطابق في فحوى هذا التصريح مع فحوى تصريح رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج دبليو بوش عن موقف الدول الإسلامية من حربه ضد الإرهاب : إما أن يضربهم بقبضته إذا لم يكونوا معه ضد الإرهاب ، وإما أن يضربهم بقبضتهم إذا انضموا إليه ، فهم الإرهابيون في كلتا الحالتين .
والله أعلم

*****

تأتي إشارة البدء في حرب هرمجدون من حيث تصر الأصولية المسيحية على إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى ، كرغبة جارفة للوصول إلى لحظة الصدام ، فهدم المسجد الأقصى – إذا حدث – هو إشارة البدء لحرب هرمجدون حسب تصوراتهم للأحداث المقبلة ، ووفقا لتقدير الدكتور رفيق حبيب المسيحية والحرب ص 55
ومن مظاهر التمهيد لهذا العدوان الديني المسيصهيوني الذي يتبارى في التعامل معه بالحوار طلاب الود وعشاق التسامح ومرضى الاستسلام : من مظاهر هذا العدوان ما لا يزال يسجله التاريخ حول المسجد الأقصى في شبه غفلة من عشاق التسامح ، فقد كان لهذا الفكر الأصولي الإنجيلي الصهيوني أثر كبير في اندفاع رجال الدين والرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا والغرب عموما إلى دعم الدولة اليهودية في إجراءاتها الإجرامية بغير حدود ، حيث يعتبرون قيامها بما تقوم به من جرائم ترتقي إلى مستوى الإبادة تنفيذا لإرادة إلهية .
ولقد بدأ يصل إلى أسماع النائمين فحيح الثعابين بإعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترومان– وهو أول من أعلن هذا الاعتراف - وكانت التربية الدينية لهذا الرئيس تركز على عودة اليهود إلى صهيون ، وقصة حياته الشخصية حافلة بالاقتباسات والإشارات التوراتية ، وتشير إلى ميله للإسهاب في ذكر التعاليم اليهودية المسيحية ، وعندما قدمه إيدي جاكوبسون إلى عدد من الحاضرين واصفا إياه بأنه (الرجل الذي ساعد على خلق إسرائيل ) رد ترومان مستشهدا بفكرة الصهيونية الدائمة عن النفي والبعث فقال : ( ماذا تعني بقولك : ساعد على خلق ؟ إنني قورش ، إنني قورش ) وقورش هو الذي أعاد اليهود في تاريخهم القديم من منفاهم في بابل إلى القدس . الاعتراف بالدولة الإسرائيلية فور قيامها
وتأييدا لاستيطان اليهود بفلسطين عقد رجال الدين المسيحي الأمريكان مؤتمرا في عام 1945 ، وتقدم فيه خمسة آلاف قسيس بمذكرة للرئيس الأمريكي ترومان يطالبونه بفتح أبواب فلسطين لليهود بدون قيد أو شرط .

يقول القس الأمريكي الشهير جيري فالويل والصديق الشخصي للرئيس ريجان ومناحم بيجن : عن انتصار إسرائيل عام 1967 ( ما كان لإسرائيل أن تنتصر لولا تدخل الله) جريدة الشرق الأوسط 14111986 ص 6
ثم ذهب هذا القس إلى إسرائيل حيث غرسوا له بعض الأشجار في أرض عرفت فيما بعد باسم غابة جيري فالويل .. ،التقطت له صور هناك وهو راكع .. وطلب منه بيجن أن يذهب إلى المستوطنات الجديدة وأن يعلن : ( إن الله أعطى الضفة الغربية لليهود ) وقد فعل ذلك بحضور حراسه وعدد من الصحفيين الأمريكيين الذين سجلوا له قوله ( إن الله لم يكرم أمريكا إلا لأنها كريمة تجاه اليهود ) وأضاف قائلا : ( إننا إذا فشلنا في حماية اليهود فلن نعود مهمين في نظر الله ) أنظر معروف الدواليبي في كتابه أمريكا وإسرائيل طبعة 1990 ص 48

ولقد دأب عدد من القساوسة من أمثال جيم باركر ، وكينيث كوبلاند ، وروبرتس ، وسواغارت ، وغيرهم على الإعلان عن قدسية إسرائيل استنادا إلى ما ورد في الكتاب المقدس عندهم ، وذلك في الإذاعات الصوتية والمرئية .

ويقول القس الأمريكي مايك إيفانس في ولاية تكساس : ( إن تخلي إسرائيل عن الضفة الغربية وغيرها من الأرض المحتلة بعد حرب 1967 سوف يجر إلى دمار إسرائيل ، ومن بعدها الولايات المتحدة ، إن الرب أمرني بوضوح إنتاج هذا البرنامج التليفزيوني الخاص بدولة إسرائيل ) وبرنامج القس المشار إليه عنوانه : ( إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء ) وقد أذيع عام 1983 ، ولمدة ساعة بالتليفزيون.
ويقول القس كرال ما كانتاير في وصفه لحرب 1967 ( على من يؤمن منا بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله أن يهب الآن لمساعدة اليهود ، فما أعطاهم الله يحق لهم أن يمتلكوه ، ولا يجوز أن يقايضوا على الأراضي التي كسبوها ) أنظر كتاب " من يجرؤ على الكلام " لبول فندلي نشر بيروت الطبعة الخامسة من ص 394 - 418

ويقول كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية : ( لقد اعتبرت أن إقامة وطن لليهود هنا هو أمر من الله ، وهذه المعتقدات الخلقية والدينية هي التي كانت أساس بقاء التزامي بسلامة إسرائيل ثابتا لا يمكن أن يهتز )
ويقول ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية مخاطبا اليهود : أعود إلى أنبيائكم الأقدمين في العهد القديم وعلامات اقتراب مجدون – وهي معركة فاصلة بين قوى الخير والشر في الفكر الصهيوني – فأجدني أتساءل : هل نحن الجيل الذي سيشهد تلك الواقعة .. إن هذه النبوءات تصف الأزمان التي نعيشها بالتأكيد ) نقلا من كتاب أمريكا وإسرائيل للدكتور معروف الدواليبي ومقدمته لمحمد علي دولة ص 20-24.
وحين صافح كلينتون – الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية – نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الأسبق - في زيارته لإسرائيل وغزة في أوائل ديسمبر 1998 أراد أن يطمئنه إلى السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل فقال له عن القس الذي تلقى اعترافاته عن علاقته الغرامية بمونيكا إنه – أي القس – قال له : ( إن الله سيغفر لك كل ذنوبك بما فيها علاقتك مع مونيكا ، ولكن الله لن يغفر لك أبدا إذا نسيت إسرائيل ) جريدة الخليج 23121998 ص 12 مقال فوزية رشيد .
وأخير ا هاهو جورج بوش الابن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية .. لا يكتفي في مناصرته لإسرائيل بما استولت عليه فعلا من أرض المسلمين في فلسطين وإنما هو يفتح من أجلها جبهات القتال على المسلمين في كل مكان .

وعلى هذه القاعدة الصليبية تكتل الشعب ورجال السياسة في أمريكا والغرب ضد الإسلام والمسلمين والمسجد الأقصى بالذات ، متأثرين بأفكارهم الدينية تجاه مناصرة اليهود ومعاداة المسلمين ، خلافا لما يظنه البعض منا أن هؤلاء قد تخلصوا من دينهم وما عادوا يقيمون لغير مصالحهم المادية وزنا ، يقول الدكتور ادوارد سعيد بمجلة " الكتب : وجهات نظر " عدد إبريل 2003‏-‏ ص 20 ( والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تبدي بشكل علني تمسكها بأهداب الدين ، فحياة الأمة مشبعة بالإحالات على الله من قطع النقد إلى المباني العامة إلى الشهادات اللغوية من مثل " بالله نؤمن " " إلى بلاد الله " " بارك الله أمريكا " إلخ ، والقاعدة التي يقوم عليها حكم بوش مؤلفة من حوالي 60 إلى 70 مليون رجل وامرأة ، يؤمنون مثله بأنهم التقوا يسوع المسيح وأنهم وجدوا على الأرض من أجل إتمام عمل الله في بلاد الله . ...
إننا بإزاء ديانة نورانية نبوية ذات قناعة راسخة برسالتها الرؤيوية التي لا علاقة لها ألبتة بواقع الأمور وتعقيداتها ..)
فأين يجد طلاب الود وعشاق التسامح وعارضو الخد الأيسر مكانا لهم بين هذه الأنقاض لإجراء الحوار ؟ :

ويقول الدكتور ديفيد بلانكس أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمجلة " الكتب : وجهات نظر " عدد إبريل 2003‏-‏ ص 20 : ( قد يكون مستغربا بالنسبة لبعض غير الغربيين أن يكتشفوا أن الأمريكيين عموما شديدو التدين ، فالأمريكيون الذين يؤمنون بالله أكثر بكثير من نظرائهم الأوربيين والإسرائيليين ، وهم أكثر انتظاما في حضورهم الصلوات في أماكن العبادة ، ، وتبين دراسة أجريت أخيرا بعنوان " مسح التعرف على الهوية الدينية الأمريكية عام 2001 أن الأمريكيين اقل علمانية مما يفترضه كثير من غير الأمريكيين ، وقد تبين من الاستطلاع أن 75 % وصفوا موقفهم بأنه ديني أو ديني إلى حد ما )
ويقول: ( لماذا يؤيد الإنجيليون إسرائيل ؟ هذا ليس نتيجة للإعلام أو الضغط اللوبي اليهودي أو أي عامل خارجي آخر ، ومع أن قيادتهم تتحدث بلغة الأمن فإن معظم المؤمنين يؤيدون إسرائيل لأسباب دينية ، أي تلك الأسباب التي وردت في سفر الرؤيا ، آخر أسفار العهد الجديد الذي يتنبأ بهرمجدون ، ....إنه على من يشعرون أنه يمكن أن يكسبوا الدعم للقضية الفلسطينية عن طريق الشكوى من اللوبي اليهودي أن يعيدوا النظر في موقفهم فليس من الممكن كسب اليمين المسيحي )

ويجب علينا نحن من جهتنا أن نتذكر أن ما هم فيه من تدين أشبه بمذهب المرجئة عند بعض الفرق الإسلامية : في الأخذ بمقولة أنه " لا يضر مع الإيمان معصية ، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة " ، والمخلص عندهم دائما مستعد لمحو الخطايا أولا بأول ، ما توسط لذلك كاهن أو قسيس في صلاة أو اعتراف
أما نظرية المصلحة التي تحكم السياسة والسياسيين فلا غبار عليها إذا وسعنا مفهوم المصلحة ، بالنظر إليها وفق عقيدة صاحبها ، فهي التي تنشئ هذه المصلحة وتلونها وتحددها وتوجهها على المدى البعيد .
فأين يجد طلاب الود عشاق التسامح وعارضو الخد الأيسر مكانا لهم بين هذه الأنقاض لإجراء الحوار ؟

ولم يقتصر الأمر على الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية
حتى الملحدين في الغرب الأوربي منهم تأثروا على المستوى الثقافي بهذه العصبية الدينية ، لقد سار الفيلسوف الفرنسي الملحد جان بول سارتر في مظاهرات باريس قبل حرب 1967 تحت لافتات كتب عليها " قاتلوا المسلمين " فالتهب الحماس الصليبي الغربي وتبرع الفرنسيون آنذاك بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط . وفي هذا تأكيد لما ذكره ت ج إس إليوت في كتابه " ملاحظات نحو تعريف الثقافة " من أن المسيحية لم تغادر مكانها في أوربا وإنما تحولت عند الملحد العلماني إلى ثقافة يدافع عنها كما يدافع عن وجود حضارته نفسها .

ولقد تحولت هذه الثقافة المسيحية في الوقت نفسه إلى عنصرية تغلغلت في دماء الرجل الأبيض : إنها كما يقول الأستاذ جلال كشك : ( حملة إبادة للوجود الإسلامي في يوغوسلافيا تحقيقا للنقاء العنصري بالقتل والحرق والطرد الجماعي ، لكي يستولوا على الأرض بدون سكان ، كما فعل الكاثوليك في أسبانيا والبرتغال قبل خمسمائة سنة ، ثم في كريت وصقلية وقبرص وجنوب أوربا ، وكما فعل الصرب والأوربيون في البلقان قبل مائة عام ، وكما فعلت وتفعل إسرائيل ،وكما فعلت بلغاريا في مسلميها عدة سنوات ، وكما يفعل الأرمن في قرة باغ حيث يطبقون النموذح الإسرائيلي ويستدعون المهاجرين الأرمن من أمريكا لإسكانهم في بيوت المسلمين ، بعد أن تم إخلاء مائتي قرية مسلمة بالإبادة والطرد) نقلا عن كتاب ( إنهم يذبحون المسلمين ) للأستاذ محمد جلال كشك ، نشر مكتبة التراث الإسلامي ط 1992 ص 54 (

وإذا كان لابد من التذكير بابتلاء المسلمين حول المسجد الأقصى في المعركة الصليبية الحالية فعلينا أن نذكر على سبيل المثال ما نشرته صحيفة " هامير " المحلية في تل أبيب عن مجازر عام 1948 التي كانت الأكثر قذارة في كل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد فلسطين ، وصرحت الصحيفة بأن كل معركة انتهت بمجزرة ، وكان ثمن احتلال كل قرية عربية تنفيذ أعمال قتل واغتصاب وجرائم حرب ، وفي هذا يقول أرييه يتسحاقي الذي كان يعمل في أرشيف الجيش الإسرائيلي ، ثم صار يعمل محاضرا في جامعة " بارايلان " : إنه قرأ جميع الوثائق الموجودة في الجيش الإسرائيلي وجمع كل الوثائق المتعلقة بالمذابح ، ويؤكد أنه في كل قرية احتلتها إسرائيل تقريبا تم تنفيذ أعمال تعتبر جرائم حرب من القتل والاغتصاب والذبح ، ويقول : إنه على يقين من أن الأمور ستطفو على السطح في النهاية ، ويتساءل : كيف سنعيش معها جريدة الأهرام 2551992 ص 5
واليوم ومنذ بدأت الانتفاضة الثانية للفلسطينيين وهي التي بدأت واقعا لحظة تعرض المسجد الأقصى للاعتداء عليه بزيارة شارون وهو النجس ، فقد بدأت حرب الإبادة الحقيقية للشعب الفلسطيني بضربه وهو الأعزل حتى من مناصرة العرب والمسلمين ضربه وهو المسلح بالحجارة والسكين وقنابل مولوتوف : ضربه بطيارات الأباتشي والدبابات والصواريخ ، واعتقال الآلاف ، و اغتيال الأفراد المتهمين بالمقاومة أو نية المقاومة أو التفكير في المقاومة ، وقتل النساء والأطفال تحت أنقاض البيوت التي تقصف بالصواريخ ، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وتدمير بيوت المتهمين بالمقاومة ، والبيوت التي جاورت بيوتهم ، ومزارعهم ، والمزارع التي جاورت مزارعهم ، وغلق المدارس والجامعات ، والمتاجر ، وضرب المظاهرات السلمية بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع ، ومنع التجول لمدد تتجاوز الأيام إلى الشهور وتحويل المدن والقرى إلى سجون ، كل ذلك يحدث تحت حماية الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن وصمت العالم وصمت المسلمين وصمت العرب ، ولا تسمع صوتا غير صوت عشاق التسامح وطلاب المودة ، و" خطاب " الحوار .

إنها عملية إبادة فشلت من قبل في الحروب الصليبية ، ولكنها نجحت نجاحا مطلقا في الأندلس ، ثم نجحت نجاحا كاملا في أوربا ، وهاهي تحرز نجاحات مرحلية ابتداء من سقوط الدولة العثمانية بيد الاستعمار ومؤامرات أحلاس العرب : في تركيا ، وفلسطين ، والعراق ، والشرق الأوسط ، ميدان المعركة الأخيرة من وجهة النظر الأصولية الصهيونية المسيحية ، في هرمجدون ، أو من وجهة النظر الحضارية التاريخية في تصفية حساب يقوم بها وارثو الدولة الرومانية التي أخرجها الإسلام من المنطقة. وأينما جال المرء بنظره فسوف يجد مسلمين يتعرضون للضرب في كل مكان
فهل هي صدفة أن المسلمين يتعرضون للضرب في كل بقعة من بقاع الأرض ؟ في الوقت نفسه ؟ إن الأعذار التي يقدمها الذين يضربون المسلمين هي نفسها الأعذار والمبررات التي تقدمها إسرائيل لضرب الفلسطينيين والعكس صحيح .
و تعلق الدكتورة بنت الشاطئ – رحمها الله – على ما يجري للمسلمين على يد خصومهم الدينيين في الغرب ، فترجعها إلى أصولها باعتبارها تيارات ثقافية نتحمل نحن المسلمين تبعة القصور والتقصير فيها فتقول : ( ما بعد هذه الجولة المتحضرة (!!) المسعورة متروك لنا نحن بغفلتنا عن الموقع الفكري الإسلامي الذي يعيث فيه دعاة تنوير ، موكلون بمهمة طمس معالم وجودنا الإسلامي بتشويه قيمه ومبادئه ، .. وأجهزة إعلام تتبارى في التحذير من الأصولية ، وتسقط بذلك وعي الشباب بزيف نسبة الإرهاب إلى دين يحظر الإكراه في الدين .. ومنابر صحفية وواجهات صوت وضوء مباحة لأدعياء العصرية أعداء الأصالة والأصولية ، يلوثون مناخنا الفكري الإسلامي بمقولاتهم الخاسرة ، ويبشرون فينا بتنوير عصري يحررنا من خدر " الأفيون " ، ويستهزئون بالتدين والمتدينين ، ويسخرون من قيم إسلامية يرونها من حفريات زمان غبر ) جريدة الاتحاد 461992
يقول الدكتور محمد مورو في جريدة العرب الصادرة بلندن : ( إن المسلمين سوف يتعرضون لعدوان غربي أمريكي صهيوني سواء واجهناهم ، أو استسلمنا لهم ، أو حتى قبلنا العتبات والأقدام ، ومن الأفضل أن ندفع الثمن واثقين وواعين مع الاحتفاظ بكرامتنا بدلا من أن ندفعه - أيضا - راكعين مهدوري الكرامة غائبي الوعي ) .
ولم يذهب الدكتور مورو بعيدا فلقد كان الثمن فادحا وسوف يكون ، بدءا من الضربات التي وجهها الغرب في العصر الحديث لكل من محمد علي ، والشريف حسين ، وسعد زغلول ، وفاروق ، وجمال عبد الناصر ، وأنور السادات ، وصدام حسين ، ولقد أبدى هؤلاء جميعا في فترة من نفوذهم رغبة صادقة في التعاون مع الغرب ، بل أبدى بعضهم استعداده الكامل لكي يكون شرطيا لهم في المنطقة له ، أو ليضمن مصالحهم ضمانا كاملا ، فلم يعد منهم بغير خفي حنين وضربة فوق الرأس ودمار في أحشاء القلب وخرابا للديار . وما ذلك إلا لأن الفكر السياسي لهؤلاء جميعا كان يتنكر تماما لتفسير عداء الغرب لنا تفسيرا دينيا ، حتى جاء الطيار الأمريكي مندوب كلينتون ليكتب " هذه هدية رمضان " على صاروخ قذفهم به في دورة من حروبهم ضد العراق ، وهو شديد الصراخ علهم يسمعون .

ومن هنا فإننا نقول : كيف يستقيم في عقل أو دين أو وجدان أن تقوم دعوة للسلام تتجاهل هذه الخطط التي تقعقع فيها طبول الحرب الدينية وتصطرخ فيها دعوات إبادة المسلمين ، في أقوي الدول المعاصرة التي أخذت في يدها مصير العالم لمحض ما بيدها من قوة ؟
وإذا كان البعض يرى أن للسياسيين فينا أن يختاروا ما يرون من السياسات بحكم أنهم الجهة الأعلم بضرورات المرحلة ، وما تقتضيه من حركة أو تكتيك ، أو عقد معاهدة أو إلغاء معاهدة ..فإنه بنفس القدر من هذا الاعتراف يجب أن نعترف بأن المثقفين والدعاة ليس موكولا إليهم اتخاذ شيء من هذه المواقف السياسية المتلونة بحسب الظروف ، وإنما هم الموكول إليهم تعريف الناس بالمواقف الثابتة التي تحرك تلك المواقف السياسية على مدى التاريخ .
وهنا فإن المرء ليعجب للمثقفين والدعاة : كيف أقاموا جدارا من الصمت حول هذه الأصولية المسيحية الصهيونية الأمريكية بينما هم يغرقوننا يوميا حول فقه السلام والتسامح واللاعنف والتعارف والحوار وأدق النظريات المستوردة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والفلسفة والشعر والقصة والمسرح والفنون التشكيلية حتى صرنا نعرف عن نجوم المفتين والدعاة وفنون المذاهب الطبيعية والانطباعية والسيريالية والتكعيبية والبنيوية والعبثية والحداثية .. أكثر مما نعرف عن عدو يطرق أبوابنا ليطلب منا الرحيل في معركة هرمجدون؟


هانحن في بدايات القرن الحادي والعشرين نصحو من نعاس طويل على ضجيج الامبراطورية الأمريكية وقد تحولت إلى ثكنة صليبية .
إنها حرب دينية منذ الفتح الإسلامي والحرب الصليبية إلى الأندلس إلى اليوم
يجردوننا من المرجعية الدينية لكي تكون خالصة لهم
فأين يجد طلاب الود عشاق التسامح والتفاوض والحوار و" الخد الأيسر " .... مكانا لهم بين هذه الأنقاض ؟
إنه لاملجأ من الله إلا إليه
لاملجأ بغير الرجوع إلى عقد الإسلام الأساسي ؛ عقد المبايعة مع الله : " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " : عقد فريضة الجهاد
وفي المرحلة الراهنة : هو الجهاد المدني الذي دعا إليه الأستاذ فهمي هويدي في مقالته المنشورة بجريدة الشعب بتاريخ 1722006 :
أما خطة الحل لاستراتيجي فنراها – كما قلنا في مقال سابق - في خطوات يتم إنجازها على المدى الطويل :
تغيير جذري فينا باسترداد عناصر القوة التي تساقطت من أيدينا وتسللت من قلوبنا واغتصبت من عقولنا : منهجا وتربية وثروة وتجردا واعتقادا ، وجهادا ، ودفاعا واستردادا للأرض والثقافة والهوية ، وهذا حلم صعب ولكنه موعود .
و .. تغيير جذري في الغرب :
في قلاع الكنيسة بالكلمة السواء التي أشار إليها القرآن .
وفي قلاع المؤسسة الاستشراقية بالتزام المنهج العلمي التزاما حقيقيا .
وفي قلاع المؤسسة الإعلامية بتصحيح ولائها ،
وفي قلعة الرجل الأبيض بالتجرد من العنصرية
وهذا أقرب ما يكون إلى حلم إبليس في الجنة
إنها المعركة الدينية التي وجه القرآن أنظارنا إليها في قوله تعالى :{وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهودُ وَلا النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدى اللَّهِ هُوَ الْهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصيرٍ } 120 البقرة .
وسر انهزاماتنا في هذه المعركة أننا لا نصدق القرآن فيما قال .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.