حسام عقل : لا عذر للمثقف المصري إن تجاهل كتابات المغرب آباء الأدب المغربي تشبثوا بالأرض في وجه الاستعمار المغرب بوابة إفريقيا لأوروبا .. وثراؤه اللغوي والثقافي يميزه العروي والجابري وبنيس .. رموز أسست العقل والإبداع حجاج المغرب بالقرن ال18 سكنوا وتزوجوا بمصر العقد المغربي درس يحتذى بلم شمل الأطياف السياسية في ثاني لياليه العربية، دشن "ملتقى السرد العربي" بالقاهرة، ليلة مغربية، صدح فيها الشعراء العرب بأعذب القصائد وتناولت ألق هذا البلد العريق وتراثه الأدبي وإسهامه بنهضة العقل العربي فكرا ولغة وشعورا، داعيا المصريين لاستغلال معرض الكتاب والتزود من منجز المغرب الثقافي المعاصر . وبصراحة مطلقة، قال رئيس الملتقى الناقد الأدبي د. حسام عقل في كلمته مساء أمس، أن معظم المثقفين المصريين ظلوا عقودا طويلة تتملكهم حالة "شوفينية" وشعورا زائدا بالذات بالذات، وهو ما حرمهم من التزود بما يطرحه أشقاؤهم من منجز فكري وأدبي رفيع. ولحسن الحظ أن المشهد قد تغير بالعقود الماضية وصار التواصل الثقافي العربي أكثر عمقا وأكثر مرونة واستجابة لعامل الوقت، وإن ظل الالتفات للغرب عاجزا بشكل كبير إذا ما قورن بالالتفات للشرق والشمال حيث الخليج والشام. لهذا جاء الوقت للخروج من المقولات الوثوقية التي عفا عليها الزمن ك"المشرق والمغرب" ، وقد اعتبر الناقد الأدبي أنه لا عذر للمثقف المصري إن لم يعرف الأسماء الهامة المغربية ويقرأ منجزها، خاصة والمغاربة يتابعون بدأب مشهد السرد المصري وتطوره . الملتقى الذي تأسس قبل ثلاثة أعوام يستهدف ذلك البعد العربي وهو يتابع حركة السرد الأدبي التي تنعكس فيها قضايا الشعوب والأوطان، وقد دشن ليلة عراقية قبل أشهر ضمن هذا المسار. وقد شارك بالليلة المغربية عدد كبير من المبدعين منهم الشاعر عبدالله الشوربجي والناقدة رانيا مسعود والشاعر السعيد عبدالكريم ، وحضرها عشرات المبدعين والنقاد العرب بمقر المنتدى الثقافي المصري بالقاهرة . عودة للجذور انطلقت حركة الثقافة المغربية لآفاق رحيبة مع مطالع القرن الماضي؛ حيث يؤكد الناقد د. حسام عقل أن آباء الأدب المغربي حرصوا على صفاء اللسان العربي، وربما يدحض ذلك ما لدينا من أفكار عن الفرنسة والتغريب السائدين هناك، فالحقيقة أن المغاربة بذلوا جهدا كبيرا لترسيخ العقل العربي والإبداع أيضا شعرا ومسرحا وقصة ورواية. وفي كتابه "النقد الذاتي" يؤكد علال الفاسي المثقف المغربي الراحل على قيمة أساسية يمتاز بها الفكر المغربي، وهي نقد الذات بدلا من تمجيدها والركون للسائد، داعيا لتحرير الفكر كأساس لأي نجاح للأمة ، ومؤكدا على أن ثقافة بلاده تتشبث بالأرض، أي لا تسعى للتغريب وممالئة ثقافة المستعمرين. ومن هنا يتبين كيف دشن المغرب حركة مقاومة للمستعمر أدبيا وفكريا وليس فقط بالسلاح . وكان المسرح المغربي حريصا على استدعاء التاريخ الإسلامي ومن ذلك قصص الرشيد وصلاح الدين وغيرها . وفي الفكر، قدم محمد عابد الجابري، الفيلسوف الراحل مؤخرا، إسهاما بارزا في التوفيق بين الأصالة والمعاصرة، بل واختط مسارا أصيلا ثالثا حين تحدث بثلاثيته المبهرة عن "العرفان" و"البيان" و"البرهان"؛ فكان يعني المعرفة الروحية الصوفية المستمدة من جذور إسلامية والمعرفة الحقة ثم إعمال العقل والاجتهاد مع النص وأخيرا الارتكاز على اللغة العربية أساسا للنهوض . ثم سعى محمد أركون الفيلسوف الحداثي المغربي الراحل إلى توسيع دائرة العقل العربي التي تحدث عنها الجابري والتفكير في ماهية العقل الإسلامي، برغم ما أثير حول بعض مواقفه الفكرية من جدل، لكنه قدم إسهاما لا يستهان به نحو تأسيس العقل كقيمة عظمى للنهوض . ويؤكد د. حسام عقل بكلمته أن مراجعة كتابات محمد بنيس تعد واجب الوقت لأي مثقف مصري، فقد كان قارة بأسرها في النقد والشعر معا، ومن ذلك دراسته الرائدة للشعر العربي المعاصرة ، وهو من قال بأن المراكز العربية تفتت فلم تعد القاهرة وبيروت وبغداد، ولكنها أصبحت كل الحواضر العربية الفاعلة بمشهد العقل والإبداع، وهذا الثراء ميزة كبرى للعرب. وكان الأدباء المغاربة المنفيون في زمن الاستعمار من أبرز المساهمين بدفع مدرسة الإحياء للشعر والأدب ومنهم علال الفاسي وعبدالرحمن الدوكالي . وفي مجال القصة والرواية قدم المغرب منجزا كبيرا وإن كان قد ظلم في مجال التلقي والفهم، ونجد مثلا أن عبدالكريم بنجلون دفع بفن السيرة الذاتية القصصية والذي يذكرنا ب"الأيام" لطه حسين، أما عبدالله العروي فكان مفكرا وقاصا وروائيا مبهرا وكانت رواياته تلخص برمزية مبهرة صراع الوطنيين مع الاستعمار . أما في مجال النقد فحدث ولا حرج عن ترجمة أمهات الكتب بالبنيوية والتفكيك والهرمونيطيقا ونقد الخطاب الثقافي، حيث كانت الدار البيضاء محط الأنظار في ترجمة جديد المدارس الغربية بنقد الأدب والفكر معا . وقدم سعيد يقطين أطروحات هامة وكذلك أدونيس الذي قذف للمعجم العربي بمصطلحات وتراكيب جديدة ، والأهم أنه ناقد التمركز في النصوص المقدسة دون إعمال العقل لتتوافق مع الحاضر، وكذلك الاستلاب للغرب والعولمة وتناسي تراثنا الكبير الذي لن نتقدم بدونه . وتذكر الناقد جوقة التمثيل الفاسي التي استهلت التجربة المسرحية المغربية وانتقلت بين المدن تبدع فنا ملهما من طنجة لمراكش وكان هناك ولع بتوفيق الحكيم ومحاولة ل"مغربته" مسرحيا أي استدعاء أعماله وإسقاطها على واقع المجتمع المغربي. ويلفت الناقد الأدبي أخيرا، إلى أننا لو نظرنا للمغرب خارج سياق الأدب سنجده أيضا ملهما؛ فهو تقريبا البلد العربي الوحيد الذي قدم مبادرة عقد اجتماعي تجمع التيارات والأطياف السياسية في انفتاح رشيد وتكريس للمواطنة والديمقراطية من أجل مصلحة البلاد . شخصية المغرب في كلمته، أكد المستشار الإعلامي للسفارة المغربية بالقاهرة أشرف دوك أن الموقع الجغرافي لبلاده قد ساهم بتشكيل شخصيته الفريدة فكان بوابة افريقيا على أوروبا والعكس، وهو ما جعل الثقافة المغربية ثرية . واستطرد قائلا أن المرأة لعبت دورا رائدا بتكريس النهضة، ومن النماذج المشرفة فاطمة الفهري مؤسسة جامعة القرويين . وأكد المسئول المغربي أن بلاده منفتحة سياسيا وثقافيا على جميع الأقطار العربية، ولها مع مصر أواصر شديدة الدفء، فلا تكاد تخلو فعالية عربية ثقافية من وجود البلدين معا، وقد كان للمغاربة حضور كبير في مصر منذ القرن الثامن عشر حينما كانت قوافل الحج تمر بالقاهرة وأحيانا يتزوج المغربي من مصرية ويعود بها لبلاده ، وهو ما يجعل صلة الدم أصيلة بين الشعبين. من جهة أخرى، أكد "دوك" أن أبناء شعبه يتحدثون بالفرنسية والإنجليزية والأمازيغية، ولكن كثيرا منهم يتقن اللغة العربية كتابة وحديثا وإبداعا . وهناك أيضا من قدموا إنجازات هامة بمجال ترسيخ الأدب المغربي باللغة الفرنسية كالطاهر بنجلون وغيره. أما الشاعرة المغربية ابتسام حوسني فقد قرأت مقاطع شعرية من ديوانها الحديث "من وحي الريح" ، وأكدت أن القضايا العروبية لا تزال حاضرة بأذهان مثقفي المغرب وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتحرير الأسرى المحتجزين بالسجون الصهيونية ، داعية للعمل على مشروع للنهوض العربي من جديد ، وهو واجب جميع الكتاب والمبدعين . تخللت الأمسية إلقاء قصائد شعرية من الشاعرات المغربيات خديجة علوي وفاتحة صلاح الدين وابتسام حوسني، كما قرأ الشاعران المصريان زينهم البدوي والسيد حسن مقاطع من أشعارهما، وأكدا أن القاهرة حاضرة الحواضر الثقافية العربية ويسعدها أن تشهد ازدهار النقد والرواية والمسرح والشعر بكل الحواضر الشقيقة بالعالم العربي . وقدم وفد سعودي إبداعي يتكون من الشاعرة تركية العمري والشاعر عمارة إبراهيم والشاعر قبلان مناور باقة من أشعارهم، فيما جاء دور السوريين فتحدثت استاذة علم النفس حنان عنقاوي عن الحضور الثقافي للقاهرة وقرأ الشاعر الكبير محمد غازي قصيدة مؤثرة تستلهم دمشق . أما الناقد والشاعر المصري السعيد عبدالكريم فتتبع في ورقة موسعة جذور الشعر المغربي وتطوره وعلاقته بالمجتمع. وختم د. حسام الأمسية مؤكدا أن المثقفين يحققون ما يفشل به الساسة ، ومن هنا تكون أهمية الليالي الثقافية العربية .