قناة السويس.. ليست مجرد مجرى من الماء تحيطه مسطحات ومرتفعات رملية.. فهى عند المصريين ماء ورمال مخلوطة بدماء تضحياتهم.. قناة موصولة مباشرة بشرايين كل مصرى وطنى يعرف قيمة كل شبر من أرضه وغير مستعد تماما المساس بها أو انتهاك حرمتها. وعلى مدار عشرات السنين.. فالمجرى الملاحى الأهم عالميا يقف شامخا كشاهد عيان على جسارة المصرى للدفاع عنه وصون مقدراته منذ أن شقه بعرق مئات العمال على مدار 10 سنوات هى مدة الحفر، وروت أرضه دماء أكثر من 120 ألف شهيد قبل أن يختلط بها الماء، لتعلن بدء تشغيل القناة العظيمة لخدمة دول قارات العالم كلها عام 1869 بتكلفة حوالى 8 ملايين جنيه مصر (وهو مبلغ ضخم جدا فى تلك الفترة) تحملتها مصر كاملة. حروب السلاح ومنذ بدء تشغيل القناة وعلى مدار ما يقرب من 156 عاما خاضت مصر حروبا سواء بالسلاح أو التنمية من أجل أن تستمر القناة شامخة أمام العالم كله خاصة أنها دوما مطمع لكل دولة متآمرة تريد الشر بالوطن مصر، ولكن كان المصريون لهم بالمرصاد دومًا. فقد كانت مصر عام 1882 على موعد مع بدء الاحتلال الإنجليزى وبمجرد دخول القوات الإسكندرية كان هدفها هو التوغل واحتلال قناة السويس، وعندما قرر الزعيم أحمد عرابى ردم القناة لمنع استخدامها أمام السفن الحربية خدعه فيردينان ديليسبس بادعاء حيادية القناة وعدم السماح بمرور السفن الحربية البريطانية، ليقوم الجيش البريطانى بعمل إنزال بحري على مدينة الإسماعيلية يوم 20 أغسطس، حيث واجهوا مقاومة طفيفة من الأهالى انتهت بمجزرة ارتكبها البريطانيون، بينما جهز عرابى خطة بديلة استدرج خلالها البريطانيين نحو منطقة القصاصين، حيث يوجد الهويس الذى يمد الإسماعيلية بالماء، وبمجرد وصول البريطانيين تعرضوا لهجوم مفاجئ بأعداد كبيرة لم يتوقف إلا بدعم من بتعزيزات كبيرة من الجنود. معركة الإسماعيلية وبعد الحرب العالمية الثانية، وبينما القوات البريطانية فى القنال واجهت تدفقا للمقاتلين الفدائيين الذين أعدوا حرب عصابات لاستهداف المعسكرات البريطانية وخطوط إمدادها منذ عام 1951 موقعين أكثر من 100 بريطانى بين قتلى وجرحى، وكانت المخابرات المصرية توفر الدعم للفدائيين، حماية للسيادة المصرية بالمنطقة لينتج عن ذلك مهاجمة الجيش البريطانى لمركز شرطة الإسماعيلية، مطالبين بإخلائه، لتندلع موقعة الإسماعيلية فى 25 يناير. فى يوليو من عام 1956 كان العالم كله على موعد لسماع القرار الجريء للرئيس جمال عبدالناصر بتأميم قناة السويس، ليبدأ العدوان الثلاثى على مصر، فالقرار أغضب دولتى بريطانيا وفرنسا اللتين تزعمان امتلاك حق فى القناة؛ ونتيجة لذلك خططت بريطانيا وفرنسا لشن عدوان عسكرى هدفه احتلال القناة واستعانتا بدولة الاحتلال الإسرائيلي، ليبدأ الجيش الإسرائيلى عملية إنزال فى سيناء يوم 29 أكتوبر 1956، واجتياح ألوية إسرائيلية مدرعة من القسم الشمالى لسيناء، وتكبدت قوات المظلات والمدرعات الإسرائيلية خسائر متنوعة بسبب قصف الطيران المصرى، والذى نجح أيضا فى إسقاط 10 مقاتلات وقاذفات إسرائيلية خلال 3 أيام من القتال. كبدت القوات المصرية المتحصنة فى منطقة «أم قطيف» الألوية الإسرائيلية المتوغلة من الشمال خسائر فادحة قبل أن تنسحب بأوامر من القيادة العليا، بينما قاتل الإسرائيليون بعضهم بالخطأ متوقعين استمرار تواجد المصريين، وتكبد الإسرائيليون خلال هجوم سيناء 170 قتيلا على أقل تقدير. وقامت القوات الأنجلوفرنسية يوم 1 نوفمبر بضربات جوية مكثفة على مختلف الأراضى المصرية، وبداية من يوم 5 نوفمبر تم الإنزال على مدينة بورسعيد ليتصدى الجيش المصرى للقوات على مدار يومين؛ ما منع البريطانيين والفرنسيين من تجاوز بورسعيد واحتلال الإسماعيلية، ليخرج قرار الأممالمتحدة بوقف إطلاق النار وإرسال قوات حفظ السلام. توقف التوغل البريطانى بعد حملة جوية راح ضحيتها 1000 من أهالى بورسعيد على أقل تقدير، بينما استمرت القوات البريطانية لقرابة الشهرين قبل الانسحاب عانت خلالها هجمات المقاومة الشعبية. نكسة 67 مع وقوع نكسة 67 سيطرت قوات الاحتلال الإسرائيلية عقب حرب 1967 على كامل شبه جزيرة سيناء، بما فيها الضفة الشرقية لقناة السويس، ثم تم بناء خط بارليف لمنع أى محاولة مصرية من استرداد ضفة القناة، إذ تم تزويد بارليف بسلسلة من القلاع الحصينة ومنصات الدبابات وبطريات المدفعية. العبور فى حرب أكتوبر
وقام الجيش المصرى الباسل ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 بهجوم كاسح افتتحته المدفعية بأكبر تمهيد نيرانى فى التاريخ العسكرى الحديث، تبعته ضربة جوية لإخماد أى مقاومة من الطيران المعادى لتبدأ موجة من عبور الجنود المصريين بالقوارب المطاطية وتسلق الساتر الترابي، ليتم احتلال معظم الضفة الشرقية خلال 6 ساعات من القتال، لتعود بعدها سيناء كاملة لحضن الوطن مصر. جهود التنمية ما سبق من معارك وتضحيات بالسلاح لا تقل أهمية أبدا عن معركة التنمية التى شهدتها وتشهدها منطقة قناة السويس خاصة فى ظل تولى البلاد لرئيس يعى جيدا قيمة القناة وحجم التضحيات التى بُذلت من أجلها، وهو الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى قرر أن يكتب شهادة ميلاد جديدة للمجرى الملاحى العظيم. قبل 10 سنوات تقريبا أعطى الرئيس السيسى إشارة البدء لتنفيذ مشروع قناة السويس الجديدة (البدء فى 2014 والانتهاء منه تم افتتاحه يوم 5 أغسطس عام 2015)، والمشروع عبارة عن فرع بطول 35 كيلو مترًا يمر بموازاة قناة السويس الأصلية التى يبلغ طولها 190 كيلو مترًا، وتم الإنشاء من الكيلو 60 إلى الكيلو 95 «ترقيم القناة» بالإضافة إلى توسيع وتعميق تفريعات البحيرات الكبرى بطول إجمالى 37 كم «إجمالى أطوال المشروع 72 كم». العملة الصعبة ومن أبرز أهداف المشروع زيادة الدخل القومى المصرى من العملة الصعبة وتحقيق أكبر نسبة من الازدواجية فى قناة السويس وزيادتها لنسبة 50 % من طول المجرى الملاحي. تقليل زمن العبور ليكون 11 ساعة بدلا من 18 ساعة لقافلة الشمال. تقليل زمن الانتظار للسفن ليكون 3 ساعات فى أسوأ الظروف بدلاً من (8 إلى 11 ساعة ) ما ينعكس على تقليل تكلفة الرحلة البحرية لملاك السفن ويرفع من درجة تثمين قناة السويس. الإسهام فى زيادة الطلب على استخدام القناة كممر ملاحى رئيسى عالمى ويرفع من درجة تصنيفها.زيادة القدرة الاستيعابية لمرور السفن فى القناة لمجابهة النمو المتوقع لحجم التجارة العالمية فى المستقبل.خطوة مهمة على الطريق لإنجاح مشروع محور التنمية بمنطقة قناة السويس ودفع عجلة الاقتصاد القومى المصرى لتحويل مصر إلى مركز تجارى ولوجيستى عالمى. تعظيم القدرات وساهم مشروع قناة السويس الجديدة فى زيادة القدرة الاستيعابية للقناة ورفع تصنيفها وتعظيم القدرات التنافسية من خلال إضافة شريان جديد، وتفادى أى تحديات ملاحية طارئة، واختصار زمن عبور السفن للنصف وتحقيق أعلى معدلات الأمان الملاحى، وأثبتت القناة الجديدة جدواها الفنية والاقتصادية وهو ما ظهر جليًا بتسجل إحصائيات الملاحة أرقامًا غير مسبوقة، وكان لها أثر كبير على الاقتصاد المصرى. كما أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسى قرارًا جمهوريًّا رقم 330 لسنة 2015 بإنشاء المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وجاء فى القرار المنشور بتاريخ 11 / 8 / 2015 فى الجريدة الرسمية أنها «تعتبر منطقة اقتصادية ذات طبيعة خاصة وفقًا لأحكام القانون رقم 83 لسنة 2002 وتعديلاته، كما أصدر الرئيس قرارًا جمهوريًّا بإنشاء أربعة مجالس تخصصية للأراضى الواقعة فى منطقة قناة السويس بمساحة 460,60 كيلومتر مربع، وحدودها ميناء غرب بورسعيد وميناء شرق بورسعيد والمنطقة الصناعية شرق بورسعيد والمنطقة الصناعية بالقنطرة غرب ووادى التكنولوجيا، وذلك دون المساس بالملكيات القائمة داخلها أو أراضى القوات المسلحة التى تخص شئون الدفاع عن الدولة». محور قناة السويس وتمتلك الهيئة صلاحيات وسلطات كاملة على محور قناة السويس فى كل ما يتعلق بكافة الأنشطة والمشروعات المقامة داخل الإطار الجغرافى للمشروع دون تدخل من المحافظات التى تقع فى نطاقها تلك المشروعات، ولها سلطة الولاية وصلاحية كافة الوزارات والمحافظات والهيئات داخل الحدود الجغرافية للمنطقة الاقتصادية دون المساس باختصاصات الوزارات السيادية التى تشمل الدفاع والداخلية والعدل والخارجية، وتعمل تلك الوزارات السيادية بصفتها جهات استشارية بمجلس إدارة الهيئة. أنفاق قناة السويس وعلى سبيل المثال لا الحصر لأبرز المشروعات القومية التى تمت وتتم فى منطقة القناة، وفى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، تم إنشاء وافتتاح 5 أنفاق جديدة أسفل قناة السويس، وهى نفقا الإسماعيلية «تحيا مصر»، تصل إلى سيناء ذهابا وإيابًا فى مدة زمنية تتراوح من 15-20 دقيقة، ونفقا بورسعيد «3 يوليو»، يربطان غرب مدن القناة بشرقها لتسهيل حركة التجارة فى منطقة إقليم قناة السويس، هذا بجانب، نفق الشهيد أحمد حمدى 2 بالسويس، وتمر أنفاق الإسماعيلية من أسفل قناة السويس الرئيسية وقناة السويس الجديدة، بينما نفق الشهيد أحمد حمدى 2، وأنفاق بورسعيد تمر من القناة الرئيسية فقط، نظرًا لعدم وجود ازدواج فى القناة فى تلك المنطقة. الأنفاق الجديدة، بمثابة أنفاق الخير، فلأول مرة أصبح الوصول إلى سيناء لا يحتاج سوى دقائق معدودة وذلك من خلال أنفاق الإسماعيلية، كما أصبح تداول البضائع وحركة انتقالها بين شرق وغرب مدن القناة أكثر سهولة، وذلك عن طريق أنفاق بورسعيد. وجاء قرار القيادة السياسية لإنشاء الأنفاق الجديدة بالإضافة إلى الكبارى العائمة، لربط سيناء بالوادى وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين خلال عبورهم بين ضفتى القناة وخدمة المشروعات التنموية بالمنطقة، بالإضافة إلى محاور العبور المختلفة التى تربط سيناء بالوطن التى حرصت الدولة المصرية على الانتهاء منها فى وقت قياسى لدفع جهود التنمية فى منطقة القناة وسيناء من خلال سلسلة من الأنفاق والكبارى العائمة وشبكة طرق مطورة. المعايير العالمية وتعد منظومة الأنفاق الجديدة إعجازًا هندسيًا سابق المصريون الزمن لإنجازه، وأكدت قدرة المصريين على تحدى المستحيل للوصول إلى منظومة متكاملة تراعى أعلى معايير الأمان والسلامة وتوفير مناطق خدمية بأعلى المعايير العالمية؛ لتخرج الأنفاق إلى النور ليصبح إنجازًا يفوق الإعجاز بأيدى المصريين وأنفاق قناة السويس، هى مجموعة من 6 أنفاق تمتد أسفل قناة السويس، وتتضمن 2 نفق فى بورسعيد، و2 نفق فى الإسماعيلية، ونفقًا موازيًا لنفق الشهيد أحمد حمدى، وهو نفق الشهيد أحمد حمدى 2، ليصل إجمالى أنفاق قناة السويس إلى 6 أنفاق، فى محافظات القناة، وكل هذه الأنفاق تمثل حلقة وصل جيدة إلى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس. وتم ربط جميع أنفاق قناة السويس الجديدة فى محافظات القناة الثلاثة بمجموعة من الممرات العرضية التى تستخدم لحالات الطوارئ، فى كل نفق، وهى ممرات آمنة للخروج منها فى حالة الطوارئ، ويستوعب النفق الواحد 2000 سيارة فى الساعة، بمعدل عبور 40 ألف سيارة فى اليوم للنفق الواحد. 1 3