الحلم الذي أصبح حقيقة.. هكذا يصف صناع مهرجان الإسكندرية مشروعهم الصغير الذي تطور إلى أن أصبح أحد أهم المهرجانات الدولية المتخصصة بالفيلم القصير في الوطن العربي.. حلم بدأ يراود مجموعة من الشباب السكندري الموهوب والمهتم بالسينما.. حلم تطور من مهرجان إقليمي لمهرجان عالمي.. مهرجان يحاول توفير كافة الفرص للمبدعين من عروض ومسابقات ومناقشات وورش تعليمية. المهرجان الأكثر حضورا جماهيريا الذي تزداد أعداد رواده عاما بعد عام.. أصبح أهل المدينة الساحلية ينتظرون موعده السنوي ليكون لقاءهم مع فن الفيلم القصير الذي أحبوه وارتبطوا به. ورغم النجاح الذي كللت به أمس الدورة الحادية عشرة للمهرجان، إلا أن هذه الدورة تعد الأصعب بالنسبة لصناعه. فمع زيادة أحلامهم وتطوير العمل بالمهرجان تقابلهم في كل عام مشاكل وعراقيل لعل الميزانية القليلة هي أكبرها. وجوه منطفئة في كل عام قمت فيه بتغطية هذا المهرجان كنت أرى الحماس والسعادة في أعين صناعه الفرسان الثلاثة «محمد وموني وسعدون»، وهذا اللقب الذي أطلقه عليهم كبار صناع السينما في مصر خاصة أنهم استطاعوا أن يجعلوا المهرجان بتلك الأهمية رغم صغر سنهم. لمدة 11 عاما كان هؤلاء الشباب يزدادون أملا وحماسة.. يعملون على مهرجانهم لمدة عام كامل ويحاولون إضافة له كل جديد.. لكن هذا العام وجدت وجوههم منطفئة وأرواحهم متعبة كأنهم في سباق غريب بعد كل ما مروا به من عراقيل ومشاكل في دعم المهرجان.. كانت أعينهم تحمل سؤالا واحدا: كيف سيمكننا الاستمرار فيما بعد؟ وهذا السؤال يؤرق الكثير من صناع السينما في مصر ففي ظل الارتفاع الكبير في الأسعار نجد أن ميزانية وزارة الثقافة المخصصة لهذا المهرجان لم تزد منذ 5 سنوات.. وبالمناسبة هي ميزانية قليلة بالنسبة لحجم المهرجان وضيوفه ولا تتعدى ال500 ألف جنيه.. يتم تقسيمها على تأجير الأماكن والقاعات والنقل والمواصلات والسكن وغيرها من الأماكن التي تقام بها فعاليات المهرجان المختلفة.. ولك أن تتخيل أن المواصلات الداخلية في اليوم الواحد قد تصل إلى 10 آلاف جنيه للأتوبيسات فقط. ولعل ما يثبت مكانة هذا المهرجان عالميا هو استضافته لعدد كبير من الضيوف الأجانب سواء من صناع الأفلام أو من لجان التحكيم.. حيث شارك بهذه الدورة 87 فيلما من 49 دولة حول العالم وهو رقم ضخم.. واستضاف المهرجان ما يقرب من 35 ضيفا أجنبيا بالإضافة إلى أعضاء لجان التحكيم الذين حضروا من دول عديدة.. والمفاجأة أن ال35 ضيفا قاموا بالحضور على نفقتهم الخاصة لعدم استطاعة المهرجان توفير انتقالات جوية لهم. وعن نجاح الدورة بهذه الميزانية القليلة قال رئيس المهرجان «محمد محمود» ل«روزاليوسف» إنه سعيد بردود الأفعال حول هذه الدورة سواء عن جودة الأفلام أو نجاح باقي الفعاليات.. مؤكدا أن الإشادات التي تلقاها من ضيوف المهرجان خاصة الأجانب أسعدته كثيرا. وأضاف قائلا: «تراودني تساؤلات حول إمكانية الاستمرار بتلك الميزانية في الأعوام المقبلة فنحن نعمل كل عام على تطوير المهرجان عن الدورة السابقة له وحمدا لله ننجح بهذا لكن هذه الدورة كنا نأمل أن تمر على خير ولا ندري إلى متى سنستطيع الصمود أمام تحديات ارتفاع الأسعار بهذا الشكل في مقابل ثبات الميزانية». وأكد «محمود» أنهم في كل عام ينجحون على حساب الكوادر الموجودة بالمهرجان بالإضافة إلى بعض الرعاة الرسميين والذين يتغيرون مع الوقت، أما عن المتطوعين فهم يستعينون بالشباب ذوي الخبرة الأقل على الرغم من حاجة مهرجان دولي بهذا الحجم إلى خبرات كبيرة لكنهم يحاولون التعامل في حدود إمكانياتهم. مشيرا إلى أنهن يضطرون إلى التضحية ببنود من أجل إنجاح بنود أخرى بالمهرجان.. فعلى سبيل المثال كانوا يرغبون باستضافة عدد أكبر من الأفلام لكن الميزانية لا تسمح بزيادة عدد الضيوف وتوفير الإقامة والدعم وغيرها من الأمور. وأضاف «محمود» قائلا: «نطلب من القائمين بوزارة الثقافة النظر للمهرجان وإنجازاته.. فلقد حاولنا التواصل معهم لزيادة الميزانية المخصصة لكن دون جدوى.. ونضطر للاعتماد على الرعاة والذين يتغيرون كل عام فمن يدعمك هذا العام قد يسحب دعمه في العام المقبل. في المقابل المهرجان حقق طفرة كبيرة وأصبح بوابة الفيلم القصير في إفريقيا كلها». وأنهى «محمود» حديثه مؤكدا أن الفيلم القصير هو مستقبل الفن في العالم كله حيث إن مصر وحدها ينتج طلابها أكثر من 200 فيلم قصير سنويا فما بال باقي العالم.. مؤكدا أن شباب باقي المحافظات المصرية يتخذونه وأصدقاءه مثلا أعلى ويحاولون التعلم منهم ليقيموا مسابقات ومهرجانات في محافظاتهم مما يدعم الحركة الفنية والثقافية في مصر بشكل كبير. حساب الدورة كانت تلك الدورة متميزة بشكل كبير من عمر المهرجان فقد أصبح يقترب من المستوى الدولي المطلوب الذي يليق به كمهرجان مرشح لجوائز الأوسكار.. ولعل الجوائز في حفل الختام جاءت مرضية، خاصة أن أغلب الأعمال المشاركة بالمهرجان كانت على مستوى فني عال وتم انتقاؤها باحترافية.. بينما جاء أغلب صناعها صغار سن ومتمكنين من أدواتهم. وغلبت على الأفلام القضايا الإنسانية من ضحايا اللجوء ومشكلات المرأة والأطفال حول العالم والأمراض والحروب وتأثيرها على الأطفال بشكل خاص. بينما جاءت تكريمات تلك الدورة مرضية من حيث الكفاءة والثقل الفني فقد تم تكريم الفنانين «ريهام عبد الغفور» و«أحمد مالك» في الافتتاح وفي الختام تم تكريم مهندس الصوت «مصطفى شعبان» والمونتير والمخرج «عماد ماهر» وهما من أكثر الداعمين للشباب من مخرجي الأفلام القصيرة. من أهم نجاحات تلك الدورة كانت الحلقات النقاشية والبودكاست الذي تم استحداثه حيث طرحت موضوعات هامة عن السينما وصناعتها وأيضا المرأة في السينما. وأيضا البرنامج المتميز لورش الأطفال والتي تضم كل عام أطفال المدارس الحكومية والخاصة وذوي الهمم وأيضا الأطفال اللاجئين.. وتقام تلك الورش بالمشاركة مع مكتبة الإسكندرية وبدعم من منظمة دروسوس للعام الخامس على التوالي. ويعد هذا العام هو الأخير في التعاقد مع تلك المؤسسة فلا يعلم صناع المهرجان استمرارية دعمها من عدمها. ومن جانب آخر حصل برنامج عروض الذكاء الاصطناعي على إشادات الكثير من الحضور فقد استمرت حلقته النقاشية لمدة ثلاث ساعات عن مدى تطور تلك التقنية وتأثيرها على الجمهور وقدرتها على صناعة فيلم كامل بشكل اصطناعي.