وجه المشاركون في الندوة التى عقدت لمناقشة كتاب "الدين الشعبي في مصر" بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، اللوم للمؤلف بسبب عنوان الكتاب، حيث أكدوا أن هناك اختلاف بين الدين والتدين، وطالبوا بأن تستبدل كلمة "الدين" بالعنوان بكلمة "التدين". كما انتقدوا قصر المؤلف لمصطلح التدين الشعبي على الطرق الصوفية، رغم أنهم مجرد جماعة مقسمة لطرق متعددة لا يوجد تشابه بينها بل يوجد اختلاف داخل الطريقة الواحدة. وقال الدكتور أحمد بهي الدين، الذي أدار الندوة، أن الكتاب عن الممارسات الشعبية التي تم ممارستها عبر قرون وأزمان والتي مازال بعضها يتم ممارسته حتى الآن. وأضاف أن المصريين لم يعرفوا التعصب لنزعة دينية بعينها، فإذا نظرنا إلى حب المصريين لآل البيت وإقامة الموالد لهم دون أن يتشيع المصريون. وأوضح بهي الدين أن الموالد لا تتبع الطرق الصوفية وإنما هي احتفالات شعبية بدليل أن هناك موالد عند المسيحيين والمسلمين، مشيرا إلى أن هناك تشابه بين ما يقال في مولد السيدة العذراء والسيدة زينب. وقال الدكتور شحاتة صيام، الباحث الاجتماعي، ومؤلف الكتاب، أن الكتاب يناقش قضية التصوف باعتباره ثورة روحية تنتفض بعيدا عن كهنوت السلطات المصرية فيما يتصل بالدين. وأضاف أن الكتاب رصد طبيعة الأطر التي يقوم على أساسها التصوف، إلى جانب رصد التطور التاريخي لوجود الطرق الصوفية في مصر بدأ من الفترة الأولى لعصر الزهاد في القرن الثالث الهجري ثم مرحلة التصوف الجمعي، ثم المرحلة العالية والتي ارتبط فيها التصوف بالاحتفالات والتي أطلق عليها "الشعوذة". وانطلاقا من ذلك قمت بتحليل الخطاب الصوفي حيث خرجت بعض المحظورات التي تعطل من ممارسة الطريقة التي بين أيدينا، ثم رصدنا طبيعة ما هو مختلف عما يطرحه الدين الرسمي بمصر. وأوضح أن هناك تتبع لبعض الحالات لمعرفة الاختلاف بين الطرق الصوفية، والتي أوضحت ان الاختلاف ليس بين الطرق وبعضها ولكن داخل الطريقة نفسها. وأشار إلى أنه تناول ارتباط التصوف بين ما هو وجودي واتضح أن التصوف هو دعوة للخلاص، على المستوى الشعبي لكي يقدم دينا يرتبط بالأخلاق وليس بالعقيدة. ومن جانبه قال الدكتور محمد حافظ دياب، أستاذ علم الاجتماع، إنه يجب التفريق بين الدين والتدين، فالدين لله والتدين هو شيء اجتماعي، فيجب التوقف عند هذا المصطلح فهو التدين الشعبي وليس الدين الشعبي، فالتدين حس وشعور بشري. وتابع: أن هناك موقف يرفض التدين الشعبي، فالتحريم نجده لدى غالب رجال الدين بدءا من الشيخ أحمد بن حنبل، وأوضح دياب، أن التدين الشعبي تعرض لمسميات عديدة سالبة، واعتبره البعض مخطط عالمي لضرب الدين الإسلامي. وأشار إلى أن المؤلف لا يتحدث عن الصوفية وإنما يتحدث عن الطرق الصوفية، حيث أن الطرق الصوفية تضع بين العبد وربه وسائط، وانتقد دياب إغفال المؤلف للمرجعية الدينية، وحصر التدين الشعبي على الطرق الصوفية رغم أن التدين الشعبي يمتلك توجهات متعددة. كما انتقد ما أورده الكتاب في نهايته من سرد للمصطلحات الصوفية لافتا إلى انه قدم معاني لها رغم أن الطرق الصوفية ترفضها، ضاربا المثل بأن "المس" نجد أن تعريفه يختلف بين الطرق الصوفية بعضها وبعض. وقال دياب انه من الخطأ التعامل مع الجماعة الشعبية على أنها من الفقراء رغم أن هناك أغنياء كانوا من ضمن هذه الجماعة، لافتا إلى أن الجماعة الشعبية ينظر إليها بمعيار حضاري وليس طبقي أو اقتصادي. وقال الدكتور أحمد مرسي، أستاذ الأدب الشعبي بجامعة القاهرة، أن الكتاب يثير الكثير من المشاكل حيث أنه لم يجد تعريفا للدين الرسمي أو الدين الشعبي مشيرا إلى أنه لا وجود لهذه التسميات. وطالب مرسي المؤلف بأن يعيد التفكير في عنوان الكتاب لأن محتوى الكتاب ليس عن الدين الشعبي وإنما عن قطاع من الناس، وهم الطرق الصوفية، ولذلك يصعب أن يوضع في إطار واحد لأن الطرق متعددة. وأشار مرسي إلى أن الخرافة أصل العلم ضاربا المثل باختراع الإنسان للطيران والذي بدأ بتقليد الطيور ثم تطور التصور حتى وصل للطائرة، وهو ما يعني أن الإنسان يلجأ لتصورات خاصة به ناشئة من تفسير جمعي. وقال مرسي إن الإنسان البسيط عندما يمرض فاجأه يقول انه أتحسد لكي يجد تفسير منطقي من وجهة نظره لما حدث، لافتا إلى أن هذا التفسير يعد معين لهذا الإنسان على الاستمرار في الحياة. وأضاف أن الموالد لها دلالات كثيرة جدا أبسطها أن يتشارك المصريين جميعا مسيحيين ومسلمين للاحتفال. وتابع: أن كل هذه الأمور لا تعد تدين شعبي وإنما هي تصورات يضعها الإنسان للأمور التي لا يجد لها تفسيراً. وعلق الدكتور شحاتة صيام، مؤلف الكتاب، على النقد الموجه له، قائلا: لي عتاب على الدكتور حافظ دياب لعدم قيامه بلفت نظري للأخطاء الذي ذكرها خلال قراءته الأولى للكتاب من قبل، حتى يتم تلافيها. وأضاف أنه عندما انطلق في كتابة الكتاب فلم يأتي بالتفرقة بين الدين الشعبي والرسمي من بناة أفكاره وإنما من مؤلفين كبار سابقين. وأوضح صيام أن سبب اختياره للطريقة "البرهانية" نسبة إلى الشيخ محمد عبده عثمان البرهاني لأنها صدر ضدها تحريم من قبل مشيخة الطرق الصوفية. وأشار صيام إلى أن الصوفية لم تعد دين الفقراء ولكن دخل فيها أصحاب الرأسمالية، الذين يرغبون في الانضمام إلى أحد الطرق الصوفية.