ليفربول يذبح يورجن كلوب ويعلن التعاقد مع هذا المدرب..رقم قياسي فى البريميرليج    إزالة التعديات على 6 أفدنة ملك الدولة في الخارجة    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    تواصل عمليات توريد القمح للصوامع بالمحافظات    بلجيكا تستدعي السفير الإسرائيلي بعد مقتل موظف إغاثة في غزة    "إكسترا نيوز": معبر رفح استقبل 20 مصابًا فلسطينيًا و42 مرافقًا اليوم    استجابة لشكاوى المواطنين.. حملة مكبرة لمنع الإشغالات وتحرير5 محاضر و18حالة إزالة بالبساتين    إدريس: منح مصر استضافة كأس العالم للأندية لليد والعظماء السبع أمر يدعو للفخر    سبب غياب حارس الزمالك عن موقعة دريمز الغاني بالكونفيدرالية    عواصف ورياح محملة بالأتربة تضرب الوادى الجديد.. صور    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    بالفيديو.. خالد الجندي: كل حبة رمل في سيناء تحكي قصة شهيد    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    ماذا يقول المسلم في الحر الشديد؟.. أدعية رددها الآن    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    انقطاع المياه عن بعض المناطق فى البياضية والحبيل بالأقصر    بيان مشترك.. أمريكا و17 دولة تدعو حماس للإفراج عن جميع الرهائن مقابل وقف الحرب    أجمل 10 صور وعبارات تهنئة بمناسبة عيد القيامة المجيد..عيد على حبايبك    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    بعد إعلان استمراره.. ثنائي جديد ينضم لجهاز تشافي في برشلونة    وزير الرياضة يشهد انطلاق مهرجان أنسومينا للألعاب الإلكترونية    مدرب نيس ينضم لقائمة المرشحين لخلافة بيولي في ميلان    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    الرئيس البيلاروسي يتوقع المزيد من توسع «الناتو» وتشكيل حزام من الدول غير الصديقة حول روسيا وبيلاروس    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    جامعة حلوان توقع مذكرتي تفاهم مع جامعة الجلفة الجزائرية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    طريقة عمل مافن الشوكولاتة بمكونات بسيطة.. «حلوى سريعة لأطفالك»    تعديل موعد مواجهة سيدات يد الأهلي وبترو أتلتيكو    السكة الحديد: أنباء تسيير قطار إلى سيناء اليوم غير صحيحة وتشغيل خط الفردان بئر العبد الفترة المقبلة    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    ضبط عامل بتهمة إطلاق أعيرة نارية لترويع المواطنين في الخصوص    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    مشايخ سيناء في عيد تحريرها: نقف خلف القيادة السياسية لحفظ أمن مصر    هيونداي تقرر استدعاء 31.44 ألف سيارة في أمريكا    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    الرئيس السيسي: نرفض تهجير الفلسطينيين حفاظا على القضية وحماية لأمن مصر    مستقبل وطن: تحرير سيناء يوم مشهود في تاريخ الوطنية المصرية    أبطال سيناء.. «صابحة الرفاعي» فدائية خدعت إسرائيل بقطعة قماش على صدر ابنها    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    منصة شاهد تعرض أول حلقتين من مسلسل البيت بيتي 2    إصابة ربة منزل سقطت بين الرصيف والقطار بسوهاج    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    أول تعليق من ناهد السباعي بعد تكريم والدتها في مهرجان قرطاج السينمائي    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الصوفية‏..‏ بين مطرقة الصراعات وسندان الرسالة
نشر في الأهرام اليومي يوم 30 - 09 - 2011

تناولنا في الحلقة السابقة من ملف الطرق الصوفية في مصر‏,‏ بدايات الطرق الصوفية‏,‏ وإنشاء مشيخة الطرق‏,‏ وكيفية تعيين رؤسائها‏,‏ والممارسات والشعائر التي يقومون بها في حياتهم‏,‏ ودورهم في المجتمع‏.‏ ونحاول في هذه الحلقة الدخول بعمق في تكوين الطرق الصوفية التي تبدو أنها خرجت عن مسارها الذي عرفت به عبر التاريخ الإسلامي من زهد وتقشف ورضا وقناعة ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان, إلي صراع وتنازع علي مناصب وأمور مادية لا قيمة لها, كما نحاول في هذه الحلقة الوصول إلي إجابة لسؤال قديم يتجدد باستمرار حول الخرافات والبدع التي يأتي بها الصوفيون في ممارساتهم وشعائرهم, وهل هي من التصوف أم مدسوسة عليه؟ كما نناقش الدعم المالي من الدولة وغيرها للطرق الصوفية, وكيفية تنقية هذه الطرق من الدخلاء.
الصراعات.. والرسالة
في البداية يؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم- رئيس جامعة الأزهر الأسبق- علي أن الصراع بين الطرق الصوفية أمر غير مشروع, فلا تنازع في التصوف علي مناصب أو أمور مادية لأنه قائم علي الزهد والرضا والقناعة ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان, ورجال التصوف عبر التاريخ الإسلامي عرفوا بالزهد والتقشف لدرجة أن بعض الصوفية نزلوا مكانا غريبا وناموا فيه وكان لكل واحد منهم غطاء يغطي نفسه به, فسمع أحدهم يقول أين غطائي, فقالوا له ألنا غطاء ولك غطاء, إذن فإعتزلنا, فالتصوف الإسلامي قائم علي المباديء الإسلامية المستنبطة من الكتاب والسنة كما قال سيد الطائفة الإمام الجنيد:(علمنا هذا مشيد بالكتاب والسنة), فالشاهد أن الصراعات بين أهل التصوف غير جائزة, وإذا حدثت فتعد ابتعادا عن محراب التصوف وروحه ومعانيه, ومخالفة مباديء التصوف الإسلامي من الأمور التي تنأي بالإنسان أن يكون صوفيا.
ويوضح الدكتور أحمد عمر هاشم أن التصوف عبارة عن شريعة وطريقة وحقيقة, أما الشريعة فهي ما شرعه الله من عقائد وعبادات وأخلاق, والطريقة هي المنهج الذي يسير عليه الصوفي, أما الحقيقة فهي الثمرة التي يفرزها السلوك الصوفي الحقيقي, فالشريعة بدون حقيقة عاطلة, والحقيقة بدون شريعة باطلة, ومعني هذه المقولة الصوفية أن الإنسان لو كان يتعبد علي الشريعة فيصلي ويصوم ويخاصم الناس فما فائدة صلاته وصيامه؟, فواجب من ينتمون إلي المحراب الصوفي أن يكونوا مثلا عليا في تسامحهم وأن يكونوا متوحدين لا مختلفين, للحفاظ علي المفهوم الحقيقي للتصوف.
التوريث ليس شرعا ومنهاجا
وعن توريث شيخ الطريقة ابنه من بعده يقول الدكتور علوي أمين- أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- إن التوريث للتصوف ليس شرعا ولا منهاجا, فشيخ الطريقة يختار بمواصفات معينة وهي أن يكون عالما بالكتاب والسنة وزاهدا ومحبا لكل خلق الله, وهناك فرق بين التصوف والشعوذة, فالصوفي يجب أن تتوافر فيه صفات كثيرة منها: الطهارة والصلاة والتوبة والمحبة والمجاهدة والخلوة والخوف من الله والصدق والإخلاص, أما السبحة الطويلة والبخور فقط فهذه شعوذة وليست من التصوف والإسلام في شيء.
ويضيف الدكتور أمين فإذا توافرت صفات الصوفي الحقيقي في ابن شيخ الطريقة فهو أولي أن يختار خلفا لوالده, وأقرب الناس معرفة بالطريق هم أبناء الطريقة, ومن الممكن أن يضع المجلس الأعلي للطرق الصوفية بعض المواصفات المعينة التي يسترشد بها, وأن يتم عمل اختبارات لتقييم المريد ومعرفة مدي علمه بالقرآن والسنة, وأن تتوفر فيه أيضا صفة رئيسية وهي القدرة علي تربية الأتباع والمريدين, فالتربية العملية التي يقوم بها الشيخ لمريديه هي التي حفظت الإسلام في جميع الدول العربية, وقد دخل الإسلام أوربا وانتشر عن طريق التصوف والذي يتجسد في المعاملة الحسنة والأخلاق الكريمة فالناس تدخل الإسلام بأخلاق المسلمين, ويجب أن يختار شيخ الطريقة بناء علي رغبة مريديها جميعا, ولا يجوز أن يكون ابن الشيخ بعيد عن التصوف ولم يحضر مجلس علم لأبيه ويصبح خلفا له, ويؤكد الدكتور علوي أمين أن أغلبية الطرق الصوفية ملتزمة بتلك المعايير في اختيار شيخها, وأن هناك الكثير منها لا تختار أبناءها, مثل الطريقة البرهانية.
ويناشد الطرق الصوفية أن تعود إلي حيث كانت في بدايتها وأن تنسي الدنيا بعض الوقت, فإذا انشغلت بها بعدت عن التصوف, فالمتصوفة أبعد الناس عن الدنيا إلا بقدر.
الخرافات والبدع تصرفات البعض
وحول الخرافات والبدع التي تسئ للصوفيين, يقول الدكتور محمد فؤاد شاكر- استاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر- أننا لا يجب أن نحكم علي تصرفات بعض من ينتسبون إلي التصوف والذين أساءوا إليه أشد إساءة, كالذين يتخذون من التصوف سبيلا لكسب المال أو يفرضون علي الناس مبالغ مادية تعطي لهم طلبا لبركاتهم, حتي أصبح الأمر يعطينا صورة سيئة لإختلاط الرجال مع النساء في الموالد, وحتي أن بعضهم لا يصلي ولا يهتم بأداء الفرائض إنما همه كله أن يذكر الكرامات, ثم يفسرون القرآن علي هواهم, ولكي نحكم علي هذه التجربة علينا أن نعلم أن هذه الفئة من المؤمنين قال فيهم الإمام الجنيد:( إذا رأيتم الرجل لا يصلي ولا يصوم ولا يتمسك بالكتاب والسنة ويطير في الهواء فهو شيطان), ولكي نعيد للتصوف مفهومه الحقيقي وثقة الناس به علينا أن نبعد الأدعياء الذين يتاجرون بالتصوف والصوفية ويلبسونها ثوبا لا يليق بها بل يشوه صورة التصوف كله ويعطي فرصة لأصحاب الأفكار المتشددة لنقد حركة التصوف والتركيز علي هذه النماذج السيئة وتقديمها للناس علي أن هؤلاء هم الصوفيون, وهؤلاء لا علاقة لهم بجوهر التصوف.
ويؤكد الدكتور محمد فؤاد شاكر أنه يجب أن يعلم هؤلاء الذين لم يقرأوا في كتب التصوف أن أكابر علماء الأمة كانوا من الصوفية, مثل: ثابت البناني الذي أخذ كبار علماء الأمة سند الحديث منه, وابن دقيق العيد الذي يعد من أكابر الصوفية وكان مفتيا علي المذاهب الأربعة, فلا ينبغي أن نطلق الذنب في الجميع بل علينا أن نعلم أن الذي يخرج عن حدود الشرع لا صلة له بالصوفية والتصوف.
ليس كل احتفال بالموالد بدعة
أما الدكتور أحمد كريمة- أستاذ الشريعة والقانون بجامعة الأزهر- فيقول إن الإحتفال بموالد سادتنا الرسل والأنبياء ومن عرف بصلاحه كالأولياء الصالحين من المناسبات المنسوبة إلي الدين, لم يأت في حقها نص بالإعمال أو الإهمال فليست بسنة تتبع أو بدعة تجتنب, وهي تخضع لقاعدة المصلحة, والإمام ابن القيم رحمه الله يقول: حيث كانت المصلحة فثم شرع الله, بمعني أنه إذا كان الهدف أو المقصد بالاحتفال بمولد الرسول صلي الله عليه وسلم, وهذا أمر أجمع عليه العلماء- إلا من شذ- التأسي والإقتداء وذكر المناقب ليس اشتهارا ولا افتخارا ولكن من باب قوله تعالي: وبهداهم اقتده, فهذا من الناحية التربوية والسلوكية أمر محمود, ففي صدر الإسلام كان الشعراء يخلدون سير الأبطال والصالحين في قصائدهم الأدبية والتي عرفت بالمدائح. ويشير الدكتور أحمد كريمة إلي أن ما يصاحب الاحتفال من سلبيات فقل أن يسلم عمل من خطأ, فعلي سبيل المثال في عيدي الفطر والأضحي وهما مشروعان بالإجماع, من الممكن أن يقوم بعض الناس بالإحتفال بهم بطريقة غير لائقة مثل المبالغة في الترويح والإسراف, وقد يستخدمها البعض في الإنحراف وتعاطي المخدرات, ولكن هذه السلبيات لا تؤدي بالقول إلي التحريم والتجريم, ولكن يجب أن نقول الإصلاح والذي يتأتي عن طريق قيام لجان تطوعية من الشباب المسلم الصوفي لمنع المخالفات والمحظورات مثل لعب القمار, أو اختلاط الرجال بالنساء, ووسائل اللهو التي لا تليق, وأن يقتصر الاحتفال بالمولد علي مجالس العلم والأذكار الشرعية, ومن الأفضل عدم الإستعانة بالشرطة ولكن بعمل لجان شعبية من أبناء الطرق الصوفية وهم أفضل من اللجوء إلي الأمن, لأنهم يملكون المعرفة بالتصوف الصحيح وهم الأكثر دراية وقدرة علي التوعية به, أما عن مشاركة النساء في الموالد فالمرأة ليست ممنوعة من الخروج ولكن تشارك في حدود الآداب العامة.
الدعم المالي للطرق يحتاج إلي دعم
وحول الدعم المالي من الدولة للطرق الصوفية, يري الشيخ علاء الدين ماضي أبو العزائم- شيخ الطريقة العزمية- أن الدعم المالي للطرق الصوفية غير كاف لمساعدة الطرق علي القيام بكافة أنشطتها, فهي لا تأخذ إلا نسبة محددة من صناديق النذور تبلغ10% توزع علي سبعين شيخا, وعادة ما تعتمد الطرق علي شيخها ومريديها ماديا فتقيم الموالد بالإشتراكات العينية أو المادية, ويري شيخ الطريقة العزمية أنه يجب تغيير نسبة ال10% في القانون عن طريق المجلس الأعلي للقوات المسلحة ليجعلها50% من صناديق النذور التي تبلغ حوالي4 ملايين جنيه, ويؤكد علي أن الدعم المالي أمر هام ومطلوب للطرق الصوفية حتي تستطيع أن تقيم مجالس العلم والندوات والمؤتمرات التي تنشر التصوف و تناقش القضايا المجتمعية, ويجب أن يكون هناك دعم من الدولة أيضا للطرق الصوفية لما لها من دور كبير في نشر وسطية الإسلام, وتقوم الطريقة العزمية مثلا بعمل ندوة أو أثنتين علي الأقل شهريا لمناقشة قضايا الساعة والتوعية بالتصوف الحقيقي ونظمت أيضا العديد من المؤتمرات منها, مؤتمر الدور الصوفي في أمن واستقرار المجتمعات, ومؤتمر رد المسلمين علي أوباما الذي اشتركت فيه الطريقة الشهاوية والتيجانية والجازولية والشبراوية.
ويتفق مع الطرح السابق الشيخ أحمد الصاوي- شيخ الطريق الصاوية- مؤكدا علي ضرورة زيادة نسبة ال10% من صناديق النذور لدعم الطرق الصوفية, لأنها الأولي بذلك فصناديق النذور بجوار أضرحة آل البيت والأولياء والصالحين وهم أهل ومشايخ الطرق الصوفية, فعلي سبيل المثال صندوق النذور الخاص بسيدي أحمد البدوي أحق الناس بنقود هذا الصندوق هم أتباع طريقته أولا ثم باقي الطرق الصوفية, وأيضا أن تقوم الدولة بتزويد دعم الطرق الصوفية من الموازنة العامة للدولة حتي تستطيع أن تقوم بنشاطها مثل أصحاب التيارات الأخري, للحفاظ علي وسطية الإسلام ونشر التصوف داخل المجتمع, فهي تحتاج لإقامة المؤتمرات والندوات والتي تحتاج لمبالغ مالية كبيرة تعجز عن الوفاء بها لقلة الدعم المادي المقدم لها.
إعادة بناء الطرق الصوفية
حول كيفية إعادة بناء الطرق الصوفية لتقوم بدورها الصحيح في المجتمع, يقول الدكتور محمد محمود أحمد هاشم- عميد كلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق- إن العلم في الإسلام هو الأساس التي قامت عليه رسالة الإسلام, لذلك حرص الصوفية الأوائل علي العلم والعبادة معا, فنجد كبار علماء الإسلام الذين تتلمذ علي يديهم الجميع كانوا صوفية, وقد دخل الرسول صلي الله عليه وسلم مسجده ذات يوم فوجد حلقة علم وحلقة ذكر فقال: كلا المجلسين عمل خير وجلس في مجلس العلم وقال: إنما بعثت معلما, فالتصوف علم وجهاد وعبادة وسلوك وإلتزام بمنهج الرسول صلي الله عليه وسلم والصحابة والتابعين, ويجب علي المجلس الأعلي للطرق الصوفية أن يعيد هذه المفاهيم التي قد تكون غابت عن أذهان بعض الطرق الصوفية, ونشر سيرة علماء الصوفية ليكونوا منارات لنا نعتمد عليها في كافة المجالات من فقه وتفسير وفي تناول القضايا المجتمعية أيضا, فالتصوف ليس إنعزالا عن الدنيا وليس تمسكا ببعض الخزعبلات التي لا تمت إليه بصلة.
ويؤكد الدكتور هاشم علي أن إعادة بناء الطرق الصوفية يحتاج لعدة مراحل: أولا, نشر الفكر الصوفي بين أبناء الطرق الصوفية عن طريق شيخ الطريقة, ثانيا: أن يصدر المجلس الأعلي للطرق الصوفية والمشيخة العامة للطرق الصوفية دوريات( عدة مؤلفات بصورة منتظمة) لتبين للمجتمع أساس التصوف, وتعد هذه أيضا دعوة للمجتمع للعودة لمفهوم الأخلاق فالتصوف هو الخلق, ثالثا: نبذ الخلافات بين الطرق والتي تؤدي إلي ضياع الرسالة الأساسية للطرق الصوفية وهي الحفاظ علي وسطية الإسلام, ونحن الآن في حاجة ماسة إلي الإلتزام بالتصوف.
أما فضيلة الشيخ محمود عاشور- عضو مجمع البحوث الإسلامية- فيقول أنه يجب أن يعيش الصوفي حياة مليئة بالحب والرحمة والإيمان بالله وان يلتقي مع الناس بهذه الأخلاق, وبهذا نستطيع أن نجمع مجموعة كبيرة من الناس لينشروا هذه الأخلاق بين الناس, و الرسول صلي الله عليه وسلم يقول:( خير الناس أنفعهم للناس), ويقول أيضا:( والله لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحبه لنفسه), فيجب علي أبناء الطرق الصوفية نبذ الأحقاد وحب الدنيا لنعيش حياة تمثل الصفاء النفسي والوجداني لله سبحانه وتعالي.
تنقية التصوف من الشوائب
وعن الخطوات التي يمكن اتباعها لتنقية المنهج الصوفي من الشوائب العالقة به, يؤكد الدكتور سالم مرة- أستاذ الفقه بجامعة الأزهر- علي أنه توجد قاعدة ثابتة في الفقه الإسلامي وهي أنه إذا خالف الإنسان الكتاب والسنة وما عليه السلف الصالح فليس بصوفي, ومن هنا انحرف المسار بالصوفية إلي أن أصبح كثير من الناس لا يعلمون شيئا عن الكتاب والسنة وينسبون أنفسهم إلي التصوف وصارت فرق شتي ربما وقع التناحر بينها لعدم معرفتها بحدود التصوف, فالتصوف يقف عند قوله تعالي: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولافسادا والعاقبة للمتقين, ولكي نعود بالتصوف إلي المسار الصحيح الذي كان عليه الرعيل الأول فلابد من إلتزام بعض الأمور منها أنه لابد لمن يريد معرفة التصوف أن يدرسه أو أن يلازم شيخا عارفا يأخذ بيده إلي المسالك التي تخلصه من الوقوع في حب الدنيا, لأن الدارس لابد له من شيخ محقق مرشد قد فرغ من تأديب نفسه وتخلص من هواه, ولا بد للقائمين والمهتمين بأمر التصوف من تنقية الكتب المتعلقة بهذا العلم علي يد كبار العلماء والشيوخ, وتدعيم المعاهد والمدارس التي تقوم علي تدريس التصوف بالعلماء العارفين ماديا ومعنويا, وتشجيع الطلاب علي تعلم التصوف, فالواقع الآن به فريقان, فريق ضد التصوف كاملا بل قد يصل بعضهم إلي تكفيره, وهذا لعدم معرفته بمسائل التصوف فيظن أن ذلك دربا من الخيال, مع أن التصوف يرقي بالإنسان في درجات السلوك الرفيع إلي درجة يفهم الأمور فيها فهما صحيحا, يقول الإمام مالك رضي الله عنه: من تصوف ولم يتفقه( أي يتعلم أحكام الفقه والشريعة) فقد تزندق( وهي درب من دروب الجهل والكفر), ومن تفقه ولم يتصوف فقد تفسق, فأحيانا تكون هناك بعض الأشياء لا يأمر بها الشرع في ظاهره, ولذلك يقول الإمام الشاطبي رضي الله عنه حينما دخل عليه رجل فسأله عن القدر الواجب في زكاة المال, فقال له: علي مذهبكم أم علي مذهبنا, فتعجب السائل وقال له: ألكم مذهب ولنا مذهب؟ قال: نعم, فقال الرجل: أفتني علي مذهبنا, قال: إذا بلغ المال النصاب وحال عليه الحول ففيه ربع العشر فهذا حكم الشريعة, فسأل الرجل وعلي مذهبكم؟ قال الشاطبي: العبد وما ملكت يداه لسيده, والأمر الثالث في مسار إصلاح التصوف ليعلم الجميع أن التصوف طريق من طرق الإصلاح الإجتماعي لأنه يسمي علم الأخلاق فهو يبني علي التسامح والصفو والعفو والمحبه لله تعالي, والمجتمعات التي بها علماء تصوف ويجمعون الناس حولهم تقل فيها المشاكل والجرائم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.