التليفون صامت أخرس . راقد فى مكانه جثة بلا حراك . لا يدق ولا يرن . جفت دماء حرارته فى أسلاكه .فأصبح قطعة حجر . جماداً لا ينطق . لا يسمع لا يتكلم لا يشعر ! لا مكالمة واحة من صديق . يقول لى انى مازلت على قيد هذه الحياة . وأنه مازال يتذكر اسمى . ومازلت أوحشه ويفتقدنى . وأنه مشتاق لأيام الصداقة الجميلة . ومازالت صداقتنا من بين المقدسات . فوق الدنيا وهموم الدنيا الصغيرة والكبيرة . لا صاحب مازال يتذكر رقم تليفونى . يوقظنى بمكالمة من وسط نوم هو الموت . يثرثر معى وأنا نصف نائم . يبوح لى بشجونه . يقول انه يحتاج كلمات صاحبه . وعون صاحبه. رفيرتاح ويتركنى مؤرقاً . يجافينى النوم . وأنا مشغول بآلام الآخرين . ولا صوت مجهول يأتينى عبر الطرف الآخر فى سماعة تليفونى . يعتذر لى عن الجروح والسهام التى نالتنى دون أن أستحقها . عن براءتى التى ظنوها غفلة وسذاجة . وطهارة نيتى التى اعتقدوها وهناً وضعفاً! ولا حبيب يتصل ليخبرنى كم هو آسف . لأنه اعتبر الحب وسيلة لا غاية . وجسراً يعدو فوقه خلف ما يريد وما يطمع . وأن الحب عطاء متبادل . ويستحيل أن يكون شارعاً يمضى فى اتجاه واحد ! التليفون مازال وأعتقد أنه سيبقى صامتاً بلا حياة . فحتى الذين احترفوا الكلام ولا شىء غير الكلام . ليس لديهم وقت للاتصال بمن يستطيع التمييز بين الحق والباطل . من يعرف الكاذب من كذبه . والصادق حتى من صمته . أصبح مثل قلبى . قطعة صوان فى نفسى . شاهد قبر يذكرنى فى كل لحظة . أن عمر الرياء قصير . وأن البعد الناس غنيمة . لكن الوحدة قاسية كصحراء واسعة . بلا شجرة تظلل ولا ذرات من لهيب . التليفون صامت أخرس . لا خبر حلو . ولا حتى حكاية محزنة . لا تأتينى عبره ابتسامة ولا دمعة . الكل نسى رقم تليفونى . الذين أحببتهم لكنهم أحبوا أنفسهم أكثر . والذين اعطيتهم من قلبى وحياتى . فأخذوا وانصرفوا . والذين انتظرتهم فى أحلامى طوال العمر . فلم يظهروا ولم يدقوا جرس تليفونى أبداً . تليفونى أصبح مثلى . غريباً من زمن راح وراحت عليه . شيئا مجرد شىء غير قابل للاستخدام !