أوباما وماكين.. أين سياساتهما الخارجية؟ عاطف الغمري المواجهة الدائرة بين أوباما وماكين، بدأ فيها كل منهما، وكأنه لا يقدم خريطة متكاملة لسياسته الخارجية، إذا صار هو الرئيس المقبل، بل غلبت على لغة كل منهما تكتيكات “الملاكم". فكلاهما يسدد ضربات إلى نقاط ضعف الآخر، لمحها في تصريحاته الانتخابية، بينما يحمي رأسه بغطاء من تصريحات مضادة، يقي به نفسه من ضربات الآخر.
لهذا شاهدنا تصريحات مليئة بالتناقض، وإعلان مواقف ثم العدول عنها فكان السؤال التلقائي: وهل ما نسمعه منهما هو في حقيقته برنامج السياسة الخارجية التي سيسير عليها الساكن المقبل للبيت الأبيض؟
والاثنان يتباريان في معركتين رئيسيتين في السياسة الخارجية، علاوة على قضايا السياسة الداخلية أولاهما:
الأمن القومي مرتبط بالأوضاع في الشرق الأوسط، وجزء منه الموقف من ضربة عسكرية لإيران.
والثانية: هي دور أمريكا في العالم، وحدود سيادتها على العالم، ما بين فكرة السيادة النسبية، وعقيدة الهيمنة.
وتحتل السياسة الخارجية مركزاً متميزاً في السباق بين الاثنين، بسبب ما جرى في عهد بوش، واثر أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، من ربط الأمن القومي في الداخل بأوضاع في الخارج.
وبعد أن تحولت مسألة الأمن القومي إلى قضية داخلية، ويتصدر العراق قمة قضايا السياسة الخارجية، ويعزز من هذا الوضع أن أمريكا تخيم عليها بكثافة غيوم أزمة، لم تكن موجودة منذ عشرين سنة مضت، عندما دخلت بعد انتهاء الحرب الباردة، عصراً توقعت أن تنعم فيه بسلام ورخاء.
لهذا وجهت حملة ماكين هجماتها إلى عدم خبرة أوباما بالسياسة الخارجية، بينما ركز أوباما على ما تضمنته تصريحات ماكين من مؤشرات، دلل بها إلى أن رئاسة ماكين ستكون امتداداً لسياسة بوش، التي جلبت على أمريكا الكوارث، وهبطت بنسبة قبول الأمريكيين لها إلى أقل من 26%.
إن التناقض في المواقف بدا زاعقاً، وربما كان أكثر ما تردد صداه، كلام أوباما عن “إسرائيل"، فقبل أشهر وفي بداية الحملة الانتخابية، اقتحم أوباما دائرة الجدل حول تفاصيل كان المرشحون يحرصون على الابتعاد عنها، عندما أضاف أوباما إلى إعلان تأييده لأمن “إسرائيل"، قوله إن مساندة “إسرائيل" لا تعني بالضرورة تبني السياسات المتشددة لليكود، ويجب ألا يكون ذلك هو معيار صداقتنا ل"إسرائيل".
وبعد فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي على منافسته هيلاري، بالغ في التودد ل"إسرائيل"، في خطاب أمام المؤتمر السنوي لمنظمة “إيباك" اللوبي اليهودي مستخدماً نفس مفردات لغة حكومة “إسرائيل"، بقوله إن القدس يجب أن تبقى العاصمة غير المقسمة ل"إسرائيل".
بعدها بيومين عاد يدلي بتصريحات أخرى يتراجع فيها عما قاله بشأن القدس. وقال على “الإسرائيليين" والفلسطينيين أن يتفاوضوا على مستقبل المدينة المقدسة، وبذلك عاد إلى النقطة التي كانت أساس المفاوضات التي رعاها بعد بدء عملية السلام عام ،1991 بوش الأب، ومن بعده كلينتون، والتي تقرر أن القدس، واللاجئين، والمياه، والحدود، يتحدد مصيرها في مفاوضات الوضع النهائي.
وكان ماكين قد سبقه بأيام بإلقاء خطاب أمام مؤتمر الإيباك حذر فيه من أن أوباما يهدد أمن “إسرائيل".
إن المزايدة على كسب تأييد اليهود، هو مشهد متكرر في جميع الانتخابات الأمريكية، أملا في حشد تأييدهم، والاستفادة من مصدرين للقوة يملكهما اليهود الأمريكيون.
أولهما: الملايين التي يمولون بها المرشح الذي يضمنون تسديده الفاتورة بعد فوزه، بتأييد سياسات “إسرائيل".
والثاني: الدور الذي يلعبه جيش من الشباب اليهودي ومعظمه تنظم عمله الإيباك، وهؤلاء ينتشرون في مختلف الولايات للدعاية للمرشح، بإرسال فاكسات إلى الناخبين، وطرق أبواب بيوتهم للدعاية للمرشح، وتعليق لافتات باسمه، وتنظيم مواكب غنائية وموسيقية في شوارع المدن، علاوة على النفوذ اليهودي في الصحافة، وشبكات التلفزيون والمعاهد الأكاديمية، ومراكز البحوث.
والتضارب في الأقوال حدث بالنسبة لإيران، فقد بدأ أوباما بإعلان استعداده لمفاوضات مع إيران، قوبلت بأشد الانتقادات من ماكين، ثم عاد يوضح أنه يريد جذبها إلى المجتمع الدولي، بإجراء مفاوضات معها على نمط مفاوضات التقارب مع الصين التي قام بها كيسنجر.
ثم عاد أوباما يعلن أنه لا يوجد ما يهدد “إسرائيل"، أكثر من تهديد إيران لها. بينما ماكين الذي يؤيد التشدد في معاقبة إيران، فقد رفض التملص من تفضيله توجيه ضربة عسكرية لإيران.
وفي جو التنافس الحاد بين أوباما وماكين، فإن ما يثير قلق بعض الخبراء الأمريكيين أن يحدث ما سموه “مفاجأة أكتوبر"، بأن يقرر الجمهوريون تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، قبل شهر من حسم المعركة الانتخابية، في تصور منهم أن هذا سيوجد موقفاً وطنياً في أمريكا، يصب في مصلحة ماكين، ويضع أوباما في موقف حرج، لو أنه عارض، وأمريكا في حالة حرب لكن مفاجأة أكتوبر تظل مجرد احتمال.
لكنها جزء من المؤشرات إلى أن المنافسة بين أوباما وماكين لن تكون سهلة ولن تخلو من مفاجآت، ومع استمرارها في التصريحات والتصريحات المضادة، فلا يمكن اعتبار ما قاله هذا أو ذاك، وكأنه برنامج سياسته الخارجية، حين يكون في الحكم. عن صحيفة الخليج الاماراتية 18/6/2008