من يُردْ الحرب فلينتخِبْ ماكين اندي رويل قد يكون هذا التحليل بسيطاً ومطروقاً كثيراً، ولكن الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، هي الأهم خلال جيل كامل. فهل ستصوت أضخم قوة عظمى في العالم للجمهوري، جون ماكين، البالغ من العمر 73 عاماً، أم لباراك أوباما البالغ من العمر 47 عاماً؟ وليس الفارق الكبير في السن وحسب، هو الذي يفصل بين هذين المرشحين بصورة جذرية. بل كذلك سياساتهما، ونظرة كل منهما إلى العالم، التي تتسم باختلاف عميق. فالرجلان يختلفان اختلافاً جوهرياً، سواء بالنسبة إلى سبل حل أزمة الاقتصاد العالمي، أو التصرف إزاء التغير المناخي، أو الشؤون الخارجية. ولكنهما لا يختلفان في أي مجال، قدْر اختلافهما بشأن السياسة الخارجية، وبخاصة في الشرق الأوسط. فماكين، المحارب القديم في فيتنام، سوف يستمر في اتّباع الكثير من سياسات الرئيس بوش الفاشلة، المنبثقة عن “مبدأ بوش"، المتمثل في الغارات الاستباقية، والعدوان الفوضوي على العراق، والصراع المحتمل مع ايران. وفي الخلفية، في استطلاعات الرأي، وفي الأيام القليلة المتبقية من عمر الحملة الانتخابية، حاول فريق ماكين أن يقنع الناس بالقول إنه هو الرجل المناسب للرئاسة بسبب خبرته، وبخاصة في الشؤون الدولية. فهو الرجل المؤهل لقيادة أمريكا في زمن الأزمة. ولكن فلسفته تتخللها ثغرات عميقة، فعلى الرغم من أنه يحب أن يصور نفسه محافظاً “ليبرالياً"، إلا أنه محافظ جديد بحق وجدارة، حين يتعلق الأمر بالعراق، والشرق الأوسط بوجه عام. وهو بالفعل يقول إنه يشاطر بوش “فلسفته العامة" إزاء مثل هذه المسائل. كما أن العديد من مستشاريه، هم أيضاً من أبرز المحافظين الجدد، الذين ساعدوا في خلق فلسفة “مبدأ بوش". وسجل ماكين أيضاً مملوء بالعيوب. فمنذ أوائل التسعينات، وهو يرأس المعهد الجمهوري الدولي، وهو برنامج للحزب الجمهوري، وصفه موقع الانترنت، رايت ويب، الذي يتتبع آثار الجماعات اليمينية، بأنه مشهور باعتباره “مندوب السياسة الأمريكية التدخلية في أنحاء العالم". ويشير موقع رايت ويب، إلى أن “كبار المسؤولين في المعهد المذكور، ينتشرون من يمين الوسط إلى اليمين المتطرف، عبر طيف الأمميين في الحزب الجمهوري. ومعظم هيئة العاملين فيه، وأعضاء مجلس إدارته، لهم علاقات مع بيوت الخبرة، والمؤسسات، والمعاهد السياسية اليمينية، بينما يمثل كثيرون منهم كذلك، المؤسسات المالية والنفطية والدفاعية الكبرى". وفي أواخر التسعينات، كان ماكين يسعى إلى تزكيته من قبل الحزب الجمهوري للرئاسة. وهو يتعرض الآن لتأثيرات كبار المحافظين الجدد، مثل وليام كريستول، نجل أبي المحافظين الجدد ايرفينج كريستول، الذي ينادي بسياسة أمريكية أكثر هجومية في الشرق الأوسط. ويقال إن كريستول وماكين “قريبان من بعضهما على نحو استثنائي جدّاً". وكان كريستول الذي أسس سنة ،1997 مع مستشار آخر لماكين، هو روبرت كاجان، المجموعة المحافظة الجديدة البارزة، التي تسمى مشروع القرن الأمريكي الجديد هو الذي أيّد اتخاذ إجراء عسكري ضد صدام حسين، ضمن آخرين. وفي خطاب ألقاه ماكين سنة ،1999 دافع بهدي من مستشاريه من المحافظين الجدد، عن سياسة “إعادة الدول المارقة إلى الوراء". وقال إن الولاياتالمتحدة، يمكن أن تواجه في العقد القادم “وضعاً استراتيجياً جديداً تماماً، وهو أن تتمكن دولة مارقة مثل العراق أو كوريا الشمالية، في وقت الأزمة، من استخدام الابتزاز النووي ضد رئيس أمريكي". ولكن ما حصل هو أن الأمريكيين هم الذين استخدموا الابتزاز ضد شعبهم، بتلفيق الأدلة ضد صدام حسين. وماكين، شأنه شأن العديد من المحافظين الجدد، استغل الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول ،2001 للإقناع بضرورة اتخاذ عمل عسكري ضد العراق. وتعهد أثناء حديثه في اليوم التالي لتلك الهجمات بأن تطارد أمريكا حركة القاعدة ومؤيديها، وخصّ بالذكر العراق وإيران وسوريا، كأهداف محتملة. وقال “لسوف نثبت لهم أننا جادون جدّاً، وأن الثمن الذي سيدفعونه لن يكون عقاباً فقط، بل ردعاً أيضاً". ولا ريب في أن ماكين يحبذ الضربة العسكرية الأمريكية الأولى لسوريا التي وقعت مؤخراً. وقد سقط في تلك الغارة على بلدة البوكمال، ثمانية أشخاص، بينهم أربعة أطفال. ونفذتها القوات الأمريكية الخاصة التي توغلت بصورة غير شرعية مسافة خمسة أميال داخل الأراضي السورية. وبقي في المستشفى سبعة أشخاص، بينهم أم سورية شابة، ظهرت على شاشة التلفزيون، بأنبوب بارز من أنفها، وهي تقول: “كنت في المزرعة عندما جاءت أربع طائرات. حطت اثنتان منها على الأرض، واستمرت الاثنتان الأخريان في إطلاق النار، وقد وجّهتا نيرانهما إلينا. حضر ابني، وحاولنا إنقاذ أبيه. وعندما استيقظتُ وجدت نفسي في المستشفى". وقد أثارت الغارة رد فعل شديداً، ووصفتها صحيفة الحكومة السورية بأنها “عملية قتل بدم بارد، وجريمة حرب". ودان وزير الخارجية السوري في لندن عملية القتل تلك، واعتبرها “عملاً عدوانياً إجرامياً وإرهابياً". والغارة الأمريكية مثال آخر على “مبدأ بوش" في حالة تطبيق. وهو سياسة يؤيدها ماكين بشدة. وكون الغارة غير شرعية بموجب القانون الدولي، لا أهمية له، إذا كان ماكين وبوش يعتقدان بأنها قد حمت المصالح الأمريكية. وليست الغارة على سوريا مفاجئة. فالولاياتالمتحدة تستخدم تكتيكات مشابهة في باكستان منذ شهور، وتخضع تلك الدولة لضغط شديد لوقف الغارات غير القانونية من قبل القوات الأمريكية الخاصة في باكستان. ولكن، بدلاً من ذلك، تنوي أمريكا ومرة أخرى في خطط مدعومة من قبل ماكين تشديد حملة غاراتها الجوية التي تشنها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ضد مَن تزعم أنهم مسلحون في جبال باكستان. وقد طرأت زيادة حادة في عدد الهجمات غير المرخصة، التي شنتها طائرات من دون طيار يتم التحكم بها عن بعد، هذا العام وبلغ عددها ثماني عشرة غارة بالمقارنة مع خمس غارات أثناء الفترة ذاتها من العام المنصرم. وفي الأسبوع الماضي، حين كانت أخبار الغارة على سوريا تحتل العناوين الرئيسية في الأخبار، قُتل عشرون شخصاً عندما ضربت طائرة أمريكية من دون طيار، مجمعاً سكنياً للمسلحين في جنوب وزيرستان، فقتلت 20 شخصاً، في موقع يبعد نحو عشرين ميلاً عن الحدود الأفغانية. وهذا الازدراء للقانون الدولي هو الذي يقلق العديد من المعلقين الأمريكيين. فقد قال رونالد ووركين، أستاذ القانون والفلسفة في جامعة نيويورك: “إننا في أمسّ الحاجة إلى العودة للقانون والنظام الدوليين. اللذين دمرتهما إدارة بوش تقريباً". ومع ذلك، سيواصل ماكين ازدراء القانون الدولي وقرارات الأممالمتحدة، في دعمه ل “إسرائيل"، وتأييده لحرب محتملة مع إيران. وهو موالٍ ل “اسرائيل" على نحو كاسح. فقد قال أثناء كلمة ألقاها سنة 2001 أمام لجنة العلاقات العامة الأمريكية “الإسرائيلية" (ايباك): “بالإضافة إلى التزام أمريكا الأخلاقي بأمن “إسرائيل"، يجب عليها أن تزوّد “اسرائيل" بكل ما تحتاج إليه من المعدات العسكرية والتكنولوجية للدفاع عن نفسها، وبكميات تفوق بكثير ما نزودها به اليوم، إذا اقتضى الأمر. ويجب أن نكثف دعمنا ل “إسرائيل"، لأن المخاطر على أمنها قد ازدادت". وفي السنة اللاحقة، وفي خطاب أمام اللجنة اليهودية الأمريكية، قال، “أعتقد أن الشعب “الإسرائيلي" سيتفق معي على أننا لا نستطيع أن ننتظر إلى أن تطور الدول المارقة مثل إيران والعراق وسوريا، الأسلحة التي تتحدى دفاعات “إسرائيل" ودفاعاتنا على نحو خطير". وعاد إلى هذا الموضوع مرة أخرى في وقت سابق من هذا العام في خطبة أخرى أمام لجنة “ايباك"، التي تعتبر اللوبي الموالي ل “إسرائيل"، الأشد تأثيراً في واشنطن. وقال في تلك الخطبة: “إني أدعم بشدة زيادة المساعدات العسكرية ل “إسرائيل"، التي من المقرر أن تبدأ في اكتوبر/ تشرين الأول. وأنا ملتزم بضمان محافظة “إسرائيل" على تفوقها العسكري النوعي. إن أعداء “إسرائيل" كثيرون جدّاً.. وهامش الخطأ لديها ضيق جدّاً، ومصالحنا وقيمنا المشتركة عزيزة علينا، وتمنعنا من أن نتبع أي سياسة أخرى. وفي المقام الأول، في أذهاننا جميعاً، يكمن الخطر الذي يشكله النظام في طهران". وعلى الرغم من أن أوباما أيضاً، خاطب لجنة “ايباك" هذا الصيف، إلاّ أن المرشحين يختلفان اختلافاً شاسعاً بشأن ما ينبغي عمله مع إيران. ماكين يؤيد توقيع عقوبات صارمة والقيام بعمل عسكري، بينما يؤيد أوباما درجة أكبر من الدبلوماسية. ففي مقطع فيديو يحظى بمشاهدة كبيرة على شبكة الانترنت، قال ماكين في ابريل/ نيسان ،2007 “اقصفوا، اقصفوا، اقصفوا، اقصفوا، اقصفوا إيران". وبينما يريد ماكين أن يقصف، يريد أوباما أن يتحدث. كما أن أوباما اتهم ماكين بنشر تصريحات مضللة عن رغبة أوباما في التحدث إلى طهران. لقد شبع العالم من سنوات بوش الثماني... من القصف أولاً، ثم طرح الأسئلة الصعبة بعد ذلك. وماكين يمثل أربع سنوات إضافية من عهد بوش وأربع سنوات إضافية من التحريض الخطير الذي يمارسه المحافظون الجدد ضد شعوب الشرق الأوسط. ولكن ماكين، شأنه شأن بوش، هو رجل الأمس. وقد حان الوقت للجيل القادم أن يحاول دمل الجروح العميقة والندوب في الشرق الأوسط، التي خلفتها سياسة المحافظين الجدد التي ساعدها بوش وماكين في أن تسود وتقود. وقد حان الوقت لرجل أسود في البيت الأبيض. وكما قال باراك أوباما عن نفسه آلاف المرات، فإنه يمثل التغيير الذي يمكن لنا جميعاً أن نؤمن به. وكان جون ماكين قال ذات مرة: “أعتقد أن الناخبين يختارون قادتهم على أساس خبرتهم وحكمتهم ومقدرتهم على أن يجروا مكالمات صعبة، بشأن قضايا الحرب والسلم، على سبيل المثال". ومع أني قد أكون مغرقاً في تبسيط الوضع، إلاّ أنني أقول: إذا كنتم تريدون الحرب: فانتخبوا ماكين؛ وإذا كنتم تريدون السلام: فانتخبوا أوباما. وهذا هو سبب أهمية هذه الانتخابات. عن صحيفة الخليج الاماراتية 2/11/2008