ستون عاماً على النكبة فايز رشيد 2008515 هو الذكرى الستون للنكبة، وبنظرة موضوعية إلى الداخل الإسرائيلي، ليس من الصعب على المراقب وبلا أدنى شك ملاحظة، ان جملة التطورات التي حدثت على الصعيدين الرسمي والاجتماعي في مدى ستة عقود زمنية، تتلخص في مزيد من الجنوح نحو اليمين، ذلك أن الأيديولوجيا الصهيونية، ذات الجذور التوراتية، ما زالت هي الأساس والمنبع للسياسات الإسرائيلية في المناحي المختلفة. أي أننا أمام صورة أبقت على المضامين المختلفة، التي جرى تشريعها ما قبل، عند انشاء الدولة، كأهداف استراتيجية، ومنها تلك التي ما زالت تطرح في الإطار الشعاراتي السابق لها على قاعدة تعزيز هذه الشعارات، مثل: يهودية الدولة وعقيدة الأمن الاسرائيلي. أما بعض الأهداف الاستراتيجية الأخرى، فقد بقيت تحمل نفس المضمون، ولكن مع اختلاف بسيط في نمطية الشعارات المطروحة لتحقيقها مقارنة مع مثيلاتها لدى ترسيم ولادة هذه الدولة. هذه الشعارات أخذت تبدو وكأنها أكثر مرونة، لكنها المرونة التكتيكية التي لا تتعارض مع الجوهر، بل هي تتواءم وتصل حدود المتماهي معه، ولكن مع الحرص على إعطائها شكلا انتقاليا جديدا على طريق التحقيق وذلك لاعتبارات سياسية وإقليمية ودولية تحتم هذا الشكل الانتقالي، ولكن على قاعدة الاتكاء على ذات الايديولوجيا، فمثلا، فإن الهدف في انشاء دولة اسرائيل الكبرى، والذي كان مطلبا ملحا ما قبل وعند إنشاء الدولة، أصبح بفعل المستجدات السياسية الموضوعية مسألة صعبة التحقيق ان لم تكن مستحيلة... وبالتالي فإن السيطرة تحولت من الشكل المباشر عبر الاحتلال الى شكل آخر غير مباشر، وهو السعي لتحقيق ذات السيطرة من خلال الهيمنتين: الاقتصادية والعسكرية وبالتالي السياسية، لذا، فإن هذه الخلفية أصبحت تتحكم في النظرة الاسرائيلية، ان على صعيد رؤيتها لذاتها كالدولة الأهم في المنطقة، او على صعيد العلاقة مع الدول العربية والاقليمية، والقائمة أيضا على نظرية السيادة والتسيد المطلق. في نفس السياق، يأتي التعامل الاسرائيلي مع الفلسطينيين وقضيتهم ان في الأراضي المحتلة او في منطقة 48 او في الشتات. ان بإنكار حق العودة للاجئين منهم، او من خلال طرح الدويلة الناقصة السيادة والمجزأة والمتشكلة من كانتونات، وهي في حقيقتها ليست أكثر من حكم ذاتي يشرف على الشؤون الحياتية للسكان، وهذا في النظرة الاستراتيجية الاسرائيلية، ليس أكثر من شكل توافقي يحقق الهدف الاستراتيجي في الدولة اليهودية، دون الاصطدام مستقبلا بالقنبلة الديموغرافية التي يشكلها الفلسطينيون، كما تعطي التصور بأن الصراع قد تم حله وبشكل نهائي. أما بالنسبة لفلسطينيي الخط الأخضر، والتي تعتبرهم اسرائيل (مواطنيها)، فإن (60) سنة من وجود الدولة لم تكن كافية لأن يحصل العرب على حقوقهم وأن يتساووا مع اليهود، بل ارتفعت حدة العنصرية الممارسة تجاههم، وتفتق الذهن الاسرائيلي بمبادلة بعض من مناطقهم ذات الكثافة السكانية العالية مع مناطق في السلطة الفلسطينية، اضافة الى امكانية اجراء الترانسفير بحق الكثيرين منهم مباشرة او بطريق غير مباشر، ومثلما يقول المؤرخ التقدمي الاسرائيلي ايلان بابيه بخلق وقائع اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية عسكرية تدفع الكثيرين منهم الى الهجرة الطوعية. هذا ما لا نقوله نحن، بل مقررات مؤتمرات هرتسيليا الثمانية واقرأوها جيدا. في نفس السياق يأتي التعامل الاسرائيلي مع الدول العربية، فبعد اتفاقيات كمب ديفيد، وأوسلو، ووادي عربة، والممثليات الاسرائيلية في دول عربية تحت مسميات مختلفة، فإن اسرائيل ترى انها في الوضع المريح يسمح لها بممارسة الابتزاز السياسي والتنازلات التدريجية من الدول العربية، ولذلك تعاملت وتتعامل براحة كبيرة مع المبادرة العربية، فهي ترفض ما تشاء منها وتخضع للبحث ما تشاء منها ايضا. وكما الرؤية الاسرائيلية للتسوية مع الفلسطينيين تنطلق من خطوط حمراء بالنسبة لحقوقهم الأساسية، فإنها تنطلق أيضا من خطوط حمراء بالنسبة للدول العربية. بعد ستين عاماً على انشاء دولة الكيان الصهيوني، يلاحظ مدى التطور الحاصل في مفهوم العدوان على قاعدة من النظرة الاستعلائية، الشوفينية، العنصرية، التي تفترش الشارع الإسرائيلي طوليا وعرضيا، والمتمظهرة في التربية والتعليم، بدءا برياض الأطفال وانتهاء بالجامعات، في تناسق وتناغم تأمين في إنتاج وإعادة إنتاج الأشكال المطورة الجديدة من ممارسة العدوان، في الاراضي الفلسطينية المحتلة او في عدوان عام 2006 على لبنان. الإسرائيليون بعد (60) عاماً على انشاء دولتهم لم يغادروا مفهوم القلعة المحصنة التي يجب ان يتواجد فيها الاسرائيلي، ولم يغادروا أسوار الغيتو أيضا. هذه التربية التزمتية ليست قادرة على انتاج سوى المزيد من المفاهيم اليمينية والدينية المتطرفة، ولذلك تزداد الأحزاب الدينية، والدينية اليمينية المتطرفة والاحزاب الفاشية تطورا في قواعدها وفي تدخلها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الاسرائيلية، جنبا الى جنب مع المؤسسة العسكرية، التي تفرض حقائقها على الواقع السياسي الاسرائيلي. كثيرون يغادرون اسرائيل في هجرة معاكسة لأسباب شتى، ومنهم من يعيشون صحوة ضمير، ولذلك لا يطيقون العيش وسط العنصرية الصهيونية، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: المحامية المشهورة بدفاعها عن الفلسطينيين، والتي غادرت مع عائلتها للعيش في ألمانيا فيليتسيا لاغر والمؤرخ ايلان بابيه والذي غادر الى بريطانيا. في الذكرى الستين للنكبة، حري بنا ان نخضع كل ما في الداخل الاسرائيلي للتمحيص، وذلك من أجل تحقيق المزيد في معرفة هذا العدو الاستثنائي الذي نجابهه. عن صحيفة السفير اللبنانية 14/5/2008