كل سنة وكل مصري بخير.. حمدي رزق يهنئ المصريين بمناسبة عيد تحرير سيناء    مصدر نهر النيل.. أمطار أعلى من معدلاتها على بحيرة فيكتوريا    حلقات ذكر وإطعام، المئات من أتباع الطرق الصوفية يحتفلون برجبية السيد البدوي بطنطا (فيديو)    ارتفاع سعر الفراخ البيضاء وتراجع كرتونة البيض (أحمر وأبيض) بالأسواق الجمعة 26 أبريل 2024    هل المقاطعة هي الحل؟ رئيس شعبة الأسماك في بورسعيد يرد    القومي للأجور: قرار الحد الأدنى سيطبق على 95% من المنشآت في مصر    بقيمة 6 مليارات .. حزمة أسلحة أمريكية جديدة لأوكرانيا    حزب الله اللبناني يعلن تدمير آليتين إسرائيليتين في كمين تلال كفرشوبا    حركة "غير ملتزم" تنضم إلى المحتجين على حرب غزة في جامعة ميشيجان    بعد تطبيق التوقيت الصيفي.. تعرف على جدول مواعيد عمل محاكم مجلس الدولة    عبقرينو اتحبس | استولى على 23 حساب فيس بوك.. تفاصيل    رئيس مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير في دورته العاشرة: «تحقق الحلم»    أنغام تبدأ حفل عيد تحرير سيناء بأغنية «بلدي التاريخ»    هل العمل في بيع مستحضرات التجميل والميك آب حرام؟.. الإفتاء تحسم الجدل    فيديو جراف| 42 عامًا على تحرير سيناء.. ملحمة العبور والتنمية على أرض الفيروز    أنغام باحتفالية مجلس القبائل: كل سنة وأحنا احرار بفضل القيادة العظيمة الرئيس السيسى    بث مباشر لحفل أنغام في احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية بعيد تحرير سيناء    قيادي بفتح: عدد شهداء العدوان على غزة يتراوح بين 50 إلى 60 ألفا    المحكمة العليا الأمريكية قد تمدد تعليق محاكمة ترامب    السعودية توجه نداء عاجلا للراغبين في أداء فريضة الحج.. ماذا قالت؟    الدفاع المدني في غزة: الاحتلال دفن جرحى أحياء في المقابر الجماعية في مستشفى ناصر بخان يونس    "الأهلي ضد مازيمبي ودوريات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    خالد جادالله: الأهلي سيتخطى عقبة مازيمبي واستبعاد طاهر منطقي.. وكريستو هو المسؤول عن استبعاده الدائم    الشروق تكشف قائمة الأهلي لمواجهة مازيمبي    طارق السيد: ملف خالد بوطيب «كارثة داخل الزمالك»    حدثت في فيلم المراكبي، شكوى إنبي بالتتويج بدوري 2003 تفجر قضية كبرى في شهادة ميلاد لاعب    بعد 15 عاما و4 مشاركات في كأس العالم.. موسليرا يعتزل دوليا    رائعة فودين ورأسية دي بروين.. مانشستر سيتي يسحق برايتون ويكثف الضغط على أرسنال    ملف يلا كورة.. تأهل يد الزمالك ووداع الأهلي.. قائمة الأحمر أمام مازيمبي.. وعقوبة رمضان صبحي    عاجل - "التنمية المحلية" تعلن موعد البت في طلبات التصالح على مخالفات البناء    ارتفاع سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 26 أبريل 2024    سرقة أعضاء Live مقابل 5 ملايين جنيه.. تفاصيل مرعبة في جريمة قتل «طفل شبرا الخيمة»    عاجل - الأرصاد تحذر من ظاهرة خطيرة تضرب البلاد.. سقوط أمطار تصل ل السيول في هذا الموعد    مسجل خطر يطلق النار على 4 أشخاص في جلسة صلح على قطعة أرض ب أسيوط    استشاري: رش المخدرات بالكتامين يتلف خلايا المخ والأعصاب    الأقصر.. ضبط عاطل هارب من تنفيذ 35 سنة سجنًا في 19 قضية تبديد    حكايات..«جوناثان» أقدم سلحفاة في العالم وسر فقدانها حاستي الشم والنظر    رئيس الشيوخ العربية: السيسي نجح في تغيير جذري لسيناء بالتنمية الشاملة وانتهاء العزلة    تبدأ اليوم.. تعرف على المواعيد الصيفية لغلق وفتح المحال والمولات    حظك اليوم.. توقعات برج الميزان 26 ابريل 2024    ليلى أحمد زاهر: مسلسل أعلى نسبة مشاهدة نقطة تحوّل في بداية مشواري.. وتلقيت رسائل تهديد    لوحة مفقودة منذ 100 عام تباع ب 30 مليون يورو في مزاد بفيينا    مخرج «السرب»: «أحمد السقا قعد مع ضباط علشان يتعلم مسكة السلاح»    بدرية طلبة عن سعادتها بزواج ابنتها: «قلبي بيحصله حاجات غريبه من الفرحة»    عروض فنية وموسيقى عربية في احتفالية قصور الثقافة بعيد تحرير سيناء (صور)    «تنمية الثروة الحيوانية»: إجراءات الدولة خفضت أسعار الأعلاف بنسبة تخطت 50%    «اللهم بشرى تشبه الغيث وسعادة تملأ القلب».. أفضل دعاء يوم الجمعة    الأغذية العالمي: هناك حاجة لزيادة حجم المساعدات بغزة    سفير تركيا بالقاهرة يهنئ مصر بذكرى تحرير سيناء    خطبة الجمعة لوزارة الأوقاف مكتوبة 26-4-2024 (نص كامل)    طريقة عمل الكبسة السعودي بالدجاج.. طريقة سهلة واقتصادية    الجيل: كلمة الرئيس السيسي طمأنت قلوب المصريين بمستقبل سيناء    مواطنون: التأمين الصحي حقق «طفرة».. الجراحات أسرع والخدمات فندقية    يقتل طفلًا كل دقيقتين.. «الصحة» تُحذر من مرض خطير    عالم أزهري: حب الوطن من الإيمان.. والشهداء أحياء    بالفيديو.. ما الحكم الشرعي حول الأحلام؟.. خالد الجندي يجيب    قبل تطبيق التوقيت الصيفي، وزارة الصحة تنصح بتجنب شرب المنبهات    6 نصائح لوقاية طفلك من حمو النيل.. أبرزها ارتداء ملابس قطنية فضفاضة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دراسة..
نشر في الشعب يوم 24 - 05 - 2008

قيام أى مجتمع منذ فجر التاريخ يعتمد على عنصرين رئيسيين، الأرض والشعب، فالأرض هى الشىء المادى الملموس الذى يسمح بإقامة الحضارة والعيش، أما الشعب فهم الأفراد الذين يرغبون فى العيش سويا على هذه الأرض فى سلام ونظام يوفر للجميع الرفاهية فى الحياة، من خلال سلطة معينة، وهى عبارة عن عدد من أبناء هذا الشعب.
وشذوذا عن هذه القاعدة كان نشوء "الكيان الصهيونى"، فأصحاب ديانة معينة, متفرقون فى جميع بلاد العالم يريدون أن يتجمعوا على أرض لا تخصهم، لإنشاء دولة دينية. لذلك فمبدأ الهجرة إلى أرض فلسطين من كل يهود العالم كان هو الحلم الذى سعى إلى تحقيقه كل زعماء الصهيونية منذ فكروا فى اغتصاب أرض فلسطين، ولكن هذا الحلم الذى نجحوا طوال عقود من الزمان فى تحقيقه، أصبح الآن كابوسا يهدد بقاء الكيان الصهيونى، حيث باتت الهجرة العكسية من إسرائيل إلى كل دول العالم هما يؤرق كل القادة السياسيين، وصناع القرار فى إسرائيل.
لقد حرص زعماء الصهيونية منذ انعقاد مؤتمر الصهيونية الأول فى مدينة "بازل" بسويسرا عام 1897م, على تشجيع الهجرة إلى أرض فلسطين، باعتبارها أرض الميعاد بالنسبة إليهم، وكان تأسيس الوكالة الدولية لليهود باعتبارها الراعية والداعمة الرئيسة لهذه الهجرة، وتحملت هذه الوكالة عبر سنوات طويلة عبء تشجيع وتجهيز، ثم ترحيل اليهود من كل أنحاء العالم إلى فلسطين، وكانت هذه الوكالة تلقى الدعم والمساندة من كل زعماء الصهيونية, نظرا لما تقوم به من أعمال من شأنها إقامة ما أطلقوا عليه "المجتمع الإسرائيلى".
ومما ساعد على نجاح هذه الفكرة ارتباطها بالدين كمقوم أساس لها، فالدعاية التى كانت قائمة عليها فكرة الهجرة هى أنها "هجرة إلى أرض الميعاد"، تحقيقا لنبوءة التوراة.
وساعد على نجاح هذه الهجرات المتواصلة عدة أسباب، لعل أهمها بسط سيطرة الدولة الإسرائيلية الوليدة على الأراضى الفلسطينية التى تحتلها شيئا فشيئا، عبر حروب 1948م و1967م، ثم شعور المهاجر اليهودى بالأمن نتيجة هذه السيطرة، وهذا عنصر مهم جدا فى حياة اليهودى المهاجر، فهو يضع "الأمن" فى مقدمة اهتماماته، ثم يأتى عنصر التقدم التكنولوجى "النسبى" داخل المجتمع الإسرائيلى، وهو ما ساعد كثيرا من يهود العالم الثالث والدول المتخلفة على محاولة اللحاق بهذا الركب بعيدا حتى عن الاعتقادات الدينية.
وتشكل الهجرة لإسرائيل أهم عنصر يساعدها على البقاء، ويعتمد اقتصادها على المهاجرين الجدد, فقد أقامت المستوطنات على شكل حزام أمنى لفصل المناطق الفلسطينية عن المستوطنين، ورغبت المهاجرين الجدد للعيش فيها مقابل سعرزهيد جدا للشقق والمنازل، إضافة إلى حراسة دائمة من قبل جيش الاحتلال.
والتكوينالسكانى فى إسرائيل قائم على خليط من اليهود الذين أتوا من مختلف بقاع العالم، فمنهم يهود الولايات المتحدة وكندا، وهم ينقسمون إلى قسمين: الأول من أتوا بأموالطائلة وهم يحظون بمعاملة جيدة، والقسم الثانى هم المتطرفون اليهود الذين يؤمنون بإسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، وهؤلاء أتوا من دون مال، واستقروا فى مستوطنات بنتها إسرائيل على أراض فلسطينية، وهذه المستوطنات وفقا للقانون الدولى غير مشروعة. وهناك اليهودالشرقيون الذين يعاملون كيهود من الدرجة الثانية، أما اليهود الروس فقد احتاجت إليهم إسرائيل لخفض الفارق الديموجرافى مع الفلسطينيين قدر الإمكان، وشكلوا أحزابا، ولهم من يمثلهم فى الحكومة والبرلمان. لكن غالبية المهاجرين الروس ظلوا يعيشون كأوروبيين, لأن سبب هجرتهم لإسرائيل لم يكن تحقيق حلم بالعيش فى أرض الميعاد، بل كان نتيجة الأوضاعالاقتصادية الصعبة التى كانت سائدة فى الاتحاد السوفيتى السابق. أما اليوم فإن روسيا بدأت تنتعش اقتصاديا, وتخطو خطوات ملموسة لتصبح قوة اقتصادية معتبرة فى أوروباوالعالم. وكثير من اليهود الروس الذين هاجروا سابقا لإسرائيل بدأوا اليوم فى العودة إلى روسيا.
وتشير صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فى أحد تقاريرها عن الهجرة العكسية ليهود الاتحاد السوفيتى السابق فتقول: "إن هؤلاء الذين عادوا فى السنوات العشر الأخيرة بلغوا حوالى 700 ألف يهودى".
وهذه الهجرة العكسية من يهود الاتحاد السوفيتى السابق تعود إلى أن هجرتهم إلى الكيان الصهيونى فى الأساس كانت هجرة "براجماتية"، وليست أيديولوجية أو دينية، وتعتمد على اعتبارات الربح والخسارة، ومعايير الراحة والأمن الشخصى، إلى جانب أنها كانت هجرة قسرية - فى بعض الأحيان - حيث تمت ضغوط من إسرائيل على الدول الأوروبية لمنع فتح أبوابها أمام المهاجرين الروس لدفعهم للهجرة إلى إسرائيل.
ومن الطريف أن نذكر هنا ما قالته صحيفة "فرانكفورتر ألجمانيه" الألمانية فى تقرير لها، حيث قالت: "إن عددا كبيرا من الروس الذين هاجرواإلى إسرائيل فى الماضى, فعلوا ذلك بشهادات مزورة, تقول إنهم من أصل يهودى أو تربطهمصلات بيهود، وغالبيتهم من المسيحيين الذين ظلوا بعد الهجرة يزورون الكنائس وليسالمعابد, كما احتفظوا بلغاتهم وعاداتهم".
الدور البريطانى فى الهجرة اليهودية:
فى عشرينيات القرن الماضى، بدأ يظهر التنافس المتزايد الأمريكى - البريطانى على منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الدول العربية، مما مهد الطريق للحركة الصهيونية للعب دور فى منطقة المتناقضات, والمنافسة بين الإمبراطورية الأمريكية الوليدة، والإمبراطورية البريطانية الآفلة، وكان عام 1923 تحديدا وأثناء الانتداب البريطانى على فلسطين، حينما تم السماح للوكالة اليهودية للهجرة، التى أنشأتها "المنظمة الصهيونية" بالعمل فى فلسطين، تحت زعم "الاستشارة والتعاون مع الإدارة البريطانية"، ولكنها كانت فى الأصل مخصصة لتنظيم هجرة اليهود إلى فلسطين، ولتصبح الأداة الأهم فى نشاط الصهيونية العالمية.
وإلى جانب هذا النشاط السياسى للمنظمة الصهيونية، كان هناك النشاط الصهيونى الإعلامى المتزايد فى كل دول العالم، لمحاولة كسب الرأى العام تجاه مسعاهم، وجذب مزيد من المهاجرين الجدد، وهو النشاط الذى وصل إلى حد أنه كانت تصدر فى 29 بلدا من بلدان العالم المختلفة نحو 99 جريدة ومجلة، تصدر كلها باللغة العبرية، وبلغات البلدان المحلية، وكانت تتلقى الدعم المباشر من "المنظمة الصهيونية العالمية" للمساعدة على الدعاية لزيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
وطبقا للإحصاءات التى نشرت عن مصادر رسمية بريطانية، كان عدد اليهود فى فلسطين حتى عام 1920م حوالى 60 ألف يهودى، ومن عام 1920م حتى 1929م هاجر إلى فلسطين حوالى 100 ألف يهودى، وعلى مدار السنين الخمس التالية هاجر حوالى 91 ألفا، ولكن فى عام 1935م وحده هاجر نحو 62 ألف يهودى.
وأدت هذه الموجات المتتالية من الهجرة اليهودية إلى تغييرات جوهرية فى بنية سكان فلسطين، ففى عام 1922م كان اليهود يشكلون 12.9% من السكان، فى حين ارتفعت هذه النسبة إلى 18% عام 1931م، لكن وصولا إلى عام 1936م ازدادت حتى وصلت إلى 30%، وحينما صدر قرار تقسيم فلسطين عام 1947م كانت نسبة اليهود فى فلسطين 31.7% من السكان.
وظلت هذه النسبة فى ارتفاع بعد قيام الكيان الصهيونى، بالدعم من "الاستعمار القديم" ممثلا فى بريطانيا ومعظم دول أوروبا، و"الاستعمار الجديد" ممثلا فى الولايات المتحدة الأمريكية، التى لم تتوان فى دعم الوكالة اليهودية والكيان الصهيونى ذاته، من أجل تغيير التركيبة السكانية فى الأراضى المحتلة لصالح اليهود.
واستمرت الحال هكذا، عاما بعد عام، وكلما انتصر الكيان الصهيونى فى حرب من الحروب التى دارت بينه وبين العرب كانت تزداد موجات الهجرة إليه، خاصة مع وجود الرغبة الأوروبية فى إنهاء مشاكل المجتمعات الأوروبية مع اليهود، عبر ترحيلهم إلى فلسطين، تحت زعم مساعدتهم على تحقيق نبوءة التوراة، ولكنه فى الأصل كان محاولة لإنهاء المشاكل التى يسببها اليهود فى تلك الدول، أو لمحاولة التخلص من العقدة التى تسببوا فيها للألمان فى الحرب العالمية الثانية.
وكانت سنوات الذروة للهجرة اليهودية إلى فلسطين هى عقد التسعينيات من القرن العشرين، وتحديدا عام 1990م، عندما هاجر إليها ما يربو على 200 ألف يهودى.
يهود الفلاشا:
يرتبط تاريخ الفلاشا فى الذاكرتين العربية والفلسطينية بمنتصف الثمانينيات، عندما غزوا الأرض الفلسطينية عبر جسور الشحن الجوى التى أقيمت بين تل أبيب وأديس أبابا عبر جنوب السودان، ومن خلال التسهيلات التى قدمها نظام الرئيس السودانى السابق "جعفر النميرى" لإتمام عمليات الشحن الجوى لأعداد كبيرة من الفلاشا، الذين حطوا فى القدس الغربية والأراضى الفلسطينية، حيث ساهم "جعفر النميرى" فى إتمام أول عملية تهجير للآلاف من الفلاشا، أطلق عليها اسم "عملية موسى", وذلك فى عام 1984م.
وقد واجه يهود الفلاشا كثيرا من مظاهر العداء داخل المجتمع اليهودى العلمانى؛ مثل رفض إسكانهم فى مناطق معينة، ورفض قبولهم للعمل فى وظائف النخبة، كما أن يهود الفلاشا ذهلوا من علمانية المجتمع الإسرائيلى، ورفض غالبية أبناء المجتمع تطبيق الشعائر اليهودية بالرغم من أن الدولة يهودية بالأساس.
وحول الأسباب التى تدفع يهود الفلاشا إلى الهجرة العكسية، أشار تقرير إسرائيلى إلى أن معظم أفراد الفلاشا يعانون من الذلة المتزايدة، والوحدة القاتلة،ورفض رؤساء سبع مستوطنات يهودية استيعاب الفلاشا بداخلها، وصعوبة الحصول على سكن ملائم، كما فقد كهنة الطائفة الفلاشية وضعهم وصلاحيتهم منذ أن هاجروا إلى إسرائيل بسبب عدم الاعتراف بسلطتهم وصلاحياتهم، وبسبب اهتزاز أوضاعهمومكانتهم.
وأضاف التقرير: "أن فقدان ثقة الفلاشا بالمجتمع المحيط أصابهم بإحباطنفسى شديد، وما زال الفلاشى بعد هذه السنوات يشعر بالتنكر له، وعدم الاعتراف به منقبل اليهود الآخرين، والأفراد والسلطات، وخاصة تصرفات الحاخامات تجاههم"، ويتعمد الإسرائيليون استخدام لفظ "الكوش"، وهى كلمة تعنى "العبيد"، فى التعامل مع الفلاشا، ممايزيد من عمق الهوة الفاصلة بين السادة الإسرائيليين والعبيد الإثيوبيين.
وفى هذا الإطار قال رئيس جمعية اليهود القادمين من إثيوبيا: "لقدأتينا إلى بلاد السمن والعسل لكى نشارك بقية أبناء الشعب اليهودى بناء المشروعالصهيونى الكبير، لكننا فوجئنا بأن أحدا لا يريدنا هنا". وأكد "أن اليهود الإثيوبيين يتعرضون لتمييز عنصرى واضح من قبل المؤسسات الرسمية وعامة الإسرائيليين. قائلا: إنهم "يتعاملون معنا باستعلاء لأننا شرقيون ولأننا سود البشرة".
وأشار إلى ازدياد ظاهرة الانتحار فى صفوف اليهود الإثيوبيين، خاصة الانتحار الجماعى، وأرجع هذه الظاهرة إلى انعدام قدرة اليهودالإثيوبيين على الاندماج فى المجتمع الإسرائيلى.
ولذلك تزايدت الهجرة العكسية بين صفوف هؤلاء المهاجرين، حيث لم يجدوا ما وُعِدوا به من الدولة اليهودية.
اليهود الأمريكيون:
وإذا نظرنا إلى جانب آخر، وهو الجانب الداعم لدولة إسرائيل، ماليا وإعلاميا وسياسيا، وهو المتمثل فى يهود الولايات المتحدة الأمريكية، نجد أن هناك اتساعا فى الفجوة بينهم وبين هذه الدولة، فقد نشرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية الصادرة بالإنجليزية مقالا يوم 11/8/2006 تحت عنوان "قادة اليهود الأمريكيون يحذرون من خطورة تناقص عدد اليهود الأمريكيين"، جاء فيه أن هؤلاء قد لا يتمكنون من المحافظة على عددهم فى القرن الواحد والعشرين إذا لم يبذلوا جهودا جبارة لتعزيز شعورهم بهويتهم الجماعية. وأشارت الصحيفة إلى انعقاد مؤتمر شارك فيه 1200 من الأساتذة اليهود المختصين بالتعليم اليهودى من الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، قبل أيام على ذلك، لبحث السبل المناسبة لوقف تناقص الانتماء للهوية اليهودية لدى اليهود الأمريكيين الذين تتقلص أعدادهم باستمرار بسبب مجموعة من العوامل أبرزها: الزواج المختلط من غير اليهوديات (تتجاوز النسبة 54% وفق التقارير اليهودية الأمريكية)، وعدم الاكتراث بأهمية ممارسة التقاليد اليهودية. وقد تكرس هذا الاستخلاص عبر دراسة نشرها مؤخرا "ستيفان كوهين" و"آرى كلمان"، وهما أخصائيان اجتماعيان، وأظهرت أن اليهود الأمريكيين الشباب تحت سن الخامسة والثلاثين لا يكنون لإسرائيل محبة كبيرة، وأن هذه الدولة تعقد حياتهم الاجتماعية, وتعكر صفو هويتهم السياسية.
وإلى جانب ذلك فقد عقد فى إسرائيل - يوليو 2006م - مؤتمر تحت اسم "مستقبل الشعب اليهودى" جرى فيه تسليط الضوء على واقع اليهود فى العالم، والتهديدات التى تواجههم، ووفقا لورقة العمل التى أعدها "سيرجيو فرغولا" و"حاييم فاكسمان" للمؤتمر تحت اسم "هوية تضامن وديموجرافيا"، فإن 28% فقط من يهود الولايات المتحدة يعتبرون أنفسهم "صهاينة"، فيما أن 15% فقط يشعرون بأنهم قريبون من إسرائيل، مقابل 44% يشعرون بأنهم بعيدون عنها.
انقلاب الموازين:
وبطبيعة الحال لم يكن المجتمع الإسرائيلى الوليد هو المدينة الفاضلة بالنسبة لليهود، فكان كثير من المهاجرين يعودون إلى مواطنهم الأصلية، إما اعتراضا على السياسات، أو لأن المهاجر لم يجد ما كان يتمنى الحصول عليه من احتياجات وملذات مادية، أو خوفا على حياته حيث لم يتحقق الأمن الذى تم وعده به، ولكن هذه الهجرة العكسية كانت قليلة، وربما لا تذكر بالمقارنة مع الهجرات الأساسية القادمة إلى إسرائيل، غير أن الاستقرار النسبى فى معدلات الهجرة إلى إسرائيل بدأ فى الفترة الأخيرة فى الاهتزاز، وخاصة مع مطلع الألفية الجديدة، حيث يمكن القول إن الهجرة من إسرائيل أصبحت ظاهرة تمثل خطرا حقيقيا على الكيان الصهيونى، مما دفع إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق إلى أن يصف المهاجرين من إسرائيل بأنهم "أحقر أنواع الطفيليات"، كما اقترح "بنيامين نتنياهو" رئيس حزب الليكود فرض غرامات على الإسرائيليين عن كل يوم يقضونه خارج إسرائيل، بل وحرمان كل من يقضى سنتين أو أكثر من أية مساعدة حكومية.
ومنذ المحاولات الأولى لهجرة اليهود إلى فلسطين، ثم قيام الكيان الصهيونى، لم تشهد هذه الهجرات المتوالية، هجرة عكسية بأعداد متزايدة إلا فى ثلاث مراحل، الأولى عام 1973م وما بعده، حيث شهد هذا العام انتصار مصر والعرب فى حربهم ضد الكيان الصهيونى، وهو ما جعل الإسرائيلى يشعر للمرة الأولى بعدم الأمان، ثم كانت المرحلة الثانية عام 1982م وما بعده، فى أعقاب الغزو الإسرائيلى للبنان، حيث ظهر أيضا عامل عدم وجود الأمن، إلى جانب أن هذه الفترة كانت تشهد ركودا اقتصاديا شديدا داخل إسرائيل، ثم كانت المرحلة الثالثة مع بدايات القرن الحادى والعشرين، والتى ظلت تتصاعد ولم تتوقف - عكس المرحلتين السابقتين - حتى وصلت ذروتها فى عام 2007م.
وفى بحث علمى شامل حول هجرة الإسرائيليين إلى الخارج، أعده مركز "شليم" الإسرائيلى، اتضح أن عدد المهاجرين الإسرائيليين فى الخارج يتراوح بين 600 ألف إلى 750 ألفا، وأن غالبية المهاجرين يذهبون إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأوروبا الغربية، أو يعودون إلى أوطانهم الأصلية مثل يهود روسيا، وأن غالبية المهاجرين من المتعلمين، والأكاديميين، والخبراء التكنولوجيين. لقد كان بين الذين هاجروا فى الفترة من 1995م إلى 2002م حاملى شهادة الماجستير, وكان عددهم ضعف المهاجرين الحاصلين على شهادة البكالوريوس، وأكثر بثلاث مرات من الذين لم يدرسوا دراسة جامعية، وبشكل عام كانت نسبة الهجرة العكسية فيما بين 2002م و2004م حوالى 19 ألف إسرائيلى، بينما فى عام 2005م وحده هاجر حوالى 25 ألف إسرائيلى.
وأشار البحث المذكور إلى أن عددا كبيرا من الذين هاجروا إلى إسرائيل، بدأوا فى العودة مرة أخرى إلى أوطانهم الأصلية بسبب تحسن الوضع الاقتصادى هناك، وزيادة فرص العمل، حدث هذا فى نفس الوقت الذى كانوا يلاقون فيه مصاعب فى إسرائيل متمثلة فى الضرائب العالية، وإغلاق الطريق أمام الأكاديميين الشبان للعمل المناسب، إلى جانب افتقاد الأمن الذى كانوا يحلمون به قبل هجرتهم إلى إسرائيل.
وجاء فى نفس البحث أن هناك اتجاها متزايدا فى السنوات الأخيرة لذهاب الطلاب الإسرائيليين للدراسة الجامعية فى الدول الغربية, وعدم العودة مرة أخرى، ففى الولايات المتحدة وحدها هناك أكثر من 3600 طالب وطالبة من إسرائيل، ونسبة كبيرة من هؤلاء ستظل فى الولايات المتحدة بعد إكمال تعليمها، ولن تعود إلى إسرائيل مرة أخرى.
وفى التقرير السنوى لعام 2006م الذى أصدرته دائرة الإحصاء المركزية فى إسرائيل، وهو تقرير يهتم برصد حالة السكان سنويا والهجرة من إسرائيل وإليها، قال التقرير: "إن الميزان الديموجرافى أصبح سلبيا للمرة الأولى منذ مطلع الثمانينيات"، وأوضح التقرير أن المهاجرين إلى إسرائيل عام 2005م كان حوالى 21 ألفا، أما فى عام 2006م فكان العدد حوالى 19 ألفا فقط.
وتوقع التقرير أنه فى حال استمرار الحال على ما هى عليه، من الهجرة والهجرة العكسية، فإن أعداد الهجرة العكسية سوف تتجاوز الهجرة إلى إسرائيل بحوالى 5 آلاف شخص.
النظرة العنصرية للصهاينة:
فى الوقت الذى يسير فيه المجتمع الإسرائيلى نحو التدين واليمينية، يشعر العلمانيون من ذوى الخلفية الشيوعية بأنهم يعيشون فى بيئة غير التى اعتادوا عليها، ويطبق المتدينون اليهود مفهوم المواطن والوافد، ويفرقون بين اليهودى الشرقى واليهودى الغربى، ويحاولون فرض آرائهم المتطرفة على الآخرين، مما يعزز الشرخ العنصرى والفكرى والسياسى والدينى، وهذا أمر لا يحتمله بعض من هاجر إلى إسرائيل، فيدفعه إلى العودة من حيث أتى، والهجرة من إسرائيل بشكل نهائى.
وكانت صحيفة "معاريف" قد نشرت نتائج استطلاع للرأى أظهر أن نصف العلمانيين فى إسرائيل يفكرون بشكل أو بآخر فى الهجرة من إسرائيل، وأشار الاستطلاع إلى أن واحدا من كل اثنين من الإسرائيليين العلمانيين يفكر فى الهجرة من إسرائيل، أو يعرف أشخاصا يفكرون في الهجرة. وقد أعد استطلاع المجلس الصهيونى فى إسرائيل, وحسب هذا الاستطلاع فإن 40% من الإسرائيليين ردوا بالإيجاب على سؤال عما إذا كانوا قد فكروا فى الهجرة من إسرائيل أو يعرفون شخصا فكر فى الهجرة، ورد 60% بالسلب على هذا السؤال.
ويشير الاستطلاع إلى أن نسبة من فكروا فى الهجرة هى أعلى فى صفوف اليساريين منها فى صفوف مؤيدى اليمين، إذ قال 47% ممن يصنفون أنفسهم يساريين أو علمانيين إنهم فكروا فى الهجرة، فيما قال 36% من رجال اليمين إنهم فكروا فى ذلك، وتطرق الاستطلاع كذلك إلى "نوعية" دولة إسرائيل كما يريدها الإسرائيليون، وما إذا كانوا يفضلون إسرائيل كدولة لجميع مواطنيها, أم كدولة الشعب اليهودى، فقال 39% بوجوب أن تكون إسرائيل دولة لجميع مواطنيها، مقابل 57% يرون فيها دولة الشعب اليهودى.
الدور السلبى للقادة الإسرائيليين:
لا يمكن الحديث عن الهجرة العكسية من إسرائيل من دون النظر إلى دور القيادة السياسية فى هذا الكيان، فى دفع الأمر سلبا أو إيجابا، ففى الماضى كان دور القادة الصهاينة كبيرا فى دفع عجلة الهجرة إلى إسرائيل، وساعدتهم الظروف الدولية والإقليمية، غير أن تغير الظرف السياسى جعل لهؤلاء القادة دورا سلبيا فى هذا الأمر، ورأينا كيف فشل مشروع شارون الديموجرافى وغيره من المشاريع، وذلك لأسباب أخرى؛ حيث ربطت أوساط إسرائيلية هذه الزيادة فى حالات الهجرة العكسية، بحالات الفساد المتزايدة فى أوساط النخب السياسية الحاكمة فى إسرائيل، ابتداء من رئيس دولة ووزير عدل سابقين متورطين فى فضائح جنسية، إلى رئيس حكومة وطاقم مكتبه متهمين بقضايا سرقة واختلاس ومحسوبيات، بالإضافة إلى وزير المالية الذى اضطر إلى ترك منصبه إلى حين الانتهاء من التحقيقات الجارية معه بتهمة التلاعب بالأموال العامة وبالسرقة.
وفى سياق متصل نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيليةفى عددها الصادر 20/4/2007م استطلاعا للرأى أجراه معهد "تلى سيكر" بمناسبة مرور ستين عاما على إقامة دولة إسرائيل، أظهر أن نحو 26% من الإسرائيليين لديهم الرغبة فى الهجرة من إسرائيل إلى الولايات المتحدة أو أى من دول الاتحاد الأوروبى خلال السنوات الأخيرة، وذلك بسبب تردى الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وجاء فى الاستطلاع الذى شارك فيه نحو 5 آلاف إسرائيلى، أن 96% من المستطلعة آراؤهم غير راضين بالمرة عن القيادة السياسية فى إسرائيل.
وأكد القائمون على الاستطلاع أنالنتائج النهائية أكدت تنامى القلق لدى الشباب الإسرائيلى أكثر من كبار السن، حيث أعرب نحو 50% منهم عن رغبته فى الهجرة.
وكشف الاستطلاع عن تنامى قلقالإسرائيليين من تراجع مستوى التعليم، فيما أعرب 27% من الإسرائيليين عن تراجعالأوضاع السياسية، وقال 16% إن هناك رعبا لديهم من تردى الأوضاع الأمنية فى إسرائيل.
وأضاف الاستطلاع أن 14% من الإسرائيليين أكدوا أن هناك انحطاطا فى المستوى الاجتماعى، وقال 10% إن الأوضاع الاقتصادية صعبة للغاية، بل هى الأسوأ منذ إقامة إسرائيل عام 1948م، وأرجعت الخبيرة الإسرائيلية "عليزة شنهار" مديرة كلية "عميق يزراعيل" التى أجرت الاستطلاع، أسباب رغبةالإسرائيليين فى مغادرة إسرائيل إلى تنامى الأزمة بين القيادة السياسية فى إسرائيل وبين الشعب، وقالت إن ما يقلقها هو رغبة نحو 50% من الشباب الإسرائيلى فى الهجرةللخارج، مؤكدة أن ذلك يعد بمثابة جرس إنذار لصناع القرار بسرعة التحرك قبل أن يشرعالشباب فى ترك إسرائيل والهجرة منها.
ولقد أصبحت الهجرة من إسرائيل عاملا مؤلما، تتزايد مناقشته لدى الكثير من الإسرائيليين المدفوعين بعامل الخوف من الوضع الأمنى واستمرار الانتفاضة والعمليات الاستشهادية، أو القلق من الأزمة الاقتصادية السائدة، ويعبر الكثير من الإسرائيليين عن أنهم استنفذوا وأنهكوا وأصيبوا بخيبة أمل كبيرة من جراء العمليات العسكرية المتكررة، وغياب الآفاق السياسية، أو من النتائج الاقتصادية للانتفاضة وحرب لبنان، وخصوصا معدل البطالة الذى ارتفع عن أى وقت مضى.
ويقول أحد علماء الاجتماع الإسرائيليين: "يبقى هذا الأمر فى الوقت الحاضر ظاهرة نفسية بصورة أساسية لأن مغادرة البلد تتطلب وقتا ومالا، لكن هناك مؤشرات بسيطة مثل العدد المتزايد من الشبان الذين بلغوا سن تأدية الخدمة العسكرية ويهاجرون إلى الخارج".
تقرير الكنيست:
ونظرا لخطورة الهجرة العكسية على مستقبل الكيان الصهيونى، عقد الكنيست الإسرائيلى جلسة خاصة فى 7 أكتوبر 2006م، استعرضت فيها "لجنة الهجرة والاستيعاب والشتات" عدة إحصاءات عن الهجرة العكسية تؤكد أن عدد المهاجرين الإسرائيليين من أصول أوروبية شرقية هو خمسة أضعاف المهاجرين الإسرائيليين الآخرين.
وكان مما لفت الانتباه فى هذه الإحصاءات أن المهاجرين هم أساسا من فئة الشباب (25-42 سنة) وغالبيتهم العظمى من حملة الشهادات الجامعية، وأن الأسباب الرئيسة لهجرتهم، بالإضافة إلى الاعتبار الأمنى وتدهور الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة وعنصرية واستكبار المتدينين، هى رغبة الطلبة والباحثين فى متابعة دراستهم فى الخارج, حيث الظروف أفضل مما هى عليه فى إسرائيل، وأن العديد من الطلبة الذين يتخرجون من الجامعات الأجنبية ويعودون إلى إسرائيل لا يندمجون فى الثقافة الإسرائيلية، ويفضلون العودة إلى الدول التى اعتادوا على ثقافتها وأنظمتها، سواء الاجتماعية أو المالية.
وعلى الرغم من أن هناك تعتيما على الهجرة العكسية، إلا أن "الوكالة اليهودية" اعترفت - ضمنا - بأن الهجرة من إسرائيل مستمرة، حيث قالت فى تقرير صدر فى (الأول من يناير 2007م): إن نسبة اليهود الذين يهاجرون سنويا إلى إسرائيل من أنحاء العالم قد انخفضت بعد العدوان على لبنان عام 2006م بشكل يثير الانتباه والقلق، وحسب هذا التقرير وصل مستوى ذلك الانخفاض إلى درجة لم يكن لها مثيل خلال الثماني عشرة سنة الأخيرة. كما أن صحيفة "هآرتس" نشرت فى (7 يناير 2007م) دراسة قام بها "مركز شالوم" فى القدس، أكدت أن "العقول المفكرة والخبراء والباحثين يفرون إلى خارج البلاد"، وأن إسرائيل أصبحت "الدولة رقم واحد فى تصدير العقول إلى الولايات المتحدة قياسا بالنسبة السكانية"، وقال البروفيسور "عومر مؤاف" الذى أشرف على هذه الدراسة: "إنه من الخطأ قبول الاصطلاح الشائع بأن هذه العقول تسافر إلى الولايات المتحدة لمدة سنتين أو ثلاث سنوات ثم تعود، الواقع أن الأغلبية الساحقة من هذه العقول تبقى خارج البلاد".
كما أشارت الأرقام التى وردت فى هذه الدراسة إلى أن 96% من العقول المهاجرة قد بقيت فى الخارج، وأن نسبة الهجرة هذه قد زادت فى أعقاب عدوان يوليو 2006م على لبنان، بل إن أبناء عدد من كبار المسئولين الحاليين والسابقين قد استقروا نهائيا خارج إسرائيل، وعلى رأسهم: ابن ناتان فلناى، أحد قادة حزب أفودا ووزير العلوم والثقافة والرياضة السابق، وكذلك ابن رئيس بلدية تل أبيب السابق رونى ميللو، وأيضا ابن الوزير دان ميريدور، وكذلك ابن رئيس الوزراء الحالى إيهود أولمرت، إضافة إلى ابن الوزير السابق بنيامين بن أليعازر، وحفيد إسحاق رابين، ناهيك عن ابن إيهود باراك.
الزواج من غير اليهوديات:
وقد أكدت الدراسات اليهودية العديدة انخفاض أعداد اليهود فى العالم، وأرجعت ذلك إلى ميل نسبة كبيرة من الشباب اليهودى إلى الزواج من غير اليهوديات، وانخفاض معدل المواليد فى التجمعات اليهودية فى العالم. وحسب إحدى الدراسات، فإن إجمالى عدد اليهود فى العالم انخفض من 21 مليونا عام 1970م، إلى 11 مليونا و800 ألف نسمة فى 2007م([1]).
كذلك لفتت هذه الدراسة النظر إلى أن عدد اليهود فى أوروبا وحدها قد انخفض منذ مطلع السبعينيات من القرن الماضى بمعدل عشرة أضعاف، مشيرة إلى أن عددهم انخفض من 11 مليونا و331 ألف نسمة عام 1970م، إلى مليون و155 ألفا عام 2007م. فيما حذرت دراسة أخرى من أن عدد اليهود فى العالم سيواصل الانخفاض، وحسب مدير عام "مركز تخطيط سياسات الشعب اليهودى" "نحمان شاى" فإن "نحو 50 يهوديا فى الولايات المتحدة يتحولون عن اليهودية يوميا".
وفى مقابلة أجراها معه التلفزيون الإسرائيلى، شدد "شاى" على أن "الوجود اليهودى فى الولايات المتحدة يتعرض لخطر كبير، بسبب حالات التحول الواسعة من الديانة اليهودية إلى الديانات الأخرى"، معتبرا أن أكبر خطر يواجه اليهود فى الولايات المتحدة هو الزيجات المختلطة (بين اليهود وأصحاب الديانات الأخرى)، وذوبان اليهود فى المجتمع الأمريكى، ومحذرا من أن دولة إسرائيل ستكون أكبر خاسر من هذا الواقع لكونها تعتمد - بشكل كبير - على دور المنظمات اليهودية فى الضغط على إدارة الرئيس الأمريكى والكونجرس من أجل الاستجابة للمطالب الإسرائيلية([2]).
ووفقا لتقرير "حال الشعب اليهودى" الذى نشر عن عام 2004م، والذى يصدر عن "معهد تخطيط سياسات الشعب اليهودى"، وهو هيئة أنشأتها "الوكالة اليهودية"، فإن نسبة الزواج المختلط بين اليهود وأصحاب الديانات الأخرى قد زادت، مما ينبئ باضمحلال "نقاء العنصر اليهودى" فى العالم، وقد سجلت أعلى نسبة للزواج المختلطلليهود فى روسيا وأوكرانيا حيث بلغت 80%، وفى ألمانيا والمجر 60%، والولايات المتحدة 54%، وفرنسا وبريطانيا والأرجنتين 45%، وكندا 35%، وأستراليا 22%، وجنوب إفريقيا 20%، والمكسيك 10%([3]).
مشروع شارون الديموجرافى:
فى عام 2001م أعلن "آرئيل شارون" ما سماه "المشروع الديموجرافى الطموح"، الذى يسعى إلى جلب مليون مهاجر يهودى جديد على مدى السنوات العشر بين عامى 2002 - 2012م، ورغم كل الجهود المبذولة، والاعتمادات المالية لإنجاح هذا المشروع, إلا أنه لم يثمر على أرض الواقع شيئا، أو - بتعبير أدق - لم تكن النتائج متوافقة مع الآمال والجهود المبذولة من فرق العمل واللجان الرسمية، التى بدأت تنشط فى أوساط الجاليات اليهودية التى رشحها مشروع شارون لتكون بمثابة الروافد التى ستزود إسرائيل بالمهاجرين الجدد، وهى الجاليات اليهودية الموجودة فى أمريكا اللاتينية، وخاصة فى الأرجنتين التى تقدر ب200 ألف يهودى، ثم الجالية اليهودية فى فرنسا التى تقدر ب500 ألف يهودى، والتى كان من المتوقع أن تزيد منها الهجرة بفعل ظاهرة معاداة السامية فى فرنسا، والتى ضخمتها إسرائيل، وعملت على إبرازها، ثم الجالية اليهودية فى جنوب إفريقيا التى تقدر بنحو 80 ألف يهودى.
وحينما بدأ هذا المشروع كان المتوقع له هجرة ما يقدر بنحو 80 - 100 ألف يهودى سنويا إلى إسرائيل، غير أن هذه النسبة لم تتحقق، فطبقا لتقرير للوكالة اليهودية انخفضت الهجرة إلى إسرائيل بعد تنفيذ هذا المشروع، فقد سجلت انخفاضا خلال سنوات 2002 - 2004 بنحو 27% عن العام السابق (2001م)، ثم ازداد الانخفاض بعد ذلك سنويا بين 10 إلى 15%، وهو ما يعنى فشل مشروع شارون الديموجرافى.
المعادل الديموجرافى الفلسطينى:
أحد أهم الرهانات الصهيونية على إقامة مئات المستوطنات فى أرجاء الضفة الغربية وقطاع غزة هو العمل على مواجهة الخطر الديموجرافى الفلسطينى، حيث إن أرباب المشروع الاستيطانى ظلوا يعتقدون أن إقامة المستوطنات اليهودية فى الضفة الغربية وما تبتلعه من أراض فلسطينية، وما تستحوذ عليه من مصادر مياه، وما سينجم عنه من تقليص الزراعة الفلسطينية، وما يترتب عليه من انهيار صناعات محلية تعيش عليها عشرات الآلاف من الأسر الفلسطينية، كل ذلك سيضعف إلى حد كبير مقومات بقاء الفلسطينى على أرضه، فتتصاعد معدلات الهجرة الفلسطينية إلى مواقع الشتات. لكن هذا الرهان لم يفشل فحسب، بل حدث العكس تماما, فقد أدت الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى إلى إضعاف توجهات اليهود للاستيطان فى الأراضى الفلسطينية.
ومما يخشى منه داخل الكيان الصهيونى بسبب الهجرة العكسية، أن تتحول هذه الهجرة إلى تحقيق معادل ديموجرافى فلسطينى، وصولا إلى التفوق العددى الذى سعى الكيان الصهيونى منذ إنشائه إلى ألا يتجاوز حدا معينا.
وطبقا للتوقعات الإسرائيلية، فإن قلة الهجرة إلى إسرائيل، وازدياد الهجرة العكسية منها, فى ظل انخفاض معدلات التكاثر الطبيعى لدى اليهود مقارنا بالفلسطينيين، فإن ذلك سيؤدى إلى انخفاض نسبة النمو السكانى ليهود إسرائيل إلى أقل من 1%، وهو الأمر الذى سيؤدى إلى الزحف الديموجرافى الفلسطينى، وإلى فقدان إسرائيل صفتها كدولة صهيونية ذات أكثرية يهودية، خاصة إذا علمنا أن 51% من العائلات الإسرائيلية لا يزيد عدد أفرادها عن اثنين.
وفى تقرير عرضه رئيس مجلس الأمن القومى فى إسرائيل "عوزى دايان" أمام "لجنة الخارجية والأمن" فى الكنيست الإسرائيلى، قال: "إن هناك توقعات ديموجرافية تشير إلى أنه بعد نحو 20 عاما لن تكون هناك أغلبية يهودية فى إسرائيل"، وحسب المعطيات التى عرضها دايان فإن "خمسة ملايين يهودى يعيشون حاليا بين البحر والنهر، بينما سيعيش فى نفس المنطقة والأرض 15 مليون شخص، يشكل اليهود منهم 45% فقط".
وهذا التطور الأخير أكدته دراسة أعدها البروفيسور "أرنون سوفر" من جامعة حيفا، وأشار فيها إلى أن الوضع السكانى بين اليهود والعرب يقترب بسرعة من حالة التعادل, إذ مقابل خمسة ملايين يهودى يوجد الآن 1.2 مليون فلسطينى من عرب 1948م، إضافة إلى 1.2 مليون فلسطينى فى قطاع غزة، و2.8 مليون فى الضفة الغربية.
ويعتقد البروفيسور "سوفر" أن عدد اليهود سيصل فى عام 2020م إلى 6.5 مليون نسمة تقريبا على افتراض ارتفاع الهجرة إلى إسرائيل بحجم 50 ألف يهودى فى العام، علاوة على التكاثر الطبيعى القائم فى إسرائيل حاليا، أما على الجانب الفلسطينى فسوف يكون عدد السكان 2.1 مليون عربى داخل حدود 1948م، و2.5 مليون فلسطينى فى قطاع غزة، و3.3 مليون فلسطينى فى الضفة الغربية. وبالإجمال سيكون هناك ثمانية ملايين فلسطينى وأكثر فى المنطقة الواقعة بين البحر والنهر، مقابل 6.5 مليون إسرائيلى فقط فى عام 2020م، وحبل التزايد الفلسطينى على الجرار.
وفضلا عما سبق فإن ما يقلق الإسرائيليين هو النمو السريع لعرب 1948 داخل إسرائيل، خاصة فى مدينة القدس التى تعتبرها إسرائيل عاصمة أبدية لها، ووفق تقرير نشرته "مؤسسة القدس للدراسات الإسرائيلية" فى مايو 2007م فإن عدد سكان القدس من العرب شهد نموا يبلغ ضعفى نمو عدد السكان اليهود خلال العقد الأخير.
وبحسب التوقعات إذا استمر الوضع الحالى سيشكل اليهود بحلول عام 2020م نسبة 60% من سكان القدس فى مقابل 66% حاليا، فى حين أن نسبة العرب ستقفز إلى 40% فى مقابل 34% حاليا.
ويبلغ عدد سكان القدس حاليا 720 ألف نسمة، ويشمل هذا العدد القسم الشرقى من المدينة التى احتلتها إسرائيل وضمتها عام 1967م، فضلا عن الأحياء التى بناها الكيان الصهيونى فى هذا القسم من المدينة.
ومنذ أربعة عقود زاد عدد السكان العرب بنسبة كبيرة، وانتقل عددهم من 68 ألفا إلى 254 ألفا حاليا، فى حين أن عدد السكان اليهود زاد بنسبة أقل، وانتقل عددهم من 200 ألف إلى 475 ألفا، وبلغ نمو الولادات فى صفوف الفلسطينيين خلال العقد الأخير من 3 إلى 4% أى ضعف النسبة عند اليهود، وفى حال استمرار هذا الوضع سيشكل الفلسطينيون نسبة 50% عام 2035م طبقا لما جاء فى التقرير.
وبالطبع تثير هذه الإحصائيات قلقا وحيرة لدى النخب الإسرائيلية التى ترغب في الحفاظ على إسرائيل كدولة ذات طابع يهودى صرف، والانفصال عن مناطق ذات كثافة سكانية عربية عالية.
حرب لبنان والانتفاضة والهجرة العكسية:
رغم أن الدراسات الإسرائيلية الرسمية تقلل من أهمية عامل الخوف كسبب رئيس للهجرة العكسية من إسرائيل، إلا أن ذلك يبدو واضحا، خاصة بعد الحرب الأخيرة على لبنان، والهزيمة التى تلقتها القوات الإسرائيلية التى فشلت فى تحقيق أهداف الحرب.
وظاهرة الهجرة العكسية فى مرحلتها الأخيرة كانت متزامنة مع تصاعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وحسب تصريح لمدير وحدة الهجرة والاستيعاب فى مركز الحكم المحلى فى إسرائيل "ميخائيل جنكر"، فإن الحرب الأخيرة على لبنان زادت عدد الراغبين فى الهجرة من إسرائيل، ويقول "جنكر": "إن من أسباب ذلك ارتفاع حالات الضغط والتوتر وسط الجمهور الإسرائيلى، خاصة بين أوساط القادمين الجدد، خاصة أن الحرب أدت إلى زيادة الشعور بانعدام الأمن الشخصى والعام، وإلى خيبة أمل قوية من كيفية تصرف الدولة على الصعيدين السياسى والعسكرى".
وفى سياق آخر نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، أثناء حرب لبنان، "أن مئات المهاجرين اليهود إلى إسرائيل، من جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق، والذين يقيمون فى شمال إسرائيل, يعدون لهجرة "عكسية" ومغادرة إسرائيل فى أعقاب الحرب، لعدم إيمانهم بأن الهدوء سيسود المنطقة فى المستقبل القريب، وأضافت الصحيفة أن عددا كبيرا منهم توجه إلى سفارتى كندا والولايات المتحدة فى تل أبيب للبحث فى إمكانيات الهجرة إلى هذه الدول، فيما اعتزم آخرون العودة إلى مسقط رأسهم.
ونقلت الصحيفة عن أحد المهاجرين قوله: "إنه قرر المغادرة لعدم ثقته بالقيادة السياسية فى إسرائيل فى ضوء أدائها في الحرب على لبنان"، وقالت الصحيفة أيضا: إن بين طالبى الهجرة العكسية مهاجرين قدامى وليسوا من الجدد فحسب.
وأكد مدير وحدة الهجرة والاستيعاب فى مركز الحكم المحلى أن مهاجرين من الروس يتحدثون بجدية عن نيتهم مغادرة إسرائيل.
وقال أحدهم للصحيفة: إن الحرب على لبنان "كانت القشة التى قصمت ظهرى.. وعلى رغم حبى للدولة وحقيقة أننى خدمت فى الجيش الإسرائيلى، إلا أننى خائب الأمل من أداء الحكومة، كما أننى لا أرى أن الهدوء سيسود المنطقة، وأكثر من ذلك كنا - نحن المدنيين - فى الشمال بمثابة حائط بشرى، وعانينا من دون أن تحاول الحكومة مساعدتنا".
وأكدت المتحدثة باسم السفارة الكندية فى تل أبيب أنه منذ بدء الحرب تضاعف عدد طالبى تأشيرات الدخول إلى كندا خمس مرات.
كما تعتبر الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ سنوات، وما أفرزته من نتائج على أرض الواقع، سببا مباشرا لهجرة الإسرائيليين، ودفع الآخرين للتفكير بشكل جدى في ذلك، فقد زرعت الانتفاضة وما يرافقها من عمليات عسكرية - تحدث بين الحين والآخر - الخوف فى نفوس الصهاينة، وجاءت عمليات القصف الصاروخى للمستوطنات لتزيد هذا الخوف، إذ شعر المستوطنون بأنهم مستهدفون حتى فى ملاجئهم، علما بأن فكرة إقامة دولة إسرائيل جاءت أساسا لحماية اليهود، ومن ثم فإن عجز الحكومة الإسرائيلية عن حماية مواطنيها أجبر بعضهم على البحث عن مكان أكثر أمنا.
ملمح قرآنى للهجرة العكسية:
سورة الإسراء بها تفسير عميق لصراعنا مع بنى إسرائيل، وعن علوهم مرتين، وإفسادهم فى الأرض مرتين، وفى كلتا المرتين فإن الإسلام وحده هو القادر على النيل من هذا الإفساد.
وهذا العلو والإفساد يواجه بعاملين رئيسين.. أولهما عامل إلهى، وثانيهما عامل بشرى.. يتمثل العامل الإلهى بترتيب السنن الكونية التى تمكن المسلمين من مواجهة هذا الإفساد، ويتمثل العامل البشرى باغتنام هذه السنن الكونية، وتطويعها لخدمة الرسالة الخاتمة، وتمكين دين الله فى الأرض.
ولعل فيما يحدث داخل الكيان الصهيونى فى هذه اللحظة التاريخية، من تراجع سياسى واقتصادى وعسكرى، وما يتضمنه موضوع هذا البحث من تراجع فكرة "أرض الميعاد" بالنسبة لليهود حول العالم، ما يجعل سنة من السنن الكونية واضحة كأقصى ما يكون الوضوح، ولذا يتبقى العامل البشرى، وهو ما يُلقى على عاتق المسلمين، والمجاهدين فى كل مكان، تبعات استثمار هذا التراجع للنيل من هذا الإفساد، وربما يكون هذا ظرفا تاريخيا، إذا لم نستطع مواكبته فلن يكون هناك مثله لعشرات السنين القادمة.

------------------------------------------------------------------------
1- صالح النعامى - تراجع عدد اليهود فى العالم إلى النصف - موقع إسلام أون لاين islamonline.net - 10 يوليو 2007
1- يهود إسرائيل ومعضلات الجغرافيا البشرية - مأمون الحسينى - موقع جريدة "الشعب" المصرية الإلكترونى.
2- موقع عرب 48 الإلكترونى (www.arabs48.com).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.