وزير الري: إثيوبيا فشلت في إدارة السد.. تركز على «الشو الاعلامي» ولا تكترث بحياتنا    زيادة أسعار الوقود للمرة 20 في مصر منذ يوليو 2019 وحتى الجمعة 17 أكتوبر 2025 - المحطات السعرية كاملة    ب«سوق المزارعين».. «تجارية الإسكندرية» تشارك في المعرض الدولي لأغذية البحر المتوسط    روسيا: بريطانيا وأوكرانيا تستعدان لعمل تخريبي يستهدف خط أنابيب السيل التركي    خبير سياسي: الهدنة بداية فقط.. والجهد المصري لرأب الصدع العربي «تاريخي»    طيران الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات جوية على جنوب لبنان مستهدفًا منشآت صناعية    منتخب 2007 يختتم معسكره بالفوز برباعية على نجوم المستقبل    قائد منتخب قطر يتبرع ببناء مدرسة وقاعة رياضية بغزة    علاء عبد العال يعلن قائمة غزل المحلة لمواجهة كهرباء الإسماعيلية    دعوة لعقد جمعية عمومية غير عادية للاتحاد الأفريقي لتنس الطاولة    مقتل «ربة منزل» طعنا بسكين في ظروف غامضة بالمنيا    الإسكندرية: ضبط 137 ألف لتر سولار مدعم خلال حملات تموينية مكبرة    رسميًا.. لينك تقديم حج القرعة 2026 في مصر    آمال ماهر: تكريمي اليوم من مهرجان الموسيقى العربية هو الأغلى في حياتي    الإسكندرية جدارية من الأحياء.. انطلاق النسخة ال16 من أيام التراث السكندري نهاية أكتوبر    قافلة مسرح المواجهة ترسم البسمة على وجوه طلاب مدارس رفح    تنطلق 30 أكتوبر.. قنصل فرنسا تكشف تفاصيل النسخة ال16 لأيام التراث السكندري (صور)    «الميزان» بيحضن المخدة و«الأسد» بينام مستقيم.. طريقة نومك تكشف برجك الفلكي    «التأمين الصحي الشامل»: المواطن يدفع 480 جنيهًا فقط حتى لو وصلت تكلفة العملية مليون جنيه    إنجاز طبي جديد بمستشفيات جامعة قناة السويس    «لسهرة يوم الخميس».. حضري طاجن «أم علي» بمكونات بسيطة في منزلك (الطريقة والخطوات)    مواقيت الصلاة غدًا الجمعة 17 أكتوبر 2025 في المنيا    بعد حادثة عم فوزي.. محافظ الدقهلية في جولة ميدانية جديدة بحي غرب المنصورة    محافظ الدقهلية ورئيس جامعة المنصورة يشهدان احتفالات عيد القوات الجوية    مصادر أمريكية: واشنطن أبلغت إسرائيل اهتمامها بمواصلة تنفيذ اتفاق غزة    إدارة الزمالك تواصل الاستعداد للجمعية العمومية    لتفادي نزلات البرد .. نصائح ذهبية لتقوية المناعة للكبار والصغار    حسام شاكر: ذوو الهمم في قلب الدولة المصرية بفضل دعم الرئيس السيسي    عاجل- رئيس الوزراء يطمئن ميدانيا على الانتهاء من أعمال تطوير المنطقة المحيطة بالمتحف المصري الكبير والطرق المؤدية إليه    رابطة المحترفين الإماراتية تعلن موعد طرح تذاكر السوبر المصري في أبوظبي    بعد مقتل رئيس أركان الحوثي.. نتنياهو: سنضرب كل من يهددنا    قائد القوات المسلحة النرويجية: قادرون مع أوروبا على ردع روسيا    حسام زكى: العودة الكاملة للسلطة الفلسطينية السبيل الوحيد لهدوء الأوضاع فى غزة    حجز قضية اتهام عامل بمحل دواجن بالخانكة بقتل شخص بسكين لحكم الشهر المقبل    هل الصلوات الخمس تحفظ الإنسان من الحسد؟.. أمين الفتوى يوضح    هل يجوز المزاح بلفظ «أنت طالق» مع الزوجة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ خالد الجندي: الله حرم الخمر والخنزير والبعض يبحث عن سبب التحريم    الشيخ خالد الجندى: رأينا بأعيننا عواقب مخالفة ولى الأمر (فيديو)    بيع أكثر من مليون تذكرة ل كأس العالم 2026 والكشف عن أكثر 10 دول إقبالا    يرتدي جلبابا أحمر ويدخن سيجارة.. تصرفات زائر ل مولد السيد البدوي تثير جدلًا (فيديو)    سيدات يد الأهلي يهزمن فلاورز البنيني في ربع نهائي بطولة أفريقيا    بالأسماء والأسباب .. تعرف علي قائمة المستبعدين من خوض انتخابات النواب بالقليوبية    قائمة بأسماء ال 72 مرشحًا بالقوائم الأولية لانتخابات مجلس النواب 2025 بالقليوبية    محافظ كفر الشيخ يناقش موقف تنفيذ مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    وزير العدل: تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية تعزز الثقة في منظومة العدالة    الاتحاد الأوروبي يكرّم مي الغيطي بعد اختيارها عضو لجنة تحكيم مهرجان الجونة    جامعة قناة السويس تطلق فعاليات«منحة أدوات النجاح»لتأهيل طلابها وتنمية مهاراتهم    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي بمدخل المراشدة في قنا    قرار جمهوري بترقية اسم الشهيد اللواء حازم مشعل استثنائيا إلى رتبة لواء مساعد وزير الداخلية    بعثة بيراميدز تتفقد منشآت الدوحة استعدادًا للمشاركة في كأس الإنتركونتيننتال بدعوة من "فيفا"    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الرئيس للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    كامل الوزير: تجميع قطارات مترو الإسكندرية بنسبة 40% تصنيع محلى    نبيلة مكرم تشارك في انطلاق قافلة دعم غزة رقم 12 ضمن جهود التحالف الوطني    كيف ظهرت سوزي الأردنية داخل قفص الاتهام فى المحكمة الاقتصادية؟    الداخلية تكثف حملاتها لضبط الأسواق والتصدي لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز    350 مليون دولار استثمارات هندية بمصر.. و«UFLEX» تخطط لإنشاء مصنع جديد بالعين السخنة    وزير الاستثمار يعقد مائدة مستديرة مع شركة الاستشارات الدولية McLarty Associates وكبار المستثمرين الأمريكين    إحالة مسؤولين في المرج والسلام إلى النيابة العامة والإدارية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المعضلة الحقيقية أمام الديمقراطية المصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 04 - 2009

الشعب المصرى ليس من عجينة مختلفة عن جميع شعوب الأرض. فهو شعب يمكن سبر غوره بأدوات العلوم الاجتماعية، أى علوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع والتاريخ واللغة والنقد الفنى، والفلسفة، وعلوم الدين، وعلم النفس. المشكلة أن مؤسسات تعليم وإنتاج العلوم الاجتماعية فى مصر ضعيفة، وأن المتخصصين فى العلوم الاجتماعية لم ينجحوا بعد فى إقناع شعبنا أن تلك العلوم لا تقل فى فائدتها للمجتمع عن العلوم الطبيعية. حين يحظى علماء اجتماعنا وسياستنا واقتصادنا ونفسنا بمكانة تقارب تلك التى حققها الدكتور أحمد زويل حينئذ سنكون قد دلفنا من بوابة التقدم. فكما أن المجتمعات الحديثة لا يمكنها العيش بدون علم البيولوجى الذى يدرس الكائنات الحية وتطورها، والذى يقتات الأطباء على فائض خيراته، فإن نفس المجتمعات لا يمكن أن تحيا بصحة وسعادة بدون علوم اجتماعية قادرة على تشخيص أمراض المجتمع وكتابه تذكرة علاجه.
ولأن العلوم الاجتماعية فى مصر ضعيفة فإن فهمنا للبلد ما زال قاصرا، بحيث خلت الساحة للتعميمات الخرافية عن شعبنا، سواء كانت تعميمات ترفعه إلى سابع سماء أو تخسف به إلى سابع أرض. كان فشل دعوة إضراب 6 أبريل الماضى مناسبة لإعادة تدوير الخرافات عن الشعب المصرى، من نوع أنه خانع وأنه راض بالاستبداد وأنه لا يريد الحرية، وهى الخرافات التى يرد عليها البعض الآخر بخرافات لا تقل شططا عنها تقول «انتظروا.. هذا الشعب الصابر لا يمكن فهم منطقه فى الحركة، فحين نظن أنه قد استكان تماما هو ينتفض لكى يقلب الطاولة على الجميع». الحقيقة أننا نحتاج فعلا إلى تكاتف أصحاب العلوم الاجتماعية فى مصر لكى ينقلوا إلى الناس رسالة مفادها أننا لسنا من عجينة مختلفة عن الشعوب الأخرى وأن إقامة نظام سياسى ديمقراطى حر وصالح فى مصر هو بالأمر الممكن إذا عملنا بجدية على صناعته.
يقول البعض إن مصر ليس فيها طلبا على الديمقراطية. ويدلل على ذلك بأن الناس تحركت آلاف المرات مؤخرا فى قضايا أكل العيش بينما لم تتحرك إلا نادرا لإنهاء الاستبداد السياسى. من الصحيح أن النضالات الاقتصادية والاجتماعية لعبت دور البطولة فى المشهد السياسى المصرى مؤخرا. ولكن من قال إن ذلك يعنى بالضرورة أنه ليس هناك طلب على الديمقراطية فى مصر؟ فهل خواء المطاعم دليل على أن الناس كلها شبعانة، أم أنه يمكن أن يكون دليلا على أن الناس بالرغم من جوعها لا تستطيع تسديد فاتورة حساب المطاعم؟ من قال إن الناس تهرب من مصر فى طائرات وفى قوارب فقط بحثا عن لقمة عيش أفضل؟ الكثير من المصريين يغادرون البلد لأنهم راغبون فى حياة حرة كريمة لا تنتهك فيها كرامتهم أو آدميتهم بواسطة دولة قمعية أو بواسطة مواطنيهم من ذوى النفوذ. كاتب هذه السطور له فى أسرته أو عائلته الممتدة عدة حالات هاجرت من مصر ليس بحثا عن المال، ولكن عن أشكال من الحرية والكرامة لا يجدونها فى بلدهم. وكاتب هذه السطور لمس هذا الشوق إلى الحرية لدى بعض الحرفيين المصريين الذين قابلهم فى أوروبا. «الواحد كان عايش فى سجن كبير». هذه عبارة سمعتها من عامل مصرى فى محطة بنزين فى باريس.
إذا سلمنا بأن هناك طلبا على الديمقراطية فى مصر، فلماذا إذن لا ينتفض الشعب طلبا لها؟ الإجابة فى اعتقادى هى أن الكثير من الناس تبالغ فى تقدير «مهر» الديمقراطية أو هى غير راغبة فى دفعه. وهذا «المهر» لا يقتصر فقط على تحمل بطش أجهزة الدولة القمعية. إطلاقا. لنكن صرحاء.. بطش أجهزة الدولة فى مصر لا يقارن أبدا ببطش أنظمة سوهارتو فى إندونيسيا أو بينوشيه فى شيلى أو فرانكو فى أسبانيا. وكل هذه الشعوب انتصرت فى نضالها الديمقراطى. لا أظن أن هذه الشعوب من طينة مختلفة عنا. ما يحول بيننا وبين الحرية والديمقراطية فى مصر ليس بالأساس خوفنا من قمع الشرطة ولكن الأهم هو خوفنا من أنفسنا أو من بعضنا البعض أو من أشباح لا وجود لها إلا فى أذهاننا.
ما هو ثمن الديمقراطية الحقيقى أو الوهمى الذى لا يريد بعض الناس أن يدفعوه فى مصر؟ الثمن الأول هو قبول مبدأ الحريات الفردية وحقوق الإنسان. ليس هناك فى الدنيا نظام واحد ديمقراطى لا يحترم حرية الفكر والعقيدة والديانة والحرية الشخصية. ليس هناك وصفة أو «تخريجة» فى الدنيا يمكن أن تزاوج بين الديمقراطية والحرية من جانب وقيام الدولة بمعاقبة واضطهاد ناس بسبب فكرهم أو ديانتهم أو سلوكهم الشخصى الذى لا يمس الآخرين من جانب آخر. ليس هناك دولة ديمقراطية فى الدنيا تحول دون حصول مواطن على حق والمواطنة الذى ترمز له البطاقة الشخصية لأنه يعتقد فى ديانة لا توافق ديانة الأغلبية. بعض المؤسسات والتيارات السياسية والفكرية فى مصر تعارض الديمقراطية والحرية لأنها تدرك جيدا أنه فى ظل نظام ديمقراطى حر سيكون المصرى البهائى مثلا مساويا للمسلم وللمسيحى. وهذا ما لا يريدونه حتى لو أدى ذلك إلى وقف عجلات تقدم المجتمع المصرى وإهدار فرصه فى التقدم والرفاهية. بعض هؤلاء يدرك جيدا أن الديمقراطية ترتبط بالضرورة بحفظ حقوق الناس فى الكرامة الإنسانية، وتؤدى بالضرورة إلى الحد من الفساد والإهدار فى المال العام وأنها سوف تصلنا بالضرورة إلى نظام قضائى أكثر استقلالية وعدالة. لكنهم يهدرون كل هذه المكاسب خوفا من كوابيس تصور لهم أن ضمان الدولة لحرية العقيدة فى مصر سيؤدى إلى انهيار الأديان الأساسية وتحول الملايين من المصريين إلى البوذية أو البهائية أو غيرها أو إصرارا على مناهضة المادة 40 من الدستور المصرى التى تضمن المساواة بين المصريين بغض النظر عن جنسهم وأصلهم الاجتماعى وديانتهم. هذه الثمن الأول للديمقراطية الذى لا يريد البعض أن يدفعه، هو قبولهم لحق المواطن الفرد فى حرية الاعتقاد والفكر والتصرف حتى لو اختار مسارا فى الحياة مختلفا عن مسار الأغلبية. وهؤلاء فى الحقيقة لو فكروا جيدا سيجدون أن هذا الثمن زهيد جدا، بل إنه ليس ثمنا على الإطلاق. فماذا يكسب الإنسان من قهر الآخرين؟
ليس هناك نظام ديمقراطى واحد فى الدنيا لا يقوم على مبدأ «مواطن واحد = صوت واحد». مشكلة البعض فى مصر أن هذا المبدأ يساوى بين الوزير والخفير، بين الغنى والفقير، بين حامل الدكتوراه والأمى. هذا هو الثمن الثانى وربما الأهم الذى لا يريد البعض أن يدفعه مهرا للحرية والديمقراطية. والحقيقة أنه ليس هناك نظام ديمقراطى فى الدنيا يستبعد الطبقات الشعبية من المشاركة فى تقرير سياسات البلاد، أو يحرمهم من الحصول على مكتسبات وحقوق اقتصادية بفضل أغلبيتهم العددية فى المجتمع. المشكلة أن الكثير من أبناء النخبة المصرية ورجال الأعمال للأسف لا يريدون أن تتساوى الرءوس، ولا يريدون للطبقات الشعبية أن تحصل على حقوقها فى أجر عادل وفى تأسيس نقابات وأحزاب حرة تمثلها. ولأنهم هؤلاء النخبويين الرجعيين لا يريدون تحمل هذا الثمن الزهيد فهم يهدرون مصالح البلاد فى التمتع بنظام حر وديمقراطى سيعود بالفائدة على الجميع. وهؤلاء لو فكروا جيدا ربما اكتشفوا أن هذا الثمن الفادح ليس ثمنا على الإطلاق، بل هو الطريق لتحقيق السلام الاجتماعى الحقيقى. لأن الحديد لا يفله إلا الحديد، والفردية الأنانية الرأسمالية الجائعة إلى الربح لا يمكن أن يفلها إلا الديمقراطية التى تعطى الناس الحق فى تنظيم أنفسهم فى أشكال تضامنية تدافع عن المصالح الجماعية والواسعة فى المجتمع.
لسنا شعبا عاشقا للاستبداد أو زاهدا فى الحرية، ولسنا شعبا خاضعا لحكامه ومؤلها لهم. ولكننا شعب خاضع لأقلية منا فى الدولة أو فى المجتمع، فى الحكم أو فى المعارضة، تريد احتجاز تطور مصر الديمقراطى لأنهم لا يريدون أن تتساوى الرءوس وأن يخرج الناس من السجون، وللأسف بل لحسن الحظ ليس هناك وصفة فى الدنيا تحقق الديمقراطية بدون أن تتقبل بادئ ذى بدء تساوى الرءوس وحرية الأفراد. من يدعى أن عنده مثل تلك الوصفة هو إما جاهل أو مدعٍ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.