المغرب والبوليزاريو.. خطوة إلى الامام واثنتان إلى الوراء
*خضير بوقايلة
خضير بو قايلة زوبعة جديدة ثارت في فنجان الاتحاد المغاربي بعد انسحاب المغرب من الاحتفالات التي شهدتها العاصمة الليبية، بمناسبة الذكرى الأربعين لتولي العقيد معمر القذافي مقاليد الحكم، احتجاجا على حضور الأمين العام لجبهة البوليزاريو محمد عبد العزيز على منصة الاحتفالات الرسمية خلافا لما تم الاتفاق عليه بين الليبيين والمغاربة.
المغاربة حاولوا بانسحابهم إفساد عرش القذافي وطالبوا بتفسيرات لما حدث، والليبيون من جهتهم ردوا بأي كلام لكنهم مع ذلك أقنعوا الحكومة المغربية التي سارعت إلى إعلانها احتواء الأزمة التي أثارتها وبرمجت زيارة رسمية وسريعة لوفد مغربي إلى طرابلس.
الجانب الليبي قال إن محمد عبد العزيز كان موجودا في ليبيا لحضور قمة للاتحاد الإفريقي بحثت فض النزاعات في القارة الإفريقية باعتبار الجمهورية الصحراوية عضوا في الاتحاد الإفريقي، أما حضوره احتفالات الفاتح فكانت بمبادرة شخصية منه لأنه لم يكن مدعوا لحضورها.
عذر أقبح من ذنب لكنه مع ذلك أقنع الإخوة المغاربة الذين اشترطوا على الليبيين عدم حضور البوليزاريو مقابل مشاركة رفيعة المستوى في أربعينية القذافي. تبرير طرابلس حدوث هذه الهفوة الدبلوماسية جاء بسطحية مطلقة، مع أن ذلك من شأنه أن يطرح تساؤلات عن فعاليات جهاز البروتوكول الليبي الذي عجز عن ضبط حركة الصاعدين إلى منصة الاحتفالات الرسمية التي لم تكن تضم شخصيات عشوائية أو مواطنين عاديين، بل رؤساء وقادة دول معروف أن حياتهم أغلى من أي شيء آخر في الوجود.
رئيس البوليزاريو يفترض أنه كان جالسا في مقعد ما في المنصة الشرفية، والمعروف أن كل المقاعد هناك تكون محجوزة وعلى كل منها اسم معلوم، فهل كان محمد عبد العزيز الذي لم يكن ضمن قائمة المدعوين جالسا في مقعد جلب له خصيصا بعد ان لاحظ البروتوكول أنه واقف ولم يجد له ومرافقيه مقاعد أم أن الجماعة استولوا على مقاعد شاغرة؟ لكن بما أن المغاربة لم يكونوا ينوون تصعيد موقفهم أكثر في قضية يعرفون مسبقا أنها خاسرة فإنهم قبلوا أي كلام وسارعوا إلى احتواء الأزمة في انتظار أزمة أخرى قادمة.
انسحاب المغرب أو مقاطعته لأي محفل يكون فيه (الانفصاليون) حاضرين صار منهجا ثابتا في العمل الدبلوماسي لحكام الرباط وأيضا لأحزاب وتنظيمات المجتمع المدني في المملكة. هناك حرص مغربي شديد على أن لا يبقى مغربي واحد في مكان يوجد فيه ممثل عن الصحراء الغربية، ولا أحد يعلم هل لذلك علاقة بطهارة تلك البقعة أم باحتمال حدوث حرب بين الأشقاء في مكان غير لائق أم بخوف من إصابة المغاربة بعدوى يحمل أبناء الصحراء فيروساتها.
هي سياسة أقرها المخزن منذ سنين ولا يزال مستمرا عليها رغم أن الدنيا تغيرت ورغم أن الواقع أثبت أن تلك السياسة الضاغطة من لدن المغرب لم تعد تجدي نفعا ولم تغير شيئا من نظرة العالم إلى هذا الخلاف المزمن الذي ينخر المنطقة عموما.
المغاربة يرون أن جماعة البوليزاريو ليسوا إلا أبناء ضالين ومفتونين سينتهي بهم المطاف يوما إلى العودة إلى أحضان بلدهم وشعبهم، ومع ذلك تبقى الرباط تصر على معاملة هؤلاء الأبناء معاملة قاسية ليس فيها ما يبشر بقرب حدوث تصالح بين أبناء (الوطن الواحد).
ومن غرابة الصدف أن حادثة منصة طرابلس تزامنت مع تقارير سياسية وإعلامية كشفت أن (قسما من الدول العربية وافق على فتح ممثليات لإسرائيل، فيما وافق قسم آخر على منح تأشيرات دخول لرجال أعمال وسياح من إسرائيل، كما وافقت دول أخرى على إنشاء خطوط اتصالات هاتفية دولية مباشرة مع إسرائيل، إضافة إلى أن بعض الدول العربية وافقت على عقد لقاءات علنية على مستوى رفيع مع مسؤولين حكوميين إسرائيليين، ووافقت دول عربية على السماح لطائرات إسرائيلية بالتحليق في مجالاتها الجوية أو القيام برحلات جوية مباشرة من إسرائيل إلى مطاراتها)، وقد ورد اسم المغرب ضمن قائمة هذه الدول المعنية بمبادرة التطبيع الأمريكية الإسرائيلية العربية.
وبما أننا لم نسمع لحد الآن أي نفي مغربي لهذه المعلومات، فلا بأس أن نتساءل من الأولى بالتطبيع (المغربي الانفصالي) أم العدو الإسرائيلي؟ لا ندعي تدخلا في سياسة المغرب الخارجية، لكننا فقط نستغرب أن لا يحظى أهل الصحراء الغربية (الانفصالية) بمعاملة (أخوية) مماثلة لذلك التعامل اللطيف مع (العدو الصهيوني).
لا نقول قاطعوا المحافل التي توجد فيها إسرائيل، لكن على الأقل خففوا قليلا ذلك السلوك العدائي مع الذين تعتبرونهم إخوة لكم وتطمعون أن يعودوا يوما إلى أحضان البلد الأم.
الخلاف حول الصحراء لم يتعب المغرب والبوليزاريو وحدهما بل أنهك كل المنطقة وجرها في متاهة خلافات هامشية لا قبل لنا بها ولا مبرر لبقائها طيلة هذه المدة. وقد كان أولى بالنظام'الليبي أن يستغل فرصة حضور المغاربة والصحراويين إلى طرابلس فيعقد بينهما صلحا أو يحاول ذلك بدل ترك الأمر في يد الأمريكيين والمجتمع الدولي. كان حريا أن يبادر الأشقاء إلى حل خلافاتهم بأنفسهم وقمة فض النزاعات في إفريقيا التي احتضنتها العاصمة الليبية ليست غريبة عن هذا النزاع الصحراوي المزمن'والمخجل. كم مبادرة صلح ووساطة أعلنت أو دعت إليها لجزائر أو تونس أو ليبيا أن أي بلد عربي آخر لتقريب وجهات النظر والبحث عن حل جذري لقضية الصحراء الغربية؟
أما المغرب الذي يمارس سياسة الهروب كلما ظهر أمامه شبح من رجال البوليزاريو، فإنه لا يبدو منسجما مع نفسه ومع التحول الأخير في سياسته المعلنة. فبعد التنازل الكبير الذي بادر إليه بإعلانه حل الحكم الذاتي للإقليم الصحراوي ثم قبوله الجلوس على طاولة واحدة مع ممثلي البوليزاريو، ماذا بقي من معنى لحركات الانسحاب والهروب من الواقع على غرار ما حدث في طرابلس؟
الرباط عندما قررت التفاوض المباشر مع ممثلي البوليزاريو ولو كان ذلك في جلسات سرية مغلقة، فهي تعترف (ولا يهم في أي صورة يكون ذلك) بوجود هذا الكيان الصحراوي (ولا يهم إن كان اسمه البوليزاريو أو الجمهورية الصحراوية أم الحركة الانفصالية). أما أن تستمر الرباط في'اللعب على وترين والمزج بين سياسة انطوائية بالية وسياسة انفتاح جريئة فإنها بذلك تضر نفسها أولا وتطيل من عمر الأزمة التي تأمل المنطقة أن تجد لها حلا سريعا لا يمكن الوصول إليه بسياسة خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء.