المبادرة العربية .. وعودة الابن الضال!! هاني حبيب قبل ان يستقيل ايهود اولمرت قبل اسابيع قليلة من رئاسة الحكومة الاسرائيلية فاجأ الجميع، في اسرائيل وفلسطين والمنطقة العربية، بآراء شكلت صدمة كبيرة للكثيرين، كون هذه الآراء جاءت متأخرة، وكون مرسلها كان في وضع يسمح له بالتأثير في تحقيقها ولو نسبياً، يقول أولمرت في نقد ذاتي واضح "علينا الدعوة إلى اقامة السلام الكامل مع الفلسطينيين والسوريين فوراً. لقد أخطأنا 40 عاماً مع الفلسطينيين وعلينا تقاسم الأرض معهم، منذ ذلك الوقت تقاعسنا عن القيام باية خطوة للسلام مع الفلسطينيين على أساس دولتين لشعبين "لقد رفضنا ان نقتنع بأن الزمن لا يعمل في صالحنا" ولا ينسى أولمرت في سياق "عودة الابن الضال" ان يعتبر ان المبادرة العربية، تشكل اطاراً صالحاً للتفاوض على كافة المسارات، مؤيداً في ذلك ما قال به وزير دفاعه ايهود باراك من ان المبادرة العربية اساس لاقامة السلام الشامل في المنطقة. رئيسة الحكومة المكلفة، تسيبي ليفني، وقبل ان تفشل في تشكيل حكومتها، أعلنت بدورها تأييدها لما طرحه الرئيس الاسرائيلي شمعون بيريس اثناء لقائه قبل أيام مع الرئيس المصري حسني مبارك في القاهرة حول ازالة الغبار عن ملف المبادرة العربية، ويقول بيريس في هذا الصدد "ان السلام بات ممكناً هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى". وقبل بضعة أشهر، تداولت بعض وسائل الاعلام العربية، ما مفاده ان النظام العربي الرسمي اصبح يتشكك في امكانية وواقعية المبادرة العربية، وان هناك عواصم عربية ناقشت أمر "تعديل المبادرة العربية" بما يستجيب والتطورات الاقليمية والدولية، غير ان مثل هذه الاحاديث سرعان ما انطوت، وبلا سبب واضح، بالضبط كما تم تداولها بدون انذار سابق، ولعل ذلك، ما أدى برئيس اسرائيل بيريس إلى الحديث عن تعديل للمبادرة العربية اثناء لقاء شرم الشيخ مع الرئيس المصري حسني مبارك. اعادة الروح،من قبل اسرائيل تحديداً للمبادرة العربية، لم تدفع بالنظام العربي إلى التسليم بالاشتراطات الاسرائيلية المنادية بتعديلها، اذ ان الرئيس المصري، وكذلك أمين عام الجامعة العربية، رفضا وبوضوح اي تعديل على المبادرة، الأول اشار إلى ان لا مفاوضات حول المبادرة، وانها قابلة للتنفيذ كما هي، أما الثاني فقال ان المبادرة لن تعدل خاصة وان الطرح الاسرائيلي لا يشير حقيقة للتوجه نحو السلام، واذا كان هناك من طرح فان الجامعة ستنظر فيه، ومع ان الموقف المصري أكثر حزماً الاّ ان موقف الجامعة يبقي الباب مفتوحاً ربما كي لا يتحمل النظام العربي مسؤولية صد التوجه الاسرائيلي نحو المبادرة، وهو الأمر غير المسبوق على هذا الصعيد. اننا نعتقد ان الموقف الاسرائيلي ازاء المبادرة العربية ينطلق اساساً من عدة اعتبارات، في طليعتها الوضع الحكومي المتأزم، والفترة الانتقالية للحكومة، سواء نجحت ليفني بتشكيل حكومة ضعيفة - وهو امر لم يحدث بطبيعة الحال- أو في حال التوجه إلى انتخابات برلمانية جديدة في اسرائيل، اذ ان ذلك يعني ان العملية السياسية في اجازة لحوالي ستةاشهر قبل الانتخابات واشهر بعدها إلى حين يستقيم الوضع الحكومي ويستقر. والعملية السياسية في اجازة أيضاً لأسباب أميركية تتعلق بالانتخابات الرئاسية، وضرورة منح وقت كاف للادارة الجديدة لدراسة الملفات والاولويات، وهذا بلغة الزمن يترجم بحوالي عام كامل. يضاف إلى ذلك، فشل العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني - الاسرائيلي، يوازيه في ذلك، بدء مباحثات غير مباشرة بين سورية واسرائيل بوساطة تركية، هي بدورها اخذت اجازة إلى حين ترتيب الحكومة الاسرائيلية الجديدة، أو انتخابات مبكرة، كما يحدث الآن. وفي نفس السياق، هناك اجازة فلسطينية من العملية السياسية على الملف مع اسرائيل، اذ ان الأولوية الآن للحوار الوطني الفلسطيني، وربما انتخابات برلمانية رئاسية متزامنة. في هذه الحال من الفراغ السياسي، يمكن النظر الى العودة للمبادرة العربية، كشكل من اشكال ملء الفراغ السياسي، كتعويض عن الفشل في تحقيق أي انجاز حقيقي على العملية التفاوضية، خاصة على الملف الفلسطيني - الاسرائيلي، وستظل المبادرة العربية هي محور التفاعل، إلى ان تنتهي الاجازة على كافة المسارات، الاسرائيلية والاميركية والفلسطينية، وهي وربما بالصدفة، تأتي في اوقات متزامنة تقريباً. لذلك، فاننا لا نرى هناك جدية في "تراجع" اسرائيل عن الموقف الذي اعلنه شارون عندما كان رئيساً للحكومة، هذه المبادرة العربية، والقيادات الاسرائيلية المقتنعة بالمبادرة، حتى مع شرط تعديلها، ليست في موقع القادر على تمرير موقفها، من هنا، فاننا نعتقد ان الامر يستدعي الحذر المتواصل من الافخاخ الاسرائيلية، والتعاطي مع الطروحات الاسرائيلية بتدقيق شديد، حتى لا نجعل من اعادة الروح للمبادرة العربية، مجرد نزوة اسرائيلية لملء الفراغ الى حين تتغير المعادلات المحلية والاقليمية والدولية. والامر على المحك، هناك مبادرة، قابلة للتنفيذ، ومن يريد السلام، عليه العمل على البدء في التطبيق وليس مجرد الحديث عن تعديل او تفاوض حول بنود هنا او هناك، وهناك اجماع عربي غير مسبوق على هذه المبادرة، وهو ما يجعلنا نتشكك بالموقف الاسرائيلي الذي ربما يرمي من خلال طرح شروط التعديل، الى انقسام عربي بين مؤيد ومعارض لهذه التعديلات، ونعتقد ان التمسك العربي بهذه المبادرة، هو العامل الأهم الذي يضغط على اسرائيل، وربما على الادارة الاميركية القادمة للاستجابة لهذه المبادرة التي تعاطت مع الواقع اكثر من ان تكون قد تعاطت مع الحقوق. وفي هذا السياق، فان الجانب العربي قد اوغل في تنازلات مستمرة، بهدف الاستجابة الى نداء السلام، ولعل آخر هذه السلسلة ما عبرت عنه المبادرة العربية، التي تعتبر أحد أهم اشكال التنازل العربي، في سبيل التوصل إلى سلام شامل وعادل، واذا كان ذلك يشكل عاملاً مساعداً للمضي قدماً في عملية تفاوضية تؤدي إلى حل شامل وعادل، فان الأمر يتطلب التمسك بهذه المبادرة، ودون تعديل، حتى تبقى المبادرة العربية، آخر التنازلات ومن جانب واحد بهدف التوصل إلى حل سلمي، كان مرفوضاً وبات مطلوباً الآن!! عن صحيفة الايام الفلسطينية 29/10/2008