ثمة مؤشرات كثيرة علي ان العرب وتحديدا أولئك المعنيون بالملف الفلسطيني والداعمون للسلطة الفلسطينية لا يمانعون في اجراء تعديلات علي المبادرة العربية للسلام وربما إعادة انتاجها بصيغة جديدة بحيث يجري تقديمها لإدارة اوباما كنوع من الضغط علي نتنياهو وربما مجاملة للادارة المذكورة ومساعدة لها علي الضغط علي تل أبيب من اجل تحقيق التسوية المطلوبة، ولا شك ان حديث الرئيس الفلسطيني في القاهرة عن مشروع جديد للحل سيطرح من طرف العرب يؤكد ذلك، الأمر الذي يأتي قبل لقائه المرتقب مع الرئيس الامريكي في البيت الابيض. كان اوباما قد تحدث عن نقاط ايجابية في المبادرة العربية مما يعني انه يؤيد حاجتها الي تعديلات كي تكون مقبولة من طرف واشنطن تحديدا من اللوبي الصهيوني ولكي يكون بالامكان تسويقها علي حكومة نتنياهو اذا لم يكن بطبعتها الحالية في ظل هيمنة اليمين عليها فبعد تعديلها بإدخال كاديما واخراج ليبرمان. لا حاجة للكثير من التذاكي كي ندرك التعديلات الجديدة التي يمكن اجراؤها علي المبادرة العربية وان جري تسريبها لبعض وسائل الاعلام وأهمها النص صراحة علي التخلي عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الي الاراضي المحتلة عام 48 "المبادرة العربية تنص علي حل متفق عليه"، اضافة الي الحديث عن تطبيع عربي يتزامن مع انطلاق عملية التسوية وأقله بعد موافقة الاسرائيليين المبدئية علي منح الفلسطينيين جزءا من القدسالشرقية يقيمون فيه عاصمتهم. والحال ان موافقة نتنياهو علي هذا الشرط الاخير ستؤدي الي قفزة كبيرة في عملية التسوية اذ انه هو لا غيره من أفشل الصفقة مع أولمرت وقد يكون ثمنه تنازلات كبيرة لا تتوقف عند قضية اللاجئين وانما تتجاوزها نحو تسامح كبير في قضايا الارض بعد ان جري تمرير بقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت بند تبادل الاراضي إضافة الي تسامح مماثل في قضية السيادة. علي ان الأخطر من ذلك هو إمكانية ان يكون ثمن التنازل الاسرائيلي في ملف القدسالشرقية إقرار صيغة الدولة اليهودية عبر تبادل للأراضي والسكان العرب "عرب 48" بضمهم الي الدولة الفلسطينية العتيدة مع العلم بأن التنازل الاسرائيلي في القدس لا يشمل منطقة الحوض المقدس اي محيط المسجد الاقصي التي ستدار بطريقة اخري "دولية علي الارجح" وهي عموما خاضعة للنقاش لكن الثابت ان الاسرائيليين لن يتنازلوا عن حق الوصول الي تلك المنطقة واستمرار البحث عن هيكلهم الذي يزعمون وجوده هناك!! كل ذلك لا يمكن استبعاده لاسيما حين يتوافر عرض يسيل له لعاب اللوبي الصهيوني في الولاياتالمتحدة والمؤسسة الامنية والعسكرية في الدولة العبرية ولا شك ان التوافق علي مواجهة ايران بين العرب والامريكان قد يشكل حافزا آخر لتمرير تلك الصفقة لاسيما ان رياح الزمن والتحولات الدولية لا تسير وفق ما تشتهي الرياح الاسرائيلية، الأمر الذي يدركه رموزها في الداخل والخارج. المصيبة في هذه اللعبة الجديدة هي وفاؤها للنمط العربي والفلسطيني التقليدي في التعاطي مع الدولة العبرية أي التنازل مقابل لا شيء بدعوي إحراج العدو، ولو كان اتسم الموقف بالتوازن لكان علي العرب ان يطلبوا صيغة حل اسرائيلية واضحة ومعلنة قبل الحديث عن تعديلات في المبادرة العربية، فضلا عن وعود مجانية بالتطبيع. لقد حان الوقت ان يتوقف العرب عن تقديم التنازلات المجانية بدعوي إحراج العدو، فقد ثبت طوال عقود أنه لا شيء يحرجه لاسيما اننا إزاء وضع غربي تتصدره الولاياتالمتحدة لا يجامل أحدا في الكون كما يجامل الدولة العبرية، وإلا فأين ذهب قرار محكمة لاهاي بشأن الجدار علي سبيل المثال!.. من الضروري القول إن التراجع العربي قد لا يتضح بالضرورة في تعديل المبادرة العربية إذ يمكن ان يأخذ شكل تنازل فلسطيني في مفاوضات سرية أو علنية تحظي بغطاء محاور عربية فاعلة.