تري ما هو المنطق الذي ارتكزت عليه إدارة أوباما في تقييمها للخطاب الذي ألقاه نتنياهو في 14 يونية الحالي الذي حدا بها إلي أن تصنفه بوصفه خطوة مهمة إلي الأمام؟! لقد غاب عن الولاياتالمتحدة أنها بذلك خلطت الأوراق وقامت بحملة تضليلية أوضحت من خلالها بجلاء أن خطاب أوباما الذي ألقاه القاهرة في الرابع من الشهر الحالي لم يكن إلا مسرحية هزلية أراد بواسطتها خداع العرب. رأينا نتنياهو يتحدث وكأنه امبراطور يحكم العالم ويملي عليه ما يريد من مطالب، أراد بخطابه ان يبعث برسالة خاصة إلي عالمنا العربي مهيض الجناح تنذر بالصدمة والترويع، ولا غرابة فالعالم لا يتعامل ولا يرضخ إلا للغة القوة.. ينصاع لها تلقائيا. وهذا ما أخذه نتنياهو في اعتباره عندما صاغ عباراته الفجة ومطالبه اللامعقولة. بدأ خطاب نتنياهو صادما مستفزا ووجه صفعة لإدارة أوباما من خلال رفضه تجميد الاستيطان ومن خلال حديثه عما أسماه بالدولة الفلسطينية وفق رؤيته ككيان هش منزوع السلاح والسيادة، كان الخطاب بمثابة وثيقة رفض لما طرحه أوباما. ورغم ذلك سارع البيت الأبيض كي يكيل المديح للخطاب ويشيد بإيجابياته لمجرد انه نطق بحل الدولتين. وكأن البيت الأبيض قد تغاضي عمدا عن كون الدولة الفلسطينية قد افرغت من مضمونها. * أوباما ينطق بما لا يمكنه تنفيذه..! ** الدولة التي طرحها نتنياهو أبعد ما تكون عن الدولة الحقيقية القابلة للحياة والتي تتمتع بالسيادة الكاملة علي أراضيها وأجوائها وحياتها. ولهذا كان مثار استغراب للكثيرين ترحيب اوباما بما اورده نتنياهو في هذا الشأن. لقد ظهر كما لو أن نتنياهو قد وجه ومن خلال خطابه إهانة لأوباما، وقلب الطاولة عليه وأظهره أمام العالم الإسلامي منزوع الأظافر لا يقوي علي التأثير علي إسرائيل ناهيك عن أن يمارس عليها أي ضغط. ما طرحه نتنياهو كان بمثابة تحد لأوباما، فلقد أظهره وكأنه صبي نحر في مجال السياسة نطق بما لا يملك تنفيذه. * دولة منزوعة الدسم.. ** جاء خطاب نتنياهو ليمثل وجبة تحد دسمة لكل الجهات فلسطينية وعربية وأمريكية مارس نتنياهو الاحتيال علي التاريخ ومجرياته وجاء ليعكس عقلية اليمين الإسرائيلي العنصري المتطرف وليعكس منطق الصدمة والترويع معا. استخف نتنياهو بجميع الإرادات عندما تنكر لقرارات الشرعية الدولية وخريطة الطريق والمبادرة العربية للسلام. ويكفي حديثه عن الدول الفلسطينية "منزوعة الدسم" والذي جاء عرضا في معرض تأكيده علي دولة اسرائيل اليهودية، أما الدولة الفلسطينية كما طرحها فكانت بلا هوية وبلا سيادة وبلا سلاح وبلا جيش وبلا عاصمة إذ أن القدس عاصمة أبدية موحدة لإسرائيل وبالتالي فإن اللاجئين الفلسطينين لا مكان لهم في اسرائيل. ولاشك ان كل ما ورد سلفا يعد أداة تنبيه لمن يلهثون وراء السلام الوهم. * هل هو تنسيق مشترك..؟ ** قد يستشف المرء بان السيناريو الذي اتبعه كل من اوباما ونتنياهو هو سيناريو واحد تم التنسيق المشترك حوله بين الإدارتين. وبموجبه تم الاتفاق علي ان يلعب اوباما علي عواطف العرب بالحديث عن دولتين ثم يأتي نتنياهو ليحدد منطوق الدولة الفلسطينية بعد ان يجردها من محتواها. وليس بغائب عن أحد أن إدارة اوباما تحدثت مرارا عن الدولة اليهودية في معرض حديثها عن الدولتين. وان ما نطق به نتنياهو في هذا الصدد لم يكن غريبا. الامر الذي يعزز بالفعل وجود اتفاق مسبق علي السيناريو الذي جرت فصوله علي مدي الأيام الماضية، بحيث تكون البداية خطاب أوباما في القاهرة ليعقبه خطاب نتنياهو الذي يشير إلي الدولتين ويعرض خلاله حيثيات يدرك سلفا أنها سترفض حتما من الفلسطينيين والعرب وهذا هو المراد. * ونسف نتنياهو كل مشاريع السلام.. ** بات من المتعذر مع حكومة نتنياهو التوصل لأي اتفاق سياسي، فالرجل نسف كل مشاريع السلام وادار ظهره لمبادرة السلام العربية وتجاهل بالكامل قرارات الشرعية الدولية وكل الاتفاقيات التي ابرمت والتفاهمات التي تم التوصل إليها، شطب نتنياهو بجرة قلم كل موضوعات الحل النهائي بعد ان حسمها لحساب اسرائيل واعني بها القدس واللاجئين والاستيطان والحدود والأمن والمياه، فالقدس عاصمة أبدية وموحدة لإسرائيل، والمستوطنات مستمرة ولابد من الاعتراف بيهودية اسرائيل ولابد من تطبيع العرب لعلاقاتهم مع اسرائيل. أما تحجبه فقد ظهر واضحا عندما دعا رجال الأعمال العرب إلي الاستثمار في إسرائيل!! وعليه لم ير مانعا من قيام دولة فلسطينية لا تحمل من الدولة إلا الاسم، فهي بلا حدود وبلا جغرافيا، دولة مسنح لاسيادة لها وغير مخولة بعقد اتفاقات أو معاهدات أمنية مع أي طرف دولي. أما السلام من وجهة نظر نتنياهو فيتمثل في استئصال حركة حماس التي مافتأ يحرض سلطة عباس علي إنجاز هذه المهمة. * مطلوب من عباس؟ ** أمام هذا كله ينبغي علي فريق عباس غلق ملف التفاوض مع اسرائيل بعد ان ثبتت عبثيته وبعد ان نسف نتنياهو كل المبادرات والجهود الفلسطينية. وعلي فريق عباس ان يتوقف عن تقديم خدماته الأمنية المجانية إلي اسرائيل التي تتم بموجب خطة الجنرال دايتون التي ترمي إلي الإجهاز علي كل عناصر حماس. وعلي عباس ان يغير نهجه ويتحرك بعيدا عن الطوق الذي حبس فيه نفسه ليتماهي مع اسرئيل وشطحاتها ضد أبناء وطنه، وليدرك ان تودده لاسرائيل لم يحمه من غدرها ومن تصعيدها لنغمة الاجتراء قول وفعلا وضد شعبه. * العرب وتفعيل العمل المشترك.. ** وعلي العرب سحب مبادرة السلام وتفعيل العمل العربي مع العالم الإسلامي دفاعا عن القدس وفلسطين. يتعين علي الدول العربية تفعيل العمل المشترك فيما بينهما وتوحيد المواقف لمجابهة خريطة الطريق الجديدة التي رسمها نتنياهو للدولة اليهودية، كما يتعين علي العالم العربي إشعار الغرب بأن مصالحه ستضار وستكون معرضة للخطر فيما لو استمر انحيازه الأعمي لاسرائيل. ويجب علي العرب عدم المرهنة علي اوباما والغرب لأن هؤلاء لن يتحركوا صوب صالح قضايانا إلا إذا شعروا بثقل العرب وقوة مواقفهم...