مرور سنة علي الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة في الخامس من يونيه، وهو أسوأ يوم في تاريخ مصر الحديث لأنه يذكرنا بهزيمة يونيه 1967، كان مناسبة للمحللين والكتاب السياسيين وغيرهم لتقييم إنجازات أوباما بعد مرور هذا العام. ومراجعة مدي تنفيذ ما جاء في خطابه التاريخي في القاهرة التي اختارها لتوجيه رسالة للعالمين العربي والإسلامي. للتذكرة وقبل استعراض ردود الفعل وعملية التقييم بعد مرور عام فإن أوباما تحدث عن سبع قضايا أساسية اعتبرها ضرورية لبدء مرحلة جديدة لعلاقات الولاياتالمتحدة مع العالم العربي والإسلامي بعد فترة التوتر والحروب التي شهدتها السنوات الثماني لحكم الرئيس السابق جورج بوش. النقاط السبع هي: مواجهة التطرف، إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي علي قاعدة إقامة دولة فلسطينية إلي جانب إسرائيل، منع حدوث سباق نووي في المنطقة يفتح الباب أمام إيران لحيازة أسلحة نووية علي وجه الخصوص، استمرار التزام أمريكا بقضايا الديمقراطية، والحرية الدينية والتنمية الاقتصادية. زوال السحر سحر أوباما والأسلوب الذي ألقي به خطابه، والجمل الإنشائية الرائعة والمنتقاة بحساب دقيق، أشاع أجواء من التفاؤل في مصر والعالم العربي علي وجه الخصوص، بأن تحولات جذرية ستحدث علي صعيد السياسة الأمريكية، وأن القضية الفلسطينية ستأخذ طريقها إلي الحل أخيرا، وأن القضية هي مسألة وقت لا أكثر، حتي يقدم أول رئيس أمريكي أسود للولايات المتحدة ما يثبت ذلك عمليا. وفي الواقع فإن أيا من تلك الآمال لم تتحقق، بل علي العكس فإن قضايا كثيرة تدهورت للأسوأ، خاصة ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، علاوة علي انفجار أزمة جديدة بين دول حوض النيل، وانقسام الدول العشر إلي معسكرين أحدهما يضم مصر والسودان والآخر يضم بقية الدول، علاوة علي فشل حل لقضية دارفور واقتراب انفصال جنوب السودان رغم إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي رعتها الولاياتالمتحدة ورفضت فكرة المقاطعة، ودعت كل الأطراف للمشاركة، رغم إدراكها أن نتائج تلك الانتخابات وما حدث خلالها سيؤدي عمليا إلي انفصال الجنوب في استفتاء بداية العام القادم. وفي العراق فإن الانتخابات العامة التي أجريت في نفس التوقيت الذي أجريت فيه انتخابات السودان تقريبا، لم تنجح في إنهاء الأزمة السياسية التي تعقدت بشدة، وبدا عجز الولاياتالمتحدة كقوة احتلال عن إخراج العراق من أزمته المستمرة. وكذلك الوضع في أفغانستان التي اعتبرها أوباما الجبهة الرئيسية، فرغم زيادة القوات الأمريكية 30 ألف جندي لم يتم حسم الحرب ضد مقاتلي طالبان والقاعدة التي نجحت في تفجير الأوضاع في باكستان علي المناطق الحدودية مع أفغانستان، ودخلت أمريكا في أزمة مع رئيس أفغانستان «حامد قرضاي» واتهمته بأنه يتفاوض سرا مع قادة طالبان لإنهاء الأزمة بعيدا عن واشنطن. وربما جاء التغيير الوحيد في سياسة أوباما في التوقف عن استخدام مصطلحات إدارة بوش مثل «الإرهاب الإسلامي» واستخدم تعبير «مواجهة التطرف»، وتبني عقد مؤتمرات للتقارب، واختار مستشارين من أصول إسلامية لإدخال الحيوية والتجديد علي سياسته تجاه العالم الإسلامي ودعم الحوار والتعاون مع الدول الإسلامية وهو ما تم التأكيد عليه خلال زيارته لتركيا في أعقاب زيارته لمصر بعدة أشهر. مسئولية من؟ ومع حلول ذكري خطاب أوباما فإن عشرات المقالات والتحليلات السياسية أجمعت تقريبا علي إبراز خيبة أمل قوية تجاه سياسة أوباما، وتحميله مسئولية الإخفاقات والفشل المتواصل عن حل عديد من القضايا أبرزها القضية الفلسطينية حيث تم اتهام أوباما بالضعف التام أمام نتنياهو، وفشله في استخدام النفوذ الأمريكي للضغط عليه، واكتفي بإرسال مبعوثه الجديد لعملية السلام «جورج ميتشل» الذي نجح فقط في بدء مفاوضات غير مباشرة لمدة 4 شهور، وقد أدي التدخل العدواني الإسرائيل ضد قافلة أسطول الحرية إلي إثارة الشكوك حول إمكانية استمرار المفاوضات غير المباشرة. وهناك اتهامات أخري لأوباما بأنه تخلي عن دعم الحركات والمنظمات الديمقراطية في العالم العربي لإجبار الأنظمة الحاكمة علي اتخاذ خطوات ديمقراطية، وهو ما لم يحدث، في ظل رفض أوباما التدخل في الشئون الداخلية لتلك الدول، وتقليص ميزانيات دعم منظمات المجتمع المدني وهو ما حدث علي الساحة المصرية بصفة خاصة، وبالتالي أتاح للحكومة في مصر تجاهل مطالب المعارضة بالإصلاح السياسي والتغيير. رفض دائم وفي إطار الملف النووي فإن أوباما الذي يحاول التركيز علي الملف النووي الإيراني، فوجيء بمطالب مصرية وعربية قوية بإدراج الملف النووي الإسرائيلي، فلجأ إلي استصدار بيان من مؤتمر مراجعة اتفاقية حظر الأسلحة النووية لعقد مؤتمر سنة 2012 لإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، وتم إدراج اسم إسرائيل لدعوتها للمشاركة لأول مرة وهي ردت بالرفض التام لأن أولوياتها هي حماية أمتها من التهديدات الإيرانية، وكذلك التوصل إلي اتفاقيات سلام أولا مع الدول العربية. شماعة أوباما وإذا كانت معظم التعليقات تشير إلي اتهام أوباما، فهي في الواقع تريد إبعاد الأنظار عن مسئولية الأنظمة العربية عن الفشل التام في حماية المصالح العربية الاستراتيجية والاستفادة من خطاب أوباما لتعميق التناقضات بين إسرائيل والولاياتالمتحدة. فعجزت الدول العربية عن إتمام مصالحة فلسطينية - فلسطينية بل وتتنافس بعضها علي تعميق الأزمة الفلسطينية الداخلية وتوظيفها في معارك إقليمية أكبر، كما اختلفت علي تقييم البرنامج النووي الإيراني، وهي قضية استراتيجية مهمة يحدث فيها عملية خلط أوراق متعمد. أما التطور الديمقراطي وعملية التغيير فحدث ولا حرج، فقد انفردت الأنظمة العربية بالحكم بعد أن نجحت في التخلص من الضغوط الأمريكية في صفقة علي حساب العملية الديمقراطية التي شهدت في هذا العام تعثرات وتراجعات كبيرة رغم الانتخابات التي تمت في أكثر من قطر عربي. وفي هذا الإطار فإن الأنظمة العربية التي عجزت عن لعب الأوراق التي في أيديها لأسباب مختلفة، تبدو سعيدة جدا وهي تري هذه الأيام أن الانتقادات موجهة لأوباما باعتباره فشل في تنفيذ وعوده، بدلا من اتهامها بالعجز والفشل وإدمان الخلافات والصراعات.