عقب شهور قليلة من انتخابه الذى جاء مصحوبا بفرحة انتصار دولية غير مسبوقة جاء باراك أوباما إلى مصر فى صيف 2009 ليلقى خطابا وصِف بأنه رسالة الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى العالم الإسلامى، وأنه تعهد من الرئيس الأمريكى بتحقيق السلام فى الشرق الأوسط. وبعد أن تحدث أوباما أمام جمع حاشد فى القاعة الكبرى بجامعة القاهرة، ضجت القاعة بالتصفيق وبالحفاوة، ذهبت «الشروق» إلى محمد حسنين هيكل، المحلل السياسى الأول فى المنطقة، لتسأله ماذا يظن أوباما فاعلا؟ وهل يعتقد فعلا أن فارس الحزب الديمقراطى الأمريكى. الذى امتطى صهوة الحماسة الأمريكية للتغيير، فكان أول رئيس أسود فى تاريخ البيت الأبيض، يمكن له بالفعل إعادة صياغة علاقة الولاياتالمتحدةالأمريكية بالعالم الإسلامى، وإحلال السلام المنتظر لعقود بين إسرائيل، قوة الاحتلال، والدول العربية. هيكل طرح رؤيته التى نشرتها «الشروق» فى حلقتين يومى الثامن والتاسع من يونيو الماضى. وهذا الأسبوع والعالم ينظر إلى تجربة عام بعد دخوله المكلل بأمل التغيير إلى البيت الأبيض، يبدو أن رؤية هيكل لم يمكن لها أن تكون أكثر دقة أو صوابا. «هو نجم شديد السطوع، وقصة إنسانية رائعة بأى معيار، وهو شخص رائع. هذا رجل جاء من لا مكان ووصل إلى قمة العالم، وبصرف النظر عن أى شىء آخر، فنحن أمام ظاهرة نجم لا شك فيها، شخصية قادرة على أن تحكى، وعلى أن توجه، وعلى أن تعبر. وأما إذا كان هو القوة الحقيقية فى أمريكا، فتلك قضية أخرى، فأنا أعتقد أن مؤسسة قوية اختارته للتعبير عنها فى لحظة أزمة تواجه أمريكا، أو فى لحظة أزمات تواجه أمريكا، وأنا أعتقد أنه يؤدى دوره بامتياز»، هكذا قال الكاتب السياسى الأول فى العالم العربى عن الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى حديث أدلى به حصريا ل«الشروق» فى يونيو من العام الماضى. حديث هيكل ل«الشروق»، والذى تم نشره على حلقتين، بعد أن أجراه الكاتب السياسى فهمى هويدى وعضوا مجلس التحرير ب«الشروق» جميل مطر وهانى شكرالله، جاء بعد أيام قلائل من خطاب أوباما الذى اتفق الكثيرون على وصفه بالتاريخى فى جامعة القاهرة. أوباما حسبما شرح هيكل لمحاوريه من كبار كتاب «الشروق»، وصل إلى المكتب البيضاوى فى لحظة وصل فيها التعبير عن مطالب الإمبراطورية الأمريكية حول معركتها مع الإرهاب «مقترنا بالإسلام» إلى طريق مسدود. «فالحرب على الإرهاب، وإدخال الإسلام فيها، لا يمكن أن تكون معركة حقيقية، لأنها معركة بلا نهاية، ومعركة بتكلفة هائلة، ومعركة بغير ميدان، وبلا شعار ممكن شرحه للناس بطريقة مقنعة»، هكذا قال هيكل. هيكل رأى فى ذلك الوقت بعد شهور قليلة من تولى أوباما الرئاسة أننا «أمام تغيير فى التعبير، وليس تغييرا فى السياسات» لأن تغيير السياسات فى الولاياتالمتحدةالأمريكية، حسبما لفت فى حديثه ل«الشروق» مكانه «هو الكونجرس وليس جامعة القاهرة». «فأنا أمام تغيير فى التعبير، وليس تغييرا فى السياسات» أضاف هيكل. وشدد على «أن يتصور أحد أنه يمكنه أن يستمع لكلام من رئيس أمريكى، أيا من كان، ويأخذه كما هو، فهو لا يفهم أمريكا. إسرائيل ركزت دائما على الكونجرس، فأمريكا ليست جمهورية موز، ليست Banana Republic، هذه دولة كبيرة ومتقدمة وديمقراطية، والتوجيه السياسى فيها للكونجرس. الرئيس يمكنه أن يتصرف كما يشاء فى إطار معين، وفى حدود سلطته، ولكن أن تحدث تغييرات مفاجئة أو انقلابات كبرى فى السياسة، فهذا أمر آخر». ومدللا أضاف هيكل «مستعد أن أوافقك أن إدارة أوباما لديها نفوذ وصلات وثيقة بالكونجرس، ولكن السؤال هو: ما إذا كانت هذه الصلات ترشح هذه الإدارة لإحداث تغيير فى السياسات أم للاستمرار فى نفس السياسات؟ أوباما نفسه أجاب عن سؤالك. سألوه: ما الجديد فى إدارتك، فهيلارى كلينتون كانت موجودة، وكذلك جوزيف بايدن، وجيتس فى الدفاع، وجيثنر فى وزارة المالية، فما الجديد فى إدارتك؟ فكان رده: «أنا الجديد». «أنا الجديد» هذه، إجابة لافتة للانتباه، فهذا الاستمرار الكثيف للقديم يدلك على أن التغيير تغيير فى التعبير وليس تغييرا حقيقيا. صحيح هؤلاء القدامى لديهم قاعدة قوة، ولكنها قاعدة قوة للسياسة القديمة». المحلل السياسى الأول فى العالم العربى أشار إلى أن «التعبير الجديد موجه إلى العالم الإسلامى، أو دعوة للعالم الإسلامى، لأن الحرب الإمبراطورية فى عالمنا تحت شعار الحرب ضد الإرهاب، وصلت إلى طريق مسدود. أنت إذن تحاول التراجع عن هذا الطريق المسدود، وبشكل أو بآخر، تبحث عن وسيلة لتحقيق هذا، وعن خطاب جيد، وعندك النجم المؤهل والقادر على توجيه ذلك الخطاب». «أعتقد أن ما شاهدناه هنا فى القاهرة، كان ممارسة للدبلوماسية العامة، ممارسة بديعة، ولكنه لم يكن ممارسة للدبلوماسية السياسية. أنا أمام حملة علاقات عامة، ويسمونها هذه الأيام دبلوماسية عامة. أنا أعتقد أنها كانت ممارسة جديرة بالإعجاب، ولكن علىّ أن أنتبه، عندما يقول شيخ الأزهر «خطاب أوباما مس وجدانى» فهذا هو ما كان مقصودا من الخطاب، وقد تحقق، وبنجاح كبير، «قال هيكل قبل أن يطرح السؤال الذى جاءت الإجابة عليه فى الشهور التالية، وصولا إلى العشرين من يناير من العام الجارى، مع مرور العام الأول على وصول أوباما إلى البيت الابيض: «ولكن المسألة هل نريد خطابا يمس الوجدان أم خطابا يمكن أن نناقشه بالعقل؟» وكما نقلت «الشروق» عن هيكل فى الحديث المنشور الجزء الأول منه، فى العدد 128 الصادر فى 8 يونيو «فبصرف النظر عن الأمور العامة التى تناولها الخطاب، فإذا جئت إلى المسائل الأساسية فلن تجد جديدا. ركز على قضايا الشرق الأوسط، سواء مواجهة إيران أو بقايا المعركة ضد التطرف أو حل القضية الفلسطينية. فمثلا يقولون إنه أول من قال بحل الدولتين. ليس هذا صحيحا على الإطلاق. كانت المرة الأولى لحديث الأمريكيين عن حل الدولتين فى نوفمبر 2001، فى خطاب لكولن باول فى جامعة لويس فيل، فى كنتاكى، وفيه تكلم «باول» عن حل دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية، يعيشان جنبا إلى جنب داخل حدود معترف بها. ليس هناك جديد هنا؟ لكن يقال لنا إنها أول مرة يعترف فيها رئيس أمريكى، فهذا ليس صحيحا، وفى كل مرة يقال هذا أول رئيس أمريكى يقول بحل الدولتين. وأضاف: «يقولون إن أوباما قال كلاما مهما فى شأن القدس. لم يقل أى شىء جديد فيما يتعلق بالقدس، وإنما كرر ما قيل كثيرا من قبل حول لقاء أبناء إبراهيم. ففيما يتعلق بنا قال شعرا، وفيما يتعلق بإسرائيل تحدث بوضوح عن صداقة دائمة لا تهتز، وعن رقم لا يقبل المناقشة أو الجدل، عن 6 ملايين يهودى ضحايا الهولوكوست». وفى الجزء الثانى من الحديث الذى نشرته «الشروق» فى 9 يونيو فى عددها 129، لفت المحلل السياسى الأبرز فى العالم العربى إلى أن حديث أوباما فى خطاب جامعة القاهرة عن الحديث مع حماس لم يكن بالضرورة أمرا محدثا بالمعنى الحقيقى للكلمة. «لم يكن هناك باستمرار إنكار لوجود لحماس، فليس إنكار حماس هو المسألة، وإنما مطالبة جميع الأطراف لها، بمن فى ذلك الأوروبيون. بأن تعترف بإسرائيل وبأن تقبل بالالتزامات التى قبلت بها السلطة الفلسطينية، ويقال لهم إنكم إذا ما قبلتم بذلك، فقد صرتم طرفا شرعيا. أما حماس فقد ردت: لو قبلنا بهذا لما عدنا حماس، أنتم تطالبوننا بأن نتخلى عن هويتنا. ليس فى هذا جديد إذن، فما أنت بصدده فى الحقيقة هو مجرد تعبيرات مختلفة بقصد التأثير، وفى مجال التأثير أعتقد أن أوباما حقق نجاحا مهما». فى نفس الجزء، لفت هيكل أيضا أن أوباما، وبالرغم مما أثير فى أعقاب خطاب جامعة القاهرة، «ليس أول من قال بأنه ليست هناك ضربة وشيكة ضد إيران، فبوش قال ذلك قبل أن يترك الحكم». ما طرحه أوباما فى جامعة القاهرة، حسبما أشار هيكل بعد أيام من خطاب جامعة القاهرة فى يونيو من العام نفسه كان بالأساس جزءا فى سلسلة متواصلة للترويج للسياسة الأمريكية. «ما شاهدناه فى الأيام الأخيرة كان فى الحقيقة هو مهرجان الترويج الثالث للسياسة الأمريكية. كان مهرجان الترويج الأول فى 1974، وجاء نيكسون إلى القاهرة لتغطية أمرين، أولهما هو فضيحة ووترجيت، وثانيهما التحول الجذرى الذى جرى وقتها فى السياسة والتوجهات المصرية. المقصود من المهرجان هو التغطية على ما جرى قبله من تدمير للعراق، وإعادته إلى العصر الحجرى، على حد قولهم، والهدف الثانى أن يفتح الباب أمام إعادة انتخاب بوش الأب لولاية ثانية، وهو ما لم ينجح فيه»، قال هيكل. وأضاف: «المهرجان الثالث هو ما جرى هذه الأيام، ونحن إذا ما عملنا على فرز ما هو متعلق بالتاريخ، وما هو متعلق بالدبلوماسية العامة وبالعلاقات العامة، وتنحيتها جانبا، لرأينا أين هو بالضبط التغيير الذى يتحدثون عنه. هناك وعد بالتغيير، ولكن لا يمكنك أن تتحدث عن تغيير دون أن توضح لى ما هى آفاق ذلك التغيير. يقول بدأنا صفحة جديدة فى العلاقات، ولكن صفحة جديدة لا يمكن أن تلغى كل ما فات، تتحدث عن صفحة جديدة فى العلاقات، والقضايا كلها مستمرة، وتطالبنى فى الوقت نفسه بأن أنسى كل ما عانيته، وكل ما اتفق عليه، وأن أبدأ بداية جديدة، بداية لماذا بالضبط؟». خطاب أوباما كما قال هيكل لم يكن بالضرورة موجها للعالم الإسلامى كما تم الترويج له فى حينه، بل «هو فى الحقيقة موجه لجزء من العالم العربى، موجه لتغطية المعتدلين فى العالم العربى، وتحديدا مصر والسعودية والأردن، لكى يتولوا القيام بمهام معينة فى المرحلة القادمة». هيكل شرح أن «القصد الرئيسى للخطاب كان لتقديم غطاء للمعتدلين العرب لكى يكملوا ما أرادته منهم إدارة بوش، وطلباتها منهم كثيرة. العرب المعتدلون أمامهم مطالب أمريكية كثيرة، عليهم مطلب تسوية نهائية بأى شكل للصراع العربى الإسرائيلى، أو النزاع الفلسطينى الإسرائيلى كما يسمونه الآن. وعليهم مطالب فى العراق تمكن الأمريكان من انسحاب آمن من المدن يضمن بقاء بترول العراق فى أيديهم. وعليهم مواجهة إيران فى المنطقة، وفى إيران نفسها إن أمكن. قائمة المطلوب منهم كبيرة، وكله فى مقابل ضمانات لا أعرف ضمانات لمن ولماذا؟». متوقعا ما هو آت بل ما أتى بالفعل قال هيكل: «دعنى أقول لك ما أعتقد أننا سنفعله. سنتحرك، فهذه الخطابات كلها تستهدف الدفع نحو حركة. الخطاب السياسى مقصود به جمهور معين، يقصد منه التأثير فى لحظة معينة حتى يتسنى فتح المجال أمام تحرك ما. الخطاب سينسى، ولكن المهم هو ما سيسفر عنه من حركة، وفى هذا فإننا نحن المقصودين بالتأثير، وسنتحرك لنبحث ما يمكننا أن نعطيه، فهذه شيمة الضعفاء، ليس أمامهم إلا أن يعطوا. تأتى المهرجانات لتفتح أمامك الأبواب حتى تستمر تسلك نفس الطريق». كما لفت هيكل إلى أن أمريكا ستصر على انخراط عربى واسع فى التعامل مع الأزمة المتعلقة بالرغبة الإسرائيلية فى تحجيم إيران، وقال «المنظور الأمريكى يقوم على تصدير الأزمة للعرب، تحويل الصراع إلى صراع محلى.. تحارب إسرائيل إيران سيوجد مشكلات لا حد لها، مضيق هرمز سوف يغلق، البترول قد يتوقف، المنطقة تقارب درجة الغليان. إذن اترك إيران لأهل المنطقة يحاربونها، وبمعنى أدق، دع أهل السنة يحاربون أهل الشيعة. اعمل على نوع من تأميم الصراعات، ملكها لأصحابها». «العالم الإسلامى لم يكن أكثر من مجرد عنوان للخطاب. آمل أن تكون الدول الثلاث المعنية بالخطاب، أى مصر والسعودية والأردن، قد طلبت من أوباما دليلا أو إشارة إلى التعبير الأمريكى الشائع: لا تقل لى شيئا ولكن دعنى أرى»، قال هيكل. «مرة أخرى أكرر، هو نجم بديع، ولكن القضية هى أن يتحول النجم إلى قوة فعل حقيقية»، قال هيكل، مضيفا أنه ليس بالضرورة من إمكانية أن يقدر أوباما إلى التحرك نحو فعل التغيير فى الولاياتالمتحدةالأمريكية وإن كان هناك «رجاء فى إمكانية أن يفعل» أوباما ما يحقق التغيير فى السياسات ليتجاوز مرحلة التغيير فى التعبير. «أن تدرك أمريكا أنها محتاجة للتغيير، فهذا أمر جيد، ولكن عليها أن تدرك أن التغيير المطلوب لا يمكن أن يقتصر على التغيير فى التعبير فقط. نحن فى انتظار شىء آت، ولا نعرف ما إذا كان أوباما سينجح أم لا». وبعد عام كامل من وصول أوباما للحكم، تحدث محللون وساسة ليتفقوا مع ما رآه هيكل قادما فى الشهور الأولى لحكم الرئيس الأمريكى الذى وصل إلى البيت الأبيض مع موجة عاتية من التفاؤل لا يخفى الكثيرون أنها بدأت تخبو. مقالات للرأى وتقارير من عواصم عالمية وإقليمية، وعلى رأسها واشنطن، وتحاليل إخبارية خلصت بالضبط إلى ما توقعه هيكل فى الشهور الأولى لحكم أوباما. مقالات أخرى من واشنطن كما من عواصم غربية أخرى رصدت تحركا غير قابل للاحتواء من قبل اليمين الأمريكى، سواء داخل الكونجرس أو خارجه ضد أوباما. بعض من أبرز المحللين الأمريكيين توقع أن تفصح مذكرات أوباما يوما عن عام أول بالغ الصعوبة فى البيت الأبيض أمضاه الرئيس الأمريكى فى التعاطى مع كونجرس غير راغب بالضرورة فى التحرك نحو التغيير الذى وعد به الرئيس الأمريكى صاحب الكاريزما المذهلة. كتاب ومحللون فى جريدة الأوبزرفر البريطانية تحدثوا باستفاضة عما وصفوه بالحملة المتصاعدة لليمين الأمريكى ضد الرئيس الأمريكى على خلفية قضية الرعاية الصحية التى تمثل القضية الأهم على أجندة المجتمع الأمريكى فى الوقت الراهن والبعض منهم توقع استمرار الحملة فى تقويض الصلاحيات المحدودة للرئيس الأمريكى فى إحداث تغييرات حقيقية فى السياسات على الصعيد الداخلى كما على الصعيد الخارجى. الصحف ومحطات التلفزة الأمريكية، كما أفادت تقارير «الشروق» من واشنطن، أشارت إلى الانخفاض الصادم فى معدلات القبول والشعبية للرئيس الأمريكى حيث هبطت من نسبة الذروة المسجلة فى فبراير 2009 عند 76% إلى 48% فى ديسمبر من العام نفسه حسب استطلاعات شبكة «سى. إن. إن» الإخبارية التليفزيونية. الخبراء الأمريكيون أرجعوا هذا الهبوط الحاد إلى استمرار تدهور الأداء الاقتصادى الأمريكى، رغم تحسنه النسبى خلال الشهور الأخيرة. التقييم الخاص بما حققه أوباما فيما يخص التعامل مع قضايا العالم الإسلامى كان الأكثر إحباطا ربما. المحللون فى العديد من العواصم العالمية أشاروا إلى أن قرار الرئيس أوباما بإرسال 30 ألف جندى إلى أفغانستان جاء صادما للعديد ممن انتخبوه من الأمريكيين، وذلك نظرا لرفعه شعارات ضرورة انسحاب الولاياتالمتحدة من مناطق الصراعات العسكرية. وبالرغم من أن 51% من الأمريكيين عبروا عن موافقتهم على إرسال المزيد من الجنود، إلا أنه كان هناك انقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين لدعم قضية إرسال المزيد من الجنود، حيث وافق 42% فقط من الديمقراطيين على إرسال الجنود، فى حين وافق 68% من الجمهوريين على نفس القرار طبقا لشبكة «سى. بى. إس» الإخبارية. فى الوقت نفسه، الساسة والمحللون فى العالم العربى، اتفقوا فيما يبدو على أن الشعور ب«خيبة الأمل» هو العنوان الأكثر دقة للعام الأول لأوباما فى الحكم. آمال تحقيق السلام فى الشرق الأوسط انخفض سقفها إلى آمال إطلاق التفاوض الفلسطينى الإسرائيلى دون تحقق هذا الحد المنخفض من التوقعات. الكثير من الساسة الفلسطينيين بمن فيهم من الدوائر المباشرة والفاعلة فى السلطة الفلسطينية وآخرون فى العواصم العربية الثلاث الأكثر قربا من واشنطن: القاهرة والرياض وعمان تحدثوا دون مواربة عن تراجع الرئيس أوباما عن موقفه الداعى لتجميد الاستيطان بصورة كاملة فى الضفة الغربيةوالقدس. وفى دوائر أخرى للدبلوماسية العربية اقترنت إشارات التعبير عن الإحباط من غياب التغيير الموعود بإشارات إلى إشارات حول تعهد الإدارة الأمريكية باستخدام حق النقد الفيتو فى مجلس الأمن لمنع إقرار تقرير الأممالمتحدة حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. نفس القدر من الإحباط ربما بدرجة أقل انسحب على التقييمات التى نشرها كبار المحللين السياسيين حول العالم فيما يتعلق بتعامل أوباما مع الملف العراقى. أوباما مازال، على حد ما قاله نخبة من المحللين الأمريكيين والأوروبيين فى مقالات منشورة فى أبرز الصحف الدولية، مازال بالرغم من كل شىء يردد نفس رسالة القاهرة، ولو بصياغات مختلفة وربما أقل حماسا. غير أنه، وكما يلاحظ هؤلاء المحللون وبالتأكيد كما أشار هيكل فى مرحلة مبكرة جدا، أن آليات تحقيق هذا التغيير مازالت غائبة. الرسالة الأساسية التى حملها أوباما إلى الجمهور الذى احتشد للاستماع إليه ولشعوب الشرق الأوسط التى استقبلت هذا الخطاب بحماسة كبيرة بدت مباشرة وواضحة فى دعوتها للبحث «بداية جديدة بين الولاياتالمتحدة والمسلمين حول العالم، استنادا إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل». اليوم لا يبدو أن كثيرين سواء من المتحمسين لخطاب أوباما أو المتشككين فيما قال من يستطيع الدفاع عن سجل إنجازات العام الأول لواحد من أكثر الرؤساء الأمريكيين حيوية وشعبية. الأكثر تفاؤلا بين المراقبين والمتابعين أعرب عن الأمل فى أن يأتى نهاية العام الثانى لأوباما فى الحكم وقد استطاع الوصول إلى إقناع الكونجرس بتحقيق تغييرات يريدها فعلا على الصعيد الداخلى وتغييرات يبدو مستعدا للاستمرار فى الحديث عنها، أو حتى الدفاع عن جدواها، على الصعيد الخارجى.