** حوادث ومحاولات الانتحار لفتت الأنظار سواء بما ينشر في الصحف.. أو ما تقدمه الفضائيات من تغطية ربما للطريقة التي اختارها هؤلاء اليائسون للتخلص من أمانة الحياة.. ولأن الأسباب في النهاية لا تكفي لاتخاذ هذا القرار.. وتجعلنا ندخل دوامة.. شخص ينتحر كل 40 ثانية.. وان دائرة المستهدفين تضم أساسا الفئة بين 15 و44 عاما.. أي قوة العمل الرئيسية التي يعقد عليها المجتمع والأسرة ما يستلزم التضامن الديني والمجتمعي للمواجهة والسعي لتقليص اعداد من هم داخل الدائرة.. خاصة ان وجد هؤلاء الأشخاص من يتحدثون اليهم ويكشفون لهم أسرارهم ومتاعبهم.. ويقتنعون بأن قليلاً من المساعدة كافية للبعد عن مثل هذا القرار الذي يثير الأسي والحزن بين العائلة أولا.. ثم المجتمع المحيط.. فالمتخصصين في المرض والعلاج. ** صحيح ان العالم قد يعتقد بأنه أرضي ضمير الساكنين فيه بتخصيص اليوم العالمي لتجنب الانتحار الذي تتبناه الرابطة الدولية لمنع الانتحار.. ولكن في مثل هذه الظواهر.. الجهد الفردي لا يكفي ولا يعد الأمل المنشود.. الرابطة المذكورة نجحت في الحصول علي الاعتراف وتسجيله علي قائمة الأيام التي تنوء بها اجندة العالم من يوم محو الأمية إلي يوم الأرض.. ولكن لابد من منظمة مليئة.. عالمية مليونية مثل الصحة العالمية.. ولكنها تنوء بالأعباء الصحية للبشر وردع خطر الأوبئة والأمراض المتوطنة هنا وهناك من التيفود والملاريا حتي أنفلونزا الطيور والخنازير وما يستجد.. وربما جاءت هذه المهمة مقحمة للصحة العالمية علي الرغم من تسبب الانتحار في وفاة مليون شخص سنويا لأن لها أصلها الديني وهو الانصات لوساوس الشيطان اللعين.. الذي يشجع المرء علي ارتكاب الخطأ والرذيلة وأيضا يزين له الهروب يأسا من الحياة ويغويه بأن الانتحار وسيلة مثلي لكي ينفض الشخص العازم علي ذلك يديه من هذا الخطر.. والعجز الذي يحيط به.. فيتخذ القرار في كهف الانطواء والوحدة والشك.. ولا يدرك ان رسالة يتركها تجدد المواجع والآلام للأسرة والأحباب ولا تكفي أبدا للتبرير أو شرح الأسباب أو اطفاء لهيب النيران في القلوب. ** من المهم تماما أن يكون حائط الصد الأول هو الخطاب الديني الذي يشجع علي التفاؤل ويحارب اليأس.. ويكشف لنا في لحظات الضعف والخوف والتردد ان الله فطر عباده علي الأمل وهو صنو للحياة والعمل وإذا كان الرسول الكريم يدعونا إلي غرس فسيلة في الأرض.. والقيامة تقوم.. فمابالنا ونحن في عصر توالي الحضارات وتتابع الانجازات والمبتكرات.. ينطلق المرء من ان الأمل رصيد ثقة وسلاح للتغلب علي الصعاب.. قد تبدو شرسة اليوم ولكنها تخف غدا ثم تمضي لتترك لنا ثمار تجربة المواجهة التي تفيد الانسان في رحلة حياته.. وتحقيق حلمه في الوعد والمكانة والمقدرة كما ان اداء العبادات في موعدها ومكانها بالخشوع المطلوب.. هو تجسيد لأمل الحصول علي عفو الله سبحانه وتعالي ومغفرته والتمتع بنعمه.. وبالمقابل نستطيع اعتبار الاكتئاب وإدمان المخدرات المدخل الطبيعي لفكرة الانتحار وسيطرتها علي الضحية. ** من المهم اذن تكاتف الهيئات الدينية ضمن الحوار الحادث بينها للتصدي للانتحار فكرة وفلسفة وخياراً.. وهزيمتها ومطاردة فلولها.. خاصة ان الرابطة العالمية تطرح شعارا.. منع الانتحار من المهد الي اللحد.. والصحة العالمية تنبه إلي الأرقام الموجودة تعكس عدد الذين نجحوا في الخروج من الحياة إلي الانتحار.. ولا تتضمن الذين تم انقاذهم.. أو قابلوا رجل خير نجح في زراعة الأمل وأقنعهم بالخطيئة الكبري التي كانوا يعتزمون ارتكابها.. وتقول ان 3 آلاف شخص ينجحون في الانتحار يوميا في أنحاء العالم.. وشهدت معدلات الانتحار نسبة زيادة مقدارها 60% خلال الخمسين عاما الأخيرة.. والانتحار أحد الأسباب الثلاثة الرئيسية للوفاة لمعدل العمر "44.15 عاما من الجنسين" وان كان الرجال الأكثر اقداما.. كما تمثل الاضطرابات النفسية خاصة الاكتئاب وتعاطي المخدرات أكثر من 90% من هذه الحالات ويرتبط باتخاذ القرار العجز المادي.. الفشل والصدمة فيمن يحب. ** بالنسبة لوسائل انهاء الحياة.. والتي تتركز عندنا في القفز من مكان عال.. أو الشنق داخل مكان مغلق.. أو في سطح أحد الكباري علي النيل.. أو الغرق.. أو قطع الشرايين.. وتناول أيضا المبيدات الحشرية والإفراط في تناول أدوية الأعصاب والمهدئات والمسكنات.. وقد يفطن بعض المنتحرين الي وسيلة ما تثير من حولهم اللغط والنقاش والتعجب.. أملا في يقظة ضمير متأخرة.. ولكن الصحة العالمية تتوقع ارتفاع عدد المنتحرين إلي 1.5 مليون شخص.. ما لم ينجح جهد الأسرة العالمية في تغيير المفاهيم السائدة والمبررات التي تشجع البالغين علي الانتحار.. والغريب ان القائمة تضم فئة الأكبر سنا "60 عاما وما فوق" ويتواكب انهاؤهم لحياتهم مع افتراض الحصاد وجني الثمار والأرباح.. وارتكاب مثل هذا الشخص الانتحار وهو يدرك بأنه قد أدي رسالته في الحياة يحتاج إلي فحص مجهري للأسباب الكامنة.. والتي قد يجمع بينها الوحدة.. بعد زواج الأبناء ورحيل الزوجة.. ونسيان الجميع للأب إلا في مناسبات قليلة لا تكفي لبعث الدفء في رياح المنزل الباردة. ** ورغم ان أكبر معدلات الانتحار عالميا سجلت في أوروبا الشرقية علي الرغم من خروجها من الستار الحديدي الي جنة الاتحاد الأوروبي.. إلا جنوب شرق آسيا تخطي بنسبة عالية.. خاصة اليابان "60%" نظرا لتقاليدها الخاصة في تقديم الانتحار عقوبة علي الفشل.. أو للتسبب في كارثة.. ولكن هل يفسر ذلك ارتفاع معدلات الانتحار في دول رأسمالية وصناعية متقدمة مثل استراليا وبلجيكا والدانمارك وفنلندا وسويسرا والولايات المتحدة.. وتقل في أمريكا اللاتينية "لبساطة الحياة" في الدول الاسلامية لتصالح فئات المجتمع مع الدين وتعاليمه.. وايمانهم بأن الصبر علي المكاره.. والتصدي لها.. طريق إلي الجنة. كما انه علي الفرد التعامل مع الحياة علي انها ليست نهاية المطاف.. فهناك الدار الأخيرة.. وجنتها وعذاب نارها.. وفقا لكتاب كل شخص الذي سجلت فيه الملائكة كل خردلة والمؤمن لا يخطر الانتحار في باله قط.. لأنه يعلم بأنه معرض للابتلاء.. ويتعامل معه علي انه اختبار من الله سبحانه وتعالي.. ولا ييأس أبدا من رحمة الله.. وينشد عدله ورحمته.. ولعله مع اقتراب شهر رمضان المبارك.. بما يحمله من فيض خير ورحمة.. فرصة لغسيل الروح وتطهير البدن يستعيد فيها دروساً تركتها المسلمون الأوائل.. وغرس في السلوكيات الاجتماعية والأخلاقية.. سهلة الفهم أمام من يرغب.. تعين المرء علي إعادة توصيل شريان العزيمة والإرادة.. وتحصين النفس واستكشاف قوتها.. تترك الهرب جانبا.. وتسعي للتغلب علي اليأس.. والنهوض من بئر الفشل.. ويتراجع مؤشر الانتحار إلي الخلف.. ويتوقف بهذه العزيمة عند الصفر.